أعلنت دار نشر الجامعة الأمريكية بالقاهرة اليوم عن منح "ميدالية نجيب محفوظ للأدب" لعام 2024 للروائي اللبناني محمد طرزي عن روايته ميكروفون كاتم صوت. أقيم حفل توزيع الجائزة في قاعة إيوارت التذكارية التاريخية بحرم الجامعة الأمريكية بالقاهرة في التحرير، بحضور نخبة من الكتاب والشخصيات الثقافية من مصر وخارجها.

كلمة الفائز بجائزة نجيب محفوظ 

وفي كلمته قال الأديب اللبناني محمد طرزي: إنها لمصادفة روائية أن تفوز "ميكروفون كاتم صوت" بجائزة نجيب محفوظ للأدب، لأن ما أثار فكرةَ الرواية في المقام الأول، ودفعني إلى كتابتها اقتباسٌ لأستاذنا قرأته عرضًا في إحدى الصحف؛ "وطن المرء ليس مكان ولادته، لكنه المكان الذي تنتهي فيه كل محاولاته للهروب". فكان هذا الاقتباس بمثابة إيجاز بليغ لحياة بطل الرواية سلطان، ذاك الشابّ الذي فعل كل شيء كي يخرج حيًّا من المقبرة التي ولد فيها. إنها لمصادفة أيضًا أن يفوز ميكروفونٌ أدبيٌّ بهذه الجائزة في زمن انتصار صرخة الشعب السوريّ على كواتم الصوت.

وأضاف: الرواية، كما يشير عنوانها، عن الميكروفون الذي يحاصرنا منذ سنوات بعيدة، يزعق بكل ما يناقض تطلّعاتنا لحياة كريمة، يخطب فينا، يروّج للوهم، يسوّق للجهل والخرافة، يكمّ الأصوات، يسطو على أموال الناس وأحلامهم ومستقبلهم، لكننا اليوم، إذ نجد أنفسنا محاصرين بالصمت المدوّي حيال ما يجري من مجازر في فلسطين، نكاد نترحّم على زمن الميكروفونات. 

لماذا نكتب؟ 

واستطرد: نكتب كي نتصدّى للميكروفون الذي يسلب الصحافي رأيه، والطفل دميته والمرأة المشرقية حقّها في جسدها وصوتها. نكتب كي نتمرّد على الميكروفون الأكبر، ذاك الذي يختلق صراعات لا أسس لها بين الشرق والغرب، يخوّف الشعوب، بعضهما من بعض، حتى أصبحت كلّ جماعة تعيش في صندوق أسود مغلق، معتقدة أنه العالم، وأن كل من هو خارجه عدوّ لها. والأهمّ من ذلك، نكتب كي نُسكت الميكروفونات العنصرية والطائفية والطبقية المزروعة في داخلنا، تلك التي ما انفكت توسوس لنا، تقنعنا بأننا مختلفون، أو مصطفون دون الآخرين من البشر. نكتب لأننا نؤمن بقدرة الأدب، بل بقدرة الفنون جميعها، على سحق الميكروفونات، وإيقاظ الجمال الإنسانيّ الدفين في داخل كل واحد منا. إذ وحده الجمال قادر على إنقاذ العالم. 

أحداثُ الرواية تدور في صوُر، المدينة التي أضحت فجأة حديث وكالات الأنباء، لما تعرّضت له من عدوان. من زار المدينة تعرّف بسهولة إلى معالمها المذكورة في طيّات السرد، ولكنْ، ليس بعد هذا اليوم، إذ غيّر العدوان ملامحها، وشوّه أجمل ما فيها. عَلّق في سمائها ميكروفونًا خرافي الحجم، صوته مرعبٌ كريه، يلاحق الأطفال في الأزقة، والرضّع في الأسرّة، يسفك دماءهم، من دون حاجة إلى كواتم للصوت، بل رأيناه، يصوّر أفعاله الشنيعة، ويبثها عبر الشاشات، كمن يفتخر بانتهاك القيم الإنسانية التي نحتفي بها اليوم في كنف هذا الصرح العريق.

