منال الشرقاوي تكتب: لم يكن عنتر ولبلب
تاريخ النشر: 11th, December 2024 GMT
يُعد فيلم "عنتر ولبلب" من كلاسيكيات السينما المصرية التي لا تزال محفورة في ذاكرة الجمهور، ليس فقط لطابعه الكوميدي الجريء ولكن أيضًا لما يحمله من رمزية وعمق في الطرح. صدر الفيلم عام 1952، من إخراج سيف الدين شوكت وبطولة الثنائي الأيقوني محمود شكوكو وسراج منير، ليقدم حكاية تمزج بين الصراع الشعبي والكوميديا الساخرة في قالب بسيط ولكنه مؤثر.
تدور أحداث الفيلم حول شخصية "لبلب" (محمود شكوكو)، الشاب البسيط الذي يعمل في حي شعبي ويحاول بشتى الطرق التصدي لـ"عنتر" (سراج منير)، الرجل المتغطرس والمتسلط الذي يسعى لفرض هيمنته على الجميع. في إطار كوميدي، يبتكر "لبلب" وسائل طريفة للرد على استبداد "عنتر"، مما يجعل الصراع بينهما رمزًا أوسع لصراع القوى الشعبية ضد الطغيان.
في بداية عرضه، كان الفيلم يحمل اسم "شمشون ولبلب"، لكنه سُحب من دور العرض بعد أسابيع قليلة دون أسباب معلنة، ليعود بعد ستة أشهر بعنوان جديد، "عنتر ولبلب". ومع هذا التغيير، ظهرت على شريط الصوت آثار المونتاج بوضوح، حيث استُبدل اسم "شمشون" بـ"عنتر" بصوت مختلف عن أصوات الممثلين الأصليين، مما أبرز عملية التغيير، خاصة لدى ممثلين مثل عبد الوارث عسر وشكوكو.
الفيلم، في جوهره، لم يقتصر على تناول القضايا الوطنية المصرية المرتبطة بالصراع ضد الاحتلال والمطالبة بجلائه، بل تجاوز ذلك ليقدم رمزية أعمق. اسم "شمشون"، صاحب القصة الشهيرة، الذي اختلفت عنه الأقاويل، عُرض في سياق الفيلم كشخصية مغتصبة للأرض ومفسدة لحياة أصحابها، في إسقاط واضح على الأحداث في المنطقة العربية. في الفيلم " لبلب" يتحدى "عنتر" بضربه سبع صفعات على مدى سبعة أيام، مما يعكس رمزية مستمدة من قصة "شمشون". في تلك القصة، قدم شمشون لغزًا لحله في سبعة أيام، مما يشير إلى أن استخدام الرقم سبعة في الفيلم قد يكون إسقاطًا. رسالة الفيلم جاءت مباشرة، الضعف ليس مبررًا للتخلي عن الحقوق، والذكاء قد يكون السلاح الأقوى في مواجهة القوة. مع ذلك، جاء تغيير الاسم إلى "عنتر"، البطل العربي، ليُخفي الإسقاط السياسي المزدوج. وظل الفيلم يحمل في طياته دعوة للمقاومة الذكية وروح التحدي الشعبي، مما جعله عملًا خالدًا يعكس قوة الإرادة في وجه الظلم.
تميز فيلم "عنتر ولبلب" بأداء استثنائي من محمود شكوكو، الذي أضاف لمسة كوميدية خالدة بحركاته وتعابيره الفريدة، وسراج منير، الذي أضفى بعدًا دراميًا على شخصية "عنتر"، مما حقق توازنًا مثاليًا بين الجدية والكوميديا. كما أن تصوير الحياة اليومية في الحارة المصرية أضفى نطاقًا بصريًا واقعيًا يعكس بساطة المجتمع آنذاك. جاء السيناريو ذكيًا، جامعًا بين البساطة الظاهرية والرمزية المستترة، ليظل الفيلم قريبًا من الجمهور مع تقديم معانٍ أعمق لمن يتأمل تفاصيله. على الرغم من بساطة أدواته الإنتاجية، استطاع الفيلم أن يترك بصمة كبيرة في السينما المصرية. لقد أصبح نموذجًا لأفلام الصراع بين القوي والضعيف. بأسلوبه البسيط ورسائله الذكية، استطاع الفيلم أن يخاطب واقعًا يتجاوز زمانه ومكانه؛ ليبقى شاهدًا على قدرة السينما في تقديم أعمال تجمع بين المتعة الفنية والقيمة الفكرية. تلك الأعمال التي تُذكِّرنا دائمًا بأن الذكاء والإرادة يمكن أن يصنعا فارقًا، حتى في مواجهة أقوى التحديات.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: محمود شكوكو كلاسيكيات السينما المصرية عنتر ولبلب المزيد
إقرأ أيضاً:
مسقط تكتب سطرها الـ29 وتفتح صفحاتها الثقافية
افتُتحت صباح اليوم فعاليات معرض مسقط الدولي للكتاب في نسخته التاسعة والعشرين، برعاية صاحب السمو السيد الدكتور فهد بن الجلندى آل سعيد، رئيس جامعة السلطان قابوس، وبحضور سموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى لدى دولة الإمارات العربية المتحدة حاكم إمارة الشارقة، ومعالي الدكتور عبدالله بن ناصر الحراصي وزير الإعلام.
