لجريدة عمان:
2024-12-12@01:45:33 GMT

هل تظل رسائلك المشفرة خصوصية في أوروبا؟

تاريخ النشر: 11th, December 2024 GMT

في السنوات الأخيرة، تضافرت جهود منظمات المجتمع المدني والقوى الفاعلة في الصناعة لحماية الرسائل المشفرة من تدخل الحكومة. في عصر المراقبة، كما يلاحظ مفوض مجلس أوروبا السابق لحقوق الإنسان، يُـعَـد التشفير «أداة شديدة الأهمية لضمان لحقوق الإنسان». وفي عملي الخاص في مجال الأمن والشؤون الخارجية كعضو في البرلمان الأوروبي، عاينت بنفسي صِدق هذه الملاحظة.

يعتمد الناشطون، والصحفيون، والمدافعون عن حقوق الإنسان، والمواطنون العاديون جميعا على الحق في الخصوصية، وينظرون إليه باعتباره قيمة أوروبية أساسية تدعم حرية التعبير والديمقراطية ذاتها.يُـعَـد التشفير إحدى أهم التكنولوجيات التي تمكن الخصوصية في عالم اليوم، ولهذا السبب تعتمد عليه معظم الخدمات الأساسية عبر الإنترنت- تطبيقات المراسلة، والمكالمات، والبريد الإلكتروني، ومشاركة الملفات، والمدفوعات. يضمن الشكل الأكثر فعالية، end-to-end encryption «التشفير بين الطرفيات»، السماح للأطراف المتواصلة فقط بفك تشفير ورؤية محتوى رسائلهم، على نحو يجعل الوصول غير المصرح في حكم المستحيل (كما هي الحال مع تطبيقات مثل Signal أو WhatsApp). لكن الحكومات ووكالات إنفاذ القانون كانت حريصة بشكل متزايد على الوصول إلى الاتصالات المشفرة، حتى لو كان ذلك يعني تقويض ثقة جماهير الناس في حماية الخصوصية. في مختلف دول الاتحاد الأوروبي، تريد حكومات عديدة إضعاف تكنولوجيات التشفير تحت ستار مكافحة الإرهاب وغير ذلك من الجرائم. الرسالة واضحة: كثير من الحكومات والسلطات لا ترى التشفير كضمانة لحقوق الإنسان، بل كعقبة. أنشأت المفوضية الأوروبية مجموعة عمل رفيعة المستوى حول «الوصول إلى البيانات من أجل إنفاذ القانون بشكل فعّال». وقد أوصت المجموعة، التي تتألف من ممثلي إنفاذ القانون، بـ«الوصول القانوني بموجب التصميم» إلى البيانات «بلا تشفير»، وهذا يعني أن خدمات الاتصالات ستكون ملزمة بتثبيت «أبواب خلفية» تمكن المحققين الجنائيين من الوصول إلى بيانات غير مشفرة. بلغت حملة إضعاف التشفير ذروتها في عام 2022 مع تقدم المفوضية الأوروبية باقتراح يقضي باستنان قانون حماية الأطفال من الاستغلال الجنسي، الذي أُطـلِق عليه مسمى «مراقبة الدردشة» (Chat Control).

هذا التنظيم كفيل بتمكين السلطات من فرض المسح العشوائي للرسائل الخاصة، بما في ذلك تلك التي تستعين بخدمات التشفير بين الطرفيات، للكشف عن مواد استغلال الأطفال جنسيا. حتى لو جاء تبني مثل هذه التدابير قائما على أفضل النوايا، فإنها ستُـفضي حتمًا إلى إيجاد نقاط ضعف يمكن استغلالها من قبل جهات خبيثة. زعم محترفو تكنولوجيا المعلومات أن كسر التشفير بأمان أمر في حكم المستحيل؛ ذلك أن الأبواب الخلفية توجد دوما ثغرات أمنية يمكن استغلالها. قبل بضعة أسابيع فقط، انتشرت أنباء تفيد بأن شركات الإنترنت الرئيسة في الولايات المتحدة اخـتُـرِقَـت من قبل جهات صينية من خلال قنوات بيانات يمكن الوصول إليها بشكل قانوني.

