بعد سقوط دمشق هل تلتقي المصالح الخليجية بمحور المقاومة ؟!
تاريخ النشر: 11th, December 2024 GMT
معن بن علي الدويش الجربا
لا يخفى على أي عاقل منصف ان ما حدث لمحور المقاومة في لبنان وسوريا كان عقابا شديدا ومؤلما من القوى العالمية المهيمنة على القرار الدولي بسبب وقوف لبنان وسوريا مع محور غزة وفلسطين.
اعتقد ان محور المقاومة كان قادرا على تحقيق نصر حاسم ضد الكيان الصهيوني لو أنه دخل هذه الحرب الكونية منذ انطلاق (طوفان الأقصى ثم حرب جنوب لبنان وحرب سوريا) على أساس انها الحرب الكبرى التي كان ينتظرها ويعد لها منذ تأسيس محور المقاومة وانطلاق الثورة الإسلامية في ايران، لأن هذا المحور قد أعد لهذه الحرب اعدادا جيدا من حيث التسليح والمقاتلين والبيئة الشعبية الحاضنة، ولكن من الواضح ان محور المقاومة تردد في اتخاذ هذا القرار، ربما حفاظا منه على استقرار المنطقة وعدم إعطاء الذريعة للقوى العالمية لاستجلاب جيوشها الى منطقة الشرق الأوسط بعد أن بدأت بالانسحاب منها، وهذا ما اعطى للعدو الصهيوني فرصة استخدام عنصر المفاجئة ومن ثم توجيه ضربات قاسية ومؤلمة لمحور المقاومة، حيث من الواضح ان العدو قرر الانتقال من (نظرية إسرائيل ارض اللبن والعسل والرفاهية ونظرية عدم قدرة إسرائيل على خوض حرب طويلة حفاظا على اقتصادها وأمن شعبها) الى نظرية ضرورة تحقيق الأهداف الكبرى لإسرائيل مهما كلفه الأمر من خسائر وحتى لو أدى الأمر إلى قيام حرب عالمية ثالثة، وأعتقد أن ما حدث بهذه الحرب يجب ان يكون محل دراسة عميقة ومراجعة لأخذ العبر والدروس.
اما بالانتقال الى الرئيس الأسد، فإن ما يميزه عن اغلب الرؤساء العرب والقادة المسلمين هو موقفه المشرف من (قضية فلسطين وغزة) وسياسته الخارجية حول القضايا العربية، اما السياسة الداخلية له من حيث العدل وحقوق الإنسان والمساواة والديمقراطية والشفافية فكلنا نختلف معه، وقد كنا على أمل كبير أن يطبق الرئيس الأسد ما (وعدنا) به حول هذه القضايا بعد ان نجحنا جميعا على المستوى الشعبي والإعلامي وعلى مستوى قيادات محور المقاومة من دعمه وإبقائه في السلطة، ولكن يبدو ان الرئيس الأسد اخذته نشوة النصر بعد عام ٢٠١٤ وأخلف كل ما وعدنا به حول نشر العدل والمساواة وحقوق الإنسان والديمقراطية، واستمر نظامه في ممارسة سياسات داخلية لا ترضي الحق عزوجل ولا ترضي الضمير الإنساني، رغم تحذيراتنا المتكررة له ولنظامه عبر القنوات الخاصة والقنوات الإعلامية، ولكن يبقى للرئيس الأسد شرف انه اختار الرحيل السلمي على ان يبقى في السلطة مع توقيع اتفاقية سلام وتطبيع مع إسرائيل وترك دعمه للمقاومة الفلسطينية.
وعودا على بدء هل من الممكن أن تلتقي مصالح محور المقاومة مع دول الخليج لبناء تحالف ولو كان تحالفا مصلحيا ومؤقتا؟! اعتقد ان هذا واردا جدا للأسباب التالية، فدول الخليج العربية تعي جيدا الان ان وجود تركيا وحركة الإخوان المسلمين السنية (أصحاب نظرية خليفة المسلمين اردوغان ونظرية الخلافة العثمانية) في سوريا هو أكبر بكثير من خطر إيران ومحور المقاومة الشيعي، حيث أن محور المقاومة الشيعي لا يجد له أذان صاغية بين جمهور السنة في دول الخليج والعالم العربي والإسلامي بينما نظرية الاخوان المسلمين السنية واردوغان الخليفة تجد لها دعما كبيرا في الأوساط الشعبية في تلك الدول السنية.. كما ان نجاح مشروع تركيا والإخوان المسلمين في سوريا يبشر بربيع عربي جديد لن يستثني دول الخليج ابدا.
