منتدى الحداثة والتنوير الثقافي يحتفل بالتجربة الابداعية للاديب الكبير عبدالله سلام ناجي
تاريخ النشر: 17th, August 2023 GMT
سام برس
أحتفل منتدى الحداثة والتنوير الثقافي في بيت الثقافة بالعاصمة صنعاء صباح الخميس ، بالتجربة الابداعية للاديب الكبير عبدالله سلام ناجي رحمة الله عليه.
والقى الدكتور احمد قايد الصايدي كلمة بالمناسبة قال فيها :
عبدُ الله سلام ناجي .. فارسٌ من زمن الحُلم العربي .. الحاضرون جميعاً في هذه المناسبة الدالة على الوفاء الزاخرة بالذكريات المليئة بالعبر ، أحسست وانا أراجع ذكرياتي مع المناضل الوطني الأديب الشاعر، الصديق عبد الله سلام ناجي، وأقرأُ مرةً أخرى ما كنت قد كتبته عند رحيلِه، قبل أكثرَ من عِقدين من الزمن، أحسست بأن ما كتبتُه في لحظة الوداع الحزينة، يمكن أن يعبر عن اللحظةِ الراهنة، في هذه القاعة التي تطالعني فيها وجوه بعض من تبقى من أبناء جيله، ووجوه شبابٍ من جيلٍ جديد، نعول عليهم في وصلِ ما انقطع، وفي إحياءِ الأملِ في نفوسِنا المتعبة، وفي حملِ رسالةِ جيلِ سبقَهم، ولم يبلغ نهايةَ الشوط، رغم كلِ التضحياتِ التي قدمها، والأحلامِ التي نسج خيوطَها، والمسالكِ التي عبدها ليمضي عليها أبناؤنا وأجيالُنا القادمة.
واسمحوا لي أيها الأعزاء أن أقتبس مما كتبته في لحظة الوداع الحزينة تلك.
ولن أُثقلَ عليكم :
عبدالله سلام ناجي (أديبٌ وشاعر). هذا هو التعريف الذي تردد على الألسنة، وسمعته يتكرر على ألسنةِ أناسٍ، لا يعرفون عبد الله سلام سوى معرفةِ سماعٍ ناقصة.
وأكثرهم لا يعرف من نضاله الوطني وإبداعه الشعري وإنتاجه الأدبي والفكري سوى ملحمةِ (نشوان والراعية). وبدلاً من أن تعرَّفَ الملحمةُ بشاعرِها، أصبح شاعرُها يعرَّفُ بها. مع أنه أكبرُ حجماً وأوسعُ امتداداً، في الزمان والمكانِ من تلك الملحمةِ الذائعةِ الصيت. ولا أخفي أنني شعرت بالحزنِ الممض، أثناءَ توديعِ الفقيدِ إلى مثواهُ الأخير. ليس فقط لفقد رجلٍ من الرجالِ الصادقين، ورفيقٍ من زمن الحُلم العربي، بل لأن النفرَ القليلَ، الذين جاؤوا لتوديعه في ذلك اليومِ الحزين، كانوا ينتمون إلى ذلك الحُلم، وبدوا لمن يراهم، شعثاً غبراً، وكأنهم بُعثوا من كهوف الذكريات، ومن زمنٍ غيرِ هذا الزمن. معظمُهم رفاقُ قضيةٍ، بدت وكأنها قد ماتت. ولهذا انزووا في زوايا الذكريات. ماعدا قلةٍ منهم، مايزالون مصرين على تحريك المياهِ الراكدة، علها تعاودُ التدفق، ويهدهدون أحلاماً غفت، علها تستيقظ.
لقد وضع عبد الله رأسَه المتعب على وِسادة الغيابِ الأبدي، وودع الحياةَ، قبل أن تستيقظَ الأحلامُ وتعاودَ السيرَ من جديد.
