تأمل في التسلق الوظيفي بالشركات
تاريخ النشر: 11th, December 2024 GMT
محمد أنور البلوشي
في البرية، قد يكون من المدهش مشاهدة قرد يقفز برشاقة من شجرة إلى أخرى أو يتنقل بين فروع الشجرة نفسها. وغالبًا ما تكون أهداف هذه الحركات واضحة، مثل الحصول على الطعام أو ضمان الأمان أو تحقيق هدف معين. ولكن، ماذا لو قمنا برسم تشابه بين هذه السلوكيات الطبيعية وبين عالم الشركات الحديث؟ كيف يمكننا تفسير السعي المستمر للتسلق والتنقل في بيئة العمل اليوم؟ ربما يكون التشابه أقرب مما نتصور، وإن كان مع لمسة عصرية.
القرود تتسلق من أجل البقاء، بينما البشر يتنقلون غالبًا بحثًا عن فرص أفضل. قد يبدو هذا التشبيه مناسبًا. فكثير من الموظفين ينتقلون من وظيفة إلى أخرى، أو حتى يتحركون بين أدوار مختلفة في نفس الشركة، بنفس طريقة سعي القرد وراء الغذاء. لكن الفرق يكمن في الدوافع. فالبشر يتحركون بحثًا عن النمو الوظيفي، المكاسب المالية، وتحقيق الأهداف الشخصية.
ورغم أن البحث عن آفاق أفضل أمر طبيعي، فإن الوتيرة السريعة والدوافع الكامنة وراء هذه التحولات تثير تساؤلات مهمة. هل هو أمر صحي؟ هل هو مستدام؟ والأهم، هل الدافع حقيقي أم مجرد رغبة عابرة في الحصول على الاعتراف؟
في بيئة العمل شديدة التنافسية اليوم، أصبح الترويج الذاتي أمرًا شائعًا. لم يعد التنقل الوظيفي حدثًا نادرًا، بل أصبح جزءًا من الحياة اليومية. ينظر الموظفون الآن إلى التقدم الأفقي والعمودي كضرورة، وليس كاستثناء، مما أدى إلى إعادة تشكيل المنظمات لتصبح أكثر ديناميكية. لكن، ما هو الثمن؟ القرود تتسلق من أجل البقاء، لكنها لا تتفاخر بقفزاتها. أما البشر، فقد جعلوا من الترويج الذاتي فنًا قائمًا بذاته. منصات مثل "لينكد إن" التي كانت تهدف إلى تعزيز الشبكات المهنية، أصبحت اليوم ساحة للعلامات الشخصية وسرد القصص الوظيفية.
كل يوم، نشهد منشورات تتعلق بالإنجازات المهنية، مثل "لقد تم اختياري كموظف الشهر!"، مع صور تجمع الفريق. "أطلق فريقنا مشروعًا مميزًا في السوق!"، بتوقيع من المدير التنفيذي لأحد البنوك. "أكملنا جلسة تدريبية مرموقة في موقع فاخر!"، مع صور جماعية أنيقة.
الاحتفال بالنجاح أمر صحي، ولكن عندما يصبح العرض المفرط للإنجازات أمرًا معتادًا، فإنه يتحول إلى إفراط قد يفقد معناه. حتى المديرين التنفيذيين، الذين يُفترض أن يجسدوا الرؤية والتواضع، بدأوا يشاركون تفاصيل حياتهم اليومية مثل الركض، السباحة، أو تناول العشاء الجماعي مع فرقهم. هنا يبرز التساؤل: ما الغاية من مشاركة هذه التفاصيل؟ هل الهدف هو إظهار أنهم "أشخاص عاديون مثلنا"؟ أم أنه محاولة دقيقة للتفوق على الآخرين في منافسة غير مرئية؟
المحرك الرئيسي وراء هذا الاتجاه يبدو وكأنه "خوف غير معلن" من التراجع إلى الوراء. تشعر الشركات والأفراد بالحاجة إلى التفاخر بإنجازاتهم لتجنب أن يطغى عليهم الآخرون. لم يعد الأمر يتعلق بالإنجاز الحقيقي، بل بالقدرة على "المواكبة"، وهو سباق مستمر أشبه بـ "سباق تسلق الأشجار"، حيث يتم مقارنة كل حركة بحركة الآخرين، ما يخلق دراما تجارية غير ضرورية وشعورًا زائفًا بالإنجاز. تخيل هذا المشهد: موظف يتحدث مع زميله في مقهى، قائلاً: "رأيت منشورك على لينكد إن، كنت في حفلة مع المديرين التنفيذيين، أليس كذلك؟". تبدو هذه المحادثات طبيعية، لكنها تعكس مدى تأثير هذه المنشورات على الإدراك العام. لكن، هل هذه المنشورات تضيف قيمة حقيقية؟ أم أنها مجرد وقود للمحادثات العابرة والإعجاب المؤقت؟
الترويج الذاتي وبناء العلامة الشخصية ومشاركة قصص النجاح ليست أمورًا سيئة بحد ذاتها. في الواقع، هي أدوات ضرورية في العصر الرقمي. لكن المشكلة تبدأ عندما يتم تخطي الخط الفاصل بين الأصالة والإفراط. عندما يتم تضخيم الإنجازات، أو عندما يتحول تكرار الترويج الذاتي إلى "ضجيج"، يصبح من الصعب على المتابعين تصديق مصداقية الشخص.
