بات واضحًا الآن أن ما حدث فى الدول العربية منذ 2011 ليست ثورات، بل مخططات ومؤامرات نفذها عملاء، فالثورات لا يمكن أن تفتت دولًا أو تفكك جيوشًا، أو تؤدى إلى حرب أهلية بين فصائل تتجنس بنفس الجنسية وترفع ذات العلم، المخطط ظهر جليًا منذ أحداث غزة، وانكشفت كل الأطراف المشاركة فى التخطيط أو التنفيذ، وللأسف ساعدت الظروف وأيديولوجية المجتمعات العربية السياسية والدينية والطائفية فى نجاح هذه المخططات.
استخدم المخططون ببراعة الجماعات الدينية المسلحة، صنعوا منها فزاعة مرعبة باعتبارها مصدر الإرهاب فى العالم، ثم استخدموها لتنفيذ مخططاتهم، مستغلين رغبتهم فى الوصول إلى السلطة فى عدة بلاد، فأطلقوا عليها جماعات المعارضة، وزعموا دعمها للحصول على الحرية والعيش الكريم فى الدول المستهدفة تحت مسمى الحريات، وهو المصطلح المطاط الذى توغلوا من خلاله داخل المجتمعات، وسيطروا به على عقول كثيرين.
ولنلقى نظرة على ما حدث فى سوريا من ثورة 2011، خرجت الجماهير غاضبة تطالب بالحرية وإسقاط النظام، وتحت زعم المعارضة ظهرت الجماعات الدينية المسلحة فى بعض المدن السورية وسيطرت عليها، وبعد مواجهات مع الجيش السورى تم خلالها تدمير عدة مدن وتهجير الملايين من الشعب السورى، ثم هدأت المواجهات وظل بشار الأسد يحكم سوريا طوال هذه السنوات، ولكنه كان حكمًا وهميًا يعتمد على حماية أجنبية، ولم يستغل بشار السنوات الأخيرة فى تقوية جيشه أو استعادة المدن التى سيطرت عليها الميليشيات والمرتزقة، ثم عاودت هذه الجماعات القتال فجأة بعد انهيار حزب الله وحماس، وبالطبع تحركوا بتعليمات وتوجيهات ودعم من يحركهم كالدمى.
ما دار فى سوريا خلال السنوات الماضية وما حدث خلال الأيام الأخيرة يكشف المخطط، فقد اكتفى بشار الأسد بالسيطرة على عدة مدن وترك الأخرى تحت سيطرة الميليشيات التى تديرها دول أخرى لها أطماع فى سوريا وغيرها من دول المنطقة، واحتمى بإيران وروسيا، وجيش بلا عقيدة انهار فى لحظات أمام تلك الجماعات، أما هيئة تحرير الشام التى تفرعت عن جبهة النصرة وغيرها من الجماعات العميلة قادها ذلك الجولانى الذى وضعته أمريكا وجماعته على قوائم الإرهاب، وأعلنت عن مكافأة 10 ملايين دولار لمن يرشد عن مكانه، وها هو الجولانى يظهر ويدخل سوريا، وتجرى معه قناة الـ(سى إن إن) الأمريكية مقابلة ليقدموه للسوريين والعالم بشكل جديد، وبات مكانه معلومًا للجميع، بل ويأمر بتشكيل حكومة انتقالية.. فهل يعترضه أحد؟ بالطبع لا، بل لا أستبعد رفع اسمه وجماعته من قوائم الإرهاب بعد أن نفذ المطلوب.
وها هى الصورة الكاملة للمخطط تظهر الآن، إسرائيل تصول وتجول وتستولى على قرى بجنوب لبنان، وأكثر من 260 كيلومترًا من الأراضى السورية لتضمها للجولان، ثم تدمر الأسطول السورى ومواقع ومخازن للجيش السورى بضربات جوية، لتضمن القضاء على جيش كان يشكل لها عقبة فى سبيل تحقيق مخطط التوسع، الغريب هو إعلان الجولانى أن ما تفعله إسرائيل فى سوريا بالتنسيق معهم، فى الوقت الذى تعلن فيه إسرائيل أن المعارضة ستلقى مصير بشار إذا شكلت خطرًا على أمنها.
وإن كنت لا أتمنى ذلك بالطبع ولكن فى يقينى لن تعود سوريا، ستذهب إلى المجهول كما ذهب العراق وليبيا والسودان، وسيبكون كالنساء على أوطان لم يحافظوا عليها كالرجال، استرجعوا ما حدث فى المنطقة منذ اندلاع تلك الثورات المسماه «الربيع العربى»، وكيف حافظت مصرعلى نفسها ونجت حتى الآن من ذلك المخطط، وكيف استطاع الرئيس السيسى تحديث الجيش ودحر الإرهاب، فى الوقت الذى استمرت فيه عملية التنمية بلا توقف، وكيف احتضنت مصر ملايين اللاجئين من الدول العربية التى سقطت فى دوامة الصراعات، ستدركون حقًا نعمة القائد الوطنى والجيش الوطنى الذى يحارب ويحمى الوطن بعقيدة ثابتة لا تتزعزع رافعًا شعار «النصر أو الشهادة».
