كيف تؤثر عودة اللاجئين السوريين على اقتصاد تركيا؟
تاريخ النشر: 11th, December 2024 GMT
إسطنبول – مع بروز معالم مرحلة جديدة في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد وإعلان الحكومة السورية المؤقتة عن توليها مهامها، بدأت بوادر الاستقرار تلوح في الأفق، وهذا أعاد الأمل إلى ملايين اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا بإمكانية العودة إلى وطنهم الذي هجروه قسرا.
وفي خطوة لافتة، شرعت الحكومة التركية بتقديم التسهيلات للراغبين في العودة، تضمنت فتح المعابر الحدودية وتيسير إجراءات الانتقال، وهذا أعاد النقاش حول ملف اللاجئين إلى صدارة المشهد السياسي والاقتصادي.
وفي ظل هذه التطورات، يبرز سؤال جوهري حول إمكانية انعكاس هذه العودة على قطاعات الاقتصاد التركي التي اعتمدت بشكل كبير على العمال السوريين، ومصير الاستثمارات السورية التي أسهمت خلال السنوات الماضية في الاقتصاد التركي.
أرقام ودلالاتأوضح وزير الداخلية التركي علي يرلي كايا، أمس الثلاثاء، أن تركيا رفعت القدرة الاستيعابية اليومية للمعابر الحدودية مع سوريا من 3 آلاف شخص إلى ما بين 15 ألفا و20 ألف شخص يوميا، لتلبية الطلب المتزايد على العودة الطوعية للسوريين.
وأكد الوزير أن العام الحالي شهد عودة حوالي 11 ألف سوري شهريا من تركيا إلى بلادهم، كما أن إجمالي عدد السوريين الذين عادوا طوعا منذ عام 2016 وحتى الآن بلغ نحو 737 ألف شخص.
إعلانووفقا لإحصاءات إدارة الهجرة التركية الصادرة مطلع ديسمبر/كانون الأول الجاري، بلغ عدد السوريين المقيمين في تركيا تحت بند "الحماية المؤقتة" مليونين و936 ألفا و369 شخصا المصدر.
ويشكل السوريون نسبة كبيرة من العمالة في تركيا، ويتركزون في قطاعات الزراعة، والصناعة، والإنشاءات.
وبحسب بيانات وزارة العمل التركية، يبلغ عدد العمال السوريين المسجلين رسميا نحو 100 ألف عامل، بينما تشير التقديرات إلى أن عدد الذين يعملون بطرق غير نظامية قد يصل إلى 500 ألف عامل، وهي الفئة التي تعمل من دون الحصول على حقوقها الكاملة مثل التأمين الاجتماعي والمستحقات القانونية.
كما بلغ عدد الشركات السورية المسجلة في تركيا منذ عام 2010 أكثر من 10 آلاف و332 شركة برأس مال إجمالي يقارب 632 مليون دولار، وفق بيانات اتحاد غرف وبورصات السلع التركية لعام 2023.
وفي قطاع الأعمال، تركزت الاستثمارات السورية بشكل رئيسي في المشاريع الصغيرة والمتوسطة، مثل المطاعم والمحال التجارية والخدمات. وتفاوتت تقديرات حجم هذه الاستثمارات بين مليار و5 مليارات دولار في غازي عنتاب وحدها، بينما تشير تقديرات أشمل إلى أن حجم الاستثمارات السورية في تركيا قد تجاوز 10 مليارات دولار.
وبلغت مساهمة هذه الاستثمارات في النمو الاقتصادي نحو 27.2 مليار ليرة تركية في نهاية عام 2017، وهذا يمثل 1.96% من إجمالي الناتج المحلي التركي، مع توقع زيادته إلى 4.05% بحلول عام 2028، وفق تقرير لغرفة تجارة إسطنبول.
شهدت أسهم شركات البناء التركية، خاصة الإسمنت والصلب، ارتفاعا ملحوظا، وسط توقعات بدورها المحوري في إعادة إعمار سوريا.
وأكد فاتح يوجيليك، رئيس جمعية شركات الإسمنت التركية، جاهزية القطاع للتكيف مع متطلبات هذه المرحلة.
إعلانمن جهته، شدد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، على التزام بلاده بضمان "عودة السوريين الطوعية" وقيادة جهود إعادة الإعمار.
وفي دراسة للبنك الدولي نُشرت نهاية عام 2022، قدرت الأضرار التي لحقت بالمدن والصناعات السورية منذ اندلاع النزاع في عام 2011 بنحو 11.4 مليار دولار، ما يعكس حجم الفرص الاقتصادية الهائلة أمام الشركات التركية التي تتمتع بخبرة واسعة في قطاع البناء.
