الرؤية- سارة العبرية

نظّمت بورصة مسقط النسخة الثالثة من سلسلة جلساتها الحوارية مع رئيس مجلس الإدارة، والتي ناقشت مواضيع حيوية لاستعراض التحولات الاقتصادية العالمية، تحت عنوان "الاقتصاد العالمي: التغيرات الزمنية والفرص العالمية".

وجمعت الجلسة بين محمد بن محفوظ العارضي رئيس مجلس إدارة بورصة مسقط، والدكتور ديفيد فولكرتس-لانداو كبير الاقتصاديين بالمجموعة ورئيس الأبحاث العالمي في "دويتشه بنك"، لمناقشة أبرز القضايا الاقتصادية الراهنة وتحليل التحولات الكبرى التي يشهدها الاقتصاد العالمي.

واستقطب الحوار أكثر من 360 مشاركاً، من بينهم كبار المسؤولين الحكوميين، وقادة الأعمال، ورواد المشاريع، بالإضافة إلى الطلاب، ويعكس هذا الإقبال الواسع الأهمية المتزايدة للنقاشات المُثمرة حول التحولات المستمرة في المشهد الاقتصادي العالمي.

وفي كلمته الافتتاحية، قال محمد بن محفوظ العارضي: "تواصل سلسلة جلسات حوارية مع رئيس مجلس الإدارة تعزيز دورها كجلسات رائدة لاستكشاف تعقيدات الاقتصاد العالمي المتغير باستمرار، وفي ظل التحديات المتزايدة، أصبح النظام العالمي اليوم أكثر غموضًا وتعقيدًا من أي وقت مضى".

من جهته، قدّم الدكتور ديفيد فولكرتس-لانداو رؤى قيمة استندت إلى خبرة عريقة في التعامل مع تقلبات الأسواق، وسلّط الضوء على التحولات الجذرية التي أعادت صياغة الاقتصاد، بدءًا من تطور التقنيات الرائدة وصولاً إلى تغيّرات ديناميكيات القوى الدولية.

وشدد الدكتور فولكرتس-لانداو أهمية تبني نظام عالمي قائم على القواعد، كوسيلة للتخفيف من حدة التوترات الجيوسياسية المتزايدة وضمان الاستقرار في عالم يشهد ترابطاً متزايداً، مشيرا إلى أن الاضطرابات قد تؤدي إلى تأثيرات متسلسلة تطال مختلف الصناعات والقارات، مما يعزز الحاجة إلى التعاون الدولي كضرورة لا غنى عنها.

وتحدث فولكرتس-لانداو عن النفوذ المتزايد لآسيا ودول الجنوب العالمي، مشيراً إلى التحول التدريجي من نظام عالمي أحادي القطب إلى نظام متعدد الأقطاب. وقال: "رغم ما يوفره هذا التحول من فرص، فإنه يحمل معه أيضاً تحديات تتمثل في زيادة الاحتكاكات، مما يجعل الدبلوماسية الاستراتيجية أداة أساسية للتعامل مع هذه التعقيدات".

وشهدت الجلسة تسليط الضوء على الذكاء الاصطناعي باعتباره علامة فارقة في تاريخ البشرية، إذ يمكنه أن يحدث تحولاً جذرياً في مختلف الصناعات.

وفيما يخص الاقتصادات المتقدمة، تناول الدكتور فولكرتس-لانداو تأثير الركود الناجم عن الأنظمة البيروقراطية، مؤكدًا أهمية تخفيف القيود التنظيمية كعامل محفز للابتكار والنمو. وتوقع أن السياسات الاستراتيجية، خصوصًا في الولايات المتحدة، التي تركز على تعزيز صادرات الطاقة، وتطوير أسواق العمل المرنة، وتحرير القيود التنظيمية المتعلقة بالتكنولوجيا، قد تسهم في زيادة الإنتاجية وتحقيق نمو مستدام في الناتج المحلي الإجمالي.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

محاكمة أشباح الذكاء الاصطناعي

لا يمكن إنكار إيجابيات التقدم التكنولوجي الكثيرة، كما لا يمكن تجاهل سلبياتها المتمثلة في تعطيل الكثير من المهارات والكفاءات البشرية، فحين ظهرت الآلات الحاسبة ازداد اعتماد الإنسان عليها متجاوزا تنمية مهارات الحساب وحل المعادلات الرياضية، وحين تطورت أجهزة الهاتف المحمولة استغنى كثير من الناس عن الساعات والمذكرات اليومية والتقويم، بل حتى الاستدلال الجغرافي المكاني وتحديد المواقع توقفا اعتمادا على التطبيقات الذكية لتحديد ومسح المواقع جغرافيا، كما استعاض الإنسان بذاكرة الأجهزة المحمولة عن ذاكرته الواقعية الحيّة.

ويأتي الذكاء الاصطناعي ليحمل عنا عبء الكثير من المسؤوليات توفيرا للجهد والمال، وليسرق منا -في ذات الوقت-كثيرا من المهارات الحياتية والكفاءات المعرفية، تنسيق الكتابة والتدقيق والتصحيح الإملائي، مراجعة وتلخيص الكتب الموسوعية والمصادر المعرفية، الترجمة والعروض المصوّرة للأفكار والتصورات البحثية والمشاريع، كتابة الرسائل وصياغة الخطب، جدولة الأعمال وتنسيقها والتذكير بأوقاتها وفقا لأولوية كل منها، كل هذه الأشكال من الراحة الرقمية أسلمت الإنسان إلى الدعة مستعيضا بالآلة عن ذاته، وعن ذاته تحديدا بذات رقمية ظن بها القدرة على تمثيله خير تمثيل في أي معرض بأي زمان ومكان.