النضال ضد الكراهية 

وأكمل: كتبتُ هذه الرواية وأنا محاصر بالميكروفونات التي تكتم صوتي وتغلّ لساني. كان شعبي مفلسًا، موزّعًا بين المقابر ومراكب الموت. أبواب المستشفيات موصدة أمام المرضى بعدما احتكرت حاشية الزعيم الدواء، أسوة بسائر المواد الأساسية. كتبتُها صامتًا، يبلّل الدمع عينَي، كأنني واحد من الشخصيات البكم التي دفعتُ بها في الرواية. لعلّ بكمي إذن هو ما لامس  وجدان أعضاء اللجنة الموقّرة، فقرروا منحي أغلى ما يتطلّع إليه الكاتب "الصوت"، وقد تجسّد هذا الصوت على هيئة ميدالية تحمل اسم كاتبنا الكبير، وهم بذلك إنما يضمّونني إلى لائحة المبدعين الذين منحوا هذه الجائزة لجودة أقلامهم ولنضالهم الصلب ضدّ الكراهية والطغيان. فشكرًا لكم وشكرًا لكل من حضر كي يشاركني البهجة هذا المساء.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: نجيب محفوظ محمد طرزي المزيد نجیب محفوظ میکروفون ا

إقرأ أيضاً:

د.تامر فايز: نجيب محفوظ كان ناقدا متمكنا من أدواته

قال الدكتور تامر فايز أستاذ الأدب العربي الحديث بجامعة القاهرة، متحدثا عن كتابه "نجيب محفوظ ناقدا"، إنه عرض في كتابه مقاربات نقدية لحوارات محفوظ خلال نصف قرن أظهرت صورة نجيب محفوظ الناقد.
متابعا: وقد خلصت إلى أن محفوظ كان ناقدا متمكنا وملما بأنساق نقدية خاصة به.
ويضيف د.تامر فايز: لم أكن أنوي كتابة كتاب كامل عن محفوظ؛ لأننى كتبت عنه في أحد الأبحاث التي نلت عنها ترقية، تناولت خلاله مسرحياته القصيرة وقصصه القصيرة وعلاقتها بالسينما، كما تناولت رواية الحرافيش، ضمن الأدب المقارن.

مؤكدا أن هذا الكتاب جاء مصادفة، فقد كُلفت ببحث  عن محفوظ فأفاجأ بهذا الكم الهائل الذي تخطى 30 حوارا في صحف ومجلات، وكلها لم يجمع في كتاب واحد، لذا قررت جمعها، فجمعت ما استطعت الحصول عليه من مكتبات دار الكتب، والمكتبة المركزية بجامعة القاهرة، وغيرهما، لأكتشف أنني أمام مبدع يتميز بملمح لم يتكلم عنه أحد وهو محفوظ الناقد.

مضيفا، أن هناك علاقة وطيدة بين كون محفوظ ناقدا ودراسته للفلسفة، فالفلسفة ترتبط بالنظريات النقدية فهي تضاف للمصادر التي شكلت وعيه النقدي.

مؤكدا أن وعي محفوظ النقدي لم يقل في قيمته النقدية عن النقاد المشهورين مثل مندور وتليمة وغيرهما، فكانت آراؤه تتبع المناهج النقدية والنظريات النقدية المعروفة، كما حاولت تطبيق التأويل باكتشاف بعض سمات محفوظ عن طريق الضحك والإيماءات والصمت، ذلك أن محفوظ كان ذكيا يعرف متى يصمت ومتى يتكلم ومتى يومئ، ومتى يشير.

