ونحن نتابع المشهد السوري وما أفضى إليه من تغيير دراماتيكي ومستحق لهذا الشعب العربي، الذي انتظر طويلا ودفع ثمنا كبيرا من أجل هذه اللحظة التاريخية، يتعين أن لا نستعجل كثيرا في تقييم ما حدث واستكناه المستقبل المنظور ، لولا أن ثمة مقدمات في مكان ما لا يمكن أن تفضي إلى نتائج معاكسة لما نرجوه ونتمناه.

فبالنسبة لمتابع مهتم بالقضية الفلسطينية، ويعتقد أن المقاومة هي السبيل الأوحد لتحرير فلسطين، فإنه لا يمكنه إغفال حقيقة أن سوريا كانت القلعة الحصينة للمقاومة في فلسطين ولبنان، سواء لناحية الموقف الرسمي السوري، أو لجهة الموقع الجغرافي الجيوستراتيجي.

ومهما حاول المرء أن يحسن الظن، فلا يمكن له أن يقفز على حقيقة أن تحرك الجماعات المسلحة من أدلب إلى حلب، جاء في اليوم الذي دخل فيه اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان حيز التنفيذ، بل وربما في الساعة الأولى، وبعد أقل من 20 ساعة على التهديد الذي أطلقه المجرم نتنياهو تجاه الرئيس السابق بشار الأسد، وتحذيره من ” اللعب بالنار”.

وبالمثل لا يمكن إغفال أن الكيان الصهيوني استغل الظروف والمستجدات في سوريا، وأقدم في اليوم التالي للإطاحة بالأسد على خرق هدنة 1974، واحتلال مناطق جديدة في الجولان وجبل الشيخ، وكثف من غاراته العدوانية على وسط دمشق وريف دمشق، فيما لزمت قوات المعارضة المسلحة وإدارة عملياتها العسكرية والسياسية الصمت على هذا الاعتداء الصارخ والمتغير الخطير.

حتى لو تجاوزنا ما سبق، فإن العوامل والقوى الخارجية التي ساعدت على وصول قوات المعارضة إلى دمشق، وبالذات تركيا، كانت ولا تزال على علاقة جيدة بالكيان الصهيوني، ولم يصدر من أنقره والرئيس أردوغان موقف حقيقي ينتصر لدماء غزة ومظلومية شعبها، طوال يوميات طوفان الأقصى.

سيكتب التاريخ أنه بينما كانت غزة تذبح من الوريد إلى الوريد كانت تركيا تتأبط شرا بسوريا، وكان رئيسها ” الإسلامي ” مشغولا بتصفية حسابات شخصية مع رئيس عربي كانت قضية فلسطين على رأس ثوابت سياسته الخارجية. وربما لو كان توقيت هذا التحرك مختلفا لكان لنا رأي آخر.

من جهة ثانية، فقد أدى هذا التحرك إلى إغلاق معبر البوكمال، لكن بتعاون القوات الكردية المدعومة أمريكيا، وهذا التخادم الأمريكي التركي ليس هدفه تحرير الأرض السورية، بل فصل سوريا عن حزب الله وإيران والمقاومة، في خدمة مكشوفة للمشروع الصهيوني.

لقد احتفل المجرم نتنياهو بسقوط الأسد، وتفاخر بأنه لولا الضربات الإسرائيلية الموجعة لحزب الله في سوريا ولبنان، لما أمكن للمعارضة السورية تحقيق هذا الإنجاز الكبير.

هذه المقدمات وغيرها تجعلنا نقول إن سوريا قد خرجت من معادلات الصراع العربي الصهيوني، كما خرجت مصر السادات منذ أواخر سبعينات القرن الماضي، وهو ما يعني أن المقاومة كانت خسارتها فادحة جدا، حتى يثبت العكس.

قد تكون سوريا تخلصت من النفوذ الإيراني والهيمنة الروسية، لكنها على طريق اللحاق بالمحور التركي الأمريكي. وقد تكون في طريق العودة للحضن العربي، لكنه الحضن الذي خذل غزة وفلسطين في موقف هو الأكثر خذلانا وانحطاطا ومهانة للأسف الشديد.

ومع ذلك نتمنى لسوريا وشعبها الأمن والاستقرار والازدهار، وأن تخيب توقعاتنا بشأن الشرق الأوسط الجديد الذي يتشكل برسم أمريكي، لا مكان فيه لمن يرفع سبابته في وجه اليهود والصهاينة.

