بوابة الوفد:
2025-02-12@01:01:57 GMT

الجولانى.. وسيناريوهات مستقبل سوريا

تاريخ النشر: 11th, December 2024 GMT

لم أراهن يومًا على نظام بشار الأسد فى تحقيق أى مكاسب إيجابية، لكننى لم أتمن سقوط سوريا عبر تدخل عسكرى مجهول الأهداف، فالانهيارات التى شهدتها دول أخرى فى المنطقة أظهرت أنها غالبًا تخدم مصالح القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة وإسرائيل، دون النظر إلى حقوق الشعوب أو استقرارها.

قلبى يعتصر ألمًا على سوريا، ذلك الوطن العظيم الذى يسكن الروح قبل الجغرافيا.

لن أنحاز يومًا لحاكم، فإيمانى دائمًا للأوطان وولائى للشعوب، كل الحب والدعم للشعب السورى فى خياراته الحرة، بعيدًا عن ضجيج التحيز وألوان الإعلام. المجد لسوريا، والمجد لشعبها الصامد الذى يروى بصلابته حكاية وطن لا ينحنى.

فاليوم، وبنظرة واقعية، سوريا غارقة فى صراعات معقدة، حيث تنقسم البلاد بين أطراف متعددة، من النظام إلى المعارضة المسلحة والجماعات الإرهابية، فى ظل تدخلات إقليمية ودولية واسعة. هذه الانقسامات تسهم فى استنزاف الجميع، ما يؤدى إلى إضعاف سوريا كدولة محورية ويخدم أجندة القوى الكبرى الساعية لإعادة تشكيل المنطقة بما يتماشى مع مصالحها.

التطورات الأخيرة تشير إلى أن ما يحدث فى سوريا لا ينفصل عن لعبة المصالح الدولية.

فى اللحظة التى تقيم ميليشيات أنصار الشام الاحتفالات، وتتزين فيه مدن سوريا احتفالاً باسقاط نظام بشار، هناك مناطق سورية سقطت فى يد الكيان الصهيونى، بعدما توغلت فى عمق الأراضى السورية لتكون على مشارف دمشق، فماذا أنتم فاعلون يا ثوار، وبعد تدمير الأسطول البحرى وضرب البنية العسكرية والبحرية؟، فسوريا أصبحت مقسمة، تتحكم فيها أمريكا وإسرائيل، فالوضع يُدار بطريقة تحقيق مصالح القوى الكبرى، وخاصة الولايات المتحدة والكيان الصهيونى المحتل، فتعدد الفصائل المتحاربة، من الجيش السورى إلى المعارضة المسلحة، مرورًا بالجماعات الإرهابية، يجعل الجميع مستنزفًا دون حسم واضح، هذا الوضع يخدم أجندة تقسيم البلاد وإضعافها، فالتدخلات الإقليمية لدول عدة على رأسها تركيا وإيران اللذان يلعبان أدوارًا متناقضة، حيث تسعى كل دولة لتحقيق نفوذها فى سوريا، ويؤدى هذا إلى المزيد من الفوضى وإضعاف الدولة المركزية وكل من تلك الدول تدور فى فلك الكيان الصهيونى وأمريكا.

وبحسب المعلومات التى تؤكد وجود اتفاق قد تم بين الرئيس الأمريكى دونالد ترامب والرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى، برعاية الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، فى باريس والذى تم قبل سقوط نظام الأسد بـ ٢٤ ساعة، صفقة قذرة، تهدف إلى تسوية النزاع بين روسيا وأوكرانيا. يتضمن تنازلات استراتيجية، أبرزها تخلى روسيا عن دعم نظام بشار الأسد والموافقة على إسقاطه، بالإضافة إلى تقسيم سوريا بشكل يضمن لإسرائيل السيطرة الكاملة على هضبة الجولان، وبقاء القوات الروسية داخل سوريا، فإن تلك المعلومات، تعكس أبعادًا خطيرة فى لعبة المصالح الدولية، حيث يتم استخدام الأزمات الإقليمية المفتعلة كورقة ضغط لتحقيق مكاسب استراتيجية على حساب سيادة الدول وشعوبها.

