هل تظل رسائلك المشفرة خصوصية في أوروبا؟
تاريخ النشر: 11th, December 2024 GMT
في السنوات الأخيرة، تضافرت جهود منظمات المجتمع المدني والقوى الفاعلة في الصناعة لحماية الرسائل المشفرة من تدخل الحكومة. في عصر المراقبة، كما يلاحظ مفوض مجلس أوروبا السابق لحقوق الإنسان، يُـعَـد التشفير «أداة شديدة الأهمية لضمان لحقوق الإنسان». وفي عملي الخاص في مجال الأمن والشؤون الخارجية كعضو في البرلمان الأوروبي، عاينت بنفسي صِدق هذه الملاحظة.
هذا التنظيم كفيل بتمكين السلطات من فرض المسح العشوائي للرسائل الخاصة، بما في ذلك تلك التي تستعين بخدمات التشفير بين الطرفيات، للكشف عن مواد استغلال الأطفال جنسيا. حتى لو جاء تبني مثل هذه التدابير قائما على أفضل النوايا، فإنها ستُـفضي حتمًا إلى إيجاد نقاط ضعف يمكن استغلالها من قبل جهات خبيثة. زعم محترفو تكنولوجيا المعلومات أن كسر التشفير بأمان أمر في حكم المستحيل؛ ذلك أن الأبواب الخلفية توجد دوما ثغرات أمنية يمكن استغلالها. قبل بضعة أسابيع فقط، انتشرت أنباء تفيد بأن شركات الإنترنت الرئيسة في الولايات المتحدة اخـتُـرِقَـت من قبل جهات صينية من خلال قنوات بيانات يمكن الوصول إليها بشكل قانوني.
تحذر وكالات استخباراتية (بما في ذلك في هولندا) بحق من أن تقويض التشفير يشكل تهديدا شديدًا للأمن السيبراني. في الواقع، استبعدت المناقشات الجارية داخل مجلس الاتحاد الأوروبي مسح الحسابات التي تعتبر بالغة الأهمية للأمن القومي، ما يكشف عن ازدواجية معايير صارخة.
ولا يشكل الأمن السيبراني القضية الوحيدة، حيث يدعو هذا التنظيم أيضًا إلى طعن قانوني. ذلك أن ميثاق الاتحاد الأوروبي للحقوق الأساسية يحمي حق الخصوصية صراحة في اتصالات أي شخص، وقد أوضحت محكمة العدل الأوروبية أن المسح العشوائي والشامل للاتصالات الخاصة يشكل انتهاكا غير متكافئ لهذا الحق. كما توصلت تحليلات داخلية مستقلة أجراها كل من مجلس الاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي إلى استنتاجات مماثلة، وأثار مجلس حماية البيانات الأوروبي ومشرف حماية البيانات الأوروبي مخاوف تتعلق بالخصوصية والفعالية بشأن القانون المقترح. فرغم كل شيء، يستطيع المجرمون التحايل بسهولة على الكشف. فشلت المفوضية الأوروبية أيضا في معالجة الآثار الأوسع نطاقًا المترتبة على اعتراض الرسائل المشفرة تحت ذريعة مكافحة إساءة استغلال الأطفال جنسيا.
الواقع أن وكالات إنفاذ القانون، مدفوعة بشهية تكاد تكون غير محدودة للبيانات، ستضغط في الأرجح باتجاه توسيع نطاق نظام المراقبة ليشمل مجالات أخرى. وقد أوصت وكالة الشرطة الأوروبية يوروبول بالفعل بهذا. وعلى النقيض من تأكيدات المفوضية، لا تزال شكوك كبرى قائمة حول فعالية وجدوى البرامج المستخدمة للكشف عن إساءة استغلال الأطفال وجدارتها بالثقة.
لكل هذه الأسباب، استقر البرلمان الأوروبي على نهج أكثر توازنا، فاستبعد المسح على الخدمات المشفرة وقصر المراقبة على المشتبه بهم المستهدفين أو مجموعات من المشتبه بهم. في الوقت ذاته، يناقش مجلس الاتحاد الأوروبي نهجا يُعرف بمسمى «المسح من جانب العميل»، والذي بموجبه يجري اعتراض الرسائل قبل إرسالها. ولكن في حين تُـقَـدَّم هذه الطريقة على أنها حل وسط بين الخصوصية، والأمن، وحماية الأطفال، فإن ما تفعله في حقيقة الأمر هو المساس بسلامة التشفير، وهذا يثير في نهاية المطاف ذات المخاوف المتعلقة بالخصوصية والأمن السيبراني.
