الكيزان وتسييس الامتحانات
تاريخ النشر: 12th, December 2024 GMT
الكيزان وتسييس الامتحانات
د. النور حمد
في بلد أصبحت، من حيث نظام الحكم والإدارة، جزرًا متقطعةً، وفي ظروفٍ طال فيها التشرد والعوز وانعدام الأمن الشخصي ملايين السكان، تصر حكومة الكيزان في بورتسودان على إقامة امتحانات الشهادة السودانية. لكن لا غرابة، فالكيزان، منذ أن وصلوا إلى السلطة في عام 1989، وطَّنوا أنفسهم على أن يتجاهلوا، وألا يحسُّوا، ولا يتعاطفوا مع الشعب، مهما أصابه.
ما يهم الكيزان هي أن يكسبوا. فهم فرقةٌ جُبلت على الكسب، دون النظر لأي اعتبارات أخرى، أيًّا كانت. فهم يريدون كسب أي حربٍ، رغم أنهم لم يكسبوا أي حربٍ خاضوها؛ لا حرب الجنوب، ولا حرب دارفور، ولا حرب جبال النوبة، ولا حرب جنوب النيل الأزرق، ولا حتى حرب أبريل هذه، التي لا تزال رحاها دائرة. إلى جانب ذلك، ظلوا مصرِّين على احتكار السلطة، وأن يكونوا الجهة الوحيدة الكاسبة سياسيًا. وأي دعوة سبق أن دعوها للحوار وللتوافق الوطني، كانت لا تنتهي إلا بانفرادهم بسلطة القرار، وجعل الآخرين مجرد ديكور.
لكن، هم يحرصون، أكثر من هذا وذاك، على الكسب المالي. لقد أخرجوا الناس من الأسواق واحتكروها لأنفسهم وفق خطَّةٍ مُحكمةٍ ممنهجة. بل فصلوا الموظفين الأكفاء من وظائفهم ليأخذوا مواقعهم لأعضاء تنظيمهم. كما احتكروا ثروات البلاد لأشخاصهم وتنظيمهم، وأخفوها عن أعين الشعب والدولة. فجعلوا البلاد، من حيث مستوى التنمية الاقتصادية، بسبب نهب الثروات على مدى 35 عامًا، مضحَكةً بين البلدان. باختصار، هذه فرقةٌ دينيةٌ ضالةٌ، تحولت إلى عصابةٍ ناهبة. فأضحى محركها الوحيد هو الكسب الشخصي والجهوي، سواءً في السلطة أو في المال، دون النظر لأي اعتبارات أخرى. من أجل ذلك، ظلت هذه العصابة الشرهة للتحكم في كلِّ عرضٍ زائلٍ، تقتل خارج نطاق القانون، بصورةٍ فرديةٍ وجماعية، وتُخفي قسريًّا، وتعذِّب، وتشرِّد، وتغتصب، وتنهب، وتبيع أراضي البلاد، وترتكب كل موبقة.
مواصلةً لهذا النهج، وضمن حملتها التضليلية الضخمة التي تهدف إلى القول إنهم لا يزالون ممسكين بزمام الأمور، رغم هروبهم من العاصمة القومية، واتخاذهم عاصمةٍ جديدة، في أقصى ساحل بحري في شمال شرقي البلاد، تجدهم يجهدون أنفسهم في تسويق الوهم للعامة بأن كل شيءٍ على ما يرام. وعلى سبيل المثال، تجد الفريق البرهان يعين واليًا لغرب دارفور، رغم أن الكل يعرف أن غرب دارفور واقعةٌ تحت سيطرة قوات الدعم السريع، بل إن حاكم الإقليم نفسه يعيش لاجئًا في بورتسودان. كما تقرأ في الأخبار، وهذا مما قرأته اليوم، أن: “لجنة أمن ولاية الخرطوم تقف على جملة من الإنجازات في المجالات الجنائية وضبط العصابات والحد من الظواهر السالبة”. هذا في حين أن حكومة الكيزان لا وجود لها في كامل ولاية الخرطوم، إلا في جيوب صغيرة منعزلة، أكبر جيب فيها هو جيب محلية كرري، الذي لا تتجاوز مساحته ثلاثين كيلومترًا مربعا. كما يعلم الجميع أنه لا توجد شرطة في كامل ولاية الخرطوم منذ بداية الحرب ليقوموا بضبط العصابات. بل، إن الذين ينهبون الثورات وأحياء أمدرمان القديمة هم جنود الجيش أنفسهم. والكل يعلم أنهم يبعيون المسروقات، جهارًا نهارًا، في سوق صابرين، في قلب محلية كرري.
