الأمل يتلاشى.. سورية تنام بسجن صيدنايا للبحث عن شقيقها المفقود
تاريخ النشر: 12th, December 2024 GMT
عندما سمعت حياة التركي الأخبار المفاجئة عن سقوط حكم النظام السوري المستمر منذ عقود، توجهت إلى سجن صيدنايا المعروف باسم "المسلخ البشري" وهي تدعو الله أن تجد شقيقها و5 أقارب آخرين محتجزين هناك على قيد الحياة.
لكن بعد 4 أيام من التجول في سجن صيدنايا سيئ السمعة، لا تزال حياة التركي تبحث متلهفة عن أي أدلة حول مصيرهم في سجن تقول جماعات حقوق الإنسان إنه معروف على نطاق واسع بالتعذيب وعمليات الإعدام.
وقالت "لم أعد إلى البيت أبدا. نمت هنا"، مضيفة أنها كانت تأمل في العثور على شقيقها أو خالها أو ابن عمها أو ابن عمتها، لكنهم اختفوا على ما يبدو مثل أقارب العشرات من السوريين الآخرين الذين يبحثون أيضا في نفس السجن.
وعثرت حياة (27 عاما) على وثيقة بتاريخ الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2024 تتضمن أسماء أكثر من 7000 سجين من فئات مختلفة، وتساءلت أين هم جميعا، فمن خرج من السجن على قيد الحياة أقل من ذلك بكثير.
استقبال بالدموع
وخرج آلاف السجناء من نظام الاحتجاز الوحشي الذي فرضه الرئيس المخلوع بشار الأسد ووالده قبله حافظ الأسد، بعد الإطاحة بحكم العائلة الأحد الماضي خلال هجوم مفاجئ شنته المعارضة وأنهى 5 عقود من السلطة المستبدة والدموية.
إعلانواستقبل أقارب العديد من المعتقلين ذويهم، وهم يبكون لأنهم كانوا يعتقدون أنهم أُعدموا منذ سنوات، في ظل غياب المعلومات عنهم، والاضطرار لدفع الرشاوى سابقا لمعرفة أماكنهم أو إذا كانوا على قيد الحياة.
وفي سجن صيدنايا، يرسم حبل مشنقة يتدلى بحلقته الضيقة في أذهان الباحثين عن ذويهم صورة لشكل الأيام العصيبة التي قضاها أقاربهم هناك.
وقالت حياة التركي قبل أن تدخل زنزانة أخرى للبحث بين المتعلقات "فتحت زنازين السجن كلها، لا أستطيع احتمالها حين أدخل أكثر من 5 دقائق".
وتساءلت وهي تفتش بين المتعلقات المتناثرة في إحدى الزنازين "أيمكن أن أشم رائحة أخي بهم؟ أيمكن أن يكون هذا غطاه"، لافتة إلى أن الثياب المتناثرة في السجن تؤكد أن أعداد المعتقلين به كانت أكثر ممن خرج منه.
وقالت وهي تظهر صورة على الهاتف لشقيقها المفقود منذ 14 عاما "لا أعرف كيف سيكون شكله إذا خرج. من يخرجون يبدون كالهيكل العظمي".
وأفادت جماعات لحقوق الإنسان بوقوع عمليات إعدام جماعية في سجون سوريا، وقالت الولايات المتحدة في 2017 إنها رصدت محرقة جثث جديدة في سجن صيدنايا للسجناء الذين تم شنقهم، كما جرى توثيق حالات تعذيب على نطاق واسع.
وفيما أكد القائد العام للإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع أن كل من تورط في تعذيب وقتل المعتقلين في السجون السورية لن ينال العفو، لم تطمأن حياة التركي التي بدأ أملها بالعثور على أقربائها يتضاءل، في ظل ترجيح مؤسسات حقوقية سورية أن المختفيين قسريا في سجون الأسد قد يكونون فارقوا الحياة تحت التعذيب.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات فی سجن صیدنایا حیاة الترکی
إقرأ أيضاً:
ثلاثة انتهاكات في السجون المصرية تقود المعتقلين للانتحار.. هل تتفاقم هذه الحوادث؟
فجع نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي بمحاولة انتحار أحد المعتقلين السابقين في السجون المصرية، خلال بث مباشر في صفحته على "فيسبوك" في وقت متأخر من مساء الأربعاء.
