لجريدة عمان:
2025-02-11@13:33:21 GMT

صوت من جنب الشرق..

تاريخ النشر: 11th, December 2024 GMT

إنّ الأيام التي نمرّ بها فـي هذه البقعة الجغرافـية من العالم، أيامًا يندى لها الجبين، ويختلط الحابل فـيها بالنابل، وليت هذا الاختلاط كان فكريا فحسب، بل فـيه مآسٍ لا يقوى العقل على استيعابها أو على تجاهلها حتى! إن من يكتب عن أمور أخرى غير ما يحصل فـي غزة أو سوريا أو لبنان -كم من البلدان العربية يجب أن أذكر!- ليس شخصًا منفصلا عن الواقع لا يشعر به أو يعيشه أو يعاني ويخاف منه؛ بل هو شخص يعيش الواقع كما هو، لا كما يتمناه.

يحق لنا أن نحلم بعالم يسود العدل فـيه، ويتحقق فـيه الأمان للناس ويعيش الناس فـي وئام، ولكنها جُبلت على كدر، فكيف نريدها صفوا من الأقذاء والأكدار وهي طبيعتها وجِبلَّتها؟ يدفع التشاؤم المرء إلى العدمية التي لا ترى خيرا قط، والعدمية كما أرى إنما هي نتاج استسلام محض ينزع من المرء طاقته ورغبته فـي الحياة والعمل والكفاح، فـيظل يائسا كدرا يترقب الشمس تفتح ستارة غرفته، ولكن الشمس فـي علوّها الشاهق لا تنزل إلى الأرض، فـيظل يلعن الشمس لأنها لم تنزل لأجله ولم تفعل له ما يريد وكما يريد، دون أن يفعل ما ينبغي! هذا هو اليائس المتشائم العدمي.

فـي النقيض، هنالك الإنسان الكامل. والإنسان الكامل برأيي هو الذي يحاول فعل الخير والصواب ولو كلفه ذلك ما كلفه، غير مكترث للظروف إن تهيأت له أم لم تفعل، يصنعها بما يستطيع وكيفما اتفق. بل إنه يفعل الخير حتى حين يكون معذورا فـي تركه، ومثال ذلك فـي غزة. لن أقول جديدا عمّا يحدث فـي غزة وجراحها النازفة، لكن ما يلفت الانتباه إلى العقلية التي تتجسد فعلا عند ثلة غير قليلة من الغزاويين، فهناك من يقدم حصته التي يحتاج إليها بشدة من الغذاء إلى إنسان آخر يرى بأنه أشد احتياجا إليها. وهناك من يقدم الدواء الذي فـيه علاجه لصاحبه الذي فـي مثل حالته أو أشد، وهناك من هو خارج من المعادلة أصلا ويأتي من مشارق الأرض ومغاربها ليساعد الغزاويين بالطعام (كمنظمة المطبخ العالمي) أو الدواء والعلاج والدفاع المدني ممن يعلمون بأنهم معرضون لفقدان حياتهم بمدهم يد العون. أتفكر فـي هذه الحياة التي نعيشها، خمسين؟ ستين؟ سبعين سنة؟ هذا ما سنعيشه فـي أحسن الأحوال زاد أو نقص الرقم؛ لكنها سنوات سريعة مقارنة بعمر الكون وبالحياة الأبدية التي نؤمن بها، فما جدوى أن يعيش المرء حياة لا مبدأ له فـيها ولا قناعة يقاتل ويعيش لأجلها، بل ما جدوى أن يعيش المرء حياة مليئة بالمنغصات التي لا يمد يده ليزيحها ويزيلها ما دام قادرا على ذلك، كي لا يكون كصاحبنا الذي يقبع فـي الظلمة منتظرا الشمس لتزيح ستارة غرفته وتُدخِل أشعتها.

الوطن العربي من أقصاه إلى أقصاه وطن واحد، فما يجمعنا أكثر مما يفرقنا، بل إن ما يفرقنا حادث ومصطنع ولم يكن من لب الحضارة العربية والإسلامية أصلا. ولأنه كذلك، نجد الشيوخ يألمون لواقع البلدان المجاورة أشد من آلام أبدانهم التي تقاوم المرض والهرم ووهن الجسد.