إن قبول هذا النهج لا يبشر بأي خير فيما يتصل بحماية الخصوصية في أوروبا. لكن المفوض الأوروبي الجديد للشؤون الداخلية والهجرة، ماجنوس برونر، قال إنه «مقتنع بإلحاح وضرورة اعتماد التنظيم المقترح». وأثناء جلسات استماع أمام البرلمان الأوروبي، رفض الالتزام بحماية التشفير، وتجنب الإجابة عن أسئلة حول استخدام برامج التجسس من قِـبَـل حكومات الاتحاد الأوروبي، وهي طريقة أخرى شديدة التوغل للالتفاف على التشفير.
التشفير ليس مجرد ضمانة تقنية؛ بل هو حجر الزاوية لحقوقنا الرقمية وحرياتنا الديمقراطية. مع استمرار المناقشات حول اقتراح قانون حماية الأطفال من الاستغلال الجنسي، يجب أن نظل يقظين في مواجهة السياسات التي تقوض هذه القيم تحت ستار السلامة.
إن إضعاف التشفير لا يعرض للخطر الخصوصية الفردية فحسب، بل وأيضًا النظام البيئي الرقمي في عموم الأمر. بدلا من تجريف التشفير، يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يُـناصِـر جهود حماية الخصوصية القوية التي تُوجِـد التوازن بين احتياجات الأمن والحقوق الأساسية. بوضع هذا التوجه في الاعتبار، وَقَّـعْتُ على تعهد بحماية التشفير. لا يتعلق الأمر بالدفاع عن التكنولوجيا فحسب؛ بل وأيضا بالدفاع عن المبادئ التي تحدد هويتنا كمجتمع.
ماركيتا جريجوروفا عضوة في البرلمان الأوروبي.
خدمة بروجيكت سنديكيت
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: البرلمان الأوروبی الاتحاد الأوروبی إنفاذ القانون
إقرأ أيضاً:
«الخارجية» تنظم ورش عمل حول ملفات الهجرة بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي
استضافت وزارة الخارجية والهجرة وشؤون المصريين بالخارج 3 ورش عمل فنية حول موضوعات الهجرة، في إطار الشراكة الإستراتيجية والشاملة بين مصر والاتحاد الأوروبي.
وتناولت ورش العمل موضوعات الهجرة والتنقل، وشراكة المواهب لتنقل المهارات ضمن مسارات الهجرة الشرعية، وعمليات العودة وإعادة القبول وإعادة الإدماج.
شراكة استراتيجية بين مصر والاتحاد الأوروبيوشاركت في ورش العمل المشار اليها الجهات الوطنية المصرية ذات الصلة، وممثلون عن المفوضية الأوروبية، وبعثة الاتحاد الأوروبي بالقاهرة، وعدد من السفارات الأوروبية.
وأوضح السفير وائل بدوي، نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون الهجرة واللاجئين ومكافحة الاتجار بالبشر، أن المشاورات أتاحت الفرصة لإجراء حوار شامل حول أهم الموضوعات التي تهم الجانبين، في إطار الشراكة الإستراتيجية بين مصر والإتحاد الأوروبي.
عرض أولويات ملف الهجرةوأضاف «بدوي»، أن هذه الاجتماعات شهدت قيام الجانب المصري بعرض أولوياته ارتباطاً بملف الهجرة، مع التركيز على ضرورة التعامل مع الهجرة من خلال مقاربة شاملة ومتكاملة، تراعي الأبعاد الإنسانية وأيضا الإنمائية طويلة الأمد والأمنية. كما تم التركيز على أهمية دعم انشاء مسارات نظامية لتنقل المهارات، بما يخدم مصلحة مصر والدول الأوروبية والمُهاجر.
وأضاف «بدوي»، أن مصر حرصت على التأكيد على أهمية مواصلة وزيادة الدعم المقدم من الإتحاد الأوروبي لمصر في إطار التعامل مع ملف اللاجئين والمهاجرين، تفعيلا لمبدأ تقاسم المسئولية والأعباء، وأخذا في الاعتبار حجم الأعباء التي تتحملها مصر والتحديات التي تواجهها نتيجة استمرار تدفقات المهاجرين واللاجئين بسبب الأزمات التي تشهدها المنطقة.
وأكد الوفد الأوروبي حرصه على تعزيز الشراكة الاستراتيجية مع مصر في مختلف المجالات، بما في ذلك ملف الهجرة، ورحب بأولويات مجالات التعاون التي طرحها الوفد المصري، وحرص الوفد الأوروبي على تأكيد اعتزامه دعمها.
كما أشاد الوفد الأوروبي بجهود مصر في مجال مكافحة الهجرة غير الشرعية، وتم الاتفاق على مواصلة هذا الحوار بما يخدم مصالح الجانبين.