تحذر وكالات استخباراتية (بما في ذلك في هولندا) بحق من أن تقويض التشفير يشكل تهديدا شديدًا للأمن السيبراني. في الواقع، استبعدت المناقشات الجارية داخل مجلس الاتحاد الأوروبي مسح الحسابات التي تعتبر بالغة الأهمية للأمن القومي، ما يكشف عن ازدواجية معايير صارخة.

ولا يشكل الأمن السيبراني القضية الوحيدة، حيث يدعو هذا التنظيم أيضًا إلى طعن قانوني. ذلك أن ميثاق الاتحاد الأوروبي للحقوق الأساسية يحمي حق الخصوصية صراحة في اتصالات أي شخص، وقد أوضحت محكمة العدل الأوروبية أن المسح العشوائي والشامل للاتصالات الخاصة يشكل انتهاكا غير متكافئ لهذا الحق. كما توصلت تحليلات داخلية مستقلة أجراها كل من مجلس الاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي إلى استنتاجات مماثلة، وأثار مجلس حماية البيانات الأوروبي ومشرف حماية البيانات الأوروبي مخاوف تتعلق بالخصوصية والفعالية بشأن القانون المقترح. فرغم كل شيء، يستطيع المجرمون التحايل بسهولة على الكشف. فشلت المفوضية الأوروبية أيضا في معالجة الآثار الأوسع نطاقًا المترتبة على اعتراض الرسائل المشفرة تحت ذريعة مكافحة إساءة استغلال الأطفال جنسيا.

الواقع أن وكالات إنفاذ القانون، مدفوعة بشهية تكاد تكون غير محدودة للبيانات، ستضغط في الأرجح باتجاه توسيع نطاق نظام المراقبة ليشمل مجالات أخرى. وقد أوصت وكالة الشرطة الأوروبية يوروبول بالفعل بهذا. وعلى النقيض من تأكيدات المفوضية، لا تزال شكوك كبرى قائمة حول فعالية وجدوى البرامج المستخدمة للكشف عن إساءة استغلال الأطفال وجدارتها بالثقة.

لكل هذه الأسباب، استقر البرلمان الأوروبي على نهج أكثر توازنا، فاستبعد المسح على الخدمات المشفرة وقصر المراقبة على المشتبه بهم المستهدفين أو مجموعات من المشتبه بهم. في الوقت ذاته، يناقش مجلس الاتحاد الأوروبي نهجا يُعرف بمسمى «المسح من جانب العميل»، والذي بموجبه يجري اعتراض الرسائل قبل إرسالها. ولكن في حين تُـقَـدَّم هذه الطريقة على أنها حل وسط بين الخصوصية، والأمن، وحماية الأطفال، فإن ما تفعله في حقيقة الأمر هو المساس بسلامة التشفير، وهذا يثير في نهاية المطاف ذات المخاوف المتعلقة بالخصوصية والأمن السيبراني.

إن قبول هذا النهج لا يبشر بأي خير فيما يتصل بحماية الخصوصية في أوروبا. لكن المفوض الأوروبي الجديد للشؤون الداخلية والهجرة، ماجنوس برونر، قال إنه «مقتنع بإلحاح وضرورة اعتماد التنظيم المقترح». وأثناء جلسات استماع أمام البرلمان الأوروبي، رفض الالتزام بحماية التشفير، وتجنب الإجابة عن أسئلة حول استخدام برامج التجسس من قِـبَـل حكومات الاتحاد الأوروبي، وهي طريقة أخرى شديدة التوغل للالتفاف على التشفير.

التشفير ليس مجرد ضمانة تقنية؛ بل هو حجر الزاوية لحقوقنا الرقمية وحرياتنا الديمقراطية. مع استمرار المناقشات حول اقتراح قانون حماية الأطفال من الاستغلال الجنسي، يجب أن نظل يقظين في مواجهة السياسات التي تقوض هذه القيم تحت ستار السلامة.

إن إضعاف التشفير لا يعرض للخطر الخصوصية الفردية فحسب، بل وأيضًا النظام البيئي الرقمي في عموم الأمر. بدلا من تجريف التشفير، يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يُـناصِـر جهود حماية الخصوصية القوية التي تُوجِـد التوازن بين احتياجات الأمن والحقوق الأساسية. بوضع هذا التوجه في الاعتبار، وَقَّـعْتُ على تعهد بحماية التشفير. لا يتعلق الأمر بالدفاع عن التكنولوجيا فحسب؛ بل وأيضا بالدفاع عن المبادئ التي تحدد هويتنا كمجتمع.

