أجابت دارالإفتاء المصرية عن سؤال ورد لها من أحد المتابعين عبر صفحتها الرسمية بمواقع التواصل الاجتماعي، جاء مضمونه كالتالي: ما معنى الاستئناس في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا﴾؟.

وقالت دار الإفتاء إن الزيارة بصفة عامة مستحبة؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَن عَادَ مَرِيضًا أَو زَارَ أَخًا لَهُ فِي اللهِ نَادَاهُ مُنَادٍ: أَن طِبتَ وَطَابَ مَمشَاكَ وَتَبَوَّأتَ مِنَ الجَنَّةِ مَنزِلًا» "سنن الترمذي".

وأوضحت أنه يجب شرعًا الاستئذان قبل الزيارة، ويكون بإعلام أهل البيت حتى يستعدُّوا لمقابلة الزائر؛ يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النور: 27].

والمراد بالاستئناس هو الاستئذانُ في الزيارة قبل الذهاب وتحديدُ موعدٍ لها؛ وذلك عن طريق الاتصال بالهاتف ونحوه من الوسائل المعاصرة، كالاتصال بالهاتف ونحوه؛ حتى يستعد أهل البيت لتلك الزيارة، وليعلم الزائر أنَّ العدد المسموح به في طلب الإذن بالزيارة هو ثلاث مرات، وينبغي على الزائر إن لم يأذن له أهل البيت بالزيارة أن يرجع عنها.

آداب الاستئذان عند دخول البيوت للزيارة


وأضافت الإفتاء أنه الإسلام قد سنَّ آدابًا للزيارة ينبغي الالتزام بها ومنها:

- الاستئذان قبل الزيارة، وذلك بإعلام أهل البيت حتى يستعدُّوا لمقابلة الزائر؛ يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النور: 27].

فالمراد بالاستئناس: هو الاستئذانُ في الزيارة قبل الذهاب وتحديدُ موعدٍ لها، وذلك عن طريق الاتصال بالهاتف ونحوه من الوسائل المعاصرة.

-  ترك الزيارة والرجوع عنها إذا كانت هناك ظروف تمنع أهل البيت من استقبال الزائر؛ يقول تعالى: ﴿فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ [النور: 28]، وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الِاستِئذَانُ ثَلَاثٌ، فَإِن أُذِنَ لَكَ، وَإِلَّا فَارجِع» "صحيح مسلم".

-  إلقاء الزائرِ السلامَ على أهل البيت عند الاستئذان للدخول؛ فعَن رِبعِيٍّ رضي الله عنه قال: "حدثنا رجل من بني عامر أنه استأذن على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو في بيت فقال: أَلِجُ ؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لخادمه: «اخرُجْ إلى هذا فعلِّمه الاستئذان، فَقُل له: قل: السَّلامُ عليكُمْ، أأدخُل؟» فسمعه الرجل، فقال: السلام عليكم، أأدخل؟ فأذن له النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فدخل". "سنن أبي داود".


-  تعريف الزائر بنفسه واسمه حين يُسأل عنه، حتى يأذن له صاحب البيت بالدخول؛ فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، يقول: "أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم في دين كان على أبي، فدققت الباب، فقال: «مَن ذَا؟» فقلت: أنا، فقال: «أنا أنا»، كأنه كرهها"، فالحديث يدل على كراهة قول المستأذن «أنا»؛ لأن هذه اللفظة لا تُعَرِّف به.

- عدم الإكثار من الزيارة؛ حتى لا يملّ أهل البيت من الزائر؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «زُر غِبًّا، تَزدَد حُبًّا» "المعجم الأوسط"، فالمراد من الحديث أنَّ الإقلال من الزيارة يجعل النفس تشتاق لرؤية الشخص ومقابلته والجلوس معه.

- عدمُ الإطالة في وقت الزيارة مراعاةً لظروف أهل البيت، يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ﴾ [الأحزاب: 53].


- اختيار الوقت المناسب للزيارة حتى لو كانت الزيارة للوالدين، فهناك أوقات لا تناسب أهل البيت في استقبال أحد من الزائرين؛ كأوقات الراحة ونحو ذلك؛ قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [النور: 58].