وهذا الأمر أيضا ينطبق على تحالف الأردن واليمن في صنعاء مع دول الخليج، حيث لو استطاع الاخوان المسلمين الوصول للسلطة هناك فإن دول الخليج ستكون بين كماشة الشمال والجنوب الإخواني.. وللمعلومية والتذكير فنحن لسنا ضد الاخوان المسلمين او ضد اردوغان ولكنا ضد سلوكهم المتلون والغير موثوق به حول قضيتنا الرئيسية قضية فلسطين، ولا نستثني من ذلك الا حركة حماس بنسخة (السنوار وإسماعيل هنية).
من خلال القراءة التي أشرنا إليها أعلاه، ومن خلال دراسة مواقف السعودية وبعض دول الخليج اخر أربع سنوات سنجد ان للسعودية والإمارات مواقف متقدمة نحو قراءتهم الصائبة للتحولات العالمية وضرورة مد جسور العلاقات مع إيران وروسيا والصين، ومحاولتهم المشاكسة والخروج من تحت الهيمنة الأمريكية والتعامل معها بندية، فإذا جمعنا كل ما ذكرناه بهذا المقال سنجد ان التقاء مصالح محور المقاومة ودول الخليج واردا جدا، والله تعالى أعلم وأجل.
المصدر: وكالة بغداد اليوم
كلمات دلالية: محور المقاومة دول الخلیج
إقرأ أيضاً:
معاناة مشتركة بين أبناء فلسطين والجولان على أطراف دمشق
دمشق- بجوار تجمّع الذيابية -حيث يقيم سوريون من أبناء الجولان المحتل- يتقاسم أبناء فلسطين اللاجئون المعاناة والمصير المشترك ذاته، فيقيمون في مخيم الحسينية الذي يعد حاليا أكبر المخيمات الفلسطينية من حيث عدد السكان في سوريا، وقد أنشئ عام 1982.
وكان مخيم اليرموك في دمشق أكبر المخيمات الفلسطينية بسوريا، ولكن بعد اندلاع الثورة السورية تعرّض لدمار كبير وتهجير على يد النظام المخلوع وداعميه، وهو الآن شبه خالٍ.
ويقع تجمّع الذيابية (يطلق اسم التجمع على المناطق التي نزح إليها أبناء الجولان داخل سوريا) على بعد 15 كيلومترا جنوب العاصمة دمشق، ويقيم فيه أبناء الجولان المحتل الذين نزحوا عام 1967 بسبب الحرب التي نشبت بين إسرائيل وسوريا، إذ طلب الجيش السوري بقيادة وزير الدفاع آنذاك حافظ الأسد من أهالي مرتفعات الجولان الخروج من القرى بحجة محاربة جيش الاحتلال الإسرائيلي، ووعدهم بأنهم سيعودون بعد أسبوع.
لكن انقضى أسبوع تلو الآخر، وانقضت الأشهر والسنوات، وكانت تلك الوعود "مواعيد عرقوب"، فلا تحررت مرتفعات الجولان، ولا عاد إليها أبناؤها حتى هذه اللحظة، فصار لسان حالهم يقول "وما مواعيده إلا الأباطيل".
لا يلحظ الزائر لمخيم الحسينية وتجمّع الذيابية أي فروق ثقافية أو اجتماعية أو خدمية بينهما، إذ ينتمي أبناء المخيم والتجمع إلى بيئة جغرافية متجاورة متشابهة في العادات والتقاليد، ولا يفصل بين مرتفعات الجولان وفلسطين إلا حدود رسمتها اتفاقية سايكس بيكو.
