دراسة حديثة: سلوك الكائنات مبني على الحساب والرياضيات بشكل عميق
تاريخ النشر: 17th, August 2023 GMT
اخترع فريق بحثي من جامعة (كانتربري) الإنجليزية نهجًا جديدًا يفترض أن مبادئ الحساب؛ مثل: الضرب والقسمة لها أصل "بيولوجي"، ما يجيب عن سؤال عمره مئات السنوات، حول الأسس التي تُبنى عليها الرياضيات كلها.
وحسب الدراسة التي نشرها الفريق مؤخرًا في دورية "سايكولوجيكال ريفيو"، فإن بعض السلوكيات وآليات الإدراك في عالم الحيوان (خاصة النحل)، يشبه في جوهره أسس عمليات الحساب.
وعلى سبيل المثال، تُظهر العديد من الأنواع غير البشرية -بما في ذلك الحشرات- قدرة على التنقل المكاني، التي يبدو أنها تتطلب ما يعادل الحساب الجبري. حيث يمكن للنحل القيام برحلة متعرجة للعثور على الرحيق، ثم العودة من الطريق المباشر، كما لو كان بإمكانه حساب الاتجاه والمسافة إلى المنزل.
ولفهم الفكرة الخاصة بهذه الدراسة يمكن أن نبدأ بسؤال يسير؛ وهو: لماذا يساوي جمع واحد زائد واحد العدد اثنين؟ قد تظن أن هذه العبارة تعدّ بدهيةً تمامًا، غير أن محاولة اثباتها احتاجت مئات من الصفحات في كتاب بعنوان، "مبادئ الرياضيات" (Principia Mathematica)، من تأليف البريطانيين ألفريد نورث وايتهيد وبرتراند راسل، في أوائل القرن العشرين، وفيه حاولا تقديم دليل صارم على صحة هذه العبارة: (واحد زائد واحد يساوي اثنين)، باستخدام تدوين رياضي معقّد، وقدر لا بأس به من التفكير المنطقي.
في هذه الحال يستخدم متخصصو الرياضيات مجموعة من المسلّمات للبناء عليها شيئًا فشيئًا، لإثبات صحة هذه العبارة الرياضية.
والمسلّمات هي قضايا أو عبارات صحيحة بذاتها ولا تحتاج لإثبات؛ كأن تقول إن كل الزوايا القائمة متطابقة، وهذا طبيعي فالزاوية القائمة هي أي زاوية تساوي 90 درجة -كما تعلمنا في المرحلة الإبتدائية- وبالتبعية فكل الزوايا القائمة متطابقة.
وتنبع أهمية إثبات جمل مثل "واحد زائد واحد يساوي اثنين"، من أنها أساسية لإثبات سلامة الرياضيات كلها، وصولًا إلى أعقد المعادلات في النظريات الفيزيائية، التي تشرح سلوك الأجرام الكونية؛ مثل: الثقوب السوداء والنجوم النيترونية، بل وآلية عمل كل شيء في حياتك من الهاتف، حتى جسمك نفسه.
أربعة مبادئلكن لأن هذه المهمة معقدة جدًا في الرياضيات، ولم يصل العلماء في هذا النطاق إلى حلّ نهائي لها، فإن فريق جامعة (كانتربري) قرّر أن يتخذ طريقًا استثنائيًا لإثبات صحة العمليات الحسابية؛ مثل: القسمة والضرب من أسس موجودة في عالم الطبيعة.
وحسب راندولف جريس، أحد مؤلفي الدراسة في مقال على منصة "ذا كونفرسيشن"، فقد استنتج هذا الفريق أن أربعة من أسس الإدراك لدى الكائنات الحية، التي تشبه أسس ومسلمات الرياضيات المطلوبة لإثبات صحة العبارات؛ مثل: "واحد زائد واحد يساوي اثنين"، وهذه الأسس هي الترتيب والتحدب والاستمرارية والتماكل، والأخيرة تعني تماثل أو تساوي الأشكال.
وعلى سبيل المثال، يعني الترتيب أن هناك مبدأ ثابتًا هو الحفاظ على ترتيب الأشياء، فمثلًا نعرف أن الأشياء تكون أكبر كلما اقتربنا منها، والعكس صحيح، أما مبدأ التماكل فتعني الآلية التي ندرك بها درجات التشابه بين الأشياء، فنعرف -مثلًا- أن القطة أقرب للكلب في الشكل من الصخرة.