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الاستئناس الاستئذان آداب الاستئذان النبی صلى الله علیه وآله وسلم ى ت س ت أ ن س وا رضی الله عنه یقول تعالى أهل البیت

إقرأ أيضاً:

من تكبر أذلّه الله جلّ وعلا

من تكبر أذلّه الله جلّ وعلا

#ماجد_دودين

ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ: عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ((يَقُولُ اللَّهُ: الْعَظَمَةُ إزَارِي وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا عَذَّبْته))

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (إنّ العبد إذا تواضع لله رفع الله حكمتهُ وقال له انتعش نعشك الله فهو في نفسه حقير وفي أعين الناس كبير، وإذا تكبَّر وعتا وَهَصَهُ الله إلى الأرض وقال له اخسأ خسأكَ اللهُ، فهو في نفسه كبير وفي أعين الناس حقير حتى يكون عندهم أحقر من الخنزير).

مقالات ذات صلة دق سلف .. هويتنا الوطنية هي ميثاق الدولة 2024/12/09

روى ابن حبان وغيره وصححه الألباني: (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ يَبْغَضُ كُلَّ جَعْظَرِيٍّ جَوَّاظٍ سَخَّابٍ فِي الأَسْوَاقِ جِيفَةٌ بِاللَّيْلِ حِمَارٌ بِالنَّهَارِ عَالِمٌ بِالدُّنْيَا جَاهِلٌ بِالآخِرَةِ».