من جانبه قال رئيس غرفة العقارات في إسطنبول نظام الدين آشا، إن وجود عدد كبير من السوريين كان سببا رئيسا في ارتفاع الإيجارات بسبب زيادة الطلب، ومع بدء عودتهم إلى بلادهم، توقع أن تسهم عودة السوريين لديارهم في خفض تدريجي للإيجارات على المدى المتوسط. كما أشار مستشار العقارات سلجوق هيجدورماز إلى أن بيع السوريين لعقاراتهم قد يؤدي إلى انخفاض إضافي في أسعار العقارات والإيجارات.
وأظهرت مقاطع فيديو استياء أصحاب أعمال أتراك من رحيل السوريين، حيث عبروا عن قلقهم من تأثير ذلك على أعمالهم.
ويرى الباحث الاقتصادي عثمان إيبيك أن التحولات السياسية الجارية في سوريا، وبدء الحديث عن مشاريع إعادة الإعمار المدعومة دوليا، ستدفع نحو عودة تدريجية لشريحة كبيرة من السوريين المقيمين في تركيا، ما سيُحدث تغييرات عميقة على المشهد الاقتصادي والاجتماعي في البلاد.
وأوضح إيبيك في حديثه للجزيرة نت، أن اللاجئين السوريين لعبوا دورا مهما في الاقتصاد التركي خلال السنوات الماضية، حيث ساهمت استثماراتهم في تحريك السوق المحلية، خصوصا في قطاعي العقارات والتجارة. وفي المقابل، انخرط كثيرون منهم في أعمال تعتمد على الجهد اليدوي مثل الزراعة والإنشاءات، وهذا ساعد على تلبية الطلب في قطاعات تعتمد على العمالة الرخيصة.
إعلانومع تحسن الأوضاع في سوريا، توقع الباحث أن تبدأ مشاريع إعادة الإعمار على نطاق واسع، بتمويل من مؤسسات دولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
وأشار إلى أن هذه المشاريع ستوفر فرص عمل برواتب مجزية مقارنة بما يحصل عليه السوريون حاليا في تركيا، ما قد يجعل خيار العودة أكثر جذبا لشريحة كبيرة من العمالة السورية.
وأكد أن عودة السوريين ستترك أثرا واضحا على سوق العمل التركي، حيث ستؤدي إلى نقص كبير في العمالة، ما قد يضع تحديات أمام الشركات التركية التي ستضطر إلى رفع أجور العمالة المحلية أو استقدام عمالة أجنبية بتكاليف أعلى، وهو ما سيزيد من الأعباء التشغيلية للشركات، وقد ينعكس على أسعار المنتجات والخدمات.
وفيما يتعلق بالمستثمرين السوريين، أشار إيبيك إلى أن بعضهم قد يعيد توجيه استثماراته نحو السوق السوري، خاصة مع الفرص المرتبطة بإعادة الإعمار، بينما سيحتفظ آخرون بمشاريعهم في تركيا كما هي من دون توسع، مع توجههم نحو سوريا.
وأشار إيبيك إلى أن عودة السوريين ستسهم أيضا في تقليص النفقات الحكومية المخصصة للرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية والمساعدات الإنسانية، مما سيخفف من الأعباء المالية على الموازنة العامة.
من جانبه، أوضح الباحث الاقتصادي بجامعة حجي بيرم، حقي إيرول جون، أن عودة العمال السوريين قد تؤدي إلى انخفاض اليد العاملة الماهرة، وهذا يسبب ضعف الإنتاج وتراجع العرض، وبالتالي ارتفاع الأسعار.
وأشار إلى أن الشركات التي تعتمد على العمالة منخفضة التكاليف قد تواجه انخفاضا في الأرباح وصعوبة في الحفاظ على تنافسية الأسعار.
ومع ذلك، يرى جون أن هذه العودة قد تسهم في خفض البطالة إذا تمكنت الحكومة من جذب الشباب الأتراك للعمل في الوظائف التي كان يشغلها السوريون.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات إعادة الإعمار عودة السوریین فی ترکیا إلى أن
إقرأ أيضاً:
لأول مرة منذ 33 عاماً.. وفد من اليهود السوريين يزور دمشق
بعد مغادرتهم قسراً على يد النظام السوري السابق في 1992، وصل وفد من اليهود السوريين إلى العاصمة دمشق، ليعيد بذلك فصلًا من تاريخ اليهود في سوريا.