 

11-12-2024

المصدر: الوحدة نيوز

كلمات دلالية: الامم المتحدة الجزائر الحديدة الدكتور عبدالعزيز المقالح السودان الصين العالم العربي العدوان العدوان على اليمن المجلس السياسي الأعلى المجلس السياسي الاعلى الوحدة نيوز الولايات المتحدة الامريكية اليمن امريكا انصار الله في العراق ايران تونس روسيا سوريا شهداء تعز صنعاء عاصم السادة عبدالعزيز بن حبتور عبدالله صبري فلسطين لبنان ليفربول مجلس الشورى مجلس الوزراء مصر نائب رئيس المجلس السياسي نبيل الصوفي

إقرأ أيضاً:

هل يغير الائتلاف السني الجديد معادلات القوى في العراق؟

بغداد- شهدت الساحة السياسية العراقية تطورا جديدا بتشكيل "ائتلاف القيادة السنية الموحدة" في بغداد، والذي يضم نخبة من أبرز الشخصيات السياسية السنية في البلاد.

وبحسب القائمين عليه، يهدف هذا الائتلاف إلى توحيد الجهود السنية وتقديم برنامج سياسي شامل يركز على قضايا المكون السني.

ويضم الائتلاف كلا من رئيس البرلمان العراقي محمود المشهداني ورئيس تحالف "السيادة" خميس الخنجر ورئيس تحالف "عزم" مثنى السامرائي ورئيس "حزب الجماهير" أحمد الجبوري (أبو مازن) ورئيس "كتلة المبادرة" زياد الجنابي.

كما يضم التحالف الجديد نوابا يمثلون تحالفي "العزم" برئاسة مثنى السامرائي و"السيادة" برئاسة خميس الخنجر، ويبلغ عددهم 34 نائبا، إضافة إلى 8 نواب يمثلون كتلة "إرادة" برئاسة النائب زياد الجنابي.

تهدئة وإنصاف

ويقول محمد فاضل الدليمي -وهو أحد قادة ائتلاف القيادة السنية الموحدة الجديد- إنهم يسعون إلى تشريع قوانين تهدئ الشارع وتنصف المظلومين.

وأشار إلى وجود تقارب في وجهات النظر بين قيادات التحالف ورؤيتهم المشتركة للمستقبل، سواء على صعيد الانتخابات أو بنود ورقة الاتفاق السياسي التي أُبرمت مع القيادات السنية والكردية والشيعية لتشكيل حكومة محمد شياع السوداني عام 2022.

إعلان

وأكد الدليمي في حديث للجزيرة نت أن الضغوط الجماهيرية -سواء من خلال المظاهرات الشعبية أو الرسائل للقوى للسياسية- تركزت على ملفات، أبرزها: العفو العام، وعودة النازحين، وإنهاء ملف المساءلة والعدالة، ومعرفة مصير المفقودين، بالإضافة إلى "ملف التوازن" الذي يطالب بالتمثيل العادل والمهني داخل مؤسسات الدولة وفق النسب السكانية، ولا سيما في الأجهزة الأمنية والعسكرية.

وتشكل هذه المطالب أيضا أساس الاتفاق الذي قامت عليه حكومة السوداني عام 2022، ووقّعت عليه القوى العراقية السنية والشيعية.

وأكد الدليمي وجود تواصل وتفاهم بين الائتلاف الجديد وممثلي المكون الشيعي، مشيرا إلى أن ورقة الاتفاق السياسي التي تشكلت بموجبها الحكومة تم تضمين بنودها في ورقة التحالف الجديد للتأكيد عليها، وتسعى إلى تهدئة الشارع وإنصاف المظلومين.

وبشأن الانتخابات، رأى أن الحديث عنها سابق لأوانه في ظل الضغوط الجماهيرية ومطالبها الحالية.

ولفت الدليمي إلى أن اختلاف وجهات النظر كان سببا في زوال تحالفات سابقة، لكن التحالف الجديد يضم قيادات وطنية معروفة، ويسعى إلى تقديم رؤية مختلفة وواضحة.

وبدأ مجلس النواب في الثاني من ديسمبر/كانون الأول 2024 التصويت على مواد تعديل قانون الأحوال الشخصية وقانون العفو العام وقانون إعادة العقارات إلى أصحابها والمشمولة ببعض قرارات مجلس قيادة الثورة المنحل، لكنه أرجأ استكمال التصويت عليها جميعا بسبب خلافات، وتم ترحيلها إلى الفصل التشريعي الجديد.

الحلبوسي (يمين) في لقاء سابق مع رئيس البرلمان الحالي محمود المشهداني (مواقع التواصل) كتلة الحلبوسي تعلق

وفي تعليقه على تشكيل التحالف الجديد، يقول عضو مجلس النواب عن حزب "تقدم" برهان النمراوي إن عقد التحالفات السياسية أمر طبيعي ودستوري.