في هذا الحديث وَصَفَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أُناسًا بصفاتٍ وأخلاق يبغضها الله ورسوله والمؤمنون، لأنها صفات سيئة، وأخلاق فاسدة، وهي من أخلاق أهل النار، ومن هذه الصفات: الصفة الأُولى: أن يكون المرءُ جعظريًّا، والجعظري هو المرء الفظُّ الغليظ في تعامله، والمستكبرُ على خلق الله. والصفة الثانية : هي الجوَّاظ: وهو الجَموعُ المنوعُ أي الذي يَحرِصُ على جمعِ المالِ بنيَّةٍ فاسدةٍ، وهي أن يكون جمْعُهُ للمالِ حبًّا بالمالِ من حَيثُ ذاتُه ليتوصلَ لإشباعِ شهواتِه المحرَّمةِ وليفخَرَ بهِ على الناسِ ويبطُرَ به بطَرًا ويتكبرَ على عبادِ اللهِ ويبخلَ عن دفعِ المالِ في ما أمرَ اللهُ تعالى بالإنفاقِ فيه، فهو لا يجمعُ المالَ من طريقِ الحلالِ ليَصرفَه فيما أحلَّ اللهُ له، ؛ فالذي يجمعُ المالَ ليصرِفَهُ في الحلالِ فإنَّ ذلك ليس بمذموم؛ فالمالَ منهُ ما يُذمُّ ومنه ما يُمدحُ : فالمالُ المذمومُ هو المالُ الذي يجمعُهُ المرءُ من حرامٍ لا يُبالي من حلالٍ أخذهُ أم من حرامٍ، أو يجمعُ المالَ ليقضيَ به شهواتِه المحرَّمةَ أي ليُشبِعَ نفسَهُ من شهواتِهِ المحرمةِ أو ليفخرَ بهِ على الناسِ أو ليتكبرَ فهذا هو المالُ المذمومُ،  وروى الترمذي في سننه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ قَالَ  :« إِنَّمَا الدُّنْيَا لأَرْبَعَةِ نَفَرٍ عَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالاً وَعِلْمًا فَهُوَ يَتَّقِى فِيهِ رَبَّهُ وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالاً فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لِي مَالاً لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلاَنٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالاً وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ لاَ يَتَّقِى فِيهِ رَبَّهُ وَلاَ يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَلاَ يَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالاً وَلاَ عِلْمًا فَهُوَ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لِي مَالاً لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلاَنٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ » ،فالمالُ الذي يجمعه المرءُ المسلمُ من حلالٍ ،بنيةِ أن يسْترَ به نفسَهُ ،وينتفعَ بهِ ،هو أو غيرُه أو ينفقَهُ على أولادِهِ وعلى أبويهِ وغيرِهما من أقاربِه، بغيرِ نيةِ التَّوصُّلِ إلى الفخرِ والتكبرِ على الناسِ ،فإن ذلكَ المالَ ليسَ بمذمومٍ والدليل على ذلكَ ما رواه الإمامِ أحمدَ وابنِ حبانَ أنَّهُ صلى اللهُ عليه وسلمَ قالَ لعمرِو بنِ العاصِ:« يَا عَمْرُو نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ لِلْمَرْءِ الصَّالِحِ”. والمالُ الصالحُ هو المالُ الذي يجمعُهُ المرءُ ويكتسبُهُ بطريقٍ حلالٍ، وأمَّا الرجُلُ الصالحُ فهو الإنسانُ المؤمنُ الذي يقومُ بحقوقِ اللهِ تعالى وحقوقِ العبادِ بأن يعرفَ ما افترضَ اللهُ تعالى عليهِ ويؤديَهُ ويعرفَ ما حرمَ اللهُ عليهِ ويجتنبَهُ. وقيلَ أيضًا في قولِه: «جَوَّاظٍ» الكثيرُ اللحمِ المختالُ في مِشيتهِ، وقيلَ: الأكولُ، فإذا جمعَ مع صفةِ الجعظريِّ أن يكون جواظًا فقد ارتفعَ في الشرِّ والفسادِ. وقد جاءت أحاديث عديدة في بيان الأوصاف التي ذكرت في الحديث السابق، ومن تلك الأحاديث المشابهة: ما جاء في صحيح البخاري من حديث حَارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ الْخُزَاعِيِّ -رضي الله عنه- عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَاعِفٍ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ، أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ). ومن الأحاديث أيضا في هذا المعنى: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ وَأَهْلِ الْجَنَّةِ؟ أَمَّا أَهْلُ الْجَنَّةِ فَكُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعِّفٍ أَشْعَثَ ذِي طِمْرَيْنِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ، وَأَمَّا أَهْلُ النَّارِ فَكُلُّ جَعْظَرِيٍّ جَوَّاظٍ جَمَّاعٍ مَنَّاعٍ ذِي تَبَعٍ). وعَنْ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ الْمُدْلِجِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: (يَا سُرَاقَةُ أَلَا أُخْبِرُكَ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ؟) قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: (أَمَّا أَهْلُ النَّارِ فَكُلُّ جَعْظَرِيٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ، وَأَمَّا أَهْلُ الْجَنَّةِ الضُّعَفَاءُ الْمَغْلُوبُونَ).

