FP: كيف تشكّل خسارة إيران لسوريا مكسبا لتركيا والقوى الخارجية؟
تاريخ النشر: 11th, December 2024 GMT
نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، مقالا، للمحاضر في دراسات الشرق الأوسط والشؤون الدولية بجامعة جونز هوبكنز، والي نصر، قال فيه إنّ: "خسارة سوريا لإيران في مرحلة ما بعد الأسد، تعتبر مكسبا لتركيا، حيث ستحاول أنقرة أن تملأ الفراغ الذي ستتركه إيران في المنطقة".
وقال نصر، في المقال الذي ترجمته "عربي21" إنّ: "الأحداث الكارثية التي شهدتها الأسابيع القليلة الماضية في لبنان وسوريا، من تدمير حزب الله إلى سقوط نظام الأسد، فتحت فصلا جديدا في الشرق الأوسط".
ويرى نصر أنّ: "الأمل هو أن يبشّر انهيار ما يطلق عليه -محور المقاومة- الإيراني في بلاد الشام بفترة من السلام والاستقرار في المنطقة. ولكن النتيجة الأرجح هي زيادة المنافسة الإقليمية لملء الفراغ الناجم عن تقلص نفوذ إيران وحلفائها".
وتابع: "قد أدّى انهيار حزب الله إلى تغيير ميزان القوى بين إيران وإسرائيل، كما أدى سقوط بشار الأسد إلى إضعاف إيران"، مردفا أن: "النتيجة الأوسع نطاقا هي تغيير ميزان القوى بين تركيا وكل الأطراف الأخرى"، بحسب قوله.
وأضاف أنّ: "النهاية السريعة لنظام الأسد تشكّل لحظة فاصلة بالنسبة لسوريا. فهي تمثل تحرر بلد عانى طويلا من 54 عاما من الحكم العائلي الذي اتّسم بالفساد، ولم يكن ذلك أكثر قسوة منه في السنوات الأربع عشرة الماضية من الحرب شبه المستمرة".
واسترسل: "كما أنها تشكل هزيمة مهينة لإيران وروسيا، اللتين دعمتا الأسد، فقد تخسر روسيا القواعد العسكرية التي استخدمتها كنقطة انطلاق إلى أفريقيا، في حين خسرت إيران سوريا كجسر بري لها إلى لبنان"، معتقدا أنّ: "الإحتفالات والنشوة بزوال حكم آل الأسد وهزيمة إيران لا تحكي القصة كاملة".
وأكد: "يمكننا أيضا النظر إلى الحرب الخاطفة التي استمرت 12 يوما وانتهت باستيلاء المعارضة السورية على دمشق، باعتبارها لعبة قوة بارعة من قبل تركيا"، مضيفا: "كانت أنقرة الراعي للجماعة الرئيسية التي قادت الحملة ضد الأسد، هيئة تحرير الشام، وهي مسؤولة لحد كبير عن نجاحات المجموعة في ساحة المعركة".
وأردف: "أعربت تركيا عن دهشتها من السرعة التي انهار بها نظام الأسد، لكن النتيجة كانت مقصودة. إنه عرض واضح لقدرة تركيا على فرض قوتها من خلال هيئة تحرير الشام والقوات المتحالفة معها، حيث تحل تركيا محل روسيا وإيران كقوة خارجية مهيمنة في سوريا".
"مكاسب تركيا في سوريا، قد تمتد مع مرور الوقت إلى لبنان والعراق، وبخاصة مع ضعف موقف إيران في هذين البلدين بخسارة سوريا. وسيغير هذا الواقع توازن القوى الإقليمي بطرق مهمة. فمن ناحية، يمثل هذا نكسة هائلة لإيران. وبنفس القدر من الأهمية، إن لم يكن أكثر أهمية، فإن المكاسب التركية ستترك أثرها على الجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى" بحسب المحاضر في دراسات الشرق الأوسط والشؤون الدولية.
وأكد: "من المرجح أن تعمل جميعها على تعديل سياساتها استجابة للواقع الجديد"، مردفا: "أما بالنسبة لإيران، فخسارة سوريا تعتبر ضربة قوية لمكانتها واستراتيجيتها الإقليمية. وسيقود هذا لإضعاف قدرتها على مواجهة الولايات المتحدة وإسرائيل".
واستطرد: "لكن كما تظهر ردود أفعال المراقبين عبر الطيف السياسي الإيراني على سقوط الأسد، فإن المكاسب التركية في سوريا تشكل مصدر قلق كبير. ذلك أن إيران تنظر لتركيا باعتبارها منافسا إقليميا يتحدى مناطق نفوذها في الشرق الأوسط والقوقاز، حيث تنافست الدولتان لفترة طويلة على النفوذ".
وأوضح: "مع الدعم القوي من جانب تركيا لأذربيجان، بما في ذلك الضربة الخاطفة لاستعادة منطقة ناغورنو كاراباخ من الجماعات الإنفصالية المدعومة من أرمينيا في أيلول/ سبتمبر 2023، قد خسرت إيران هذه المنافسة فعليا".