ما الذي يدفع شيخا ينتظر الأجل لأن يكترث بأخيه الإنسان المجاور له؟ إنه المبدأ والدين وسلامة المنطق وسواء النفس والروح. ما حدث فـي سوريا فـيه دروس وعبر تجعلنا نستعيد رؤية الشيوخ وبصيرتهم ونتفكر فـيها.

فقد أثبتت أن الناس ينسون الأحقاد عند انجلاء الشدة والفتنة، وأن الأصل فـيهم الخير والصلاح والإصلاح، فكلهم محب لوطنه مدافع منافح عنه، بانٍ له ومُعمِّر. لكن ما تعلمناه أيضا، أن الاحتلال الصهيوني لن يهدأ ولن يستكين حتى يحتل كل شبر من البلاد العربية. فما إن سقط الجيش السوري وانسحب أمام فلول المعارضة، حتى وثب الكيان على أراضيها، ودمر البنى الأساسية والمدرعات والطائرات الحربية، بل ويعلنها صراحة أن الجولان أرض محتلة إلى الأبد! إن هذه العقلية تنسف ما حاول الصهاينة بثه من دعاية بأنه يمكن التعايش معهم دون خوف أو قلق من غدرهم، وهي حماقة لم يدرك رئيس وزراء الكيان أثرها، فقد نسف ما حاول أسلافه تصويره على أنه حقيقة وواقع يمكن تجسيده، وأن على الشعوب أن تتقبل هذا الأمر كواقع وردي يتعايش فـيه صاحب الأرض والوطن مع من يحتل وطنه فـي سلام ووئام! ثم إن واقع انسحاب الجيش من مواقعه يمثل درسا لا ينبغي إغفاله من دول المنطقة بتاتا، فالجنود ليسوا موظفـين فحسب، بل هم حماة الوطن ودرعه الأول أمام الأطماع الخارجية. وللأسف إن هذا الدرس جاء عمليا وتطبيقيا فـي سوريا ولم يقتصر على كونه شيئا نظريا فحسب. وما حصل هناك، يجعلنا ندرك أهمية التكوين الفكري للمواطن، بأن هذه الأرض مقدسة ويدفع روحه ونفسه فداء لها أمام كل معتد ومحتل، بغض النظر عن القائد الذي يتبعه، ووجوده من عدمه.

من واجبنا أن نحمي بلادنا من أقصاها لأقصاها، من شرقها لغربها، كلٌّ يحميها بما وهبه الله من ملكات ومؤهلات وقدرات. وكما أن وسائل التأثير اليوم أقوى وأنجع فـي تسييس الشعوب وتغيير المعادلات على أرض الواقع، فكذلك يمكن للفرد أن يكون مؤثرا ويغير الحال والواقع إلى الأحسن. فكم من غزاوي أكل مما زرعه يوسف أبو ربيع الذي قاوم الاحتلال بالزراعة وأطعم أهل الشمال ، وكم لمحمود المدهون من يد فـي إطعام الناس ومقاومة الاحتلال بالطبخ للمساكين! وكم من معلم ظل يعلم الأطفال فـي البيوت المهدمة والخيام الممزقة وفـي العراء، كلهم يقاومون الاحتلال بما يستطيعون، وكلهم فلسطيني وفـيٌّ لأرضه وأمته ودينه وعائلته، وهو ما جعلهم يدفعون أرواحهم ثمنا وفداء لوطنهم ومبدئهم فـي نهاية المطاف، فكأنما هم يتمثلون أبيات ابن بيئتهم ووطنهم الشهيد «عبدالرحيم محمود»:

فإمّا حياة تسرّ الصديق

وإمّا مماتٌ يغيظ العدى

ونفسُ الشريف لها غايتان

ورود المنايا ونيلُ المنى

وما العيشُ؟ لاعشتُ إن لم أكن

مخوف الجناب حرام الحمى

أرى مصرعي دون حقّي السليب

ودون بلادي هو المبتغى

أما من يسأل عن السبب الذي يدعونا لاستحضار مآسي الواقع العربي الذي نعيشه اليوم ونتأُثر به ونحن بعيدون عنه جغرافـيا -بشكل نسبي- فهل نسوا قول أمير الشعراء!