على غرار هذه الأكاذيب تصر عصابة بورتسودان على إجراء امتحانات الشهادة السودانية، بصورةٍ جزئية في الأجزاء التي يسيطر عليه الجيش. وقد أورد موقع قناة سكاي نيوز عربية، أن التقديرات تشير إلى أن نحو 400 ألف طالب، يمثلون ثلثي أعداد الطلاب البالغة 600 ألف، لن يتمكنوا من الجلوس للامتحانات، لأنهم يقعون في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع. يُضاف إلى ذلك، أن المدارس التي كان يقيم فيها اللاجئون قد أُخليت بالقوة لكي يجري إعدادها لتكون مقَّراتٍ للامتحانات، وكأن الامتحانات أهم من إيواء الذين شردتهم الحرب.
هذا الإصرار على إقامة امتحانات الشهادة بهذه الصورة الجزئية المخلة يوغر نفوس من لا يستطيعون المجيء لأدائها، ويعمق الانقسام المجتمعي، بل وانقسام البلاد نفسها. ولا أستبعد أن يكون الإصرار على إقامة هذه الامتحانت جزء من حملة إيذاء حواضن الدعم السريع، بلا جريرة اقترفوها. يُضاف إلى ما تقدم، فإن ذهاب من يستطيعون الذهاب لأدائها يكلِّف الأسر التي يذهب أبناؤها وبناتها لأدئها كلفةً ماليةً فوق طاقتها. فهي أحوج ما تكون للمال لمواجهة مشاكل المعيشة التي تتصاعد كلفتها يوميًّا، وإبعاد شبح المجاعة التي أضحت تهدد الجميع. فالأسر تدبِّر مالاً لسفر وإسكان أبنائها وبناتها، في مقرَّات الامتحانات، في وقتٍ أصبحت فيه كلفة السفر والإسكان باهظةً للغاية. وقد أشارت بعض التقارير أن بعض الطلاب الذين حاولوا الالتحاق بالامتحانات قد تعرَّضوا، للاعتقال تحت ما يسمى قانون “الوجوه الغريبة”. وما من شكٍّ، أن السفر لمسافاتٍ طويلةٍ في مثل هذه الظروف، التي تضعضعت فيها سلطة الدولة وعمَّت فيها الفوضى، يشكِّل خطرًا كبيرًا على الطلاب والطالبات المسافرين.
مرةً أخرى، الكيزان تهمهم أغراضهم هم، غض النظر عما يصيب الآخرين من جراء إصرارهم على فعل ما يريدون فعله. فغرض هذه الامتحانات سياسيٌّ بحت، وهو القول أن الأمور تحت السيطرة وأن الدولة وأجهزتها لا تزال تعمل. وكل هذا هراءٌ كيزانيٌّ تعودناه لعشرات السنين. لقد تجاهلوا كل هذه الاعتبارات التي ذكرناها، وهي اعتبارات يمكن أن يراها كل شخصٍ عاقلٍ في مثل هذه الظروف، لكن الكيزان تعوَّدوا ألا يروا إلا ما يريدون.
ما معنى أن تمتحن الدولة ثلث الطلاب في القطر وتترك الثلثين؟ ثم أين هي الجامعات العاملة حاليًا، التي سوف تستوعب الناجحين من هؤلاء؟ ودعك من طلاب الثانويات المساكين الذي أُجبروا على القيام بهذه المخاطرة الكبيرة التي أرهقوا فيها كاهل أسرهم، ودعنا نسأل: كم من الذين تخرَّجوا من الجامعات عبر سنوات الإنقاذ أوجدت لهم سلطة الكيزان فرصًا للعمل؟ وهل الأَوْلى في مثل هذه الظروف بالغة السوء، التصدي لمشاكل التشرد والجوع وانعدام الأمن وتوفير الدواء، أم امتحان الطلاب بلا هدفٍ ذي مردودٍ واضحٍ من امتحانهم؟ ولا أستبعد إطلاقًا أن تكون وراء هذا الأمر أغراضٌ خفيةٌ أخرى، كجمع الرسوم، وخلق سوقٍ حامٍ للترحيل، وللسكن، وانعاش الأسواق بما يفيد المتنفذين، وغير ذلك. خلاصة القول، لن تنصلح هذه البلاد، يد الدهر، ما بقيت شؤونها في قبضة هذه العصابة الإجرامية.
elnourh@gmail.com
الوسومالامتحانات الخرطوم السودان الكيزان امتحانات الشهادة السودانية بورتسودان د. النور حمد دارفور عبد الفتاح البرهانالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الامتحانات الخرطوم السودان الكيزان امتحانات الشهادة السودانية بورتسودان د النور حمد دارفور عبد الفتاح البرهان امتحانات الشهادة لا حرب
إقرأ أيضاً:
(دي مصيبة شنو الوقعنا فيها) !!
(دي مصيبة شنو الوقعنا فيها) !!.. مازلنا نكرر ونعيد القول إن الشعب يوجد في جهاز صوته عطل مزمن وان حل مشاكله لايباشرها بنفسه بل يتركها للغير !!..