وتابع بالقول: "إذا قدمت تركيا، التي شجعتها النتيجة في سوريا، الدعم الآن لأذربيجان لتأكيد سيطرتها على طريق التجارة في زانغيزور الذي سيربط أذربيجان وأرمينيا بتركيا، فستقطع إيران تماما عن القوقاز".
"بالنسبة لإيران، ربما بدا هذا بمثابة إعادة تشكيل لسيطرة الإمبراطورية العثمانية على القوقاز وبلاد الشام التي تصارعت معها إيران عليها بين القرنين 16 و 20" تابع المحاضر نفسه، مبرزا أنه: "من المفارقة أن العدو الرئيسي لإيران، إسرائيل لديها أسبابها للقلق من تطور الأحداث في سوريا".
وتابع: "سوف يتلاشى احتفال إسرائيل بكل شيء تقريبا لإنهاء الوجود الإيراني في بلاد الشام بسبب التحديات الكامنة في مواجهة مجال النفوذ التركي هناك. وسترفض الحكومة الصاعدة بقيادة هيئة تحرير الشام، بمجرد ترسيخ سلطتها في سوريا، ضم إسرائيل لمرتفعات الجولان، ومن المرجح ألا تظل محايدة بشأن محنة الفلسطينيين".
وأشار إلى أنّ: "الواقع أن الروابط العربية السنية التي تربطها بالفلسطينيين أكثر عضوية من الروابط بين إيران وحزب الله"، مردفا: "يعتقد نصر أن الخطر الكامن على حدود إسرائيل، يكمن الآن في النظام السياسي الجديد في دمشق، بدعم من أنقرة".
وأضاف: "أما الدول العربية، من مصر والأردن إلى دول الخليج العربي، يبدو انتصار هيئة تحرير الشام في سوريا بمثابة صدى خطير للربيع العربي، الذي اعتقدت هذه الدول أنها هزمته. فقد تحدت تلك الانتفاضات الاستبداد في العالم العربي بدعوات إلى الديمقراطية والحكم الرشيد. وسرعان ما تبنتها الأحزاب الإسلامية".
ومضى بالقول: "احتضن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الانتفاضات العربية، ورأى مستقبلا للعالم العربي يعكس رؤيته الخاصة للديمقراطية الإسلامية. وفي المقابل، تبنت العديد من الأحزاب الإسلامية تركيا كمصدر إلهام ودعم لها". متابعا: "في النهاية، انتصرت الدول العربية. ولم تكن المخاطر في أي مكان أعلى بالنسبة لتركيا من سوريا".
وتابع: "قد دعمت تركيا بنشاط جزءا من المعارضة، التي شملت فصائل إسلامية، ورحّبت بملايين اللاجئين الفارين من الحرب الأهلية"، مبرزا: "في تلك المعركة، كانت روسيا وإيران هما اللتان أحبطتا جهود تركيا لإسقاط الأسد. وباعتباره عميلا لإيران، أدارت الدول العربية ظهرها له، ولكن بقاءه كان يتناسب مع هدفها المتمثل في منع أي صعود للحركات الإسلامية".
وأردف: "قد اتخذت الدول العربية، في الآونة الأخيرة خطوات لإعادة بناء العلاقات مع الأسد والترحيب بسوريا مرة أخرى في الحظيرة العربية. وبعد 14 عاما من الإنتفاضة السورية، انتصرت تركيا في معركة الإطاحة بالأسد وإقحام نفسها في سوريا".
ومن المثير للقلق بالنسبة للمتحدث نفسه: "بالنسبة للدول العربية فإن هذا النصر يمثل فصلا متأخرا من الربيع العربي، ويأتي على هيئة إحياء للفكرة الإسلامية، كقوة سياسية تسيطر على دولة عربية حيوية"، فيما يرى أنّ: "صعود حظوظ قوة إقليمية واحدة من شأنه أن يدعو حتما لإعادة تنظيم التحالفات ومن ثم بناء استراتيجيات لاحتوائها وعكس مسارها".
وأكّد: "ربما عولت هذه الجهود على استغلال الثغرات داخل سوريا. فمن جهة، تسيطر هيئة تحرير الشام على الحكومة السورية والممر الشمالي -الجنوبي المهم جدا من حلب لدمشق، لكن سيطرتها على بقية البلاد ليست مضمونة لحد كبير. وهناك قوى إسلامية وقومية أخرى تعمل في سوريا، فضلا عن القوى الكردية التي تسيطر على شمال - شرق البلاد".
وختم بالقول: "قد يكون لهذه القوى أسبابها الخاصة لتحدي النظام الجديد في دمشق، وستكون جهودها أكثر قوة إذا وجدت الدعم من الجهات الفاعلة الخارجية الراغبة في دعم قضيتها".
