الثورة السورية لم تنتصر بعد فالنصر نصران
تاريخ النشر: 11th, December 2024 GMT
جميل أن ترى الشعب السوري المهجّر يعود إلى مدنه ويلتقي الولد والدته وأهله ويعود المغيّب إلى بيته ووطنه، جميل أم ترى أسرى نساء المسلمات يخرج من غيابات سجون نظام الأسد النصيري الذي بُني على قلة طائفية شيعية تحكمت لأكثر من أربعين سنة في أغلبية سكان سوريا السنية، جميل أن ترى عشرات من شباب أهل السنة كان من المتوقع أن ينفذ فيهم حكم الإعدام من النظام الطائفي بعد ساعة، جميل أن ترى ذلك الطيّار الذي قضى 45 سنة في سجون النظام لأنه رفض أن يضرب مدينة حماة التي انتفضت في سنة 1982 ضد الحكم الطائفي للأسد، جميل أن ترى أسرى أبرياء يُفكّ أسرهم من سجن ذا ثلاث طوابق تحت الأرض مع الروائح الكريهة التي تنبعث من الزنزانات، المناظر الجميلة كثيرة وكثيرة لشعب ذاق الإضطهاد على أرضه من طائفة جدور الكره فيها للشام وأهله ترجع بهم لمن قتلوا الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه، لمن يتباكى على سقوط الأسد لماذا لم تتباكوا على اضطهاده لشعب بأكمله طيلة عقود من الزمن؟! لقد طالت يد غدر النظام كل طوائف الشعب السوري.
نعلم من حوادث التاريخ ومما يحدث الآن في أوطاننا أن الأعداء منا ومن خارجنا يتربصون بنا يدرسون تاريخنا بالتفصيل يعرفون جيدا مواضع الضعف والقوة ولا أحد يجادل في أن موطن قوتنا وعزتنا ونهضتنا هو التمسك بديننا فهو دستور حياة لا يفرط في كبيرة ولا صغيرة إلا عرّج عنها منها مُفصّل ومنها موجزٌ، فالحرب والعداء والمعركة معركة عقيدة يُستخدم فيها أغلب حكّمنا، فمن أتى بهم ومن مكّنهم من حكم بلادنا غير أعداء الأمة فهم جزء من المؤامرة وجزء من مشهد التخلف الذي نعيشه في جميع المجالات وعلى رأسها حقوق المواطنين وحريتهم. فالمشهد السوري الجديد الذي يطمح إليه كل سوري حر لن يُعجب الأعداء وسيحاولون الكيد وتغيير مشاهد الفرح إلى مشاهد محزنة كما فعلوا في العديد من الدول العربية التي طمحت للتغيير ما لم يتفطن السوريون ويديرون هذه المرحلة الحساسة بفطنة وذكاء مستعينين بالله أولا ثم بقدراتهم وبدعم من الدول الصديقة التي خاضت تجارب ليست هينة ولازالت تقارع الأعداء.
لن يهدأ للأسد ولا لمن حوله والمقربين له ولا للذين ارتكبوا جرائم بشعة ضد كافة طوائف الشعب السوري وخاصة السني منهم بال ولن يألوا جهدا لكيلا تتم فرحة الشعب السوري، كيف يهدأ بالهم وهم من حكموا بجبروت وطغيان وقتل وتنكيل للشعب لم نشهد له مثيل، والسجون والمعتقلات والمعتقلين الذين كتب لهم الله الحياة شاهدين أحياء على جرائم الأسد وشلته بمشاركة حزب الله وإيران، سيتحرك هؤلآء ولو بعد حين وسيختلقون وسيقتنصون الفرص المناسبة لوأد الثورة أو عرقلة الدولة الجديدة ما لم يُلجموا بقوانين صارمة وأيادي قوية لا تتيح لأحد اللعب بالدولة السورية أرضا وشعبا، ما لم تسلّم قيادة سوريا لأيدي وطنية إسلامية وما لم يشارك الشعب كاملا الآن قبل الغد في اختيار من يحكمه (الشورى) لإغلاق الباب أمام كل المتآمرين فقد يشكل ذلك خطرا على الدولة الجديدة.
لقد حققت الثورة السورية انتصارا عسكريا ساحقا بعد ثلاثة عشر سنة ويزيد بُدلت فيها الأرواح والدماء بالرغم من محاولة النظام تغيير التركيبة السكانية عن طريق القتل والتهجير، ولكن يبقى الإنتصار الذي لا يقل أهمية عن الإنتصار العسكري حتى تكتمل حلقات النصر هو الإنتصار السياسي للتمكين، فالإنتصار السياسي هو الذي سيمكن من تحقيق الأهداف وبدونه لن تتحقق أهداف الثورة وبدونه سيخسر السوريون انتصارهم العسكري الكبير الذي سيصبح حينها لا معنى له فالإنتصاران مرتبطين ببعضهما لا ينفصلان.
