ما بعد سقوط الأسد: تبقى فلسطين هي الأساس
تاريخ النشر: 11th, December 2024 GMT
شكّل السقوط والانهيار السريع لنظام بشار الأسد وحزب البعث في سوريا التطور الأبرز خلال الأيام الماضية، وقد تطورت الأوضاع بسرعة حيث نجحت قوى المعارضة الإسلامية بقيادة هيئة تحرير الشام في السيطرة على معظم المدن السورية وصولا للعاصمة دمشق خلال أيام قليلة، فيما فر بشار الأسد وعائلته إلى موسكو.
هذه التطورات المتسارعة تركت تأثيرها على كل المشهد السوري والعربي والإقليمي والدولي، والملفت أن هذه التطورات المتسارعة حصلت بعد ساعات قليلة على انتهاء الاجتماع الرباعي في الدوحة والذي جمع مسؤولين إيرانيين وروسا وأتراكا وقطريين، وإطلاق مواقف روسية وإيرانية تشير إلى تخلي البلدين عن دعم الأسد.
وبانتظار وضوح الصورة الداخلية في سوريا وتشكيل حكومة انتقالية تدير الأوضاع السورية الداخلية، فإن الجانب الأخطر في المشهد تمثل بالدخول الإسرائيلي السريع على خط التطورات في سوريا واستغلال المرحلة الانتقالية في سوريا لفرض وقائع جديدة وخطيرة، عبر استهداف القدرات العسكرية السورية واحتلال أراض سورية في منطقة الجولان وشن غارات إسرائيلية على كافة الأراضي السورية والقواعد العسكرية السورية ومؤسسات سورية متعددة.
مع أهمية ما قام به الشعب السوري من ثورة شعبية للقضاء على النظام السابق وأحقية مطالب الشعب السوري في إقامة حكم يقوم على العدل واحترام حقوق الإنسان وتحقيق مطالب هذا الشعب على الصعد الاقتصادية والاجتماعية والتنموية، فإنه ينبغي عدم إغفال خطر المشروع الصهيوني على سوريا وشعبها وعلى كل القضية الفلسطينية وقوى المقاومة
وقد ذكرت القناة "14" العبرية ومصادر إسرائيلية وسورية أن سلاح الجو الإسرائيلي هاجم عشرات الأهداف التابعة للجيش السوري ودمر عشرات المقاتلات في مطاراتها، كما تم استهداف القاعدة البحرية في مدينة اللاذقية.
وأشارت المصادر الإسرائيلية إلى أن الأسلحة التي دمرها الجيش الإسرائيلي خلال هجومه تضمنت عشرات الطائرات من طراز "ميغ 29" التي تعتبر أحد الأصول المهمة في سلاح الطيران السوري.
وبحسب المصادر الإسرائيلية فإن أهداف الهجمات كانت أنظمة صواريخ مضادة للطائرات، وورش إنتاج للصواريخ الباليستية ومستودعات لتخزينها، وأنظمة دفاع جوي، مشيرة إلى أن هذه الضربات تهدف إلى ضمان استمرار حرية العمل لإسرائيل في سماء سوريا.
وأفادت القناة "12" العبرية بأن الطائرات الإسرائيلية قصفت عدة مستودعات للأسلحة في محيط مطار دمشق الدولي، ومطاري المزة وخلخلة العسكريين.
وذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" نقلا عن مصادر إسرائيلية أن "الجيش الإسرائيلي يسعى حاليا لإنشاء منطقة عازلة لحماية المستوطنات في الجولان، لتعزيز أمن الكيان الصهيوني".
كل هذه التطورات التي أتت بعد توقف القتال في لبنان بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله وفقا للاتفاق الذي تم التوصل إليه برعاية أمريكية وفرنسية بين الحكومة اللبنانية والكيان الصهيوني، وفي ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والضفة الغربية، تؤكد الترابط الكبير بين كل هذه الأحداث والسعي الصهيوني لاستغلال ما يجري لفرض وقائع جديدة في كل المنطقة من أجل القضاء على قوى المقاومة.
ومع أهمية ما قام به الشعب السوري من ثورة شعبية للقضاء على النظام السابق وأحقية مطالب الشعب السوري في إقامة حكم يقوم على العدل واحترام حقوق الإنسان وتحقيق مطالب هذا الشعب على الصعد الاقتصادية والاجتماعية والتنموية، فإنه ينبغي عدم إغفال خطر المشروع الصهيوني على سوريا وشعبها وعلى كل القضية الفلسطينية وقوى المقاومة.
فالعدو الصهيوني يحاول استغلال كل هذه التطورات من أجل إنهاء محور المقاومة وتصفية القضية الفلسطينية، واحتلال أراض جديدة في سوريا ولبنان وضم الضفة الغربية والجولان، وإقامة مناطق عازلة في غزة وجنوب لبنان وسوريا.
كما تهدف التطورات لضرب كل منجزات معركة طوفان الأقصى، وخصوصا ما تحقق من أجواء وحدوية إسلامية وتحول القضية الفلسطينية إلى القضية الأبرز على الصعيد العربي والإسلامي والدولي.