وتضمّن الافتتاح جولة راعي الحفل والحضور في مختلف الأجنحة والأركان، والتعرّف على ما تُقدمه دور النشر المشاركة من إصدارات مقدمة لمختلف شرائح المجتمع، كما قام حاكم الشارقة بالتوقيع على إصداره "البرتغاليون في بحر عُمان - حوليات في التاريخ"، وهو منجز تاريخي جديد ويقع في واحد وعشرين مجلدًا.
وتُشارك في المعرض 674 دار نشر، منها 640 بشكل مباشر، و34 عبر التوكيلات، من 35 دولة، ويقدم 681041 عنوانًا لكتب عمانية وعربية وأجنبية، بواقع 52 ألف إصدار حديث، ويقيم المعرض عددًا من الفعاليات الثقافية يبلغ عددها 211 فعالية ثقافية تحمل ثيمة «التنوع الثقافي ثراء للحضارات»، وتغطي مجالات متعددة كالأدب والفكر والمجتمع والفنون، وبرنامجًا مخصصًا للأسرة والطفل يبلغ عدد أنشطته 155 فعالية متوزعة على عدد من الأركان والأنشطة المعنية بالأسرة والطفل، إضافة إلى مجموعة من حفلات توقيع الكُتب التي تُقيمها دور النشر لكتّابها، احتفاء بكل الكتّاب والمثقفين.
احتفاء ثقافي وعرس للإبداع
وقال أحمد بن سعود الرواحي، مدير معرض مسقط الدولي للكتاب، في تصريح لـ"عٌمان": "نشكر صاحب السمو الشيخ الدكتور حاكم الشارقة الذي زارنا وشرّفنا في هذه النسخة، ووقّع على إصداره المهم في جناح هيئة الشارقة للكتاب، وأيضًا نحتفي في هذا العام بالعديد من المثقفين والمبدعين العمانيين وغير العمانيين، ونرحب بكل الضيوف الذين زاروا سلطنة عُمان للمشاركة في البرنامج الثقافي، والاطلاع على كل هذه الفعاليات والمفردات الثقافية، والتعرّف بعمق على سلطنة عُمان، وعلى الجمهور العماني، وعلى الهوية والثقافة العُمانية، ونحتفي في هذا العام أيضًا بمحافظة شمال الشرقية، ضيف شرف المعرض، التي أعدّت برنامجًا ثقافيًا شاملًا ومتنوّعًا، يُعرّف من خلاله على المفردات الثقافية والحضارية والتنموية للمحافظة".
وأضاف: "نحتفي بأيام ثقافية سعودية خلال هذه الدورة، وهناك شخصيات ثقافية سعودية ستحيي العديد من البرامج والفعاليات التي تعكس التقدم الثقافي في المملكة العربية السعودية، بمشاركة العديد من المثقفين العمانيين أيضًا، وتنطلق هذه الدورة بعنوان التنوع الثقافي ثراء للحضارات، وركزنا في هذا العنوان وأبرزنا من خلال البرامج الثقافية والشخصيات التي استضفناها هذا العام".
محافظة شمال الشرقية.. ضوء على الثقافة والتاريخ
وتحلّ محافظة شمال الشرقية ضيف شرف في هذه الدورة، بما يتيح تسليط الضوء على إرثها الثقافي، وتاريخها، وموروثها الاجتماعي، ومواقعها السياحية، وشخصياتها العلمية والفنية، وذلك من خلال جناحها الخاص الذي يحوي ويُقدّم ملامح عن الثقافة المحلية للمحافظة وتاريخها، وستُقيم عددًا من الفعاليات ضمن البرنامج الثقافي للمعرض، تُشارك فيه أسماء بارزة من المثقفين والكتّاب والباحثين من أبناء المحافظة.