اليابان بلد ديمقراطي يتم اختيار كل أجهزته الدستورية بالانتخاب ، وتتم هذه العملية السياسية في جو من المسؤولية الوطنية والخلاصة أن هذا البلد نسبة الفساد فيه متدنية ولا نقول انها معدومة حتي لا نزعم بنسبتهم للمدينة الفاضلة التي هي ضرب من الخيال أن تري النور في زماننا هذا الذي اختلطت فيه الأمور واختلت الموازين .
كأي بلد ديمقراطي عندهم الفصل بين السلطات الثلاث ولهم رئيس وزراء كما هو متعارف عليه يكون في الغالب هو رئيس الحزب الفائز ولهم مجلس نيابي مراقبته لصيقة للحكومة ويصدر من القرارات والأحكام مافيه منفعة البلاد والعباد والقضاء نزيه وسلطته مستقلة تماما والتعليم في أوجه والبحث العلمي والجامعات في صحة وعافية !!..
هؤلاء البشر يهتمون بالطفل ويوفرون له الرعاية الكاملة والروضة عندهم ليست كما عندنا نشغل الصغار بمواد يذاكرونها مثل طلبة الشهادة ويجلسون لامتحانات وتستخرج لهم شهادات وتقام لهم حفلات تخريج افخم من تخريج جامعات كمبردج واكسفورد ونسمع في الحفل الذي يقدمه مذيعون متخصصون أسماء الدفعة المتخرجة بألقاب فخمة مثل البشمهندس ، الكولونيل ، رائد الفضاء ، البروف ، الدكتور ، الوزير السفير والعالم النحرير والفقيه الدستوري وأستاذ الاساتيذ وقاهر جبال الأنديز ومكتشف أنجع دواء لأمراض السرطان والذئبة الحمراء ومرض القرد الاسود وحمي البيت الأبيض الامريكي !!..
وعند الدخول للصف الاول الابتدائي نجد كل هؤلاء العباقرة لا يعرفون القراءة والكتابة ولا الحساب فقط يعرفون تشغيل الموبايل بمهنية عالية يعجز عنها كبار مهندسي تكنولوجيا المعلومات !!..
نعود لصغار اليابانيين الذين تتيح لهم الروضة ممارسة اللعب بكافة ضروبه بدنيا وإلكترونيا وذهنيا عشان لما يجي وقت الجد يكونوا كملوا كل انواع اللعب ومن ثم يتقرغوا للرهبنة داخل أسوار المعامل ليخرج منهم حملة نوبل والمخترعون في كافة التخصصات خاصة في العربات والقطارات والطائرات والبطاريات والاستشوارات وماكينات الديزل وماكينات الحلاقة والمحولات !!..
طبعا اطفالنا وحتي وهم في الجامعة عشان ما كملوا لعبهم زمان يريدون أن يلعبوا الآن حتي ولو أصبحوا وزراء دولة أو وزراء كبار وحتي لو أصبحوا رؤساء جمهوريات وأمناء حكومات وولاة ومدراء اقسام وزعماء نقابات ورؤساء قبائل وأندية رياضية وغرف تجارية ومنظمات أدبية وثقافية واجتماعية !!..
التلميذ الياباني منذ الصف الاول الابتدائي يدربونه علي الانتخابات واحترام النتيجة وتهنئة الفائز ويباشر الفائز مهام منصبه وكأنه عضو كونغرس بغرفتيه وقد تم انتخابه ( ألفة ) علي الفصل فيباشر عمله بكل جدية وكأنه المهندس الشاعر القانوني ابو سامي دولة رئيس الوزراء محمد احمد محجوب أو كأنه الازهري وصحبه من الأحزاب التاريخية التي فتكت بها الأنظمة الشمولية وحولتها الي ( صحن مرارة ) !!..
نحتاج الي الديمقراطية بسياسة الخطوة بخطوة ومنذ نعومة الاظفار ونحن مشكلتنا تعلمناها كبارا بعد أن فات الاوان فصارت الديمقراطية فينا عديمة الأثر مثل النقش في البحر الميت !!..
لاباس لا تخافوا ولا تحزنوا والرجوع للحق فضيلة وحقيقة نحن نحتاج لخبراء يدونا محاضرات في الرأي والرأي الآخر واحترام الخصم وعدم التعصب لفكرة هي في الأصل كذبة اول من صدقها هو قائلها وبعد ذلك يضعها في اسطوانات يطوف بها جميع ملاهي وسيركات وساحات الدافوري في أفريقيا وآسيا وجبال الألب وصحاري كلهاري وبيوضة واتكاما وغابات المانجروف في فينا وأبو روف والفي الجبين لا بد تشوفو العين ...
أما مازلنا لم نفهم الدرس ؟!
حمد النيل فضل المولي عبد الرحمن قرشي .
معلم مخضرم .
ghamedalneil@gmail.com