وسط هذه الفوضى، يظهر أبو محمد الجولانى، زعيم هيئة تحرير الشام، كشخصية مثيرة للجدل ومحور رئيسي فى مستقبل سوريا. تحركاته العسكرية والسياسية أثارت تساؤلات حول أهدافه وولاءاته، ما يطرح ثلاثة سيناريوهات محتملة بشأن دوره:

1-هل الجولانى عميل لأمريكا؟

يعتقد بعض المحللين أن الجولانى يتعاون ضمنيًا مع واشنطن. هذا الاعتقاد يستند إلى تحوّله من زعيم تنظيم متطرف مرتبط بالقاعدة إلى قيادة تسعى لتقديم نفسها كطرف سياسى براغماتى فى المشهد السورى، إضافة إلى ذلك، لم تستهدفه الولايات المتحدة بنفس القوة التى استهدفت بها قادة داعش، ما أثار الشكوك حول وجود تفاهمات خفية بين الطرفين، قد تكون هذه التفاهمات جزءًا من خطة أمريكية لتقويض القوى المدعومة من روسيا وإيران، فى إطار إعادة ترتيب النفوذ داخل سوريا.

2-علاقة الجولانى بالفصائل الإسلامية؟

نشأة الجولانى داخل التيارات الجهادية وانفصاله لاحقًا عن القاعدة أثار عداء العديد من الفصائل الإسلامية المتشددة، التى ترى فى خطواته خيانة للمشروع الجهادى، وتصادمه مع تنظيمات مثل «حراس الدين» يظهر أنه يسعى لتبنى مسار مستقل، بعيدًا عن الأهداف التقليدية للجماعات الجهادية العالمية، ما يضعه فى موقع صراع مستمر مع القوى الإسلامية الأخرى.

3-هل يخدع الجولانى الجميع؟

من المحتمل أن الجولانى يسعى للحفاظ على موقعه، من خلال مناورة الأطراف الدولية والإقليمية. تحركاته تُظهر براعة سياسية فى استغلال الفوضى لتحقيق مصالح تنظيمه، سواء عبر تحييد الفصائل الأخرى أو تقديم نفسه كقوة يمكن التفاوض معها، هذه البراغماتية قد تكون جزءًا من خطة شخصية للبقاء على رأس السلطة، مع تقديم تنازلات تُظهره بمظهر الطرف المقبول دوليًا.

تحليل المشهد

هل مخطط للجولانى أن يظهر كلاعب سياسى ماهر يحاول تحقيق مصالحه التنظيمية والشخصية، لكنه فى الوقت ذاته قد يكون أداة فى يد القوى الكبرى، فنجاحه فى السيطرة على إدلب وحلب وحماة ودمشق وسط هذه الفوضى قد يشير إلى دعم خارجى مباشر أو غير مباشر يضمن استمراره كجزء من معادلة تحقيق المصالح الدولية والإقليمية.

على الجانب الآخر، التدخلات التركية والإيرانية فى سوريا تعقد المشهد أكثر، فتركيا ترى فى هيئة تحرير الشام أداة لتحقيق أهدافها الحدودية، فيما تسعى إيران لتثبيت نفوذها الإقليمى. هذا التنافس الإقليمى يؤدى إلى المزيد من الفوضى، ما يضعف فرص سوريا فى استعادة استقرارها أو الحفاظ على وحدة أراضيها.

ماذا بعد إسقاط نظام بشار؟

من المؤكد أن الوضع فى سوريا لا يُدار وفقًا لمصالح شعبها، بل بما يخدم القوى الكبرى. استمرار هذا المشهد المضطرب يحقق أهدافًا استراتيجية طويلة المدى لإسرائيل والولايات المتحدة، أبرزها ضمان إضعاف سوريا كدولة محورية فى المنطقة ومنع استقرارها لسنوات قادمة، فى هذا السياق، يبقى السؤال الرئيسي: هل الجولانى ينفذ أجندة أجنبية مرسومة، أم أنه يُخادع الجميع لتحقيق مصالحه الخاصة؟ الإجابة ليست بسيطة، لكنها ترتبط بتحليل أفعاله المستقبلية وما إذا كان سيواصل التحرك كطرف مستقل أم أداة لتحقيق مصالح خارجية؟.

