فقيدنا الأستاذ محمد إبراهيم خليل
تاريخ النشر: 12th, December 2024 GMT
فيصل عبدالرحمن علي طه
ftaha39@gmail.com
بلغني في فجر يوم الثلاثاء الموافق 10 ديسمبر 2024 نبأ وفاة أستاذنا العالم الثبت محمد إبراهيم خليل في الولايات المتحدة الأمريكية، فلا حول ولا قوة إلا بالله وإنا لله وإنا إليه راجعون.
ينتمي فقيدنا إلى أسرة أنصارية عريقة، فجده لأبيه خليل جمعة كان من أمراء المهدية.
ولد أستاذنا عام 1919 وترعرع في أم درمان، تلك المدينة التي انبثقت منها نهضة السودان في السياسة والأدب والمسرح والرياضة والفن. أكمل الفقيد تعليمه الثانوي بكلية غردون. وبموجب توصيات لورد ديلاوير في العام 1937 بأن تُستغل مباني الكلية لتطوير التعليم العالي، فقد أنشئت في مباني الكلية المدارس العليا. وقد ورد اسم فقيدنا في قائمة القبول للمدارس العليا عام 1941، ضمن قائمة مدرسة الهندسة. وكان من بين من ضمتهم تلك القائمة: محمد عبدالله قلندر، وأبو الحسن محمد صالح، ومصطفى الأمين، والسيد عبدالله السيد، وأحمد دفع الله شبيكة.
ولكن الفقيد آثر الالتحاق بمدرسة العلوم، وعندما سألتُه ذات مرة عن سبب انصرافه عن الهندسة والتحاقه بمدرسة العلوم، قال ضاحكاً بأن ذلك ربما كان بتأثير صديقه أحمد محمد سعد. وقد قُبِل معهما في مدرسة العلوم: عبدالله سليمان، وعبدالعظيم التيجاني، و إبراهيم شبيكة، ومحمد نور عمر اسحق، وعبدالرحمن دياب، ومحمد عبدالمجيد طلسم، ومصطفى حسن أمين.
وبعد دورة تأهيلية في طرائق التدريس والتربية، وعلم النفس في معهد التربية ببخت الرضا، درَّس الفقيد العلوم الطبيعية بمدارس المعهد، وفي المدرسة الريفية بالدويم التابعة للمعهد. ولكنه بعد بضع سنوات غادر سلك التدريس طلباً للعلم بكلية الخرطوم الجامعية لدراسة القانون، حيث نال من خلالها درجة البكالوريوس في القانون من جامعة لندن عام 1954. ونال معه نفس الدرجة كل من أبو القاسم ميرغني وعبدالحليم الطاهر. ومن ثَم عمل أستاذنا بمكتب محمد احمد محجوب للمحاماة. والتحق بعد ذلك بديوان النائب العام الذي ابتعثه إلى جامعة لندن لنيل الماجستير في القانون. وإبان فترة عمله بالديوان تعاون مع كلية الحقوق بجامعة الخرطوم في تدريس مادة قانون الشركات. ومن خلال محاضراته تلك، تعرفنا عليه، وعلى روحه المرحة أحياناً، ووقفنا على تمكنه من المادة ومن اللغة الانجليزية التي كانت تُدرَّس بها. وعندما بِتنا على أعتاب التخرج عام 1964، أصبح أستاذنا أول عميد سوداني لكلية الحقوق. ولكنه لم يبق طويلاً في ذلك المنصب. فبعد ثورة اكتوبر 1964 وعودة النظام الديمقراطي، انخرط الفقيد في العمل السياسي. وخلفه في المنصب لبضعة أشهر الدكتور حسن الترابي، ثم غادر هو الآخر الكلية إلى رحاب السياسة.
بعد انقلاب 25 مايو 1969، غادر أستاذنا السودان إلى زاريا بنيجيريا حيث عمل محاضراً بكلية القانون فيها ثم أصبح عميداً لها خلفاً للدكتور زكي مصطفى. ولا عجب أن نيجيريا قد استقبلت بترحاب مدير جامعة، وعمداء كليات، وأساتذة جامعات، وعدداً من السودانيين من أصحاب التخصصات الرفيعة ممن طالتهم حملة التطهير في بداية عهد مايو.
لم أعرض لسيرة استاذنا الراحل في السياسة السودانية بكل انقلاباتها وتقلباتها. ولربما يفعل ذلك غيري. غير أنني أورد في ما يلي ما صرح به للصحفيين عندما تقدم باستقالته من منصبه كرئيس للجمعية التأسيسية عام 1988. وذلك من منطلق أنها شهادة عصر فقد قال حسب ما نشر:
«إن الأسباب التي دفعته للاستقالة من رئاسة الجمعية كان المباشر منها سلوك بعض النواب غير اللائق في بعض جلسات الجمعية والذي وصفه بأنه يعبر عن عدم احترامهم للمؤسسات الديمقراطية والدستور.....