علينا أن نتكاتف ونصطف خلف القيادة السياسية وجيشنا الوطنى، لتقوى الجبهة الداخلية ونذود عن بلادنا ضد أى معتد.. حفظ الله مصرنا وجيشها الجسور من كل سوء.. وتحيا مصر.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: هوامش خالد إدريس بات واضح ا فى سوریا ما حدث
إقرأ أيضاً:
حكايات يكتبها خيري حسن : عطية معبد..شاعر التفاصيل ضد التفاصيل الأخرى
كنت صغيراَ فى السن عندما ذهبت إلى بيت ثقافة إهناسيا المدينة - وهى مدينة فرعونية قديمة تبعد عن القاهرة ما يقرب من 140 كم جنوباً.
استقلبنى رئيس نادى الأدب الشاعر نور سليمان بترحاب شديد، وعندما استمع إلى شعر العامية الذى كنت أكتبه فرح جداً بى وقال:" جهز نفسك لندوة فى بيت ثقافة الفشن - وهى مدينة قريبة من محافظة المنيا وتبعد عن القاهرة 160كم جنوباَ أيضاً.
وبالفعل ذهبت مع مجموعة من الأدباء والقيت الشعر الذى أكتبه( وهو ليس بشعر أصلاَ) ثم صعد على المنصة الشاعر عطية معبد - من أسرة نادى أدب مدينتى إهناسيا - ليلقى قصيدة عنوانها عبقرى، ومذهل مازلت أذكره ولا أنساه حتى اليوم.
على المنصة صعد عطية معبد ناحل الجسد، شارد الذهن، مبتسماَ فى خجل طفولى ظاهر، ويمسك فى يده علبة سجائر نصف فارغة يبدو أنها لا تفارقه ثم امسك بالورقة الفولسكاب التى أمامه ليقرأ واعتدل ثم قال:
" تفاصيل ..ضد التفاصيل وتفاصيل أخري"!
وكان هذا هو العنوان..وكانت هذه هى اللحظة التى توقعت فيها أننى أمام شاعر - رغم عمره الصغير وقتها - سيكون علامة بارزة فى قصيدة النثر المصرية.
ودارت الأيام دورتها وجئت للقاهرة، وشغلتنى نداهة، ومتاهة الصحافة، واختفى عطية معبد عن الحياة الأدبية لأسباب كثيرة ربما من بينها تركيبته الشخصية الخجولة، والكسولة، التى لم تجعله يأخذ المكان الذى يستحقه بين كتاب قصيدة النثر فى جيله ومن أسبابها أيصاَ - بطبيعة الحال - دوائر العلاقات المتشابكة فى وسط الصحافة الثقافية فى القاهرة الذى عانى منها عطية وكل موهبة مثل موهبة عطية.. بسبب التجاهل، والتهميش، والاقصاء، والاستبعاد، لسنوات طويلة. ولكن رغم ذلك ظل اسمه وعنوان قصيدته محفوران فى ذهنى لا أنساهما!
بعد سنوات طلبنى الزميل خالد ناجح - وكان رئيسا لتحرير مجلة الهلال وكتاب الهلال ورواية الهلال - للعمل معه كمديراَ لتحرير مجلة الهلال وبالفعل وافقت وقدمت للصحافة الثقافية مع أسرة تحرير المجلة - فى حدود ما استطعت - 7 أعدادا مازال الزملاء فى دار الهلال وخارجها يذكرونهم حتى اليوم.
وأثناء هذه الفترة بحثت عن شعر عطية معبد حتى أنشره فلم أجده، وبحثت عن عطية نفسه حتى أحاوره فلم أجده..وذات يوم وأنا فى المجلة فتحت درج مكتب قديم فوقه أطنان من التراب! فى حجرة مجاورة كان يضم كتب ومجلات قديمة فوجدت أمامى اسم عطية معبد على ديوان له كان صادراَ عن الهيئة العامة لقصور الثقافة ضمن سلسلة ( إبداعات - العدد 54 ) - أول فبراير - 1998 عنوانه:
( هكذا أموت..عادة)
ففرحت به وفرحت أكثر عندما وجدت فى الديوان قصيدته التى لم انساها" تفاصيل ضد التفاضيل.. وتفاصيل أخري) والديون واضح من شكله أنه لم تمسه يد، ولم ينشر عنه حرفا، ولم يكتب عنه أحدا ( على الأقل فى مجلة الهلال ) وظل مركونا فى الدولاب القديم ما يقرب من 20 سنة حتى جئت ووجدته!
وعندما قررت أن أكتب عن الديوان وعن عطية معبد فى العدد التالى من المجلة حدث - لسوء حظى - ولسوء حظ عطية ( كده..كده عطية حظه سىء ) ابتعدت عن إدارة تحرير المجلة، لأسباب ليس الآن المجال لذكرها.. لتبقي تفاصيل - عطية معبد - ضد التفاصيل وتفاصيل أخري " باقية، وحاضرة، وشاهدة على مواهب حقيقية - مثل موهبة عطية معبد - لم تأخذ مكانها، ولا اتسع لها زمانها بالقدر الذى تستحقه. وربما من أجل ذلك جعل عطية معبد عنوان ديوانه:
" هكذا أموت..عادة" فهل الموت الذى كان يقصده هو موت الموهبة؟! ربما!!
ويقول عطية معبد:
" ليس من سبب
يدعونى للأحتفاظ بعلب المارلبوبو
الفارغة
غير رغبتى
فى أن ارى الخراب
ملوناَ"