وضم الوفد شخصيات بارزة من الجالية السورية في الولايات المتحدة، بينهم أبرز وجوه الطائفة، الحاخام يوسف حمرا، والحاخام آشر لوباتين، إلى جانب عدد من السوريين اليهود المقيمين هناك.
وفد من الجالية السورية اليهودية في الولايات المتحدة الأمريكية يصل #دمشق و يزور "المقبرة" في "الحي اليهودي" وقبر "الحاخام حاييم فيتال".#سوريا pic.twitter.com/Y6NGLetYea
— التلفزيون العربي - سوريا (@AlarabyTvSY) February 18, 2025وتشمل الزيارة مواقع ذات أهمية تاريخية وثقافية، مثل مقابر السوريين اليهود، وكنيس جوبر التاريخي الذي دمّره نظام الأسد خلال سنوات النزاع السوري، إضافة إلى الحي اليهودي في دمشق، وقبر الحاخام حاييم فيتال.
بعد غياب 30 عاماًوفي حديث لوسائل الإعلام، أشار حمرا الذي كان أحد حاخامات يهود سوريا، أنه عاد لمنزله في دمشق بعد أكثر من 3 عقود من الغياب.
وأضاف "لم أتعرف على منزلي الذي بنيته بيدي، لكن الذي تغير في الحقيقة هو البلد"، لافتاً إلى أن السوريين لا يزالون يحتفظون بنفس الدفء.
وتابع قائلاً: "كنت أعمل على العودة إلى دمشق منذ عام ونصف العام، ولكن النظام الذي سقط في سوريا لم يسمح لي بذلك".
دعوة مفتوحة للعودةكما دعا حمرا اليهود في الغرب قائلاً: "تعالوا إلى سوريا وشاهدوا بأنفسكم. ربما يتغير رأيكم وتريدون العودة".
ومن جهته، أشار المدير التنفيذي للمنظمة السورية للطوارئ، معاذ مصطفى، إلى عودة أول وفد يهودي إلى سوريا بعد 33 عاماً، مضيفاً بأن الحكومة الجديدة في دمشق، تدعم عودة جميع السوريين إلى وطنهم.
وقال: "بقي عدد قليل جداً من اليهود في سوريا. نريد تحرك المجتمع الدولي من أجل إعادة بناء الكنس اليهودية ورفع العقوبات عن سوريا".
ووجه مصطفى رسالة إلى يهود سوريا في جميع أنحاء العالم قائلًا: "وطنكم آمن، يمكنكم العودة".
يذكر أن نظام الأسد كان يمنع من تبقى من يهود في سوريا، من زيارة كنيس جوبر، إلى يوم سقوطه، لأسباب مجهولة، وكان رئيس الجالية اليهودية السورية، بخور شمنتوب، هو أول من زار الكنيس، قبل 3 أسابيع.
واعتبر ناشطون أن زيارة اليوم، تحمل أبعاداً اجتماعية وثقافية، وتأتي ضمن جهود استكشاف سياسات الحكومة السورية الجديدة، بالإضافة إلى الاطلاع على أوضاع الطائفة الموسوية في سوريا.
وشهدت دمشق في القرن العشرين عمليات تهجير لليهود، خاصة بعد تصاعد التوترات في المنطقة واندلاع الصراع مع إسرائيل، ورغم أن اليهود كانوا جزءاً من النسيج الاجتماعي للمدينة لقرون، فإن الأحداث السياسية المتلاحقة، مثل نكبة 1948 ونكسة 1967، أدت إلى تزايد الضغوط عليهم، سواء من خلال التمييز أو القيود المفروضة على تحركاتهم وأعمالهم.
وبلغت ذروة الهجرة في سبعينيات وتسعينيات القرن الماضي، حيث سمحت السلطات السورية، بوساطة دولية، بخروج من تبقى من اليهود إلى الولايات المتحدة، ما أدى إلى اختفاء الوجود اليهودي التاريخي في دمشق تقريباً.
وقبل عام 1947 ، كانت سوريا موطناً لحوالي 30000 يهودي، مقسمة إلى ثلاث مجتمعات متميزة: اليهود الناطقين بالكرديين في القامشلي، واليهود السفارديين من حلب مع جذورهم إلى إسبانيا، واليهود الناطقين بالعربية من دمشق.
وتقدّر التقارير الحديثة أن عدد اليهود المتبقين في سوريا يتراوح بين 3 و8 أشخاص، معظمهم من كبار السن.
يذكر أن أكبر تجمع لليهود السوريين يوجد في بروكلين في نيويورك مع تواجد في مناطق أخرى في الولايات المتحدة وأمريكا الجنوبية وإسرائيل.