لكنه أضاف للجزيرة نت أن "تقدم" وزعيمه محمد الحلبوسي يمثلان القوة الكبرى في تمثيل المكون السني والمحافظات الغربية، وأن الحلبوسي هو القائد الفعلي لهذه المحافظات.

وأشار النمراوي إلى أن الاجتماع الذي عقده بعض رؤساء الأحزاب والقوى السياسية السنية هو حق دستوري لهم، وأن تحالف "تقدم" يحترم هذا الحق.

إعلان

وأوضح أن "تقدم" يمثل شريحة واسعة وأغلبية واضحة من المكون السني، وأن الحلبوسي بصفته زعيم الحزب والقوة الكبرى داخل المجتمع السني هو الشخص المخول بدعوة أي اجتماع يخص الحزب.

وأكد النمراوي أن تحالف "تقدم" سيخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة بمفرده، وهو قادر على تحقيق ذلك كونه الممثل الأكبر لهذه المحافظات.

التوازن السياسي

بدوره، أكد المحلل السياسي غازي الفيصل أن التحالف السني الجديد لا يمكن فهمه ضمن دائرة الصراعات التقليدية، خاصة على الزعامة بين الأحزاب السنية، بل اعتبر أنه يمثل رؤية إستراتيجية تهدف إلى تحقيق أهداف مشتركة على المستوى الوطني، بعيدا عن الخلافات الثانوية التي قد تنشأ بين أعضائه.

وأشار الفيصل في حديث للجزيرة نت إلى أن وجود اختلافات في وجهات النظر بين مكونات التحالف أمر طبيعي، لكن هذه الاختلافات لن تمنعهم من التوحد حول أهداف إستراتيجية مشتركة بهدف تحقيق توازن سياسي مع التحالفات الأخرى، ولا سيما "الإطار التنسيقي" الذي يمثل القوى الشيعية.

ويرى أن تشكيل هذا التحالف سيؤدي إلى تحول نوعي في الخارطة السياسية العراقية، خاصة على صعيد الانتخابات التشريعية المقبلة، "فالتحالف الجديد سيعزز وزن القوى السنية في المشهد السياسي، وسيؤثر على طبيعة التفاعل بين الأحزاب السياسية المختلفة، سواء على مستوى البرامج والمناهج أو على مستوى المواقف السياسية".

وتشكلت حكومة محمد شياع السوداني في نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2022 على أساس "ورقة اتفاق سياسي" وقّعت عليها القوى السياسية العراقية المختلفة، وتضمنت مجموعة من المطالب والتعهدات التي شكلت حجر الزاوية لتشكيل هذه الحكومة.

وتضمنت هذه الورقة مجموعة واسعة من مطالب القوى السنية والكردية، والتي وافقت عليها قوى "الإطار التنسيقي" الحاكمة في البلاد، ومن أبرز هذه المطالب:

إعلان تعديل قانون العفو العام بحيث يشمل فئات أوسع من المحكومين، خاصة الذين تعرضوا لظروف غير عادلة أثناء المحاكمة. عودة النازحين إلى مناطقهم الأصلية، وتوفير الظروف المناسبة لعودتهم. إنهاء احتلال المدن من قبل الفصائل المسلحة وإخراجها من المناطق السكنية. تعويض المتضررين من العمليات العسكرية والإرهابية. الكشف عن مصير المفقودين، وتقديم الجناة إلى العدالة. حل "هيئة المساءلة والعدالة" المتهمة بتجاوزات بحق المواطنين. تحقيق التوازن في المؤسسات، بما في ذلك المؤسسات الأمنية والعسكرية.

مقالات مشابهة

  • السنوار الذي أسقط الأسد.. كيف نفهم ما حدث؟
  • تطورات الحادث المأساوي الذي وقع بالمسجد الأموي في سوريا
  • “معاريف” عن مصدر عسكري إسرائيلي: لن نتدخل بحياة سكان سوريا ولا ننوي الصراع معهم
  • العربي للدراسات: التحركات الإسرائيلية داخل سوريا أقصتها من الصراع الإقليمي لسنوات
  • السيد القائد: الأمريكي يقيم قواعد عسكرية جديدة في سوريا وخرائط الصهيوني مستفزة
  • هل يغير الائتلاف السني الجديد معادلات القوى في العراق؟
  • من هو أحمد العودة الذي يُهدّد زعامة أحمد الشرع في سوريا؟
  • هزاع بن زايد ناعياً عبدالله أمين الشرفاء: كانت يده ممدودة دائماً بالخير والعطاء
  • عبدالله علي صبري: لماذا يهودا والسامرة، وليس الضفة الغربية؟
  • سكوب.. بوريطة لن يزور دمشق ووزير الخارجية السوري هو الذي سيحل بالرباط قريباً