وحزنتُ، لأن الصادقين يتامى في زمننا هذا. فلو كان ابن سلام، تلك الشعلةُ التي كان لها بريقٌ وصوتٌ هادرٌ في زمن الحُلم العربي، لوكان ذا ثروةٍ أو سلطان، لامتلأت جنباتُ المقبرة بعشاقِ الحياة، ولتبارتِ الأقلامُ، وتنافست وسائلُ الإعلامِ، بمختلف مشاربها، في الحديث عن دورهِ وتاريخِه ومناقبِه. ولَأشهر الكثيرون حبَهم ووِدَهم وحزنَهم، حتى من لم يعرفوه.
أما ابن سلام، ذلك البلبلُ العاشقُ لليمن، والمناضلُ الصلب، الذي لم يعد يذكرُ نضالَه سوى قلةٍ من رفاقِ الأمس، وربما قلةٍ قليلةٍ من شباب اليوم، أما ذلك المغوارُ اليمنيُ، فقد ولى زمانُه وزمانُ أمثالِه. ولما لم يكن في يده ما يغري عشاقَ الدنيا، فقد ماتَ بهدوءٍ ودُفنَ بصمتٍ، صاحبُ الصوتِ المجلجلِ الهادر، الذي كان يوماً ملءَ السمعِ والبصر.
كان هذا مما كتبته في ذلك اليوم الحزين، الذي لحقت به أيامٌ حزينةٌ أخرى كثيرة. ودعنا فيها أحبابَنا، من أبناءِ الحُلم العربي، الواحد تلو الآخر، والغُصةُ تخنقنا، وحُلمنا يبدو أكثرَ بعداً، مما كان عليه ذات يوم، ووطننا العربيُ الكبير، أكثرَ تمزقاً، محاط بالمؤامرات. يقتتل أبناؤه فيما بينهم، يخوضون حروباً ليست حروبهم، ويخدمون مصالح ليست مصالحهم، ويأتمرون بأوامرَ دولٍ، لا تضمر الخير لهم، بل تسعى إلى تجزئة وطنهم وتفتيت مجتمعهم ونهب ثرواتهم، وتحويلِهم إلى طوائفَ وعشائرَ ومناطقَ متناحرة، تسخِّر قدراتِها وشجاعتَها وبسالتَها لتحقيقِ مآربِ أعدائها.
ولكن رغم ما تبدو عليه الصورةُ من سوادٍ، تنقبض له النفس، ورغم ما نعيشه من كوارثَ ومحن، ورغم ما تغمرنا به المناسباتُ الحزينةُ من ألمٍ، ومن إحساسٍ بالإحباط، فإن الاحتفاء بالتجربة الإبداعية لمناضلٍ وطنيٍ مبدع، بحجم الصديق عبد الله سلام، رحمه الله، بعد مضي أكثرَ من عِقدين من الزمن على رحيله (رحل في الثاني من يونيو، عام 1999م)، بما يحمله هذا الاحتفاء من دِلالاتٍ ومعانيَ وطنية، يشعرني بأن النهرَ سيتدفق، وإن انحبست مياهُهُ لبعضِ الوقت، وأن حُلمَ جيلِنا، الذي بدا لبعضِ الوقتِ وكأنه قد أفل، سيعود من جديدٍ، أكثر تألقاً وبهاءً، وأكثرَ نضجاً وعقلانيةً. ولن يكون مظهرُ أفولِه الحاليٍّ سوى سحابةِ صيفٍ ولحظةِ تراجعٍ مؤقتة. فالاحتفاء بتجربة رمز من أبرز رموزنا الوطنيةِ والأدبية، حمل حُلمَنا وكرس حياتَه له، هو في حقيقته إحياءٌ لهذا الحُلم، وتعبيرٌ عن إصرارِ شبابِنا، على مواصلةِ ما بدأته الأجيالُ السابقةُ من نضالٍ، في سبيلِ تقدُّمِ اليمن ونهضتِه، وبناءِ دولتِه القوية، دولةِ التنمية والخدمات، دولة الشراكةِ الوطنيةِ، والمواطنةِ المتساويةِ، والتبادلِ السلمي للسلطةِ، عبر صناديق الانتخابات.
