الجولانى.. وسيناريوهات مستقبل سوريا
تاريخ النشر: 11th, December 2024 GMT
لم أراهن يومًا على نظام بشار الأسد فى تحقيق أى مكاسب إيجابية، لكننى لم أتمن سقوط سوريا عبر تدخل عسكرى مجهول الأهداف، فالانهيارات التى شهدتها دول أخرى فى المنطقة أظهرت أنها غالبًا تخدم مصالح القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة وإسرائيل، دون النظر إلى حقوق الشعوب أو استقرارها.
قلبى يعتصر ألمًا على سوريا، ذلك الوطن العظيم الذى يسكن الروح قبل الجغرافيا.
فاليوم، وبنظرة واقعية، سوريا غارقة فى صراعات معقدة، حيث تنقسم البلاد بين أطراف متعددة، من النظام إلى المعارضة المسلحة والجماعات الإرهابية، فى ظل تدخلات إقليمية ودولية واسعة. هذه الانقسامات تسهم فى استنزاف الجميع، ما يؤدى إلى إضعاف سوريا كدولة محورية ويخدم أجندة القوى الكبرى الساعية لإعادة تشكيل المنطقة بما يتماشى مع مصالحها.
التطورات الأخيرة تشير إلى أن ما يحدث فى سوريا لا ينفصل عن لعبة المصالح الدولية.
فى اللحظة التى تقيم ميليشيات أنصار الشام الاحتفالات، وتتزين فيه مدن سوريا احتفالاً باسقاط نظام بشار، هناك مناطق سورية سقطت فى يد الكيان الصهيونى، بعدما توغلت فى عمق الأراضى السورية لتكون على مشارف دمشق، فماذا أنتم فاعلون يا ثوار، وبعد تدمير الأسطول البحرى وضرب البنية العسكرية والبحرية؟، فسوريا أصبحت مقسمة، تتحكم فيها أمريكا وإسرائيل، فالوضع يُدار بطريقة تحقيق مصالح القوى الكبرى، وخاصة الولايات المتحدة والكيان الصهيونى المحتل، فتعدد الفصائل المتحاربة، من الجيش السورى إلى المعارضة المسلحة، مرورًا بالجماعات الإرهابية، يجعل الجميع مستنزفًا دون حسم واضح، هذا الوضع يخدم أجندة تقسيم البلاد وإضعافها، فالتدخلات الإقليمية لدول عدة على رأسها تركيا وإيران اللذان يلعبان أدوارًا متناقضة، حيث تسعى كل دولة لتحقيق نفوذها فى سوريا، ويؤدى هذا إلى المزيد من الفوضى وإضعاف الدولة المركزية وكل من تلك الدول تدور فى فلك الكيان الصهيونى وأمريكا.
وبحسب المعلومات التى تؤكد وجود اتفاق قد تم بين الرئيس الأمريكى دونالد ترامب والرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى، برعاية الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، فى باريس والذى تم قبل سقوط نظام الأسد بـ ٢٤ ساعة، صفقة قذرة، تهدف إلى تسوية النزاع بين روسيا وأوكرانيا. يتضمن تنازلات استراتيجية، أبرزها تخلى روسيا عن دعم نظام بشار الأسد والموافقة على إسقاطه، بالإضافة إلى تقسيم سوريا بشكل يضمن لإسرائيل السيطرة الكاملة على هضبة الجولان، وبقاء القوات الروسية داخل سوريا، فإن تلك المعلومات، تعكس أبعادًا خطيرة فى لعبة المصالح الدولية، حيث يتم استخدام الأزمات الإقليمية المفتعلة كورقة ضغط لتحقيق مكاسب استراتيجية على حساب سيادة الدول وشعوبها.
وسط هذه الفوضى، يظهر أبو محمد الجولانى، زعيم هيئة تحرير الشام، كشخصية مثيرة للجدل ومحور رئيسي فى مستقبل سوريا. تحركاته العسكرية والسياسية أثارت تساؤلات حول أهدافه وولاءاته، ما يطرح ثلاثة سيناريوهات محتملة بشأن دوره:
1-هل الجولانى عميل لأمريكا؟
يعتقد بعض المحللين أن الجولانى يتعاون ضمنيًا مع واشنطن. هذا الاعتقاد يستند إلى تحوّله من زعيم تنظيم متطرف مرتبط بالقاعدة إلى قيادة تسعى لتقديم نفسها كطرف سياسى براغماتى فى المشهد السورى، إضافة إلى ذلك، لم تستهدفه الولايات المتحدة بنفس القوة التى استهدفت بها قادة داعش، ما أثار الشكوك حول وجود تفاهمات خفية بين الطرفين، قد تكون هذه التفاهمات جزءًا من خطة أمريكية لتقويض القوى المدعومة من روسيا وإيران، فى إطار إعادة ترتيب النفوذ داخل سوريا.