هذه المحاولة كانت كفيلة للبحث ورائها، ومعرفة أسبابها والدوافع التي تجبر شخص اعتقل سابقا، للتخلص من حياته، وتأثير فترة الاعتقال عليه وعلاقتها بالمحاولة.
وقال الشاب المصري سامح سعودي إنه فقد الأمل من الحياة بعد تجربة اعتقاله المتكررة، مشددا على أن السلطات المصرية أخرجته من السجن بعد التأكد من أن حياته دمرت، مقدما على قطع "شرايين يده" محاولا الانتحار، إلا أن أحد المتابعين على صحفته أكد أنه جرى نقله بشكل عاجل إلى المستشفى في محاولة لإنقاذه، قبل أن يتم حذف مقطع الفيديو.
محاولة انتحار الشاب المصري أمام متابعيه لم تكن الأولي أو الأخيرة، فقبل ساعات قليلة من كتابة هذا التقرير تداول نشطاء خبر محاولة جديدة للمعتقل في سجن بدر 3 محمود عبد الله (29 عاما) حيث حاول الانتحار حرقًا بسبب الإهمال الطبي وتجاهل إدارة السجن لحالته الصحية؛ إذ اختفى قسرا لمدة 7 أشهر واعتقل في عام 2015 وهو يعاني من أمراض القلب والضغط والكلى.
وكانت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان قد وثقت في وقت سابق إقدام معتقل سياسي على محاولة الانتحار أمام النيابة بعد 7 سنوات من الحبس الاحتياطي والتدوير.
وقال الشبكة المصرية لحقوق الإنسان في حينه، إن المعتقل الشاب أحمد محمد إبراهيم عبد العزيز، البالغ من العمر 29 عاما، المحبوس احتياطيًا للعام السابع، حاول الانتحار أثناء عرضه أمام نيابة جنوب الزقازيق الكلية، يوم 29 أيلول / سبتمبر 2024، للنظر في أمر تجديد حبسه على ذمة المحضر رقم 2973 لسنة 2024 جنح قسم القرين.
حالات الانتحار والمحاولات التي نفذها بعض المعتقلين، دعت للتساؤل، حول دوافعها الحقيقية، وعلاقتها بظروف الاعتقال الصعبة والمفتوحة زمنيا داخل السجون المصرية.
وكان أخر تلك الانتهاكات التي وثقتها الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، وفاة المعتقل محمد هلال داخل مستشفى القصر العيني بعد نقله من محبسه بسجن بدر 3 بإصابات قاتلة تُرجح تعرضه لعملية تصفية جسدية وتعذيب مميت، ما اضطر المعتقلون في المعتقل في الدخول في اضراب عن الطعام احتجاجا على وفاة الشاب.
3 انتهاكات تقود للانتحار
ومهما كانت أعداد محاولات الانتحار فلا تنفي الانتهاكات والتعذيب والمعاملة غير الآدمية التي يتعرض لها المعتقلين داخل السجون المصرية، حيث وثقت المنظمات الحقوقية العديد من الانتهاكات والتعذيب والمخالفات القانونية التي يتعرض لها المعتقلين.
وقال مدير مركز الشهاب لحقوق الإنسان خلف بيومي في تصريحات خاصة لـ"عربي21" إن أعداد المعتقلين تزايدت بشكل كبير منذ 2013، تعرض خلالها المعتقلين للعديد من الانتهاكات، مشددا على أنه "لولا أن المعتقلين سياسيين ومحبوسون في قضايا رأي وأغلبهم مثقفين وغالبيتهم من من الإسلاميين لزادت نسبة محاولات الانتحار بشكل كبير وملحوظ".
