حكم الحث على الصبر والبلاء وإن طال وقته
تاريخ النشر: 12th, December 2024 GMT
قالت دار الإفتاء المصرية إن الابتلاء من أقدار الله تعالى ورحمته، يجعل في طياته اللطف، ويسوق في مجرياته العطف، والمحن تحمل المنح، فكلُّ ما يصيب الإنسان من ابتلاءات هي في حقيقتها رفعة في درجة المؤمن وزيادة ثوابه ورفع عقابه.
الحث على الصبر والبلاءوورد عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ شَوْكَةٍ فَمَا فَوْقَهَا إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ بِهَا دَرَجَةً، أَوْ حَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً» أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه".
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" (10/ 105، ط. دار المعرفة): [وهذا يقتضي حصول الأمرين معًا: حصول الثواب، ورفع العقاب] اهـ.
وابتلاء الله تعالى لعباده لا يُحكم عليه بظاهره بالضر أو النفع؛ لانطوائه على أسرار غيبية وأحكامٍ علوية لا يعلم حقيقتها إلَّا رب البرية؛ قال تعالى: ﴿وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الأعراف: 168].
وأوضحت الإفتاء أن ليس المقصود هو الحكم بظاهر الابتلاءات؛ بل العلم بقدرة الله تعالى، والإسراع في الرجوع إليه، وأن يتفقد الإنسان نفسه بالسكون إلى قضاء الله تعالى والإذعان إلى مراده؛ قال سبحانه: ﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا﴾ [الأنعام: 43]، وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ﴾ [المؤمنون: 76].
وقد سمَّى الله تعالى غزوة "تبوك" التي استمرت شهرًا «ساعةَ العُسرة» كما في قوله تعالى: ﴿لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة: 117]، تهوينًا لأمرها وتيسيرًا لهولها، وإخبارًا بعِظَمِ أجرها.
قال الإمام البقاعي في "نظم الدرر" (9/ 36، ط. دار الكتاب الإسلامي): [وسمَّاها "ساعة": تهوينًا لأوقات الكروب، وتشجيعًا على مواقعة المكاره؛ فإنَّ أمدها يسير وأجرها عظيم خطير، فكانت حالهم باتباعه في هذه الغزوة أكمل من حالهم قبلها] اهـ.
وأضافت أنه لا ينبغي للإنسان أن ييأس من رحمة ربه، أو أن يضجر من الدعاء، أو يستطيل زمن البلاء؛ لأنه لا يعلم حكمة البلاء ولا يعي كنه أسراره، وأن تَفَقُّدَ الله تعالى للمكلفين بالمصائب والابتلاءات إنما هو رحمة بهم، وحفظًا لصحة عبوديتهم؛ قال الإمام ابن الجوزي في "صيد الخاطر" (ص: 439، ط. دار القلم): [فإياك إياك أن تستطيل زمان البلاء، وتضجر من كثرة الدعاء؛ فإنك مبتلى بالبلاء، متعبد بالصبر والدعاء، ولا تيأس من روح الله، وإن طال البلاء] اهـ.
وقال الشيخ ابن القيم في "زاد المعاد" (4/ 179، ط. مؤسسة الرسالة): [لولا محن الدنيا ومصائبها: لأصاب العبد -من أدواء الكبر والعجب والفرعنة وقسوة القلب- ما هو سبب هلاكه عاجلًا وآجلًا، فمن رحمة أرحم الراحمين: أن يتفقده في الأحيان بأنواع من أدوية المصائب، تكون حِمْيَةً له من هذه الأدواء، وحفظًا لصحة عبوديته، واستفراغًا للمواد الفاسدة الرديئة المهلكة منه، فسبحان مَن يرحم ببلائه، ويبتلي بنعمائه] اهـ.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الصبر الصبر الابتلاء الابتلاء الإفتاء الله تعالى
إقرأ أيضاً:
القصة والحكمة من تحويل القبلة في منتصف شعبان
شهد منتصف شهر شعبان حدثًا مفصليًا في تاريخ الإسلام، حيث تحولت قبلة المسلمين من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام، استجابةً لأمر الله تعالى.
كان لهذا التحول حكمة عميقة ومقاصد عظيمة، إذ لم يكن مجرد تغيير في اتجاه الصلاة، بل كان اختبارًا للإيمان، وتأكيدًا على مكانة النبي ﷺ، وتعزيزًا لوحدة الأمة الإسلامية.
حكمة تحويل القبلةيؤكد الشيخ محمود السيد صابر، المفتي بمركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، أن تحويل القبلة جاء استجابةً لدعاء النبي ﷺ، حيث كان يكثر النظر إلى السماء متمنيًا التوجه إلى الكعبة المشرفة، فجاء الوحي الإلهي ليحقق رغبته: {فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا}.
إلى جانب ذلك، كان التحول اختبارًا للمؤمنين، إذ كان عليهم الامتثال الفوري لأمر الله دون تردد، مما يرسخ أهمية الطاعة المطلقة لله ورسوله ﷺ، كما قال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
قصة تحويل القبلةفي مكة، كان النبي ﷺ يصلي تجاه بيت المقدس مع جعل الكعبة بينه وبين القبلة، وعندما هاجر إلى المدينة، استمر في استقبال المسجد الأقصى لما يقرب من ستة عشر أو سبعة عشر شهرًا. ثم نزل الأمر الإلهي بتحويل القبلة إلى المسجد الحرام في منتصف شعبان من السنة الثانية للهجرة، كما جاء في قوله تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}.
كان لهذا الحدث أثر كبير في التمييز بين المؤمنين الصادقين والمنافقين، فالمؤمنون استجابوا فورًا قائلين: "سمعنا وأطعنا"، أما المشركون والمنافقون فاعترضوا وحاولوا التشكيك في الحكمة من التحول، لكنهم خابوا وخسروا.
الدلالات العميقة لتحويل القبلةمكانة النبي ﷺ عند ربه
كان النبي ﷺ يتمنى استقبال الكعبة، فجاء الأمر الإلهي تحقيقًا لرغبته، مما يؤكد علو مكانته عند الله.
الرابطة الوثيقة بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى
يدل هذا التحول على العلاقة القوية بين المسجدين، كما ورد في الحديث الشريف: "المسجد الحرام أول بيت وضع للناس، ثم المسجد الأقصى، وكان بينهما أربعون سنة".
تأكيد وحدة المسلمين والتسليم المطلق لأمر الله
استجاب المسلمون فورًا لأمر الله، مما يظهر تكاتفهم وإيمانهم العميق بوحدة الأمة الإسلامية، حتى أنهم تساءلوا عن مصير صلوات من ماتوا قبل التحول، فطمأنهم الله بقوله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ}.
ترسيخ مفهوم العبودية لله تعالى
يؤكد التحول أن الغاية العظمى هي عبادة الله وحده، بغض النظر عن اتجاه القبلة، كما قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}.
تكريم أمة الإسلام وجعلها أمة وسطًا
أظهر هذا الحدث مكانة أمة الإسلام التي وُفقت للقبلة التي بناها إبراهيم عليه السلام، مما يؤكد اصطفاءها للشهادة على الأمم، كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}.
كان تحويل القبلة حدثًا عظيمًا يحمل في طياته العديد من الدروس والعبر، حيث اختبر الله إيمان عباده، وأكد مكانة نبيه ﷺ، ووحد المسلمين على قبلة واحدة تربطهم بعقيدتهم وتاريخهم المشترك. إنه ليس مجرد تغيير في الاتجاه، بل رمز لوحدة الأمة وثباتها على منهج الله.