المقاومة الشعبية لمشروع الشرق الأوسط الجديد ” الإمبريالى – الصهيونى” من الدعم الرسمى الى الشعبى
تاريخ النشر: 12th, December 2024 GMT
د. صبرى محمد خليل/ أستاذ فلسفة القيم الإسلامية فى جامعة الخرطوم
ملخص المقال :
إن محاولات القوى "المحلية والإقليمية والدولية"، التى تقف خلف مشروع الشرق الأوسط الجديد " إلإمبريالى - الصهيونى "، الرامية لإلغاء إرادة الأمة، قد نجحت تعطيلها على المستوى الرسمى، ولكنها فتحت الباب أمام تفعيلها على المستوى الشعبى ، ومن مظاهره نشوء المقاومة العربية " السلميه والمسلحه " ، لمظاهر ومراحل وأدوات هذا المشروع، منذ بداية تطبيقه .
امام إمكانية تفعيل مقاومة شعبية لهذا المشروع ، مدعومة من شعوب الأمة ، و بالتالى فإن حركتها غير مقيده بالكوابح الداخلية والخارجية لحركه النظم السياسية والدول .
.......
المتن التفصيلى للمقال :
واقع مأزوم كمؤشر- على مستويين- على مرحلة جديدة لمشروع : إن الواقع المأزوم للأمة ، الذى أصبح مهدد وجودى لها ، هو مؤشر- على المستويين الإقليمى والدولى- على مرحلة جديدة ، من مراحل تطبيق مشروع الشرق الأوسط الجديد " الإمبريالى - الصهيونى "، والذى يتم تطبيقه فى المنطقة ، منذ العقد السابع من القرن الماضى ، والذى يهدف إلى الإرتداد بالنظام الرسمى العربى ، من مرحلة التجزئة على أساس شعوبى " إتفاقية سيكس- بيكو ١٩١٦ "، إلى مرحلة التفتيت على أساس طائفى- قبلى، بمحاولة إقامة دويلات طائفية- قبلية، على انقاض الدولة الوطنية العربية، مع بقاءالكيان الصهيونى كحارس للتفتيت ، كما كان فى المرحلة السابقة حارس للتجزئة.
المشروع والحرب العالمية الثالثة والمعركة بين إستخلاف الأمة الثانى والإستكبار العالمى الخامس: وتطبيق هذا المشروع فى المنطقة ، هو مؤشر على بداية الحرب العالمية الثالثة ضد الأمة، كما انه مؤشر على بداية المعركه الفاصله بين الإستخلاف الثانى للامة، والأستكبار العالمى الخامس " الإمبريالى- الصهيونى "، والذى سبقه أنماط أخرى للاستكبار العالمى " الامبراطورى " الرومانى والفارسى" ، " المغولى - التتارى " ، الصليبى، الإستعمار القديم"
تعطيل إرادة الأمة على المستوى الرسمى : وقد نجح هذا المشروع فى تعطيل إرادة الأمة، على المستوى الرسمى، فإرتد بالنظام الرسمى العربى، خطوات تجاه مزيد من التفتيت الرسمى، حتى وصلت
النظم الرسمية العربية- موضوعيا وبعيدا عن الإتهامات الذاتية لها بالعمالة والخيانة - إلى درجة من الضعف، بحيث أصبحت عاجزة عن مواجهة التحديات التى تهدد وجودها ، ناهيك عن تلك التى تهدد وجود الأمة ككل.
التعطيل الإرتدادى للنظام الرسمى العربى: وهذه المرحله يمكن أن نطلق عليها اسم " مرحله التعطيل الإرتدادى للنظام الرسمى العربى ، والتى تأسست على الإرتداد " السياسى " عن الخطوات التى حققتها إرادة الأمة - على المستويين الوطنى والقومى - على المستويين الرسمى و الشعبى،طوال العقدين الخامس والسادس من القرن الماضى، تجاه اهدافها فى الحرية والتحرر الوطنى ، الوحدة والتضامن، والعدالة الاجتماعية والتنمية المستقلة...
نجاح جزئى" التأثير السلبى على قوى المشروع " : غير ان هذا الإرتداد الرسمى، أفرز العديد من الظواهر السالبة ، التى تجاوز تاثيرها السلبى، الواقع السياسى العربى ، الى ذات القوى المحلية والإقليمية والعالمية ، التى تقف خلف هذا المشروع ، ومن هذه الظواهر السالبة :
* الإرهاب الذى ساهمت هذه القوى فى البداية فى نشوء تنظيماته- أو تغاضت على الأقل عنه- لتحقيق اهداف المشروع فى التفتيت الطائفى للأمة ، لكنها فقدت تأثيرها عليها لاحقا، وشكلت تهديدا لمصالحها او وجودها، مما إضطرها إلى محاربتها ، بهدف تحجيمها ، وليس القضاء النهائى عليها، حتى تتوافر لها إمكانيه إستخدامها مره اخرى ، لتحقيق اهداف اخرى.
* تدفق اللاجئين على دولها ، وما لزم منه من كلفة اقتصادية ، واثاره مخاوفها فى تغيير التركيبة السكانية لمجتمعاتها.