هذا التجاور وهذا التشابه انتقلا مع النازحين من الجولان واللاجئين من فلسطين الذين نزلوا أحياء في أطراف دمشق وسكنوا إلى جوار بعضهم مثلما حدث بين مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين وتجمّع الحجر الأسود لأبناء الجولان، فكانت معاناة النزوح واللجوء واحدة، وكانت ممارسات نظام الأسد المخلوع نحوهما متشابهة، وبالتالي كان مصير المخيم والتجمع مصيرا مشتركا.
تعرضت تجمعات أبناء الجولان ومخيمات اللاجئين الفلسطينيين في ريف دمشق للتهميش من قبل النظام المخلوع، مما أنتج واقعا معيشيا صعبا زاد معاناة النازحين واللاجئين الذي أُخرجوا من ديارهم.
بدوره، أشار الباحث الاجتماعي إبراهيم محمد في حديث للجزيرة نت عن الوضع المعيشي السيئ الذي يعيشه أهالي الذيابية والحسينية إلى أن 95% من الأهالي تحت خط الفقر.
إعلانويقول الباحث إن التجمع والمخيم بحاجة إلى مؤسسات تنموية وصحية وإغاثية ومراكز لمكافحة المخدرات وتعبيد الطرق وتوفير الكهرباء.
ويؤكد محمد على ضرورة المحافظة على "الوضع القانوني للفلسطينيين باعتبارهم بحكم السوريين من أجل الحفاظ على حق العودة وإعطائهم حق التملك الذي حرمهم منه النظام البائد".
بدورها، تشتكي فرح (20 عاما) -وهي طالبة في كلية الحقوق- في حديثها للجزيرة نت من المعاناة التي كان يعيشها ويعيشها حاليا طلاب التجمع والمخيم بسبب الظروف الدراسية الصعبة، فلا كهرباء متوفرة (حصة البلدة والمخيم من الكهرباء ساعة في النهار وساعة في الليل)، وفي الشتاء تزداد المعاناة بسبب البرد الشديد الذي لم تكن تتوفر له مادة المازوت، وإذا توفرت فأسعارها خيالية.
وإذا قرر أحدهم استخدام الغاز للتدفئة -تواصل الطالبة- فسيضيع راتبه كله (ما يقارب 30 دولارا) مقابل أسطوانة غاز لا تدوم أكثر من شهر، وللحصول عليها يتطلب الأمر انتظار الدور عبر البطاقة الذكية التي أصدرتها حكومة النظام المخلوع.
ورغم عدم توفر إمكانيات جيدة لدراسة الطلاب فإن فرح استطاعت تجاوز المرحلة الثانوية، ثم التحقت بكلية الحقوق، ونالت المركز الأول في السنتين الأولى والثانية.
نزوح متكرر
يقف الشاب حارث (33 عاما) على سطح منزل عائلته مستذكرا كلمات جده الراحل قبل 20 سنة (قبل اندلاع الثورة السورية عام 2011).
كان الجد يقف في المكان ذاته، ويخبره أن هناك خلف ذلك الجبل (جبل الشيخ) "قريتنا في الجولان على حدود فلسطين، بدي (أريد) إياك تصير طيارا وتحرر الجولان".
ويقول حارث "بعد اندلاع الثورة السورية هاجمتنا مليشيات طائفية اتخذت من البلدة المجاورة "السيدة زينب" مقرا لها.
اضطر حارث إلى النزوح مع جده عام 2012 الذي كان قد حكى له عن نزوح 1967، وكيف أوقفهم الجيش الإسرائيلي ليطلق عليهم النار، ولكنهم نجوا.
إعلانويتابع أنه نزح إلى بلدة تطل على الذيابية، فكان يخرج مع جده إلى سطح البناء، فيشير له إلى بيت نزوحه الأول، قبل أن يحرق البيت ويموت جده حزنا وكمدا.
مجازر وانتهاكات
تقع الذيابية والحسينية بجوار بلدة السيدة زينب التي يقع فيها مقام السيدة زينب، فكانت تستقطب الزوار من الطائفة الشيعية من مختلف أنحاء العالم، خاصة من إيران.