ومن هنا أهمية أن تعي قوى المعارضة السورية اليوم وخصوصا القوى الإسلامية خطورة ما يجري، وأن لا تسمح بانجرار الأوضاع إلى صراعات جديدة جانبية تخدم المشروع الصهيوني المدعوم من أمريكا ودول الغرب.
وقد يكون الموقف الإيراني الإيجابي من التطورات السورية وعدم المشاركة في القتال مجددا إلى جانب النظام السوري، وكذلك التعاون التركي- الروسي- الإيراني- القطري في منع حصول مواجهات داخل سوريا، وتأمين الغطاء الإقليمي والدولي للتغيير الذي حصل، ونأي العراق عن الأحداث، وبقاء حزب الله خارج الصراع، كل هذه التطورات ينبغي أن تساعد في فتح آفاق جديدة في العلاقات بين القوى العربية والإسلامية، وكذلك بين السلطات السورية الجديدة وبقية القوى الفاعلة في المنطقة، وخصوصا إيران والعراق وحزب الله وقوى المقاومة في فلسطين.
هل ستستطيع الثورة الشعبية الجديدة في سوريا تجاوز كل العقبات والتحديات وإعادة بناء سوريا على أسس جديدة ودعم الوحدة السورية، ومواجهة الخطر الصهيوني وإعطاء الاهتمام الكافي لدعم القضية الفلسطينية؟ أم سينجح الأعداء لجر المنطقة إلى صراعات جديدة يستفيد منها المشروع الصهيوني المدعوم أمريكيا؟
طبعا لا يمكن الإنكار أن السلطات الجديدة في سوريا أمامها مهام وتحديات كبيرة داخلية وخارجية، ولكن مواجهة الخطر الصهيوني والاهتمام بالقضية الفلسطينية والحفاظ على الوحدة الإسلامية والوطنية ينبغي أن يشكّل أحد أبرز الاهتمامات أمام هذه السلطات.
والأداء الجديد للسلطات الجديدة على صعيد العلاقات الداخلية وضبط الأوضاع الأمنية وعدم حصول تجاوزات داخلية، كل ذلك يشكّل مؤشرا إيجابيا في المرحلة المقبلة.
فهل ستستطيع الثورة الشعبية الجديدة في سوريا تجاوز كل العقبات والتحديات وإعادة بناء سوريا على أسس جديدة ودعم الوحدة السورية، ومواجهة الخطر الصهيوني وإعطاء الاهتمام الكافي لدعم القضية الفلسطينية؟ أم سينجح الأعداء لجر المنطقة إلى صراعات جديدة يستفيد منها المشروع الصهيوني المدعوم أمريكيا؟
نحن أمام مرحلة صعبة وخطرة بعد الزلزال السوري وفي ظل التطورات الجارية في لبنان وفلسطين وكل المنطقة، فإلى ماذا ستنتهي الأوضاع في الأيام القادمة؟ وأي دور للقوى الإسلامية والوطنية والقومية في منع العودة إلى ما قبل معركة طوفان الأقصى وفي كيفية حماية المقاومة والقضية الفلسطينية من المخاطر القادمة؟
وتبقى فلسطين هي محور كل التطورات في المنطقة والعالم.
x.com/kassirkassem
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه سوريا الإسرائيلي الفلسطينية سوريا إسرائيل فلسطين تحديات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القضیة الفلسطینیة المشروع الصهیونی جدیدة فی سوریا هذه التطورات الشعب السوری کل هذه
إقرأ أيضاً:
سقوط بشار.. ماذا تبقى بعد قتل الدولة؟!
كان سقوط نظام بشار الأسد منطقيًّا عقب اندلاع الثورة السورية فى مارس ٢٠١١، لكن أجهزة التنفس الصناعية الخارجية أمدت فى عمره ١٤ عامًا أخرى. إيران أرسلت القوات والأسلحة والمستشارين. حزب الله اللبنانى حارب معه، وكأنه يخوض معركته الكبرى. فصائل عراقية وأخرى من دول عديدة جاءت دفاعًا عنه باعتباره جزءًا من محور المقاومة، وعضوًا فيما عُرف بـ«الهلال الشيعى»، الممتد من لبنان وسوريا إلى العراق وإيران. ثم جاءت روسيا فى سبتمبر ٢٠١٥ لتثبيت أركان النظام ومساعدته على هزيمة المعارضة والفصائل المسلحة.