أما الصفة الثالثة : هي أن يكون سخَّابًا بالأسواقِ : أي أنَّهُ من شدةِ شُحِّهِ وحرصِهِ على المالِ ، يُكثرُ الصياحَ والكلامَ في سبيلِ جمعِ المالِ، وأما الصفة الرابعة : هي أن يكونَ جيفةً بالليلِ أي يستغرقُ ليلَهُ بالنومِ ولا يهتمُ بأن يكسبَ في ليلهِ من الصَّلواتِ ويتزودَ من الطاعاتِ، والصفة الخامسة ، أن يكون حمارًا بالنهارِ أي أن همَّهُ التفننُ بالأكلِ والإكثارُ من الملذاتِ وينشغلُ بذلكَ عنِ القيامِ بما افترضَهُ اللهُ تعالى عليه، ثم إذا انضافَ إلى ذلك الوصفُ الأخيرُ وهو أن يكونَ عارفًا بأمرِ الدنيا جاهلا بأمرِ الآخرةِ فقد تزايدَ شرُّه، فمن هنا يُعلمُ أنَّ من ءاتاهُ اللهُ عزَّ وجلَّ المالَ وكان عارفًا بطرقِ جمعِ المالِ وهو جاهلٌ بأمورِ الدّينِ أي بما افترضَ اللهُ تعالى عليه معرفَتَهُ من علمِ الدينِ فهو من شرِّ خلقِ اللهِ. ثم لا سبيلَ إلى أداءِ ما افترضَ اللهُ سبحانَهُ وتعالى واجتنابِ ما حرَّمَ اللهُ إلا بمعرفةِ العلمِ الضروريِّ من علمِ الدينِ، فمن أعرضَ عن تعلمِ هذه الضرورياتِ من علمِ الدينِ فإنه يهلكُ وهو لا يشعرُ، وفي الحديث المتقدم يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصناف الناس : (وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالاً وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ لاَ يَتَّقِى فِيهِ رَبَّهُ وَلاَ يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَلاَ يَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ ) ،وفي صحيحِ الإمامِ البخاريِّ من قولِ عليِّ بنِ أبي طالبٍ رضيَ اللهُ عنهُ أنَّهُ قَالَ : (ارْتَحَلَتِ الدُّنْيَا مُدْبِرَةً ، وَارْتَحَلَتِ الآخِرَةُ مُقْبِلَةً ، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَنُونَ ، فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الآخِرَةِ ، وَلاَ تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا ، فَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلاَ حِسَابَ ، وَغَدًا حِسَابٌ وَلاَ عَمَلَ ) فعجبًا لِمن يُقبلُ على المدبرةِ ويُدبرُ عن المُقبلة. ومعنى قوله «ارتحلت الدنيا» أي سارت الدنيا ومعنى «وهي مُدبرةٌ وارتحلتِ الآخرةُ وهي مُقبلةٌ» أي الدنيا سائرةٌ إلى الانقطاعِ والآخرةُ سارتْ مقبلةً، فالدنيا دارُ العملِ والآخرةُ دارُ الجزاءِ على العملِ.

من تكبّر أذلّه الله ومن تواضع لله رفعه الله جلّ وعلا

والمتكبرون يحشرون يوم القيامة في صور الذر تطؤهم الناس لهوانهم على الله تعالى

المتكبرون شرار الخلق وأهل النار كل جعظري جواظ مستكبر،

المتكبر يشمخ بأنفه إذا تكلم، ويجافي مرفقيه عن جنبيه لاويًا عنقه، يقارب خطاه إذا مشى، متطاولاً على إخوانه، مترفعًا على أقرانه، ينظر الناس شزرًا بمؤخر العين، متقدمًا عليهم إذا مشى، محتقرًا للعامة، ولا فرق عنده بينهم وبين الحمير استجهالاً منه له، فالمتكبر لا يحب للمؤمنين ما يحب لنفسه، لأنه لا يقدر على ذلك، ولا يقدر على التواضع وهو رأس أخلاق المتقين، ولا يقدر على ترك الحقد، ولا يقدر أن يدوم على الصدق، ولا يقدر على ترك الغضب، ولا على كظم الغيظ، ولا يسلم من الازدراء بالناس واحتقارهم ولا يسلم من اغتيابهم، وتنقصهم، لأن فيه من العظمة والعزة والكبرياء، ما يمنعه من ذلك، فما من خلق ذميم إلا وصاحب الكبر والعظمة مضطر إليه، ليحفظ به عزه وعظمته، وما من خلق محمود إلا وهو عاجز عنه خوفًا من أن يفوته عزه وعظمته، ولذلك ورد في الحديث أنه لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر، ومما جاء في وصية لقمان لابنه: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [لقمان: ١٨] . ومن تعاليم ربنا لهذه الأمة ونبيها عليه الصلاة والسلام، يقول تعالى: {وَلَا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً} [الإسراء: ٣٧]. فيا أيها المتكبر الناظر في عطفيه، المتعاظم في نفسه، إن شأنك حقير، وقدرك صغير ولست بمحسوب في العير، ولا في النفير، وما لك عند عاقل من حساب، ولا تقدير، لا قليل ولا كثير، فهون عليك، وارفق بنفسك، فإنك مغرور، يا مسكين وتدبر كلام رب العالمين {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ} [النحل: ٢٣] {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: ٦٠] {قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} [الزمر: ٧٢]. وذم الكبر في القرآن كثير، والمتكبر عدو لله ولنفسه، وللناس، يقصر في الواجب ويدعي ما ليس له ويتشدق في الكلام، ويتألق في اللباس، وإنه لثقيل في حركاته، وسكناته، بغيض في أمره ونهيه، ومجالسته، ومؤاكلته ومشاربته، والويل كل الويل لمن صاهره أو شاركه أو ربطته به صلة، لأن داء الكبر يعدي ويسري فتبعد السلامة من المقترب منه رأى بعض أهل العلم من يختال في مشيته فغمز جنبه، ثم قال ليست هذه مشية من في بطنه خراء، وكيف يتكبر من أوله نطفة مذرة، وآخره جيفة قذرة وهو مع ذلك يحمل البول والعذرة، هذا أكبر برهان على أنه دنس جاهل مجهول نكرة ممتلئًا كبرًا وإعجابًا بنفسه وسمعة، ورياء ولؤمًا وشؤمًا وشرها فهو أشبه شيء بالدخان يملأ الفضاء ويتك صدور الناس وأصله من القمامات والأوساخ المبعثرة نسأل الله أن يقلل هذا النوع المنحط وأن يكثر ضده من أهل التواضع واللين والعطف والحنان: قال الله تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص: ٨٣).