ختامًا

الأيام القادمة ستكون مليئة بالتطورات التى ستكشف المزيد من خفايا هذا المشهد المعقد. لكن الواضح أن الوضع الحالى يخدم مصالح القوى الكبرى، ويهدد مستقبل سوريا كدولة موحدة ومستقرة. الأمر يتطلب وعيًا عربيًا وشعبيًا لمواجهة هذه المخططات التى تهدف لإبقاء المنطقة رهينة للصراعات والتحكم الخارجى.

[email protected]

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: رادار نظام بشار الأسد تدخل عسكري على رأسها القوى الکبرى تحقیق مصالح نظام بشار فى سوریا

إقرأ أيضاً:

أمريكا ... بين السلام الروماني والجريمة الكبرى !

نحن أمام كيان عنصري وإمبريالي وإمبراطوري منذ اللحظة الأولى لأنه قام أساسا على فكرة تفوق الرجل الأبيض , وحقه في السيطرة على القارة الأمريكية وإبادة سكانها الأصليين , فالإبادة والعنصرية جزء لا يتجزأ من البنية الأمريكية منذ اللحظة الأولى , ثم الاسترقاق الواسع النطاق للسود الإفريقيين واستخدام سواعدهم في بناء الاقتصاد والرخاء الأمريكي .

-حقيقة أمريكا

الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها وارثة القيم الغربية ما انفكت أن أصبحت مثل أوروبا عنصرية – استعمارية , ولأنه كان هناك صراع مستمر , ونوع من توازن القوى , أدي إلى تطاحن الدول الأوروبية فيما بينها على النهب والمستعمرات والأسواق , ثم تطاحن المنظومتين الرأسمالية والاشتراكية , فإن الفرصة لم تأت أصلا لظهور المفاهيم الإمبراطورية والعنصرية والاستعلائية المباشرة لعدم وجود المناخ الصالح ولا الانفراد لدولة واحدة , إلا في حالات زمنية ضيقة وفشلت إذا لم تسقط سقوط مروع وانتهت من الخارطة السياسية والعسكرية والاقتصادية وأصبح نراها اليوم تدور في فلك أمريكا مثل المانيا النازية أو ايطاليا الفاشية .

فعندما انتهى النفوذ الاستعماري لمعظم الدول الأوروبية وسقط هذا النفوذ في الفم الأمريكي , ثم سقطت المنظومة الاشتراكية وتفكك الاتحاد السوفيتي السابق , أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية هي الدولة الوحيدة المنفردة بالقوة في العالم , فهي الأقوى عسكريا الأغنى اقتصاديا , المهيمنة إعلاميا , ومع التطور الهائل في وسائل القوة والمواصلات والتقنيات المختلفة كان من الطبيعي أن تتطور السياسات والمفاهيم بحكم الصيرورة الطبيعية إلى المفاهيم الإمبراطورية , ومحاولات غزو العالم الذي بدأ منذ حرب الخليج الثانية , ثم غزو أفغانستان واحتلال العراق .فالمسألة لا علاقة لها إذن بصعود نوع من القوى السياسية في أمريكا , بل إن الظروف الموضوعية هي التي أفرزت صعود تلك القوى والسماح لها بممارسة برنامجها الإمبراطوري , ولأن الولايات المتحدة الأمريكية دولة مؤسسات فإنه حتى ولو كان الرئيس غير الرئيس والإدارة غير الإدارة فإن الأمر لم يكن ليختلف كثيرا .

وهذا ردا على الذين يقولون : إن أمريكا تغيرت , أو تنكرت لمبادئ المؤسسين والقادة الكبار حين تمارس التمييز ضد العرب والمسلمين والانحياز للعدو الصهيوني على حساب القضية الفلسطينية , أو عدوانها المستمر على أكثر من دولة في العالم , والصحيح أن أمريكا هي أمريكا كما هي في حقيقتها , وهذه هي الصورة الطبيعية والمتوقعة لها في إطار تركيبها مع إدراك الظروف الموضوعية لنشأتها .