وبالطبع، لا تزال هذه الطريقة الجديدة مجرد محاولة مختلفة لإثبات أسس الرياضيات، لكنها لا شك بحاجة للكثير من المراجعة والدراسة من قِبل متخصصي الرياضيات.
إلا أنه في هذا السياق يتفق الجميع على أن الرياضيات ظاهرة في كل مكان بالكون بلا سبب واضح، فنجد أن الرياضيات -مثلًا- هي ما يخبرنا عن الأجزاء الأولى الدقيقة للغاية من الثانية الأولى بعمر هذا الكون، وهي ما يصف سلوك أكبر المجرات وأصغر الجسيمات، تلك التي تشكّل أجسامنا جميعًا.
ويكفيك أن تعرف أن صيغة رياضية؛ مثل: "متسلسلة فيبوناتشي"، تلك المتتالية الشهيرة التي يساوي كل رقم فيها مجموع الرقمين السابقين له، فتبدأ بـ "1، 1، 2، 3، 5، 8، 13، 21.." وهكذا، تعدّ جزءًا رئيسًا من تركيب العديد من الظواهر في الطبيعة، بداية من الزهور والقواقع وتقاسيم الوجه وأغلفة النباتات وشكل الأعاصير، وحتى دراسة سلوك البيانات الضخمة عبر الإنترنت.
ويقترح الفيزيائي الأميركي ماكس تيغمارك، من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، أن ذلك يشير إلى أن الكون كله يتكوّن في الأساس من هيكل رياضي. من تلك الوجهة، فإن محاولات فريق جامعة (كانتربري) ليست إلا دراسة للرياضيات الخاصة بالكون، والمتمثّلة في سلوك بعض الكائنات الحية.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
وزير التربية: دعم النخب والكفاءات في مجال الرياضيات
أكد وزير التربية الوطنية، الدكتور محمد صغير سعداوي، أن الوزارة تعمل على وضع استراتيجية فعالة بالشراكة مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لاكتشاف ودعم النخب والكفاءات في مجال الرياضيات منذ المراحل الأولى من التعليم.
وجاء ذلك، في كلمة للوزير، خلال إشرافه صباح اليوم السبت، رفقة وزير التعليم العالي والبحث العلمي، كمال بداري، ووزير الشباب، المكلّف بالمجلس الأعلى للشباب، مصطفى حيداوي، على مراسم الاحتفاء باليوم الدولي للرياضيات، الذي يُصادف 14 مارس من كل سنة.
وقد نُظمت هذه الاحتفالية بالقطب العلمي والتكنولوجي، الشهيد عبد الحفيظ إحدادن، في سيدي عبد الله، ولاية الجزائر، تحت شعار “الرياضيات، الفن، والإبداع”. وقد شهدت الفعالية حضور عدد من رؤساء وممثلي الهيئات الدستورية، إضافة إلى إطارات سامية في الدولة.
وتضمن برنامج الاحتفاء محاضرات وعروض تفاعلية تناولت تاريخ الرياضيات. وأهمية مشاركات الجزائر في منافسات أولمبياد الرياضيات العالمية.
كما تم تكريم أربعة تلاميذ فائزين في الطبعة الثانية لألعاب الرياضيات والمنطق. بالإضافة إلى تكريم ستة طلبة فائزين في منافسات الرياضيات.
وفي كلمته، أكد وزير التربية الوطنية أن الوزارة تعمل على وضع استراتيجية فعالة بالشراكة مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي. لاكتشاف ودعم النخب والكفاءات في مجال الرياضيات منذ المراحل الأولى من التعليم.
وأضاف أن تعزيز اهتمام الطلاب بالرياضيات، خاصة الرياضيات التطبيقية، يعد أساساً للتطورات التكنولوجية الحديثة. مثل الذكاء الاصطناعي والفيزياء الفضائية والعلوم الطبية.
وفي إطار هذه الاستراتيجية، أشار الوزير إلى ثلاثة محاور أساسية وهي تعميق وتقوية التكوين في الرياضيات. من خلال فتح ثانويات متخصصة على مستوى الوطني لجذب التلاميذ المتفوقين في مادة الرياضيات.
بالإضافة إلى دعم أولمبياد الرياضيات بتوفير التأطير والتدريب المستمر للطلاب المتفوقين. وتعزيز اتفاقات الشراكة مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي. بالإضافة إلى التعاون مع دول ذات خبرة في مجال الرياضيات والتكنولوجيا.
إضغط على الصورة لتحميل تطبيق النهار للإطلاع على كل الآخبار على البلاي ستور