لجريدة عمان:
2025-01-13@00:05:04 GMT

لنتحدث عن تبييض السجون

تاريخ النشر: 11th, December 2024 GMT

صباح الثامن من ديسمبر، ونحن مشدودون إلى الشاشات، يخرج السجناء بالعشرات، بالمئات، بالآلاف وكأنهم يمنحون لفظة «تحرير» تمثيلاً بصرياً وحرفياً. نتذكر ونحن أمام هذا المشهد المهيب معنى نجاتهم. نستدعي رجلاً أسمر، فمه الصغير بالكاد يُفتح وهو يتحدث، وعيناه في عزاء أبدي، حتى في اللحظات التي لا يبكي فيها فعليا.

وحين يُسأل ما الذي يحس به تجاه قاتليه، تشعر للحظة أنه سيصفح عنهم. لكن عيناه تجحظان فجأة وهو يستدعي وجوههم التي تتشفى بعذاباته، يرتفع حاجباه فيما يختلج وجهه، يُطبق جفناه أسرع من العادة. وكأن الدموع جزء ضروري من شهادته، أكثر ضرورة من حروف العلة، يتركها تأخذ مكانها في قصته. كان هذا مازن حمادة الذي ستصلنا بعد يوم أو نحوه صورة أخرى لجثته من مستشفى حرستا بريف دمشق.

على هامش تبييض السجون، شكك البعض في إن كان من الحكمة أن يُحرر جميع المساجين دون التوثق من تهمهم، إذ ليس جميعهم سجناء سياسيين. ويتساءلون ماذا لو أدى هذا لموجة من العنف والفوضى، ألا يتم استخدام المساجين كأداة تحديداً لهذا الغرض؟

أولا، إن عملية التوثق ستعني بقاء عشرات الآلاف (فكروا بالرقم الآلاف) من المساجين حتى تتم هذه العملية المرهقة والمعقدة، خصوصا أنه وكما هو الحال مع سجن صيدنايا كانت فرق الإنقاذ في حرب مع الزمن من أجل الإفراج عنهم قبل أن يختنقوا، والسوريون في تلهف لاستعادة أحبتهم أو أقله الاطمئنان على مصيرهم.

ثانيا، حتى فيما يخص السجناء غير السياسيين. كيف نتوقع من نظام وحشي ومستبد، أن يكون قد تثبت من تهمهم، أو أن يُحاكمهم محاكمات عادلة، ويجازيهم بما يتوافق مع جناياتهم. ومهما تكن جريمة المرء فثمة ظروف سجن يجب توفرها لحفظ كرامة المساجين، ظروف غير متوفرة في حالة النظام السوري.

فوق هذا فالجرائم التي تحدث - في ظل الحروب خصوصا - هي مشاكل هيكلية يتحمل النظام مسؤوليتها فوق ما يتحمله الأفراد.

أمر آخر حول هذه النقطة. على عكس ما حصل مع سقوط أنظمة أخرى في الربيع العربي، لم يبدُ أن الثوار يضعون القصاص والثأر كأولوية لهم. على العكس هم يؤمنون بأنها مرحلة تتطلب قدرا عاليا من التسامح والصفح، والإقرار بأن من شغّلوا آلة القمع والظلم هذه هم - بطريقة ما - ضحايا النظام أيضاً. لا يجب أن يعني هذا - بأي حال من الأحوال - أن لا يُحمّل الجناة مسؤولية أفعالهم. لابد من المساءلة، ولابد من أخذ الحق الذي حلم به الضحايا سنوات.

ثالثا، صحيح أننا نعرف عن أمثلة استُغل فيها السجناء للبلطجة. ولكن هذا لا علاقة بكونهم مساجين، بل بكونهم وُظفوا لهذا الغرض. ليس الأمر وكأنهم ذهبوا لإثارة الفوضى فور إطلاق صراحهم لطبيعة مؤذية فيهم. بل أن إثارة الفوضى كانت شرطاً لإطلاق سراحهم. أمر لا يختلف كثيراً عن استخدام المرتزقة، الفارق الوحيد أن المساجين في وضع أكثر هشاشة، والموظِف يستغل استماتتهم لكسب حريتهم، ويوظفها لصالحه. التصديق أنهم يذهبون إلى العنف فور إطلاقهم، قادم من فرضية متزمتة عن طبيعة الشر. بمعنى أن ثمة من هو بالفطرة شرير أو عنيف أو مثير للمتاعب.

رابعا، يقول لي حدسي - والذي اعترف أنه غير مدعم بأي معرفة - أن فكرتنا عن السجن، وما يفعله السجن بالإنسان، قادم من أسوأ نموذج موجود: السجون الأمريكية. لا أتحدث عن السوء بمعنى الوحشية، بل بمعنى تأديته للغرض الذي أُوجد من أجله، أي الإصلاح. على العكس تماماً، تنجح السجون الأمريكية في أن تأخذ يافعا بريئا وتحوله إلى كائن عدائي، جاعلة من مؤسسة السجن نظاما لتفريخ العنف.

وأنا لا أقول أن سجون الشرق الأوسط أفضل حالا، كل ما أقوله أننا لا نملك المعرفة الكافية عن التغيير الذي تحدثه على المستوى النفسي. أليس واردا أنها تصنع شبكة من التضامن، أن تكون مكانا للتثقيف، في ظل وجود نسبة كبيرة من المجتمع في السجون.