-وثيقة بوش

الوثيقة التي جاءت في 35 صفحة ومقدمة كتبها الرئيس الأمريكي " بوش الأبن 2001- 2009م " بنفسه أو بمعنى أصح وقعها باسمه , حددت العدو في أنه الإرهاب ومن يحمى أو يؤوى أو لا يقاوم الإرهاب , وهذا معناه كل العالم تقريبا , لأن الإرهاب يمكن أن يوجد حسب المفهوم الأمريكي في كل من يعارض سياسة الولايات المتحدة أو يناهض الصهيونية .

وإذا كان الإرهاب وحده لا يكفي فإن الوثيقة حددت دورا أمريكيا في نشر القيم الحضارية – الحرية وحقوق الإنسان في العالم ومناهضة الديكتاتوريات والتمييز الديني وغيرها , وهو نفس مضمون رسالة الرجل الأبيض الذي برر بها الأوروبيون استعمار آسيا وإفريقيا وتنظيم المذابح والتدمير والوحشية والنهب وتقطيع الأوصال , وهو نفس الأمر المتوقع على يد الأمريكي حامل شعلة الحرية والحرية منه براء .

فأمريكا منذ وثيقة الرئيس بوش الأبن والذي حددت بأنه غير مسموح لأي دولة في العالم أن تبلغ مبلغا معينا من القوة العسكرية أو الاقتصادية وإلا ستتعرض لتدخل الولايات المتحدة .. وايضا الوثيقة تدعو إلى المزيد من فتح الأسواق وحرية التجارة والانفتاح الثقافي , وهي كلها تعبر عن حقيقة السماح لأمريكا بأكبر قدر من النهب وتدمير البنية الثقافة للحضارات والشعوب الأخرى .

-السلام الروماني

هناك العديد من التوصيفات المختلفة التي تصف الحالة الأمريكية منذ سقوط الاتحاد السوفيتي إلى اليوم وإحدى هذه التوصيفات تقول : إن أمريكا تعيد عصر الإمبراطورية الرومانية , والتي حققت نوعا من العولمة أو السيادة المطلقة على العالم القديم لصالح وحساب الرومان فقط , وكان سكان الإمبراطورية ينقسمون إلى سادة وعبيد هم باقي السكان , ولغة التفاهم الوحيدة بين الطرفين هي الطاعة المطلقة , أو العصا الغليظة , وهو نفس الأمر فيما يخص أمريكا اليوم ,

وكذلك فإن العالم القديم كان يعيش في ظل ما يسمى بالسلام الروماني وهو ما تريد أمريكا أن تفعله , بمعني دخول الجميع في السلام الأمريكي , وهو طبعا كما كان السلام الروماني نوع من الخضوع الكامل للقوة الأمريكية ونمط الحياة الأمريكية وما تقرره أمريكا من إسقاط هذا النظام أو هذا الرئيس أو تجميد أموال تلك الهيئة ووصف حركات تحررية وشعوب مقاومة لهيمنتها بوصف الإرهاب أو غزو ذلك البلد واحتلال أرضه أو تحديد الطيب من الشرير والمشكلة أو الفارق النوعى بين الإمبراطورية الرومانية والإمبراطورية الأمريكية , أن الأخيرة تمتلك أدوات قوة عسكرية واقتصادية بكثير جدا مما تمتلكه الأولى , وهذا يعني أن الخضوع سيكون أكثر قسوة , ولكن في نفس الوقت فإن الامبراطورية الرومانية كانت تواجه شعوبا وأمما في طور التكوين ولم تكن شخصيتها الحضارية قد تبلورت بعد , وهذا سهل لها مهمة الإخضاع , وحولوا البحر المتوسط إلى بحيرة رومانية واحتلت روما بلاد الشام سنة 62 ق. م , وغزت مصر وسيطرت عليها سنة 30 ق. م .

ومع احتلال مصر ارادت الإمبراطورية الرومانية جعل البحر الأحمر بحيرة رومانية كالبحر المتوسط وانتزاعه من سيطرة اليمن عليه .من المعلوم تاريخيا أن شعوب العالم القديم دخل في السلام الروماني وخضع لروما إلا اليمن فقد قاومت الغزو الروماني وهزمت جيشها بل دفنته في رمال مأرب بما عرف بحملة الرومان بقيادة جاليوس حاكم روما في مصر بعد ان قاد تحالف مع دولة الانباط واليهود عام 24 ق . م ,

فقد اصدر الإمبراطور أغسطس أمرا لحاكم مصر الروماني " اليوس جاليوس " عام 24 ق . م , للقيام بحملة إخضاع اليمن فجند عشرة آلاف من الرومان واستعان بألف جندي من الأنباط وايضا خمسمائة من اليهود كحلف عسكري لغزو اليمن , لكن اليمنيون تصدوا للحملة الرومانية ببسالة ومقاومة وهزموها .