بمرور الوقت، قد يؤدي هذا "التسلق المفرط" للحصول على الاعتراف إلى تقليل القيمة المهنية للفرد، تمامًا مثل القرد الذي يقفز بشكل متكرر من غصن إلى آخر دون هدف واضح. قد يحظى الأفراد الذين يحققون الاستقرار والعمق في رحلتهم المهنية باحترام أكبر من أولئك الذين يقفزون باستمرار بحثًا عن الفوائد السريعة.
العالم المؤسسي يمكن أن يستفيد من بعض التفكير الذاتي. يجب على القادة، على وجه الخصوص، أن يسألوا أنفسهم: هل مشاركة كل إنجاز أو نشاط شخصي تعزز صورتي كقائد؟ أم أنها تقلل من هيبتي؟ الإنجازات الحقيقية تترك انطباعًا أعمق من طوفان التحديثات اليومية التي تهدف إلى إثبات "الأهمية".
في عصر التسلق الدائم والترويج الذاتي المُستمر، نحن بحاجة إلى التوازن. احتفل بالنجاحات، لكن افعل ذلك بتواضع. شارك الإنجازات، لكن تأكد من أنها تضيف قيمة حقيقية لجمهورك. قم ببناء علامتك الشخصية، لكن اجعلها متجذرة في الأصالة. وأهم من ذلك كله، تذكر أنَّ القيادة الحقيقية ليست في تسلق أعلى غصن، بل في إلهام الآخرين للتسلق معه، بروح التعاون والهدف المشترك.
العالم لا يحتاج إلى مزيد من الضجيج؛ بل يحتاج إلى قادة يتسلقون بوعي، يتحدثون بصدق، ويلهمون الآخرين بصدق. فلنختر أن نقود، لا أن نقفز.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
«الوزراء»: انخفاض معدل استخدام السيارات الشخصية إلى 49% في 2035
نشر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، عبر الصفحة الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، فيديو عن كيف يمكن للدول تنمية البنية التحتية للنقل بشكل مستدام؟
سيتضاعف الإنفاق العالمي على خدمات التنقلوأضاف المركز أن الإنفاق العالمي على خدمات التنقل سيتضاعف ثلاث مرات في العقد المُقبل، ليرتفع إلى 1.1 تريليون دولار بحلول عام 2035، مدفوعًا بالتوسع الكبير في المركبات الكهربائية والخدمات الرقمية.
انخفاض معدل استخدام المركبات الشخصية إلى 49%وسينخفض استخدام المركبات الشخصية إلى 49% من إجمالي الطلب على التنقل في عام 2035، مقارنة بـ66% في عام 2023، ومن المرجح أن يستخدم المزيد من الأشخاص وسائل النقل العام، مع اللجوء إلى خيارات مثل المشاركة في التنقل بالسيارات.
وأشار المركز إلى أن المدن تستطيع أن تخفض بصماتها الكربونية بدمج أنظمة النقل العام والتقنيات الجديدة، وقد تنمو برامج استخدام الدراجات ومشاركتها إذا وسعت المدن البنية الأساسية لركوب الدراجات لتسهيل تنقل الأفراد.