وقال خليل أن ما كان يجري وراء الكواليس تصرف غير لائق خاصة في الظروف التي تمر بها البلاد والتي تقتضي الوضوح والصدق في التعامل، وأضاف أنه يرغب في أن يطلق "لسانه المعقود" طوال الفترة التي قضاها رئيساً للجمعية».
أسأل الله الرحمة والمغفرة لاستاذنا ولا حول ولا قوة إلا بالله، وكل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام.
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
الحرب العبثية والكسب الحضاري للكيزان !!
كتب الأستاذ الدكتور "احمد محمد احمد الجلي" مقالاً في صحيفة سودانايل الاليكترونية الغراء بعنوان (ليس دفاعا عن الكيزان ولكن إحقاقاً للحق وكشفاً للزيف) يرد فيه على كاتب آخر..والمقال طويل من تسع صفحات حوَت ست آلاف وأربعمائة وتسع عشرة كلمة.
وقد رأينا في مقاله هذا (والحق يقال) دفاعاً مبطّناً عن الكيزان وعن الشيخ حسن الترابي "عليه الرحمة"، عن طريق التغاضي البيّن عمّا فعلوه بالسودان..ونحن نعيش منذ 35 عاما مثخنين بالجراح في وطن مثخن بالجراح من أفعال الكيزان..!
فما تزال دماء أهلنا تسيل وجموعهم تتشرّد في المهاجر (بفضل الكيزان)..وأبناؤنا وبناتنا وأطفالنا وشبابنا ليسوا فقط خارج منازلهم ومدارسهم ومعاهدهم وجامعاتهم؛ إنما أصبحوا جميعاً لقمة سائغة في فاه المجهول بين الجوع والضياع والمهانة..هم وأمهاتهم اللواتي يتعرّضن لما هو أسوأ من كل ذلك..!
لا يمكن يا استأذنا إعفاء الترابي عن أفاعيل الكيزان..فقد كان الرجل كما تعلم بمثابة الحاكم الفعلي مطلق اليد في (عشرية الإنقاذ الأولى) التي تمت فيها اكبر استباحة لكل ما هو قانون وعُرف أو شرف وفضيلة؛ وتمت فيها أسوأ مجزرة لأكثر من ثلاثمائة رجل وامرأة تم تشريدهم من وظائفهم لاعتبارات سياسية بلا وازع من دين أو إنصاف، وبغير مراجعة أو مساءلة أو مقاضاة، ودون اعتبار للوائح الخدمة وتقاليد التوظيف..أو مخافة الله في حياة أسرهم (ومَنْ يعولون)..!
جرى ذلك تنفيذاً لإجراءات (محرقة التمكين) التي لم تراع (إلاً ولا ذمّة) في إقصاء أهل المعرفة وشحن دولاب الدولة بالمناصرين والأنساب والأقارب والأصحاب والنكرات من غير مؤهل أو استحقاق...!
هذا عدا ما شهدته البلاد من مذابح وإعدامات جائرة لأسباب سياسية، أو بسبب احتجاجات سلمية، أو لحيازة أوراق نقدية من حر مال أصحابها..ولن نتحدث عن مخازي بيوت الأشباح والتعذيب الوحشي وانتهاك أعراض النساء والرجال داخلها ودفن المحتجزين تحت الزنازين..ولا تقل لنا أن الترابي لم يكن يعلم بوجود بيوت الأشباح..أو أنه يجهل ما يدور فيها...!
أما طاحونة الفساد التي دارت في تلك العشرية فتلك حكاية عقابيلها عند علّام الغيوب..إذ أن الحديث عنها يبدو في قساوة نحت الصخر بالأسنان أو اقتلاع العيون من محاجرها وسحقها بين أحجار الرحى..!
يعز علينا يا استأذنا إعفاء الشيخ الترابي من هذا الحصاد الدامي المرير وإخلاء مسؤوليته عن كل هذا الذي جرى من الكيزان، الذين تقول انك لا تدافع عنهم..ثم تكيل الثناء على عرّابهم الذي أتى بهم كما ذكرت أنت ورعى تنظيماتهم خطوة بخطوة، وترأس سلطتهم حتى عام 1999. وكانت هذه العشر سنوات هي الأسوأ بين أعوام الإنقاذ الجدباء وسلطة الكيزان الباطشة..رغم أن كل سنواتها كانت من شاكلة السوء (الذي لا يدانيه سوء) في أسوأ نماذج الفساد والاستبداد التي تهدف إلى تخريب البنيان وتدمير المرافق ونشر الجهالة وإطفاء المصابيح واستعباد الأحرار وسحق البشر..!