شكراً لجهود الشباب، الذين جمعونا هنا، لنحتفي بالتجربة الإبداعية لفارس من زمن الحُلم العربي، الشباب الذين حرِصوا ويحرصون، بثباتٍ يثير الإعجاب، على التمسك بهذا الحُلم، وتحويله إلى واقعٍ معاشٍ يستحقه اليمن، ويستحقُه اليمنيون الطيبون.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المصدر: سام برس
إقرأ أيضاً:
أبو خالد.. في القلوب
خالد عبدالله تريم
قبل أحد عشر عاماً، وفي مثل هذا اليوم في الثلاثين من يناير 2014، كان وقع الفاجعة كبيراً ومؤلماً.. إذ غيّب الموت قامة إنسانية عربية إماراتية، قامة لها في الوطن الكثير، وفي النفس والوجدان الكثير والكثير، الوالد عبدالله عمران تريم، في ذمة الله.
لا رادّ لقضاء الله بالتأكيد، ولكن فقدان هذا الصرح الإنساني الشامخ، لم يكن سهلاً على محبّيه أو من عرفوه أو من سمعوا عنه.. إنه من أعلام وطننا زاخر البهاء والرقيّ، ومن القامات التي أسهمت في بنائه واتحاده على صعُد كثيرة، وإذا عدنا إلى سيرته الثريّة، فلا تكفينا مقالة، أو صفحة.. إنّه رجل وإنسان يستحقّ بكل المقاييس، أن نتحدث عن سيرته وإنجازاته، ابتداءً من أولى خطوات طموحه التعلمي من مصر حيث نال الإجازة في التاريخ من كلية الآداب في جامعة القاهرة، وليس انتهاء بجامعة «إكستر» البريطانية، حيث نال الدكتوراه في التاريخ.
الوالد الراحل كان ممن شاركوا في عضوية فريق مفاوضات إقامة دولة الإمارات، وبعد شموخ الاتحاد، وقيام الدولة، كان مع شقيقه الراحل العم تريم عمران، عضوين مهمّين في أولى تشكيلات المناصب العليا في الدولة، حيث كلفهما الوالد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، بمهام كبرى، كانا على قدرها بالعزيمة والطموح.
الدكتور عبدالله عمران، رمز وطني عروبي، وأحد روّاد الفكر والثقافة والإعلام، وقطب من أقطاب الوعي والتنوير في الخليج والوطن العربي، قدم إسهامات واضحة في مختلف القضايا الوطنية والعربية طوال حياته، فكلفه المغفور له الشيخ زايد، طيب الله ثراه، بوزارتي التربية والعدل خلال مرحلتين مختلفتين، لما عرف عنه قدرته على وضع أسس تربية وتعليم الأجيال، وسنّ التشريعات لتعزيز قيم العدالة.
للوالد عبدالله والعم تريم، ذكريات لا تمحوها السنوات، فهما اللذان تحديا الصعاب قبل أكثر من نصف قرن لترى صحيفتهما «الخليج» النور، فكانا صلبين كالصخر، وعنيدين بالحق والحقيقة من دون لين، واجها كل الأحوال ليصدرا صحيفتنا «الخليج» عام 1970، ورغم توقفها بسبب انشغالهما لنحو 10 سنوات، عاودا إصدارها عام 1980، ومنذ ذلك اليوم لم تغب «الخليج» يوماً، ولم يتخلّ الوالد والعم عن حلمهما، حتى فارقا الحياة، العم تريم انتقل إلى جوار ربه في 2002، والوالد في 2014.
والدي ومعلمي، عبدالله عمران، عليك رحمة الله، رغم الفراق الصعب، أنت باق فينا، في أولادك، وفي أحفادك، وفي أسرتك الإعلامية الكبيرة، باقٍ معنا في وطنك الذي لا ينسى رجاله الذين قدموا له حياتهم وعملهم، باقٍ بذكرك الطيب، وصحيفتك التي تتحدى الصعاب لتبقى مبحرة في بحر من الحبر والورق، رغم مواكبتها لكل جديد في عالم التقنيات والمواقع الإخبارية.
«أبو خالد».. أنت والد لا تنسى، نرى وجهك كل يوم، في بيتنا، في حيّنا، في كل تفاصيل حياتنا، وفي روحك التي تتوهّج في كل ركن من أركان «الخليج»، لتشرق معها كما تشرق الشمس في سمائنا كل يوم.