وعلى عكس الإمبراطورية الرومانية فإن الأمريكان يواجهون أمما وحضارات وشعوبا وثقافات مكتملة التكوين ولن يكون خضوعها سهلا , ولعل هذا بالتحديد ما يجعل الولايات المتحدة تسابق الزمن لضرب الحضارة العربية الإسلامية في القلب واحتلال قلبها بقسوة وكثافة , وكذا محاولات احتواء الصين وروسيا والهند والسيطرة على البترول للتحكم في الاقتصاد الأوروبي والياباني أي منع تلك الحضارات والقوى من الاستمرار وتقزيمها أو قتلها إن امكن حتى لو كان حلفاءها مالم يكونوا تحت مظلتها وحمايتها .

-بيت الطاعة

نحن اليوم أمام استراتيجية جديدة بل ان صح التعبير امام استراتيجية فوضى عالمية واعادة العالم إلى قانون الغاب وانهيار للمنظومة والشرعية الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة وهيئاتها المختلفة . فأمريكا تريد أرساء مبدأ إمبراطوري خطير يجعل تدخل الولايات المتحدة في أي مكان لا يحتاج إلا إلى أن تقرر الولايات المتحدة ذلك فقط لا غير , وأن الولايات المتحدة ستتصرف منفردة حتى لو عارضت ذلك الهيئات والجهات الدولية بما فيها الأمم المتحدة , بمعنى إما أن تصبح الأمم المتحدة بوقا وذيلا , وإما فلا حاجة لها , وهذا معناه أن أمريكا أعطت لنفسها الحق في تحديد الخطأ والصواب المشروع وغير المشروع , وأعطت نفسها الحق في تنفيذ ما تراه ملائما . كل هذا معناه أن العالم كله مطلوب لبيت الطاعة الأمريكي . -قيادة العالم مع انهيار الشيوعية , وانفراد أمريكا بالقوة العسكرية في العالم , طرحت أمريكا نفسها كقيادة للعالم , واعتبرت أن هذه هي فرصتها وإنه يجب أن يكون القرن الواحد والعشرين قرنا أمريكيا , وأمريكا لم تقدم نفسها كقيادة عسكرية للعالم فقط بل تريد أن تقدم نفسها كقيادة سياسية واقتصادية بل وقيمية وحضارية للعالم , فهي تريد الهيمنة على العالم في كل شيء بدءا من النفوذ العسكري ومرورا بالنفوذ الاقتصادي والسياسي وانتهاء بالنفوذ الثقافي . وأمريكا التي تريد الانفراد بالقيادة في العالم الجديد أو النظام العالمي الجديد كما تسميه واشنطن لا بد أن تستخدم سياسة " الجزرة والعصا " فهي ترسم لنفسها صورة وردية ويرسم لها المؤيدون أو التابعون أو المأجورون صورة زاهية وقيما رفيعة , فهي ذات مسؤولية عالمية ومدافعة عن الحرية والسلام , وتريد عالما بلا حروب وتريد مساعدة العالم كله على الرخاء والحرية . وتقدم قيمها السياسية " البرغماتية " كما لو كانت أفضل القيم , فالتاريخ قد انتهي وأثبت صحة اقتصاد السوق والليبرالية الرأسمالية والنزعة الفردية والصفقات التجارية والمشاريع الاستثمارية والمصالح المشتركة . ومن ناحية أخرى فإنها تلوح بالعصا الغليظة لمن لا يريد الخضوع لهذا النظام العالمي الجديد أو الهيمنة الأمريكية وتهدد بأنها سوف تضرب بقسوة كل من يتحدى جبروتها سواء كان من الأعداء أو الأصدقاء على حد سواء . يشرح الرئيس الأمريكي " ريتشارد نيكسون 1969- 1974م" في كتابه والذي نشر منذ سنوات قريبة بعنوان " انتهزوا هذه الفرصة " ملامح تلك القيادة الأمريكية مقدما لها صورة وردية : ( سيعلم الجميع أنه بدون الولايات المتحدة الأمريكية فلن يكون