* عدم الإستقرار السياسى فى المنطقة ، وما لزم منه من إضعاف قدرتها على التحكم فى أجزاء عديده من النظام الرسمى فيها.
* ايضا ما لزم من عدم الاستقرار من تفاقم المنافسة، بين القوى العالمية والاقليمية على مناطق النفوذ ، كمحصلة لتعدد السلطات فى الدوله الواحده ، ولجوء كل منها لأحد هذه القوى ، لدعمها فى صراعها ضد الأخرى.
الفشل فى إلغاء إرادة الأمة" تعطيل رسمى وتفعيل شعبى " : و رغم نجاح المشروع " الجزئي" فى تعطيل إرادة الأمة ، على المستوى الرسمى ، الا انه فشل فى الغائها ، ففتح الباب أمام تفعيلها على المستوى الشعبى.
نشوء المقاومة الشعبية : ومن مظاهر هذا التفعيل الشعبى نشوء المقاومة الشعبية - السلمية فى بعض الميادين، والمسلحة فى ميادين اخرى- لمظاهر ومراحل تطبيق وأدوات هذا المشروع.
محاولة القضاء على المقاومة الشعبية: وهذه المرحله من مراحل تطبيق مشروع الشرق الاوسط الجديد " الإمبريالى - الصهيونى " تهدف- بالأصاله- الى القضاء على المقاومة الشعبية لهذا المشروع.
من الدعم الرسمى الى الدعم الشعبى : وهذه المحاوله قد تنجح فى تعطيل المقاومة الشعبية المستنده الى الدعم الرسمى ، اى مدعومة من نظم محلية واقليمية ودولية متعدده، لأهداف متباينه،- وهو ما تحقق قدر منه ، من خلال إضعاف التنظيمات التى ترفع شعار المقاومة، وإغتيال العديد من قياداته ، وتفكيك او تحييد النظم - المحلية والإقليمية والدولية- التى تدعمها - ولكنها ستفتح الباب امام إمكانية تفعيل مقاومة شعبية مستنده الى الدعم الشعبى، اى مدعومه من شعوب الأمة، وبالتالى تكون حركتها غير مقيده بالكوابح - الداخلية والخارجية- لحركه الأنظمة السياسية والدول.
من التفعيل التلقائي الى التفعيل القصدى : غير ان تفعيل هذه المقاومه الشعبية المدعومة بشعوب الأمة مشروط - فى هذه المرحلة - بإنتقال إرادة الأمة، والمقاومة الشعبية بإعتبارها احد مظاهرها ، من مرحلة التفعيل التلقائي ( رد الفعل: العاطفى ،العفوى ، العاطفى ، المؤقت)، إلى مرحلة التفعيل القصدى( الفعل: المخطط، العقلانى ، المؤسسى ).
المستويين النظرى والعملى : وهذه المرحله تتحقق:
أولا: المستوى النظرى: تأسيس تيار فكرى شامل، يؤسس نظريا لتحقيق ما هو ممكن من خطوات، تجاه الانتقال بالأمة، من مرحله الإستضعاف إلى مرحلة الإستخلاف ، ويتضمن توافق القوى السياسية والتيارات الفكرية، على الثوابت " الوطنية والقومية والدينية" للأمة - وهو ما يقتضى ضرورة إجراءها لمراجعات فكرية ذاتية - ويتضمن هذا التوافق على التصدى لهذا المشروع وأهدافه التخريبية.
ثانيا: المستوى العملى: إنشاء أو تفعيل مبادرات شعبية" ديمقراطية مؤسسية" ، تعبر عن إرادة الأمة فى كل المجالات- واهمهما مجال التوافق والإصلاح - والميادين - ومنها ميدان التصدى لمظاهر ومراحل تطبيق وأدوات هذا المشروع التخريبى-
إتساق وليس تطابق أو تناقض: فعلاقة هذه المقاومة الشعبية المدعومه شعبيا بالنظم الرسمية ليست علاقة تطابق - فهى ليست مؤسسة رسمية - ولكنها ليست علاقه تناقض- ففى هذه الحالة تتحول إلى مليشيات متمرده عل. الدولة - ولكنها علاقة اتساق- إلتقاء على الأهداف الوطنية والقومية والدينية -
التمييز بين الممكن وما ينبغى أن يكون: غير انه يجب تقرير أن دور المقاومة الشعبية، كمظهر لإرادة الأمة ، مقصور على تحقيق ماهو ممكن من اهداف إرادة الأمة، ومن تصدى لأهداف هذا المشروع، فمسئولية المقاومة الرسمية، كمظهر آخر لإراده الأمة على مستوى أخر ، فى مرحلة لاحقة، عندما يستمد النظام الرسمى شرعيته من إرادة الأمة ، وليس من تبعيته لقوى خارجيه.