ماركيتا جريجوروفا عضوة في البرلمان الأوروبي.

خدمة بروجيكت سنديكيت

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: البرلمان الأوروبی الاتحاد الأوروبی إنفاذ القانون

إقرأ أيضاً:

«الخارجية» تنظم ورش عمل حول ملفات الهجرة بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي

استضافت وزارة الخارجية والهجرة وشؤون المصريين بالخارج 3 ورش عمل فنية حول موضوعات الهجرة، في إطار الشراكة الإستراتيجية والشاملة بين مصر والاتحاد الأوروبي.

وتناولت ورش العمل موضوعات الهجرة والتنقل، وشراكة المواهب لتنقل المهارات ضمن مسارات الهجرة الشرعية، وعمليات العودة وإعادة القبول وإعادة الإدماج.

شراكة استراتيجية بين مصر والاتحاد الأوروبي

وشاركت في ورش العمل المشار اليها الجهات الوطنية المصرية ذات الصلة، وممثلون عن المفوضية الأوروبية، وبعثة الاتحاد الأوروبي بالقاهرة، وعدد من السفارات الأوروبية.

وأوضح السفير وائل بدوي، نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون الهجرة واللاجئين ومكافحة الاتجار بالبشر، أن المشاورات أتاحت الفرصة لإجراء حوار شامل حول أهم الموضوعات التي تهم الجانبين، في إطار الشراكة الإستراتيجية بين مصر والإتحاد الأوروبي.

عرض أولويات ملف الهجرة

وأضاف «بدوي»، أن هذه الاجتماعات شهدت قيام الجانب المصري بعرض أولوياته ارتباطاً بملف الهجرة، مع التركيز على ضرورة التعامل مع الهجرة من خلال مقاربة شاملة ومتكاملة، تراعي الأبعاد الإنسانية وأيضا الإنمائية طويلة الأمد والأمنية. كما تم التركيز على أهمية دعم انشاء مسارات نظامية لتنقل المهارات، بما يخدم مصلحة مصر والدول الأوروبية والمُهاجر.

وأضاف «بدوي»، أن مصر حرصت على التأكيد على أهمية مواصلة وزيادة الدعم المقدم من الإتحاد الأوروبي لمصر في إطار التعامل مع ملف اللاجئين والمهاجرين، تفعيلا لمبدأ تقاسم المسئولية والأعباء، وأخذا في الاعتبار حجم الأعباء التي تتحملها مصر والتحديات التي تواجهها نتيجة استمرار تدفقات المهاجرين واللاجئين بسبب الأزمات التي تشهدها المنطقة.

وأكد الوفد الأوروبي حرصه على تعزيز الشراكة الاستراتيجية مع مصر في مختلف المجالات، بما في ذلك ملف الهجرة، ورحب بأولويات مجالات التعاون التي طرحها الوفد المصري، وحرص الوفد الأوروبي على تأكيد اعتزامه دعمها.

كما أشاد الوفد الأوروبي بجهود مصر في مجال مكافحة الهجرة غير الشرعية، وتم الاتفاق على مواصلة هذا الحوار بما يخدم مصالح الجانبين.

مقالات مشابهة

  • «الخارجية» تنظم ورش عمل حول ملفات الهجرة بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي
  • محافظ أسوان يستقبل وفد الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي
  • سفراء الاتحاد الأوروبي يتفقون على الحزمة الخامسة عشرة من العقوبات ضد روسيا
  • سفراء الاتحاد الأوروبي يتفقون على الحزمة الـ15 من العقوبات ضد روسيا
  • بعد إصابة نجل رنا سماحة.. أقوى أسلحة حماية الأطفال من كورونا دون أدوية
  • كايا كالاس: الاتحاد الأوروبي مصمم على مواصلة دعم لبنان
  • الاتحاد الأوروبي يدعو لرعاية الشعب السوري وضمان حقوق الأقليات
  • دعوى قضائية تتهم آبل بالإخفاق في حماية الأطفال من المواد المسيئة
  • الاتحاد الأوروبي يعزز شراكته الإستراتيجية مع المغرب