وأضاف مدير مركز الشهاب لحقوق الإنسان أن المعتقل في مصر يتعرض لانتهاكات عديدة سواء خلال الاعتقال أو بعد خروجه من المعتقل، ما يؤدي إلى وصول المعتقل لهذا الشعور.
وتابع بيومي أنه "داخل المعتقل هناك ثلاث انتهاكات شديدة وأساسية قد تؤدي إلى تفكير المعتقل في إنهاء حياته وهي:
أولا: منع الزيارات، حيث أن منع الزيارات تتسبب في عزلة المعتقل عن العالم الخارجي بشكل كامل، إذ تعتبر الزيارة بالنسبة للمعتقل كالنزهة التي يري فيها دنيته الخارجية، حيث يتمكن من رؤية أهله، ويعرف ما يدور بالخارج.
ثانيا: الإهمال الطبي، إذ يشهر المعتقل بأن حياته في طريقها للنهاية، ويتعرض للموت البطيء خلف القضبان، والتي ستودي بحياته عاجلا أم آجلا.
ثالثا: فقدان العدالة، حيث يفقد المعتقل الأمل في تحقيق العدالة والإفراج عنه، أو تنفيذ الإجراءات القانونية، فعلى سيبل المثال وضع القانون مدة زمنية للحبس الاحتياطي، ولكن المعتقل يظل لسنوات محبوس احتياطيا دون مراعاة القانون، ما يفقده الأمل للاستمرار في الحياة، إذ لا يعرف متى سيخرج من هذا النفق المظلم.
وأضاف بيومي أن المعتقل بعد خروجه من السجن يتعرض لانتهاكات أخري تشعره بعدم الأمان في الحياة، حيث يتم تدويره في قضايا أخرى أو المتابعة الأمنية في الأقسام، كما أنه يتعرض للاعتقال مجددا.
أسلوب اعتراض
الإعلامي المصري والحقوقي مسعد البربري، تعرض في منشور له على منصة إكس لقضية محاولات انتحار المعتقلين، وذكر تجربته الخاصة أثناء اعتقاله السابق.
وقال إنه مر خلال فترة اعتقاله في مصر على 4 أماكن احتجاز مختلفة، وهي سجن استقبال طره - ليمان 440 وادي النطرون - سجن العقرب - أقسام شرطة، فضلا عن عدد كبير من جلسات المحاكمات وما يصحبها من لقاء معتقلين من مختلف السجون والمحافظات.
وأضاف البربري أنه بعد الخروج من المعتقل وفر له نشاطه في مجال حقوق الإنسان المتابعة الجيدة لملف المعتقلين بكل تفصيلاته، الأمر الذي أتاح له كم كبير من المعلومات، مشيرا إلى أن محاولات الانتحار لم تكن جميعها جاده أو بهدف إنهاء الحياة، فأغلبها بغرض الضغط في محاولة استخلاص بعض الحقوق أو تخفيف الضغوط التي لا تتوقف عنها الجهات الأمنية.
وتابع قائلا الانتحار كما الاضراب عن الطعام في فلسفة المعتقلين، فهو وسيلة دفاع عن النفس، وإن اختلفت الحدة.
???? ايضاحات حول محاولات الانتحار داخل السجون:
- مررت خلال فترة اعتقالي على 4 أماكن احتجاز مختلفة (سجن استقبال طره - ليمان 440 وادي النطرون - سجن العقرب - أقسام شرطة)، فضلا عن عدد كبير من جلسات المحاكمات وما يصحبها من لقاء معتقلين من مختلف السجون والمحافظات،
- وبعد السجن وفّر لي… — مسعد البربري | Albarbary (@Albarbary6) February 21, 2025
استنزاف الطاقة النفسية
وذكرت منظمات حقوقية ونشطاء أن المعتقل المصري يتعرض للعديد من الانتهاكات داخل المعتقل ما يؤثر على حالته النفسية ويدخله في حالة نفسية سيئة، قد تدفعه إلى التفكير في التخلص من حياته.