خامسا، فكرة العقاب، والعقاب عبر سلب الحرية بحاجة إلى مراجعة. خصوصا عندما نضع في الحسبان الأثر الاجتماعي على تغييب معيل الأسرة، أو الأثر النفسي على أبناء المساجين، واحتمالية أن يُصبحوا هم أنفسهم مساجين في المستقبل. أو حين نُفكر بالبعد السياسي لمؤسسة السجن التي تُوجد أحيانا كحلول لمشاكل اقتصادية واجتماعية: مثل الحاجة إلى أيد عاملة بالمجان كبديل للاستعباد فور إلغاء العبودية، أو حل لفشل الحكومة في توفير فرص متساوية للجميع تضمن لهم العيش الكريم، أو انعكاس للعنصرية في المجتمع.

الخلاصة، أننا عندما نضع التحرير الفوري للأبرياء الذين نُكل بهم دون رحمة، مقابل التخوف من إطلاق متهمين بارتكاب جنايات، نُدرك عدم وجود حجة مقنعة تدعم التردد في تبييض السجون.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

نادي الأسير يكشف شهادات صادمة عن معاناة معتقلي غزة في السجون الإسرائيلية

كشف نادي الأسير الفلسطيني اليوم الأحد شهادات جديدة حول الجرائم التي ترتكبها القوات الإسرائيلية بحق معتقلي قطاع غزة في سجونها.

ووفقا لنادي الأسير الفلسطيني فقد تنوعت وسائل التعذيب والإذلال التي تتبعها القوات الإسرائيلية بحق المعتقلين الفلسطينيين في سجون النقب ونفتالي وعوفر والدامون وسيدي تيمان.

وأشار النادي في بيانه إلى أن طواقمه التقت في الفترة ما بين 6-1-2025 حتى 8-1-2025 بـ23 معتقلا فلسطينيا في السجون الإسرائيلية، وأبلغوا الهيئة بمعاناتهم وتحديدا في الفترة الأولى من اعقالهم.

وتضمنت الشهادات تفاصيل صادمة عن عمليات التعذيب الممنهجة التي تعرض لها المعتقلون في الفترة الأولى على اعتقالهم وفي فترة التحقيق، شملت التعذيب النفسي والجسدي والتنكيل والتجويع والجرائم الطبية، والضرب المبرح وعمليات القمع إلى جانب ظروف الاحتجاز القاسيّة، واستمرار تفشي مرض "السكايبوس – الجرب" بين صفوفهم.

وأكد البيان أن  "معسكر "سديه تيمان" الذي شكل العنوان الأبرز لعمليات التعذيب لم يعد المعسكر الوحيد الذي مورست فيه عمليات التعذيب والاعتداءات الجنسية بحق المعتقلين الفلسطينيين، بل إن شهادات المعتقلين في غالبية السجون المركزية والمعسكرات عكست ذات المستوى من التعذيب والتنكيل وتحديدا في سجن النقب وسجن ومعسكر عوفر".

إفادات من معتقلين محتجزين في معسكر نفتالي ومنها: "

قال أحد المعتقلين إنه تعرض للضرب المبرح وأصيب بعدد من الكسور في محاولة لانتزاع اعترافات منه، وبقي في معسكر في غلاف غزة لمدة 58 يوما تعرض خلالها للتكبيل والضرب طوال الوقت وشتى أنوع الإذلال والإهانات.

ويضيف المتحدث أنه تم نقله في وقت لاحق إلى سجن النقب حيث تم إحراقه عبر رشقه بالماء الساخن من إبريق كهربائي.

واشتكى الأسير من آثار الحروق التي لا تزال واضحة في جسده، مضيفا اليوم أعيش بالخيام، والخيام ممزقة، نعاني من البرد القارس، واليوم نموت من البرد ومن الجوع".

وفي العديد من الشهادات الأخرى التي أوردها النادي في بيانه قال الأسرى إنهم يعانون من الجروح والثقوب في أجسادهم نتيجة الضرب المبرح الذي تعرضوا له، إلى جانب إصابتهم بالجرب بسبب انعدام النظافة والظروف الصعبة التي يعيشونها وحرمانهم من العلاج.

مقالات مشابهة

  • شيخو: الدواعش في مخيمات شمال سوريا يمثلون قنبلة موقوتة
  • نادي الأسير يكشف شهادات صادمة عن معاناة معتقلي غزة في السجون الإسرائيلية
  • السجون تحصل على الاعتماد الأكاديمي العسكري
  • قائد الحرس الثوري محذرا أميركا وحلفاءها: لا تعتقدوا أننا ضعفاء
  • زاخاروفا تعلق على استعانة السلطات الأمريكية بنزلاء السجون لإطفاء حرائق كاليفورنيا
  • السجون ومعسكرات الاعتقال الإسرائيلية صُمّمت كأدوات تعذيب بحد ذاتها للمعتقلين الفلسطينيين
  • الأورومتوسطي: افتتاح العدو لسجن تحت الأرض استهانة بالعدالة الدولية
  • شهادتي للتاريخ وإطلالة على المستقبل: تساؤل جعفر خضر حول نجاح او فشل حكومة المفصولين (٦)
  • مندوبية السجون تكشف عن إصابات جديدة ببوحمرون
  • إصابة 47 سجينا بداء بوحمرون يستنفر مندوبية السجون