هناك سلام أو حرية في العالم أجمع سواء في الماضي أو في الحاضر أو في المستقبل ... يجب أن نعيد الثقة في عقيدتنا وفي مثلنا وفي قدرنا وفي أنفسنا , نحن موجودون لنصنع التاريخ , ونفتح آفاقا جديدة للمستقبل ... لقد ظل الناس على مدي قرون طويلة يحلمون بالسلام والحرية والتقدم في العالم أجمع , ولم نكن في يوم من الأيام أقرب إلى تحقيق هذه الآمال من يومنا هذا ... إن علينا حمل عبء قيادة العالم , لأننا شعب عريق ... إن الولايات المتحدة الأمريكية تستطيع أن تقوم بدور القيادة في العالم وعلى العالم أن يتبع خطانا ... ليس هناك إلا الولايات المتحدة التي تملك القوى العسكرية والسياسية والاقتصادية لتقود العالم في طريق الحرية , والأهم من ذلك أن تأثيرنا لا ينبع فقط من القوة العسكرية والاقتصادية , ولكن ينبع أيضا من الإعجاب بمبادئنا ومثلنا , ونحن البلد الوحيد في العالم الذي رفع اسمه بقوة مبادئه وليس بقوة سلاحه ) .فأمريكا تقدم نفسها للعالم إلى جانب تفوقها العسكري والاقتصادي ايضا انها تحمل قيما عظيمة , وينبغي على العالم أجمع أن يدخل في هذه القيم وأن يتخلى الجميع عن قيمهم الحضارية الذاتية , وأن يخضع وهو سعيد لقيادة أمريكا وإلا فإن من يرفض أو يعارض أو حتي يكون محايدا فإن العصا الغليظة ستناله . -الجريمة الكبرى إن الصورة الوردية التي تروجها أمريكا ويروجها مؤيدوها صورة منافقة وكاذبة وتفتقر إلى الحد الأدنى من الجدية والحقيقة , فلا هي دولة صاحبة قيم عظيمة ولا ممارسات عظيمة ولا هي دولة بهذه القوة التي يتحدثون عنها . والصورة الحقيقية لأمريكا تقول : إن أمريكا ذاتها نشأت من خلال جريمة كبرى وهي إبادة شعب " الهنود الحمر " واستلاب أرضه والعيش فيها , أباد المهاجرون الأمريكيون أكثر من مائة مليون نسمة من الهنود الحمر , فكل مهاجر أباد أربعة من الهنود الحمر وبالتالي فقد عاش على جماجم أربعة من البشر . وهؤلاء الذين أنشأوا أمريكا أو سلبوها من أهلها كانوا من حثالات المهاجرين والمغامرين والأفاقين الأوروبيين , وهؤلاء بدورهم أبادوا الهنود الحمر , ثم استقدموا الرقيق الإفريقي ليسخروه في بناء امريكا , أي أن أمريكا قامت على النهب والإبادة والتفرقة العنصرية والتي تمارسها بصورة رسمية وتشرعها قوانينها وما تزال التفرقة العنصرية موجودة ومتغلغلة في الوجدان الأمريكي وما تزال آثارها ملموسة حتي الآن في كل مكان بأمريكا , فأي عالم إذن يمكن أن نتوقعه تحت قيادة أمة نشأت على النهب والإبادة والعنصرية ؟! .إن ما يسمى اليوم بالأمة الأمريكية هي تمثل كل القيم البشعة للحضارة الغربية , تلك الحضارة التي قامت على نهب الشعوب واسترقاقها وأذاقت كل البشرية الويلات خلال فترة الاستعمار ولا تزال , وما دامت ما يسمى بالأمة الأمريكية جزءا من الحضارة الغربية فهي تمتلك كل مقوماتها الحضارية وعي العنف والقهر والنهب والعنصرية , بل إنه يمكن القول : إن أمريكا هي أسوأ التطورات في الحضارة الغربية , لأنها نشأت من حثالة البشر في تلك الحضارة الغربية , ولأنها نشأت من خلال جريمة كبرى إبادة الهنود الحمر سكان أمريكا الأصليين . -تاريخ أسود إن سجل