إيران بعد الأسد؟ هل بدأت أحجار الدومينو بالسقوط؟
تاريخ النشر: 12th, December 2024 GMT
شكل سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، الذي كان يعد حجر الزاوية لحزب الله وحماس وأحد أبرز مواقع النفوذ الإيراني في المنطقة، ضربة قاسية لما يعرف بـ "محور المقاومة". هذه الخطوة تأتي بعد سلسلة من الانتكاسات التي أصابت هذا التحالف، مما يطرح السؤال البديهي: هل انهار "المحور" وسقطت إيران بسقوط الأسد؟
لطالما وصف الأمين العام السابق لحزب الله، حسن نصر الله، صمود نظام الأسد، وعدم "وقوع سوريا بيد الجماعات الإسلامية المتطرفة"، بأنه الضمانة لاستمرار "النضال من أجل القضية الفلسطينية"، على حد تعبيره، باعتبار الأراضي السورية المتنفس الذي يمد حزب الله بالسلاح.
وعلى مدى سنوات، لم تبخل إيران وحزب الله، إلى جانب روسيا طبعًا، بدعم نظام الأسد لئلا ينهار، فقد أنفقت طهران ما بين 20 و30 مليار دولار لدعمه. غير أن سقوطه السريع فجأة، بعد أيام من خروج حزب الله من حرب ضروس خاضها في وجه إسرائيل، طرح علامات استفهام مشروعة حول الدور الإيراني الذي ستلعبه طهران في المنطقة، وعن قدرة حزب الله على استعادة عافيته بعد خسائر مادية وبشرية تكبدها، وعن موقف حماس في المفاوضات.
في هذا السياق، علّق المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية، علي خامنئي، يوم الأربعاء بالقول إن "سقوط نظام الأسد لن يضعف إيران"، مشيرًا إلى أن طهران قدمت له الدعم الاقتصادي والسياسي والعسكري، مفسرًا ما حدث في سوريا بأنه "نتاج لمخطط إسرائيلي وأمريكي مشترك" جرى بدعم "من دولة مجاورة لسوريا".
كما قال الحرس الثوري الإيراني، إن استغلال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لسقوط الأسد للحديث عن "وجه جديد للشرق الأوسط" ما هو إلا حرب نفسية.
Relatedسوريا على مفترق طرق.. أي مصير ينتظر البلاد ومن الرابح والخاسر بعد سقوط الأسد؟ 112 مليون دولار.. قيمة الأصول السورية المجمدة في سويسرا بسبب العقوباتنهاية الأسد تغير قواعد اللعبة.. السقوط المفاجئ ماذا يعني للحليف الروسي؟"موسكو أدت قسطها للعلا"... الأسد نُقل بطريقة "آمنة" إلى العاصمة الروسية ومسؤول يؤكد أنها لن تفرط فيهيقول حشمت الله فلاحت بيشه، وهو عضو سابق في البرلمان الإيراني، لـ"يورونيوز" إن سقوط نظام الأسد في سوريا "لم يكن مفاجئًا لكل من قرأ التطورات الأخيرة، فقد أصبح النظام متهالكًا، خاصة في ظل سعي دول أجنبية لتحقيق مصالحها ا أيضًا"، مشيرًا إلى أن إيران اتبعت سياسة "عدم التدخل" وكانت برأيه سياسة جيدة.
في المقابل، يقول أفشار سليماني، سفير إيران السابق في أذربيجان ومحلل العلاقات الدولية لـ"يورونيوز" إن طهران لم تكن تتوقع أن يسقط نظام الأسد بهذه السرعة، عكس روسيا التي كانت على علم بالأحداث، "لذلك كانت إيران عاجزة لأن موسكو لم ترد دعمه، وجيشه لم يرد أن يدعمه هو الآخر".
ويضيف سليماني لـ "يورونيوز"، أن إيران كانت أمام واقع ضاغط، فأوكرانيا كانت أولوية لروسيا، ومن ناحية أخرى، "ربما رغبت روسيا في إرضاء الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب لأخذ مكاسب في أوكرانيا" حسب قوله.
ويؤكد سليماني "ما جرى في سوريا كان لصالح وباتفاق بين جميع الأطراف سوى إيران ومحور المقاومة وبشار الأسد".
من جهة ثانية، يحاول بعض المحللين السياسيين أن يلوحوا بأن إيران تخلت عن الأسد مقابل مكسب معين، دون التوضيح ما هو المكسب.
غير أن حشمت الله فلاحت بيشه يستبعد أن تكون إيران قد قامت بصفقة، أما سليماني فيقول بأنها فوجئت بما حدث، وغدا الرضى بالأمر الواقع، لاسيما بعد إنكفاء روسيا كان أمرًا لا مهرب منه.