كُلَما أَنَّ بِالعِراقِ جَريح

لَمَسَ الشَرقُ جَنبَهُ فـي عُمانِه

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

الفنان محمد سليمان: أدواري تستمد حقيقتها من الواقع.. وحياتي سلسلة متصلة

كشف الفنان محمد سليمان عن أسرار رحلته الفنية ورؤيته لأعماله المقبلة، وكواليس مشاركته بمسلسل الحشاشين،  مع المخرج بيتر ميمي والنجم كريم عبد العزيز.

محمد سليمان يكشف تفاصيل تجسيده الشخصيات في العمل

وقال «سليمان» في لقاء مع برنامج «لمن يهمه الفن» تقديم الإعلامية أميرة نور على «نغم إف إم»: «أي دور بعمله باخده من منطقة الواقع، وبحاول تكون انفعالاتي حقيقية من واقع حياتي الشخصية، لأن حياتي سلسلة متصلة الحلقات، كل حاجة بتسلم اللي بعدها».

وأشار إلى أن التمثيل لم يكن ضمن أحلامه في البداية، موضحًا: «عمري ما فكرت إني هبقى ممثل، بس كان فيه إشارات بتقول إن فيا حاجة تخليني أنفع أبقى ممثل».

وأضاف أن بدايته الفنية كانت في فيلم 7 ورقات كوتشينة مع المخرج شريف صبري، بينما علق سليمان على أهمية الدراسة للفنان: «كل موهبة محتاجة دراسة، لأن الموهبة لوحدها مش كفاية. لازم الفنان يبقى مثقف ويقرأ كتير».

محمد سليمان يعلق على مشاركته بمسلسل الحشاشين

وأعرب عن فخره بالمشاركة في مسلسل الحشاشين، قائلاً: «تشرفت بالعمل مع المخرج بيتر ميمي والنجم كريم عبد العزيز، والعمل ده يعتبر نجمة على صدر مصر»، وكشف عن أمنيته بتقديم شخصيتي الفنان عبد السلام النابلسي والفنان منير مراد في عمل فني.

وتحدث سليمان عن مسلسل وبينا معاد، مؤكدًا أنه من الأعمال القريبة إلى قلبه: «مفاتيح دوري في المسلسل كانوا بناتي، والشخصية كانت ملفتة للنظر جدا».

وأضاف: «أنا أب حنين بس شديد في نفس الوقت، لأن بخاف أوي على بناتي، ولما سلمت بناتي لعرسانهم عيطت جامد».

واختتم سليمان حديثه بالإعلان عن تحضيره لمسلسل حسبة عمري المقرر عرضه في رمضان المقبل، متمنيًا أن ينال إعجاب الجمهور.

مقالات مشابهة

  • توحيد السلاح في سوريا: رغبة السلطة وتناقضات الواقع
  • غرائب نظرية الكم.. كيف لآلة فيزيائية واحدة أن تغير قوانين الواقع؟!
  • السجن المؤبد لمتهم شرع فى قتل سيدة لسرقتها بكفر الشيخ
  • Civilization VII قادمة للواقع الافتراضي حصريًا على Meta Quest 3 و 3S
  • آبل تواصل تطوير نظارات الواقع المعزز رغم إيقاف مشروع Mac
  • صحافة عربية .. على خط المجاعة !
  • ترامب: الوجهُ العاري لأمريكا بين الواقع والاستشراف
  • الفنان محمد سليمان: أدواري تستمد حقيقتها من الواقع.. وحياتي سلسلة متصلة
  • الكشف عن أبرز البنود التي تحوي المشروع الوطني الذي قدمته القوى السياسية
  • معاريف: النصر على حركة حماس مجرد وهم خطير.. واقع معقد جدا