الجرائم الأمريكية حول العالم متعددة ومتنوعة , فهو تاريخ أسود حافل بكل المذابح والمجازر والانتهاكات ولا يوجد دولة إلا واكتوت بنار جرائم واشنطن , فأمريكا التي تدعي أنها رفعت اسمها من خلال المبادي , وليس من خلال القوة هي نفسها التي قامت بالعديد من الجرائم الكبيرة اولاها إبادة شعب أمريكا الأصلي الهنود الحمر واسترقاق السود وتسخيرهم في بناء امريكا . وفيما يخص جرائمها ضد العرب و المسلمين اهمها : دعم قيام الكيان الصهيوني والاعتراف به عام 1948م , وفرضه كعضو على الأمم المتحدة عام 1949م , ثم تقديم عشرات المليارات إليه لدعمه فضلا عن السلاح والمعلومات الاستخبارية وغيرها حتي اليوم , التدخل العسكري في لبنان 1983م , ضرب ليبيا 1986م , اختطاف الطائرة المصرية إبان حادثة السفينة " أكيلي لاورو " عام 1986م , إسقاط طائرة الركاب الإيرانية المدنية فوق مياه الخليج العربي 1988م , تدمير العراق والكويت 1991م , التدخل في الصومال 1993م , ضرب السودان وأفغانستان 1988م , احتلال أفغانستان 2001م , احتلال العراق 2003م , محاولة تصفية القضية الفلسطينية من خلال صفقة القرن 2017م , أو مقترح ترامب اليوم ترحيل سكان غزة 2025م , وشراء أراض غزة مخالفا بذلك كل القوانين والمواثيق الدولية مما لاقي استهجان عالمي . وجعل العالم بأسره يدرك حقيقة وتاريخ أمريكا وانها قامت على الإبادة والعنصرية . -سقوط أمريكا إذا كانت الصورة الوردية التي ترسمها أمريكا لنفسها أو يرسمها لها مؤيدوها صورة كاذبة ومنافقة وغير حقيقية , فإن الصورة الأخرى التي تكمل بها أمريكا ومؤيدوها حصارها حول العالم وهي صورة أمريكا القوية القادرة التي لا تستطيع قوة أخرى تحديها هي أيضا صورة مبالغ فيها لإيقاع الرعب في نفوس الآخرين , وأن الصورة الحقيقية لأمريكا ليست بهذه القوة ولا بهذه القدرة ويمكن بالصمود والمقاومة والمواجهة أو بعوامل الضعف الداخلية الأمريكية أن تسقط هذه القوة بأسرع مما نتصور . وفي هذا الصدد يقول " محمد حسنين هيكل " في كتابه " الإمبراطورية الأمريكية والإغارة على العراق " : ( الواقع أن الإمبراطوريات الكبرى في التاريخ لا يهزمها خصومها في صراعات مباشرة إلى النهاية , وإنما تتولى هي هزيمة نفسها بالإفراط في استعمال القوة وفي الغرور , إذ يعجز عن مسايرة التطور ويتصور قجرته غالبة إلى الأبد ) .

مقالات مشابهة

  • بحث مستقبل القوى الناشئة ودورها بتشكيل المشهد الاقتصادي
  • هل هي الحرب الكبرى أم حافة الهاوية؟
  • قوى عاملة النواب: القمة العربية الطارئة بالقاهرة بداية لتحقيق الوحدة
  • أمريكا ... بين السلام الروماني والجريمة الكبرى !
  • القمة العالمية للحكومات 2025 تجمع قادة العالم لصياغة مستقبل التحولات الكبرى
  • الخديعة والذريعة والمؤامرة الكبرى
  • الكشف عن اتفاق أمريكي مع «يغير توازن القوى» في سوريا
  • مناقشة «مستقبل المنطقة العربية ما بعد 2025» بصالون معهد التخطيط القومي
  • القمة العالمية للحكومات 2025.. رؤى متجددة تستشرف مستقبل التحولات الكبرى
  • القمة العالمية للحكومات 2025..رؤى متجددة تستشرف مستقبل التحولات الكبرى