2-علاقة الجولانى بالفصائل الإسلامية؟
نشأة الجولانى داخل التيارات الجهادية وانفصاله لاحقًا عن القاعدة أثار عداء العديد من الفصائل الإسلامية المتشددة، التى ترى فى خطواته خيانة للمشروع الجهادى، وتصادمه مع تنظيمات مثل «حراس الدين» يظهر أنه يسعى لتبنى مسار مستقل، بعيدًا عن الأهداف التقليدية للجماعات الجهادية العالمية، ما يضعه فى موقع صراع مستمر مع القوى الإسلامية الأخرى.
3-هل يخدع الجولانى الجميع؟
من المحتمل أن الجولانى يسعى للحفاظ على موقعه، من خلال مناورة الأطراف الدولية والإقليمية. تحركاته تُظهر براعة سياسية فى استغلال الفوضى لتحقيق مصالح تنظيمه، سواء عبر تحييد الفصائل الأخرى أو تقديم نفسه كقوة يمكن التفاوض معها، هذه البراغماتية قد تكون جزءًا من خطة شخصية للبقاء على رأس السلطة، مع تقديم تنازلات تُظهره بمظهر الطرف المقبول دوليًا.
تحليل المشهد
هل مخطط للجولانى أن يظهر كلاعب سياسى ماهر يحاول تحقيق مصالحه التنظيمية والشخصية، لكنه فى الوقت ذاته قد يكون أداة فى يد القوى الكبرى، فنجاحه فى السيطرة على إدلب وحلب وحماة ودمشق وسط هذه الفوضى قد يشير إلى دعم خارجى مباشر أو غير مباشر يضمن استمراره كجزء من معادلة تحقيق المصالح الدولية والإقليمية.
على الجانب الآخر، التدخلات التركية والإيرانية فى سوريا تعقد المشهد أكثر، فتركيا ترى فى هيئة تحرير الشام أداة لتحقيق أهدافها الحدودية، فيما تسعى إيران لتثبيت نفوذها الإقليمى. هذا التنافس الإقليمى يؤدى إلى المزيد من الفوضى، ما يضعف فرص سوريا فى استعادة استقرارها أو الحفاظ على وحدة أراضيها.
ماذا بعد إسقاط نظام بشار؟
من المؤكد أن الوضع فى سوريا لا يُدار وفقًا لمصالح شعبها، بل بما يخدم القوى الكبرى. استمرار هذا المشهد المضطرب يحقق أهدافًا استراتيجية طويلة المدى لإسرائيل والولايات المتحدة، أبرزها ضمان إضعاف سوريا كدولة محورية فى المنطقة ومنع استقرارها لسنوات قادمة، فى هذا السياق، يبقى السؤال الرئيسي: هل الجولانى ينفذ أجندة أجنبية مرسومة، أم أنه يُخادع الجميع لتحقيق مصالحه الخاصة؟ الإجابة ليست بسيطة، لكنها ترتبط بتحليل أفعاله المستقبلية وما إذا كان سيواصل التحرك كطرف مستقل أم أداة لتحقيق مصالح خارجية؟.
ختامًا
الأيام القادمة ستكون مليئة بالتطورات التى ستكشف المزيد من خفايا هذا المشهد المعقد. لكن الواضح أن الوضع الحالى يخدم مصالح القوى الكبرى، ويهدد مستقبل سوريا كدولة موحدة ومستقرة. الأمر يتطلب وعيًا عربيًا وشعبيًا لمواجهة هذه المخططات التى تهدف لإبقاء المنطقة رهينة للصراعات والتحكم الخارجى.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: رادار نظام بشار الأسد تدخل عسكري على رأسها القوى الکبرى تحقیق مصالح نظام بشار فى سوریا
إقرأ أيضاً:
الخارجية الروسية: موسكو تحافظ على اتصالاتها مع جميع القوى السياسية في سوريا
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أعلنت وزارة الخارجية الروسية، أن موسكو تحافظ على اتصالاتها مع جميع القوى السياسية الموجودة حاليًا في سوريا، وفقًا لما نقلته فضائية "القاهرة الإخبارية"، اليوم الأربعاء.
وأضافت وزارة الخارجية الروسية، أن مجلس الأمن الروسي يعقد اجتماعا بشأن القواعد العسكرية وأمن المواطنين الروس في سوريا.
وفي سياق آخر، أدانت الخارجية الروسية، بشدة الهجوم الأوكراني الذي استهدف سيارة كان يستخدمها خبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالقرب من محطة زابوريجيا النووية.