لقد عبّر الشيخ حسن الترابي عن تأييده ورضاه عن النظام الذي أنشأه بالانقلاب على الحُكم المدني الذي تم بتدبيره من خلال تلك الحركة التمويهية المخادعة بإرسال المخلوع إلى القصر وذهاب الترابي إلى السجن..وقال الترابي عن المخلوع انه هبة السماء لآهل السودان..!
هذا تاريخ قريب شهده الناس..وليس تاريخاً من أيام اسبرطه وطرواده وهيلانه وغزوات الهكسوس..!
لقد رأينا ما حدث من مشروع الكيزان الحضاري..!
بهذا لا يستطيع الشخص ابتلاع ما ذكره الأستاذ الكاتب عن كسب الترابي السياسي في السودان وقال عنه ما يلي:
(للترابي كسبه السياسي الذي تجاوز السودان وأصبح مصدر إشعاع في مختلف إنحاء العالم الإسلامي، ولا ينكره إلا حاقد حاسد أو جاهل) والشيخ الترابي (واحد من أهم الشخصيات السودانية التي لعبت دوراً مفصلياً في تاريخ السودان الحديث وتوجهه الفكري والحضاري)
نحن يهمنا ما حدث هنا في السودان من هذا التوجه الحضاري ..!
ثم يقول الأستاذ الدكتور:
(في السياسة السودانية وضع الترابي بصمات واضحة في إدارة دفة الحكم مشاركاً فيه أو معارضاً خلال الخمسة عقود الماضية)
ويقول :
(نشأت ونمت تحت رعاية الشيخ الترابي عدة واجهات: الحركة الإسلامية، وجبهة الميثاق الإسلامي، والجبهة القومية الإسلامية، والمؤتمر الوطني، والمؤتمر الشعبي. وقد تبنت تلك المكوّنات أفكاراً متطورة في دعم الديمقراطية)..!
ويضيف:
(كانت تلك الحركات الأكثر تقدماً بين رصيفاتها في التأصيل للديمقراطية..وكان ذلك انعكاساً لأفكار الترابي التي تميّزت ليس فقط بتقبله للديمقراطية كوسيلة للحكم بل إصراره على الديمقراطية كأداة للتشريع الإسلامي)..!
هذا لا يمكن ابتلاعه..!
شريعة الإنقاذ بالديمقراطية..؟! أم بالنبوت والكهنوت والنهبوت والطوارئ والقهر وأجهزة الأمن والسياط والتجسس والتلصص وتكميم الأفواه وجلد النساء في الطرقات ومصادرة المال الحلال..في حين تئن خزانة "نائب المرشد" باليوروهات والبنكنوت وباقة العملات الحرة..!
هل هي الشريعة التي أقر المخلوع بعد عشرين عاماً بأنها كانت (شريعة مدغمسة)..؟!
هذا لا يمكن ابتلاعه..!
الأستاذ الدكتور من مؤيدي استمرار الحرب وينفي أنها حرب عبثية ويقول عن مناهضي الحرب إنهم:
(شلة المخذلين والمثبطين الذين ينظرون إلى الحرب بأنها حرب عبثية بين جنرالين يسعيا للسلطة، ومن ثم رفعت تلك الفئة شعار لا للحرب لإيقافها، وغاب عنهم عمداً أو جهالة أن الحرب حقيقة صراع بين فئة تمرّدت على الجيش وخططت للقيام بانقلاب على الدولة وتغيير تركيبتها)..!
لم يقل الأستاذ الدكتور من هو الذي جاء بهذه الفئة المتمردة وسبّح بحمدها وأغدق عليها النياشين والمراتب العسكرية العليا والمواقع الإستراتيجية وهدد بقتل كل من ينادي بحلها وتسريحها..!
هل نذكر لك القوى السياسية والمدنية التي ترفض استمرار الحرب.؟!.أم أن هناك من يرى أن 12 مليون من أبناء الوطن المشرّدين..وعشرات الملايين من المواطنين الذين يموت أبناؤهم وبناتهم وكبارهم وأطفالهم أيضاً من مؤيدي استمرار هذه الحرب التي يرفض الأستاذ الدكتور أن يقول الناس إنها (حرب عبثية)..!
حكمة الله..حتى البرهان يقول إنها حرب عبثية..!
الكيزان (أنصار الديمقراطية) هم الذين قاموا مرة أخرى بالانقلاب على الحُكم المدني ثم أشعلوا هذه الحرب الفاجرة التي أهلكت الحرث والنسل..!
والحُكم طبعاً للقارئ في ما إذا كان مقال الأستاذ الدكتور دفاعاً عن الكيزان أو غير ذلك..!
وفي كل الأحوال: (اللهم لا ترفع للكيزان راية ولا تحقق لهم غاية واجعلهم للعالمين عِبرة وآية)..إنك تعالى قريب مجيب..!
مرتضى الغالي
murtadamore@yahoo.com