ويضيف: يمتلك محفوظ من المصطلحات النقدية ما يضاهي النظريات الغربية والإجراءات النقدية المتبعة، فكان على وعي كبير بها، ولذلك ظهر لي بوصفه ناقدا نظريا وتطبيقيا في فنون الرواية والمسرح والقصة القصيرة والسينما، كما يمكننا أن نطلق عليه الناقد الثقافي، وهذا لا علاقة له بمصطلح النقد الثقافي، ولكنني أعي بالناقد الثقافي هو أن محفوظ كان ممتلكا لاراء نقدية تجاه المجتمع تجاه الحالة الثقافية العامة في المجتمع والواقع، عن قضايا الزواج والفقر وغيرهما، فكان يرد بوصفه مثقفا واعيا.
ويتابع: واكتشفت أن آراء محفوظ النقدية قد أثرت كثيرا على نقاده، فمثلا في كتاب المنتمي لغالي شكري يذكر  "أنا كمال عبد الجواد في الثلاثية" وبالتالي فقد اعتمدت بعض اراء النقاد على مقولته تلك.
من ناحية أخرى أكد د. تامر: إن تلك الحوارات التي أقمت عليها دراستي تمثل كنزا لي وللدارسين، فقد ذكر محفوظ جزءا كبيرا من سيرته الذاتية من خلال حواراته، فهو الذي قال أنا لم أخبئ شيئا، أنا رجل مسالم، وذلك عندما سئل لماذا لم تكتب سيرتك حتى الآن؟

ويختتم د.تامر فايز، قائلا:  الجميل في تلك الحوارات هو أنني اكتشفت أن أجزاء من تلك الحوارات تحولت لأعمال أدبية، فبعض الأسئلة كانت تحوله إلى سارد وليست مجرد إجابة ، فعندما سئل عن ثوره 19 وكيف أثرت فيه رد في بقصة قصيرة جدا، وجدت فيها كل العناصر المكتملة التي وضعها النقاد لمثل هذا النوع الأدبي.

جاء ذلك خلال المائدة المستديرة التي أقيمت في إطار احتفال وزارة الثقافة  بالذكرى ال١١٣ لميلاد الكاتب العالمي نجيب محفوظ.. حيث استضاف متحف نجيب محفوظ - بتكية محمد بك ابو الذهب بجوار الجامع الازهر- التابع لقطاع صندوق التنمية الثقافية، مجموعة من الفعاليات أمس الاربعاء، منها: معرض عالمي للرسوم الكاريكاتورية، افتتحه كل من المعماري/ حمدي السطوحى مساعد وزير الثقافة للمشروعات الثقافية والمشرف على قطاع صندوق التنمية الثقافية، والسيدة / س. شوشما القائم بأعمال سفيرة الهند بالقاهرة وبحضور ا.د. مينا رمزي رئيس دار الكتب و د. براكاش تشودهاري مدير المركز الثقافي الهندي والكاتب الصحفي طارق الطاهر المشرف على متحف نجيب محفوظ.
وقد جمعت الاعمال المعروضة بين نجيب محفوظ والاديب والشاعر الهندي الكبير "طاغور"، وذلك من خلال أكثر من خمسين لوحة، رسمتها أنامل فنانين من 12 دولة، من بينها مصر والهند، أشرف على تنظيم المعرض الفنان فوزي مرسي.

مقالات مشابهة

  • د.تامر فايز: نجيب محفوظ كان ناقدا متمكنا من أدواته
  • لأن الموت أكثر الأصوات صدقا.. ننشر كلمة رئيسة لجنة تحكيم جائزة نجيب محفوظ
  • اللبناني محمد طرزي يتوج بجائزة نجيب محفوظ عن روايته «ميكروفون كاتم صوت»
  • أم كلثوم نجيب محفوظ تكتب: أبي نجيب محفوظ!
  • فوز محمد طرزي بجائزة نجيب محفوظ للأدب لعام 2024
  • في عيد ميلاده.. نجيب محفوظ رمز الإبداع وحكايات مصر التي لاتنسى
  • في ذكرى ميلاده.. ماذا قال نجيب محفوظ عن الحب والكراهية ومأساة الإنسان؟
  • وصية نجيب محفوظ بعد فوزه بجائزة نوبل.. كيف تنبأ بمستقبل فلسطين والشرق الأوسط؟
  • ننشر كلمة النائب العام بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الفساد