وقالت طبية الصحة النفسية نهى قاسم، في تصريحات خاصة لـ"عربي21" إن فكرة الانتحار والتخلص من الحياة قد تأتي للمعتقل، سوء داخل السحن أو خارجه بعد استنزاف طاقته النفسية، نظرا لما يتعرض له خلال فترة اعتقاله.
وقسمت طبية الصحة النفسة طبيعة المعتقل من الناحية النفسية وتفكيره في التخلص من حياته إلى ثلاث أقسام، فالعدد الأكبر يأتيه هذا الشعور نظرا لاستنزاف طاقته النفسية نتسجة ما يتعرض له، ومنهم من يقوم بهذا التصرف كنوع من الاعتراض، ولكنه يكون في كامل وعيه ولا يكمل عملية الانتحار بشكل كامل كغيره، بل تكون عملية محسوبة.
وأضافت أن الفريق الآخر الذي يتحول بالفعل إلى مريض نفسي، وهذا يحدث مع الطبيعة الجينية التي تؤكدها الأبحاث من أن هناك 5 بالمئة داخل المجتمعات معرضة للمرض النفسي جينيا، وقد يكون المعتقل من هذا الفريق نظرا لما يتعرض له واستجابته الجينية بتلك النسبة.
لماذا تختلف معاناة المعتقل السياسي؟
وقالت قاسم، إن وضع المعتقل داخل السجون المصرية مختلفا عن السجين الجنائي، حيث يتعرض لمراحل عديدة من الظلم تؤثر في الصحة النفسية واستنزافها، فالبداية معه تبدأ باعتقاله في قضايا رأي، ويبدأ أيامه داخل المعتقل بفقدان اللوم النفسي، على عكس السجين الجنائي الذي ارتكب جريمة يحاسب عليها ويتقبل عقابه.
وأضافت أن المعتقل السياسي في هذه المرحلة يتعرض لبعض المشاعر السلبية لإحساسه بالظلم وكونه يساوم ويعاقب على أفكاره وآرائه، ولكن بعد انتهاء تلك المرحلة يتعرض للتعذيب غير الآدمي، ما يعرضه لآلآم شديدة نفسية وجسدية، ومنهم من يتعرض لضغوط مخالفة لعادته وتقاليد وقيم المجتمع مقابل التوقف عن تعذيبه كالاعتراف بجرائم لم يرتكبها أو الاعتراف على أشخاص أخرين، ما يزيد من آلامه النفسية.
وتابعت طبية الصحة النفسية أن المعتقل يصل لمرحلة احساسه بالمصير المجهول، بعد أن يعيش أيام يشهد فيها محاولات كسره كإنسان، وغياب التواصل الخارجي وانعزاله عن العالم وعن أهله، الشعور الذي يتجدد مع كل مناسبة يمر بها داخل محبسه، وقد يزيد ذلك الشعور بالألم والحسرة إذا كان مسؤولا عن عائلة واسرة في الخارج، ويصبح صراعه على الحصول على أقل الحقوق الممكنة كدخول الحمام، ما يشعره بالقهر الذي لا ينتهي.
معاناة لا تنهي بالخروج من المعتقل
أكملت قاسم حديثها بالقول، إن المعتقل حال خروجه لا تنتهي معاناته، بل ينتقل لمرحلة جديدة من الضغوط سواء من المتابعة الأمنية التي تضعه تحت الضغط أو التدوير في قضايا أخرى، قائلة إن كثير من الحالات التي تتابعها بشكل دائم تتعرض لانتكاسات نفسية مع كل زيارة للمتابعة الأمنية.
وأضافت إلى ذلك يشعر المعتقل بعد خروجه بالتقصير تجاه أهله وأسرته بالإضافة إلى نظرة المجتمع له والخوف من التعامل معه بصفته معتقل سابق وفشله في الحصول على عمل يشعر أن حياته قد انتهت.
واختتم قاسم حديثها بالتأكيد على أن الجانب الإيجابي في آلاف المعتقلين الذين لديهم القوة النفسية التي تجعلهم يتخطوا من تلك الأزمات، رغم تلكالانتهاكات والضغوط النفسية.