حقول القتل ملأت سوريا، وراح ضحيتها مئات آلاف المواطنين، وتهَجَّر بسببها الملايين، لكن بقاء النظام، الذى ينتمى بأيديولوجيته وممارساته القمعية وإعلامه إلى عصر الحرب الباردة، كان أهم من حياة السوريين. رغم الخلافات السياسية بينهما، كان النظام السورى توأم نظام صدام حسين فى العراق، الذى سقط نتيجة الغزو الأمريكى ٢٠٠٣، إلا أن بعض الرشادة فى سياسة دمشق الخارجية بالقياس إلى صدام أنقذته من الزوال. ليس غريبًا إذن أنه انهار. المفاجأة سرعة الانزلاق إلى الهاوية. خلال الفترة المقبلة، سينشغل الإعلام والصحافة والمحللون السياسيون بما يحدث فى سوريا فى ظل حكامها الجدد، ويحاولون معرفة طبيعة ما جرى، وكواليس صُنع القرار على أعلى المستويات فى تلك الأيام الحاسمة، وأسرار الاتصالات بين أركان النظام وداعميه الإيرانيين والروس، والأدوار التى لعبتها إسرائيل وتركيا والولايات المتحدة.
لكن هناك قضية محورية قد لا نلتفت إليها، وهى أن الانهيار السريع مرآة عاكسة لهشاشة الدولة السورية ومؤسساتها وعدم قدرتها على التعامل مع الأزمات، مما جعلها تلجأ إلى خيار الانسحاب من مهامها، وتسليم الأرض والقرار إلى الخصوم. هذه الهشاشة أصبحت، على ما يبدو، جزءًا لا يتجزأ من طبيعة بعض الدول العربية، كما أنها ليست وليدة اليوم. تاريخها ربما يعود إلى نشأة تلك الدول. الدولة الهشة تتسم بضعف الكفاءة فى أداء المهام الأساسية المنوط بها القيام بها، خاصة الاقتصادية، بشكل يجعل المواطنين فيها عرضة لأخطار عديدة. لكن الجانب السياسى يلعب دورًا مهمًّا فى إصابة الدول بالهشاشة وفقدان المناعة، مما يجعلها عرضة للانكسار، بل السقوط فى مواجهة الأزمات الخطيرة. الأجهزة التى من المفترض أن تتعامل مع تلك الأزمات لا تتصف بالمؤسَّسية ولا النزاهة والشفافية، وجوهرها الفساد، وغالبًا ما تتحول إلى هيئات قائمة على الشخصنة، بحيث إذا اختفى رئيسها، ينتهى عمل تلك المؤسسات. هذا ما حدث فى ليبيا. بوصوله إلى الحكم، قضى العقيد القذافى على ما تبقى من مؤسسات الدولة، التى لم تعُد دولة، بل جماهيرية تحكمها قرارات وانفعالات وأفكار العقيد الغريبة، وليس الدستور والقوانين. الأمر نفسه حدث فى العراق. سقطت كل مقومات الدولة بسقوط صدام لأنه كان المقومات ذاتها.
باستثناء مصر، التى يتجذر فيها مفهوم الدولة الممتدة عبر التاريخ، ولأن مؤسساتها قامت على التراكم منذ مطلع العصر الحديث، فإن الدولة مفهوم نظرى أكثر من حقيقة واقعة فى معظم عالمنا العربى، الذى نشأت دول كثيرة فيه عقب الحرب العالمية الأولى نتيجة اتفاق بريطانى وفرنسى. وحتى الدول التى نشأت واجهت عدم اعتراف من جانب شعوبها بها. لبنان ظل عقودًا عديدة يرفضه أكثر من نصف شعبه طلبًا للوحدة مع سوريا. غالبية السوريين تطلعت إلى وحدة عربية أكبر تتجاوز القطر السورى. ثم أسهمت الانقلابات المتتالية فى العراق وسوريا واليمن فى زعزعة مفهوم الدولة، وإضعاف، إن لم يكن تفتيت، المؤسسات التى تركها الاستعمار عند رحيله. القبيلة، التى تتجاوز حدود الدول، رسّخت فى أذهان بعض العرب أن الدولة ستقضى على خصوصياتهم ونمط حياتهم الذى ورثوه عبر مئات السنين.
سوريا تحديدًا كانت نموذجًا لعدم الإيمان بمفهوم الدولة، سواء اعتبارها مرحلة سابقة على الوحدة، أو من خلال نمط الحكم السائد منذ استيلاء الرئيس الراحل حافظ الأسد على السلطة ١٩٧٠. جمع الأسد كل السلطات فى يديه، كما لم يحدث فى تاريخ سوريا الحديث. الغريب أن طريقة الأب، التى أورثها لنجله بشار، كانت تلقى تأييدًا كبيرًا من مثقفين عرب اعتبروا أنها الطريقة الأنجع للتعامل مع القلاقل والاحتجاجات التى اعتبروها مؤامرة غربية تستهدف زعزعة الحكم، بل إنهم لم يرفعوا أصواتهم عندما ارتكب النظام المذابح فى حماة أوائل الثمانينيات.
فى رواية «خبر اختطاف»، للكاتب الكولومبى جابرييل جارسيا ماركيز، الفائز بنوبل فى الآداب عام ١٩٨٢،
(ترجمة صالح علمانى) يستدعى المؤلف مقولة مشهورة فى بلاده: «هناك قطاع من الكولومبيين قتل النمر ثم خاف من جلده». عرب كثيرون قتلوا الدولة، ثم تباكوا على تداعيات ما بعد القتل.
عبدالله عبدالسلام – المصري اليوم