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: المقاومة الشعبیة إرادة الأمة هذا المشروع فى تعطیل
إقرأ أيضاً:
متى نشأت حكايات المقاومة الشعبية؟.. خلَّدتها الحواديت والفنون
فكرة المقاومة الشعبية والدفاع المستميت من الشعب للحفاظ على وطنه متأصلة منذ قديم الأزل، لكنها بحد وصف الكاتب عصام محمد شبارو في كتابه «المقاومة الشعبية المصرية» كانت أكثر نشاطًا في فترة الاحتلال الفرنسي والغزو البريطاني، ومن هذه الفترة بدأت الحكايات الشعبية تخلد سيرة الأبطال الذين قاوموا المحتل، مثل أدهم الشرقاوي الذي قاوم الإنجليز في قرية إيتاي البارود، وشمس الزناتي التي تناقلت فرق السيرة الهلالية حكايته.
متى نشأت حكايات المقاومة الشعبية؟.. خلدتها الحواديت والفنونيقول شبارو إن المقاومة الشعبية المصرية ضد الاحتلال الفرنسي 1798 - 1801، وضد الغزو الإنجليزي 1807، وضد فساد نظام الحكم والإدارة العثماني كانت محوراً ترتبط به أحداث التاريخ المصري، الحديث والمعاصر، لأنها الحلقة التي ربطت ما بين وقائع الماضي وأحداث الحاضر فمكَّنت مصر من صنع المستقبل في سنة 1952، ومن الإسكندرية بدأ ظهور أبطال المقاومة الشعبية.
بدأت حكايات المقاومة في الاسكندرية أول مدينة قصدتها الحملة الفرنسية، وأول من علم باقتراب الأسطول الفرنسي قبل أن يصل إليها، رغم تكتم نابليون عن وجهة حملته، فقد تسربت أخبارها إلى البلاد ولا سيما بعد أن وصل نبأ استيلاء الفرنسيين على مالطة في طريقهم الى مصر، واستعد المصريون للمقاومة، وزحمت الحصون البالية ولما لم يكن هناك جنود تقريباً فقد تكون جيش من المتطوعين، ولكن هذه التدابير كان فيها من الحماسة المحمومة أكثر مما فيها من الفائدة الحقيقية.
في 29 حزيران 1798 بلغت الحملة الفرنسية الساحل المصري، فألقت مراسيها أمام الاسكندرية، واستدعى نابليون القنصل الفرنسي فيها أليعازار ما غالون فأخبره أن أسطولاً إنجليزياً مؤلفاً من أربع عشرة سفينة حربية بقيادة الأميرال نلسون، قد سبق الحملة إلى الإسكندرية وغادرها منذ ثلاثة أيام باتجاه أزمير للبحث عن الأسطول الفرنسي.
وقد وصف المعلم نقولا الترك مجيء الأسطول الإنجليزي: «حين وصلت مراكب الإنجليز ثغر الإسكندرية أرسلوا قارباً يطلبون حاكم المدينة، فتوجه إلى مقابلتهم حاكم الإسكندرية السيد محمد كريم، وبعد وصوله للمراكب سألهم عن سبب قدومهم فأخبروه أنهم جاءوا لصد الفرنسيين عن الدخول إلى ثغر الاسكندرية، فارتاب كريم وأجابهم أن الفرنساوية غير ممكن أن يحضروا لبلادنا، ولا لهم في أرضنا شغل، ولا بيننا وبينهم عداوة، وإن حضروا كما تزعمون فنصدهم عن الدخول».
وبالفعل حدث احتلال الإسكندرية في نفس العام 1798، وكلفت المقاومة الفرنسيين بعض الثمن، بالرغم من ضعف حاميتها، فقد بذل أهالي الاسكندرية ما في مقدورهم دفاعاً عن المدينة، فحصَّنوا الأسوار وركبوا المدافع القديمة على أسوار المدينة استعداداً للكفاح، وعهدوا إلى جماعة من الفرسان مناوشة القوات الفرنسية قبل اقترابها.
وعندما بلغ الجيش الفرنسي الإسكندرية صمم حاكمها محمد كريم على مقاومة الفرنسيين والدفاع عنها، وعندما أصدر نابليون أمره بالهجوم العام أخذ الأهالي يطلقون النار من المدافع المركبة على الأبراج والأسوار، وقاومت الأبراج مقاومة عنيفة، لكن الصمود لم يدم طويلا فاقتحم الجنود الأسوار ودخلوا المدينة، وعندما دخل الفرنسيون المدينة كانت مقاومة الأهالي قد أنزلت بهم الخسائر، فهاجموا الناس في بيوتهم بعد أن اتخذها أهل الثغر متاريس لهم.
ويصف ذلك الجبرتي: «رجع أهل الثغر إلى التترس في البيوت والحيطان، وصاروا يطلقون النار على الفرنسيين في الشوارع ومن نوافذ البيوت، وبذلك دفع الفرنسيون ثمناً معنوياً لا يستهان به، لاحتلال الإسكندرية - ثغر مصر بلغ حوالي المائة والخمسين قتيل وعدداً من الجرحى كان من بينهم الجنرال كليبر Kleber الذي أصيب بجرح في رأسه والجنرال منو Menou وقد أصيب في جملة مواضع» وكاد نابليون نفسه يصاب بطلق.