ويقول أبو محمد (70 عاما) "قبل استلام حافظ الأسد الحكم في سوريا كنا نعيش مع الطوائف كلها بسلام، وكان الناس في الجولان من مختلف الأعراق والأديان والمذاهب، وفيما بعد حاول نظام الأسد تفريق الشعب، وبعد اندلاع الثورة ظهر خطاب وممارسات طائفية، فأخرجتنا من بيوتنا وأحرقتها واعتقلت شبابنا".
وعن التضييق الذي كانت تمارسه حواجز النظام المخلوع والمليشيات، يقول الشاب عثمان (34 عاما) "أنشأت المليشيات السواتر الترابية والحواجز العسكرية حول بلدتنا، كانت تسمح للمقيمين فقط بالدخول إلى البلدة، أما الذين لا يملكون بطاقة إقامة في البلدة فيضعون هوياتهم الشخصية عند الحواجز العسكرية، كنا نعيش حياة مليئة بالخوف على نسائنا وأبنائنا وأنفسنا".
وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، ارتكب النظام المخلوع وداعموه مجزرة في التجمع حصلت خلال الفترة من 22 إلى 26 سبتمبر/أيلول 2012، إذ طوقت قوات جيش النظام البلدة وبدأت بقصفها بشكل عنيف وعشوائي بالمدفعية والدبابات والرشاشات الثقيلة، وسقط إثر هذا القصف عدد كبير من القتلى والجرحى من المدنيين من أبناء البلدة، ثم اقتحمت في 26 يونيو/حزيران2012 البلدة وقتلت عددا من أبنائها، وتجاوز عدد ضحايا البلدة في تلك الفترة 107 شهداء من المدنيين، وفق المصدر ذاته.
انتشار المخدرات
كما هو الحال في المناطق التي كان يسيطر عليها نظام الأسد المخلوع تنتشر المخدرات بين شباب ومراهقي مخيم الحسينية وتجمّع الذيابية، إلى درجة انتشارها في المدارس.
إعلانوعن ذلك يقول أحمد (50 عاما) إنه أجبر ابنته المجتهدة في مدرستها (الصف التاسع المتوسط) على ترك المدرسة بعد انتشار مادة الكبتاغون بين طالبات المدرسة وسهولة الحصول عليها.
ويضيف أن أسعار هذه المادة أصبحت أرخص من قطعة البسكويت، وكان النظام يغض الطرف عن انتشارها بين المراهقين.
وبحسب الباحث الاجتماعي إبراهيم محمد، فإنه "خلال فترة سيطرة النظام المخلوع على المنطقة انتشرت المخدرات بشكل واسع بمساعدة الفرقة الرابعة (كان يقودها ماهر الأسد شقيق الرئيس السوري المخلوع) والأمن العسكري، وقبل سقوط النظام كان بيع المخدرات بشكل شبه علني في الشوارع، والذين يتم اعتقالهم يخرجون بعد مدة قصيرة"، وهذا يدل على تعمّد النظام نشر هذه المواد.
وتقول مريم (40 عاما) -التي استشهد زوجها في معتقلات النظام المخلوع- إن الناس هنا يعيشون حياة بؤس وفقر، لكننا نريد مراكز صحية لمعالجة الشباب المدمنين على المخدرات، فإذا تخلصنا منها فإننا نتخلص من السرقة والمشاكل العائلية بين الأبناء والآباء.
ضحايا مشتركونيصف أبناء التجمع والمخيم الذين قابلتهم الجزيرة نت نظام الأسد المخلوع بأنه "بائع الجولان" و"متاجر" بالقضية الفلسطينية على مدار عقود، وبالتالي فإنهم ضحايا مشتركون زاد نظام الأسد مأساة تهجيرهم عن أرضهم.
همشت مناطقهم وانتشرت المخدرات بين أبنائهم، بالإضافة إلى الاعتقالات التي تعرّض لها أبناء المخيم والتجمع بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011، وكذلك من التهجير الإجباري والإخفاء القسري.
ويتفقون على أنه بسقوط النظام المخلوع فإن الأسوأ قد مضى، وأنه كما كان الألم مشتركا فإن الأمل أيضا مشترك.