وفي كتابه الفوائد قال ابن القيّم رحمه الله:

أصل الأخلاق المذمومة كلها: الكبر والمهانة والدناءة.

وأصل الأخلاق المحمودة كلها: الخشوع وعلو الهمة.

فالفخر، والبطر، والأشر، والعجب، والحسد، والبغي، والخيلاء، والظلم، والقسوة، والتجبر، والإعراض، وإباء قبول النصيحة، والاستئثار، وطلب العلو، وحب الجاه والرئاسة، وأن يحمد بما لم يفعل، وأمثال ذلك؛ كلها ناشئة من الكبر.

وأما: الكذب، والخسة، والخيانة، والرياء، والمكر، والخديعة، والطمع، والفزع، والجبن، والبخل، والعجز، والكسل، والذل لغير الله، واستبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير، ونحو ذلك، فإنها من المهانة والدناءة وصغر النفس.

وأما الأخلاق الفاضلة: كالصبر، والشجاعة، والعدل، والمروءة، والعفة، والصيانة، والجود، والحلم، والعفو، والصفح، والاحتمال، والإيثار، وعزة النفس عن الدناءات، والتواضع، والقناعة، والصدق، والمكافأة على الإحسان بمثله أو أفضل، والتغافل عن زلات الناس، وترك الانشغال بما لا يعنيه، وسلامة القلب من تلك الأخلاق المذمومة، ونحو ذلك، فكلها ناشئة عن الخشوع وعلو الهمة.

والله سبحانه أخبر عن الأرض بأنها تكون خاشعة، ثم يُنزل عليها الماء فتهتز وتربو وتأخذ زينتها وبهجتها، فكذلك المخلوق منها إذا أصابه حظه من التوفيق.

وأما النار فطبعها العلو والإفساد، ثم تخمد فتصير أحقر شيء وأذله، وكذلك المخلوق منها، فهي دائما بين العلو إذا هاجت واضطربت، وبين الخسّة والدناءة إذا خمدت وسكنت.

والأخلاق المذمومة تابعة للنار والمخلوق منها.

والأخلاق الفاضلة تابعة للأرض والمخلوق منها.

فمن علت همته وخشعت نفسه اتصف بكل خلق جميل. ومن دنت همته وطغت نفسه اتصف بكل خلق رذيل.

مقالات مشابهة

  • حكم صلة الرحم في حال أخلاق الأهل سيئة
  • "خذوا زينتكم عند كل مسجد"
  • لغتنا الجميلة
  • الإفتاء توضح حدود طاعة الزوجة لزوجها
  • الإفتاء: صلة الرحم ليست مكافأة على معروف وإحسان إنما واجب ديني
  • علامات دخول وقت صلاة الفجر بالدلائل
  • رأي بعض العلماء الأحبار في موالاة الطغاة والكفار
  • من تكبر أذلّه الله جلّ وعلا
  • لماذا تجلى الله لسيدنا موسى عند جبل الطور دون بقية البقاع المباركة؟