تحية إكبار للمقاومة السورية على انتصارها في قتالها لنظام طائفي نصيري شيعي بذلت فيه الغالي والنفيس لمدة 13 سنة بل أكثر من ذلك، أوقفت فيه بدماء أبنائها باب المد الشيعي الذي يستهدف الأمة برمتها كما نهنئ رجال المقاومة السورية والشعب السوري بكل طوائفه الذين لم يشاركوا في تهجير وسجن وتعذيب وقتل وتدمير أهلنا في سوريا وسجن واغتصاب أخواتنا هناك ونقول لهم إن ثورتكم لم تنتصر بعد لقد حققتم النصر العسكري ويجب ولا بد أن تحققوا النصر السياسي ليكتمل النصر والتضحيات، فالأعداء من الداخل والخارج يتربصون بكم ويشتغلون ويخططون ويتآمرون منذ لحظة الإنتصار في كيفية سرقة تضحياتكم الجمّة عن طريق السيطرة السياسية على مفاصل الدولة بطرق مختلفة.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
المصدر: عين ليبيا
كلمات دلالية: الشعب السوری
إقرأ أيضاً:
قراءة في المشهد السوري الجديد
محمد بن رامس الرواس
أبدأ مقالتي بالمقولة المشهورة للإمام ابن القيم- رحمه الله- "الشدة بتراء لا دوام لها وإن طالت"؛ أي مقطوعة وإن طال بها الوقت، وهذا ما حدث ورأيناه في المشهد السوري، وانتصار الثورة السورية، وسقوط نظام أجمع العالم كله على أنَّه نظام ديكتاتوري طاغٍ، وهذا السقوط بلا شك سيكون له انعكاسات على الواقع، وعلى التوازنات في المنطقة بلا ريب من خلال حضور المشهد السوري الجديد.
لقد خرج مئات الآف من المواطنين بكافة المحافظات السورية للساحات والشوارع، بدءًا من حلب وحماة وحمص ودرعا والسويداء وصولًا إلى دمشق بساحة الأُموِّيين آخر معاقل النظام البائد، بعد حكم دام 54 عاماً من الظلم الديكاتوري محتفلة فرحًا وابتهاجًا بسقوط نظام الاستبداد، ولقد صاحب هذا الفرح خروج الأسرى من السجون والمعتقلات، مما أفرح الجميع لأن ذلك نشر الومضة الأولى من الحرية، ولقد انتشرت مظاهر البهجة في كل مكان في سوريا من خلال إطلاق الأعيرة والألعاب النارية والهتافات، لكن كل ذلك لم يصرفهم عن حفظ مقدرات الدولة ومؤسساتها من قبل رجال الثورة وعلى رأسها المصرف المركزي.
وظهور الحكومة السورية الانتقالية وإعلانها عن سياستها يمكن أن يطمئن السوريين لقيام دولة متوازنة تحقق مصالح الثورة وتعيد توازنات المجتمع السوري وتصحح وضع سوريا وتعبر عن مصالحهم وطموحهم من أجل أن يعيشوا أحراراً في المجتمع الدولي، حينها ستكون سوريا لاعباً جديداً ومهماً في المنطقة ينعكس بشكل مباشر على القضية الفلسطينية، وعلى أحداث غزة خاصة.
إنَّ المشهد السوري الحالي بالنسبة للكيان الإسرائيلي ينبئ عن قدوم عدو جديد لا تعرفه ولا تعلم كيف ستتعامل معه؛ فالحارس الأمين لها وحليفها الاستراتيجي قد رحل وترك الحدود السورية الإسرائيلية؛ حيث كان يقوم بحمايتها لصالح إسرائيل؛ لأن إسرائيل دائمًا تحمل همَّ الأمن وتخوفها ممن حولها، وهي تعمل بكل قوتها من أجل أن يكون جيرانها لا يشكلون تهديداً لها. لقد رحل النظام السوري المستبد وخلف من بعده قوم سيكونون لاعبين جدداً في سياسة منطقة الشام وفلسطين، مع ظهور حلفاء جدد لهم يجعل من إسرائيل تعيد حساباتها وتصبح قلقة جدًا ومتوترة لأبعد الحدود. ويمكننا أن نستشف ذلك من خلال قيام الكيان الإسرائيلي باحتلال المنطقة العازلة؛ بل والوصول إلى جبل الشيخ الذي يطل على دمشق تحت بند أنه سيطرة مؤقتة درءًا لتهديدات محتملة. لقد قام الطيران الإسرائيلي باستهداف مقار بها وثائق وشواهد وبراهين على طبيعة العلاقات السورية الإسرائيلية قبل الثورة هذا بجانب قصف مطارات وسفن البحرية السورية.
وبمجرد إعلان الحكومة السورية الانتقالية الجديدة عن تشكيل أعضائها بطريقة ديمقراطية يمكننا أن نكون أكثر قربًا من المشهد السوري الجديد، ويمكننا أن نتنبأ بالقادم؛ حيث يمكن حينها أن تركز الحكومة الانتقالية على ما يجري على حدودها، فبعد تنظيم الشأن والوضع الداخلي والدولي السوري ستلتفت الحكومة الجديدة إلى حقوقها وحدودها وتبدأ صفحة جديدة مع الكيان الإسرائيلي.
ختامًا.. إنَّ كلمة أحمد الشرع قائد فصائل الثورة من داخل الجامع الأموي تُعد بمثابة رسالة قوية تُعلن عنها فصائل الثورة السورية للكيان الإسرائيلي لطبيعة العلاقات القادمة بينهما؛ فالجامع رمز تخاف منه إسرائيل، ومتى ما وفق الله سوريا لانتقال سلس وسلمي للسلطة لإقامة سوريا مستقرة ذات هوية وطنية ودولة موحدة تأسيس كيان صلب ضد التحديات المتوقعة بعيداً عن الفوضى، حينها يمكن أن نقرأ المشهد السوري بشكل دقيق وأكثر وضوحاً، وهذا الأمر بلا شك ستعمل إسرائيل على إفشاله.. وللحديث بقية.
رابط مختصر