وقال سعادة محمود بن يحيى الذهلي، محافظ شمال الشرقية، عن مشاركة المحافظة: "تأتي مشاركة محافظة شمال الشرقية كضيف شرف لمعرض مسقط الدولي للكتاب في نسخته التاسعة والعشرين، لتكون محطة تُضاف إلى إنجازات إبراز كنوز المحافظة الثقافية والأدبية، وأيضًا المقومات الاقتصادية والسياحية والتراثية؛ فهي نافذة سيطلع من خلالها الزوّار إلى كثير من معالم شمال الشرقية فيما يخص الثقافة والأدب والعلماء وما تركوه من بصمات ثقافية وأدبية واجتماعية، وستكون هنا منصة متعددة للتسويق للمحافظة، من حيث إضافة الذكاء الاصطناعي في التقديم، وركن للأطفال، وحقيبة توزّع للطلبة، بها العديد من المواد التي تعبّر عن الهوية العُمانية والسمت العُماني، تُسهم في تثقيف النشء بهذا الجانب المهم، وستكون هناك 15 ندوة ومحاضرة في مجالات مختلفة كالأدب والعلوم والرياضة والتعليم ومجالات متعددة خلال فترة المعرض، وندعو الجميع للمرور بالركن المخصص لضيف الشرف، والتعرّف على ما يُقدّمه الركن وما تزخر به المحافظة".
وأضاف: "المعرض فرصة لتعريف السائح بما تحوي المحافظة، وسيتمكن الزائر من التعرّف على معالم السياحة في المحافظة، الجاذبة بمختلف بيئاتها الجميلة".
وأعلنت وزارة الإعلام عن إطلاق منصة "عين للطفل"، في خطوة تهدف إلى تعزيز المحتوى الإعلامي المخصص للأطفال في سلطنة عُمان، وتأتي هذه المبادرة ضمن استراتيجية الوزارة لتوفير مصادر معرفية تُسهم في تنمية وعي الطفل، وبناء شخصيته، وتعزيز انتمائه الوطني، من خلال محتوى هادف يُراعي احتياجات هذه الفئة العمرية ويواكب تطلعاتها.
وتُشارك وزارة الإعلام في الدورة 29 من معرض مسقط الدولي للكتاب من خلال أربعة أجنحة، تمثّل مختلف قطاعاتها، وهي: وكالة الأنباء العُمانية، والمديرية العامة للإعلام الإلكتروني التي تضم منصة "عين" والبوابة الإعلامية، والمديرية العامة للمطبوعات والمصنفات الفنية، إلى جانب المديرية العامة للإعلام الخارجي ممثلة في المركز الإعلامي الذي يستضيف 74 إعلاميًا من 50 مؤسسة إعلامية دولية.
الأيام الثقافية السعودية.. شراكة مستمرة
وتستضيف الدورة الـ29 من معرض مسقط الدولي للكتاب "الأيام الثقافية السعودية"، بحضور نخبة من الأدباء والمفكرين، إلى جانب جلسات حوارية حول الذكاء الاصطناعي وواقع النشر، وأمسيات شعرية وموسيقية تُضيء ليالي المعرض.
وقال سعادة السفير إبراهيم بن سعد بن بيشان، سفير المملكة العربية السعودية في سلطنة عُمان، عن مشاركة المملكة: "في الحقيقة، مشاركة المملكة في هذا العام هي امتداد لمشاركة المملكة السابقة في معرض مسقط الدولي للكتاب، وهذه المشاركة كانت بإشراف ورعاية هيئة الأدب والنشر والترجمة في المملكة العربية السعودية، وعدد من الجهات الأخرى ممثلة في دارة الملك عبدالعزيز، ومجمع الملك سلمان للغة العربية، وغيرها من الجهات، إلى جانب مشاركة حوالي ثمانية وثلاثين دار نشر".
وأضاف: "الأبرز في هذه المشاركة هو الاتفاق ما بين الأخوة في سلطنة عُمان والمملكة العربية السعودية على إقامة أيام ثقافية سعودية بهذا المسمى، وهناك ما يقارب ثلاث أو أربع فعاليات ثقافية تتعلق بالمملكة وسلطنة عُمان، وبلا شك هو امتداد لما توليه قيادة البلدين من اهتمام بالثقافة في المملكة وفي سلطنة عُمان، التي تنعكس في الجانب الدولي ويطّلع عليها الجميع".
وتابع قائلًا: "نستطيع أن نقول إنها إحدى مبادرات مجلس التنسيق السعودي العُماني فيما يتعلق بتعزيز التعاون الثقافي بين البلدين، والذي يكون معرض الكتاب الدولي، سواء في الرياض أو مسقط، أحد مظاهره وجوانبه".
خدمات مساندة
ويُقدّم المعرض مجموعة من الخدمات المساندة مثل المركز الإعلامي، والتطبيق الإلكتروني الذكي الذي يتيح تصفّح أحدث الإصدارات ونتاجات دور النشر المشاركة، إضافة إلى تخصيص ردهة للفنون للاحتفاء بالإبداع العُماني من خلال أركان فنية وحلقات عمل، إلى جانب ركن خاص لتكريم رموز المشهد الثقافي الذين رحلوا، عبر استحضار سيرهم ومنجزاتهم في الذاكرة الثقافية الوطنية.