وهذه الصورة ليست محض صورة ذهنية نمطية متخيلة لما يمكن أن يفعل الذكاء الاصطناعي ببعض عشاقه ومريديه، بل هي واقع صرنا نعايشه في كثير من المواقف ومنها ما حدث حاليا حينما استشاطت قاضية في محكمة استئناف بولاية نيويورك غضبًا بعد محاولة أحد المُدّعين استخدام مقطع رمزي مُصمم بواسطة الذكاء الاصطناعي للدفاع عن قضيته، متسببا بحالة من البلبلة داخل قاعة المحكمة ظنا من القضاة بأنه يقدم حجته شخصيا أو عن طريق محاميه، لكن الرجل ويدعى جيروم دي وال لديه محامٍ، كان يأمل أن تُقدم الصورة الرمزية حُجة مُحكمة، معتذرا لاحقًا كتابيًا للمحكمة، قائلاً إنه لم يقصد أي ضرر، وفقًا لوكالة أسوشيتد برس، إنما حاول جاهدا إنشاء نسخة رقمية طبق الأصل تشبهه، لكنه لم يتمكن من القيام بذلك قبل جلسة الاستماع، وقال إنه يأمل أن يقدم نموذج الذكاء الاصطناعي حججًا أكثر دقة دون التلعثم في الكلمات أو التذمر مما قد يصدر عن الإنسان الطبيعي!

إن غضب القاضية وصدمة الحضور بذلك انعكاس لصدمة الجميع من تسارع التطور في عالم الذكاء الاصطناعي، ذلك التطور الذي قد تتعطل معه الكثير من القدرات والمهارات البشرية التي لا يمكن للآلة تعويضها بأي حال من الأحوال مهما تطورت برمجياتها وحُدِّثت مُدخلاتها المعرفية، كما أنها صدمة القلق القادم من قدرة الذكاء الاصطناعي على التضليل بصنع النسخ المطابقة للواقع في مجالات مختلفة، لكن مبلغ الصدمة أن تتمثل إنسانا كاملا بمشاعره ومخاوفه، وتبريراته ومنطقه، في قدرتها (إن حصلت) على الربط والتحليل والاستنتاج والجدل وحتى التقاضي، ثم إن كانت قاعدة البيانات لكل هذه البرمجيات موجهة بشريا فكيف يمكن توافر ضمانات لاعتماد برمجيات عادلة غير منحازة ولا مؤدلجة؟ ثم خطورة ورعب الوجه الآخر لهذه التقنيات حين تكون مدفوعة بسلطة مادية أو نفوذ سياسي يحركها وفقا للمستهدف من مساع ومصالح.

هل سيكون هذه المشهد من المحكمة واستخدام الناطق البديل بالذكاء الاصطناعي -بعد تغذيته بالمعلومات والحجج- مشهدا طبيعيا بعد أمد؟ وهل يمكن للتقاضي ذاته بكل أطرافه أن يشهد هذه الرقمنة الصادمة في حديّتِها وعدم استيعابها للحضور البشري الواقعي؟ هل نتحول مع عالم البرمجيات والشفرات البرمجية إلى مجرد أرقام تعبث بها الآلات وتحركها المصالح الاقتصادية؟

ختاما: يقينا ليست هذه التساؤلات أول المطروح في عالم التقنية الحديثة والذكاء الاصطناعي والثورة الرقمية، ولن تكون الأخيرة بالضرورة، لكنها نافذة نحاول من خلالها تلمس الثابت والمتحول في هذه اللعبة المعاصرة الآخذة بأعطاف المستقبل إلى عالم مجهول نترقبه، ولا ندرك كنه تفاصيله بعد، لكننا نتمنى استبقاء الثابت القيمي والأخلاقي في هذه المعادلة الرقمية معقدة الأطراف.

حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية

مقالات مشابهة

  • الذكاء الاصطناعي.. رفيق في السفر
  • الذكاء الاصطناعي يداعب خيال صناع الدراما
  • رئيس مجلس الشورى ونظيره الكازاخستاني يبحثان تطوير العلاقات
  • رئيس مجلس الشورى يعقد جلسة مباحثات رسمية مع رئيس مجلس الشيوخ الكازاخستاني
  • رئيس النواب: جلسة اليوم «ساخنة».. وهذا الاختلاف يمثل المعنى الصحيح للديمقراطية
  • مؤشر بورصة مسقط يغلق مستقرا مع ارتفاع ملحوظ في الاستثمار الأجنبي
  • النائب الحميدي : الذكاء الاصطناعي الصيني لا يعدّ بسرعة رئيس المجلس!
  • محاكمة أشباح الذكاء الاصطناعي
  • بورصة مسقط تكسب 5.6 نقطة في أول جلساتها الأسبوعية..والتداول يتراجع 24.8%
  • «دبي للمستقبل» تنظم أسبوع «الذكاء الاصطناعي» من 21 إلى 25 إبريل