ما هي الأفق الإيرانية مع هيئة تحرير الشام؟وعن ربط سقوط الأسد بسقوط "المحور"، يقول بيشه إنه لا يعتبر سقوط الحكومة السورية فشلًا "للمحور". الأمر وما فيه هو أن على إيران التعامل مع حكومة أقليات في سوريا، وثقافة العداء لإسرائيل هي تيار موجود في كل من لبنان وفلسطين، لذلك لا يمكن ربط زوال المشروع بانهيار الأسد.
ولا ينفي بيشه أن بين نظام الأسد وحزب الله تعاونًا، لكنه يلمح إلى أن القضية الفلسطينية تمثل اهتمامًا لبعض الجماعات السورية التي أطاحت بالأسد. ويشير إلى وجود "نقاط مشتركة بين إيران وهذه القوات السورية"، لافتًا إلى أن طهران قد تنشئ علاقة مع هيئة تحرير الشام في المستقبل.
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية اغتيال وإعدامات وسرقات.. هل دخلت سوريا مرحلة الفوضى وتصفية الحسابات؟ ماذا نعرف عن محمد البشير رئيس الحكومة المكلّف من قبل هيئة تحرير الشام في سوريا؟ إطلاق سراح مغني الراب الايراني توماج صالحي بعد إلغاء حكم سابق باعدامه بشار الأسدإيرانإسرائيلالحرب في سورياعلي خامنئيحزب اللهالمصدر: euronews
كلمات دلالية: سوريا إسرائيل بشار الأسد روسيا دونالد ترامب إسبانيا سوريا إسرائيل بشار الأسد روسيا دونالد ترامب إسبانيا بشار الأسد إيران إسرائيل الحرب في سوريا علي خامنئي حزب الله سوريا إسرائيل بشار الأسد إسبانيا روسيا إطلاق نار غزة قتل دونالد ترامب قطاع غزة فلاديمير بوتين قصف یعرض الآن Next سقوط الأسد نظام الأسد سقوط نظام فی سوریا حزب الله إلى أن
إقرأ أيضاً:
هل تورطت دول المنطقة أم وُرِّطَت؟
د. عبدالله باحجاج
القاعدة المعاصرة لكل دولة عربية أو خليجية تكمُن الآن في أنه يستوجب عليها تأسيس ثقتها بمستقبلها بمعزلٍ عن أي شريك أو حليف أجنبي، وأن أي تحالف أو تكتُّل ثنائي أو جماعي ينبغي ألا يأخذ صفة الحصرية في الاعتماد عليه، ولا يمكن الثقة فيه مهما كانت التفاهمات والعلاقات التاريخية العميقة، وأن تكون الحصرية داخلية بامتياز، وهذه القاعدة تُنضجها الآن كل التجارب التي تمر بها دول المنطقة دون استثناء، وهنا نستشهد بتجربتين وباختصار.
أولا: التجربة السورية:
اعتمدت سوريا في عهدي الأسد (الاب والابن) على القوى الأجنبية بصورة حصرية على حساب داخلها، وبالذات روسيا التي كان وقوفها إلى جانب نظام بشار الأسد في الثورة السورية منذ مهدها عام 2011، فوق التصوُّر ضد الثورة والمعارضين، بسبب أنها كانت تعتبر بقاء نظام الأسد مُتعلقًا ببقاء نفوذها في الشرق الأوسط، وذلك بهدف تحقيق مصالحها على المستوى الجيوسياسي، مُستفيدةً من موقع سوريا الاستراتيجي المُطِل على البحر الأبيض المتوسط. وحسب مركز جسُور الدراسات (مقره تركيا)، فقد بلغ عدد المواقع العسكرية للقوى الخارجية في سوريا حتى منتصف 2023، نحو 830 موقعًا عسكريًا، 105 منها مناطق تحت السيطرة الروسية، وتتوزع بين 20 قاعدة عسكرية و85 نقطة عسكرية.
ومع هذا كله، سمحت موسكو بسقوط نظام الأسد بصورة درامية لا تعكس تلكم الخلفيات، كما قَبِلَ الغرب والعرب -والخليج في مقدمتهم- بشخصية تأسست بثلاثة مُسمَّيات؛ أولا: رئيس هيئة تحرير الشام (الجهادية)، وثانيا: قائد المعارضة السورية، وثالثا: رئيس الجمهورية السورية العربية، وهو الرئيس أحمد الشرع المعروف باسم (أبو محمد الجولاني). وكفى بهذه التحولات الدراماتيكية في التجربة السورية دروسًا ذهبية للخليج، لفهم المُتغيِّر والثابت في شؤونها الداخلية وعلاقاتها الدولية. وهنا أيضًا راديكالية غربية/ أمريكية في الاعتراف بأي قوة تظهر فوق السطح، مهما كان تاريخها وأفكارها، إذا ما ضمنت مصالحها من خلالها. أمريكا، والغرب عامةً، يفكرون في مستقبل مصالحهم على المدى الطويل الأجل، وإذا ما وجدته في أي قوة داخلية صاعدة، فلن تتردد في مساعدته على النجاح، ومن ثم الاعتراف به. وهنا نتساءل: هل الخليج تورَّط أم وُرِّطَ -أو كلاهما- في التجربة السورية الجديدة؟
هنا ينبغي توضيح مبدأ واستثناؤه، والمبدأ يكمن في حق الشعب السوري الشقيق أن يكون له نظام عادل يحترم حقوق وحريات مواطنيه، ويؤمِّن لهم كرامتهم في العيش الكريم داخل وطنه، وهذا ما تتجه إليه الآن سوريا في عهدها الجديدة، فكل ما يصدر عن الإدارة السورية الحاكمة برئاسة الشرع (الجولاني) يسير باتجاهٍ مختلف عن نظيراتها العربية؛ فهو يسعى لتأسيس دولة المؤسسات والقانون واستقلالية القضاء وعدالته، ودولة التداول السلمي للسلطة. أما الاستثناء، فيكمُن في حالة الإلهام الذي تستقبله الجماعات الأيديولوجية في المنطقة من تجربة وصول الجماعة الأيديولوجية السورية للحكم، وقبلها حركة طالبان وجماعة أنصار الله (الحوثي) في اليمن.
هنا تجد دول المنطقة في تحديات غير مسبوقة؛ إذ من خلال هذه التحديات لا يُمكن أن تظل مُتمسِّكة بخياراتها السياسية والاقتصادية والمالية دون تحليل التجربة السورية الجديدة وانعكاساتها عليها؛ لأننا نعتبرها كصيرورة لن يقتصر تأثيرها على الجغرافيا السورية في حالة نجاحها، وإنما ستُغيِّر المفاهيم وتُعجِّل بنضوج القناعات الفكرية للديموغرافيات والقوى الفاعلة داخل المنطقة، ولعل أبرزها -كما أشرنا إليها في مقال سابق- نضوج "أسلمة" السُلطة السياسية كقائدة لتحقيق العدالة والتنمية وتوزيع الثروات بشفافية ورقابة المؤسسات.. إلخ.
ثانيًا: انقلاب الأمريكان والصهاينة على العرب: إذ كيف يُمكن وصف مقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أثناء استلامه الحكم في بلاده بتهجير سكان قطاع غزة إلى مصر والأردن، وموقف الإرهابي مجرم الحرب نتنياهو من إقامة دولة فلسطينية على أراضي المملكة العربية السعودية كونها شاسعة، ردًا على موقفها المُتجدِّد من حتمية إقامة الدولة الفلسطينية، ورفضها تهجير سكان قطاع غزة خارجه؛ فالحليف الأمريكي ومن يدعمه، لا ضمانة ولا أمن ولا أمان لهم، بحكم نصوص دينية وتجارب تاريخية، وسنكتفي اختصارًا بالأولى كقوله تعالى: "وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ" (البقرة: 120). والنص القرآني هنا واضح، وإسقاطاته المعاصرة في ضوء ما سبق ينبغي أن تكون واضحةً سياسيًا الآن، وإلّا فكيف يكون الحليف أو الشريك طامعًا في أراضي وثروات حليفه أو يضعُهم في موقفٍ مُلتبسٍ مع شعوبهم، هذا أقل ما يمكن وصفه على الأقل!
هنا نجد التساؤل يتكرر معنا مُجددًا: هل وُرِّطَت أم تورَّطَت الدول العربية في رهاناتها على الأمريكان ومن ورائهم الصهاينة؟ لأن أطماعهم فيها قد انكشفت الآن، وهنا ندعو دول المنطقة إلى تحليل التجربتين سالفتي الذكر، وأي تحليل سياسي موضوعي ستخرج منه الدول العربية بالنتائج التالية: ليس هناك من خيارٍ سوى إعادة النظر في خياراتها الداخلية الجديدة باتجاه تعزيز مفهوم الدولة الوطنية القوية الضامنة لحقوق وحريات شعوبها، خاصةً في مجال العيش الكريم بمؤسسات تُديرها سلطات واعية، ليس مهمتها صياغة استراتيجية ذكية واستصدار سياسات وقرارات من خارج الصندوق فحسب، وإنما الإجابة على تساؤل: ما نتائجها أو تداعياتها مسبقًا؟ ودون ذلك، فقد ترتد خيارتها على مفهوم الدولة الوطنية القوية دون العِلم المُسبق بالمآلات (نتائج وتداعيات)، ونُكرِّر في هذا السياق ما نُعلي من شأنه دائمًا، وهو من مُسلَّماتنا المطلقة، وهو أن التوترات والصراعات المقبلة لن تُطلق فيها رصاصة واحدة، وإنما ستقوم على تفكيك مناعة الدولة الأيديولوجية والاجتماعية والسياسية، مهما مارست الدول من سياسة تكميم الأفواه والضغوط القهرية على مجتمعاتها؛ بل سيكون ذلك من تداعيات التعجيل بانتصار الأعداء وكل مُستهدف للدول الآمنة والمطمئنة.
رابط مختصر