واستطرد: "أفضل نتيجة لسوريا وبعد سنوات من المعاناة هي دولة قوية ومستقرة تركز على إعادة بناء البلاد التي مزّقتها الحرب. ولكن إذا تورطت سوريا في دوامة التنافس الإقليمي، فقد تنتظر مستقبلا لا يختلف كثيرا عن ليبيا، حيث أدّت المنافسة بين القوى الخارجية لتفتيت البلاد وإطالة معاناتها".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية سياسة دولية سوريا إيران تركيا روسيا إيران سوريا تركيا روسيا المزيد في سياسة سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة هیئة تحریر الشام الدول العربیة الشرق الأوسط فی سوریا
إقرأ أيضاً:
من يتحمل مسؤولية ما يحدث في سوريا؟
سالم بن محمد العبري
نعلم أن ما يحصل في فلسطين يقوم به كيان محتل عنصري أقيم لمرامٍ استعمارية وألبسوه ثوب التوراتية؛ لكي يتحول الصراع إلى ما يسمى صراع بين الإسلام واليهود الذين وصفهم الله في كتابه الكريم بأنهم (أشد عداوة للذين آمنوا) هم والمشركون.
واليوم الغرب العلمانيّ يُعادي الأديان السماوية، وما يقرّه من قوانين مثل اعترافه بالمثلية الجنسية وتبنيها وحمايتها ونشرها، إنما يفعل ذلك مستهدفاً هرطقة الشعوب ونشر الانحلال في الأمم ليسهل عليه السيطرة عليها والتحكم بمصائرها من خلال تقدمه العلميّ أو بوسائل الدمار والقتل كما هو ماثل في حرب غزة ولبنان، وسعيه بأدواته إلى تصفية الرموز والقدوات ورجال المقاومة من أمثال إسماعيل هنية وحسن نصر الله يصبّ في نفس السياسات والاتجاهات.
أما ما يجري في سوريا وخاصةً في مناطق الساحل؛ حيث تتمركز الأقليات والمعلوم تاريخيًا أنهم جزء من نسيج الشام، ومشاركون في صناعة كل تاريخه ونضاله، ولا يقتصر تاريخهم على فترة نصف القرن الفائت منذ أن تبوأت عائلة حافظ الأسد الصدارة بالدولة السورية، وشاركت في كفاح الأمة ضد الصهيونية والاستعمار ومقاومة التبعية الاقتصادية؛ لكن أعتقد أن مسؤولية الصراعات والمذابح في الساحل السوريّ تعود إلى عدة مُحدِّدات رئيسة:
أولًا: إن النظام العربي السائد مُتفرِّق ولا يملك أيّة أوراق ضغط ليمارسها على الدول الراعية لعملية السلام أو التي تملك نفوذا في الشرق الأوسط، فضلًا عن أنّ هذا النظام العربي نصَّبَ نَفسه قاضيا بين الشعوب وحُكّامها وظل معاديا للدولة السورية من قبل اندلاع فوضى الربيع العربيّ التي خطط لها الغرب بعناية فائقة وصولا إلى سقوط النظام السوري.
ثانيًا: كان لخروج الرئيس بشار الأسد وتركه الدولة والشعب والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان يلقون هذا المصير خطأً فادحًا قضى على ما تبقّى من رصيد وإنجازات الدولة السورية في خندق المقاومة طوال نصف قرن. وقد كان يستلزم بشار الأسد بسوريا أن يقود الكفاح بما يتوفر وأن يعطي مساحة ومهلة للمعارضة لاستبيان نهجها: هل تريد إصلاحًا وإنقاذًا للدولة والشعب أم هي حلقة من حلقات التآمر على وحدة الأمة تحقيقًا لمقاصد الكيان الصهيوني.
نعم يتحمل بشار الأسد المسؤولية الأكبر فيما تسبب في وقوع مجازر وانتهاكات للحرمات والأعراض وكان خيرًا له أن يبقى في سوريا حتى وإن قُتل أو قُدِّم للمحاكمة كصدام حسين، أو يُقدّم استقالته لمجلس رئاسيّ يتولى تسيير الأوضاع، إلّا أن آفة الالتصاق بالمناصب، والتشبث بالكراسي ما زالت لعنتها تطارد العرب منذ العصر الجاهليّ.
ثالثًا: لقد كان على بشار الأسد أن يسير على خطى جمال عبد الناصر في إعلان التنحي ويترك للشعب يقرر إزاحته أو استبقاءه. وعلى الرغم من اعتراف عبد الناصر بمسؤوليته عن نكسة وهزيمة يونيو (حزيران) 1967م واعترافه بأخطاء وقعت في الممارسة والقيادة، إلّا أنّ الشعب العربي كله أبى إلّا أن يقف خلفه فنزل على الرغبة الشعبية وبدأ يعيد تصحيح البوصلة ويبني الجيش.
رابعًا: في اعتقادي أن بشار الأسد وما خلفه من محيط مهيمن بعد الانتخابات الرئاسية التي أظهرت التفافًا شعبيًا خلف قيادته، لم ينجح في استغلال هذا الزخم في المسارعة بتوظيف نتائج الانتخابات البرلمانية التي تمت في صيف 2024 لصالح التيار الإصلاحيّ؛ بل كان الأجدى أن يُشَار على الرئيس والحزب والقوى السياسية والمؤسسات المشاركة أن يستقيل الرئيس وتُجرى انتخابات بإشراف عربي ودولي مختار لإخراج سوريا من هذه الحرب الطاحنة عربيًا ودوليًا التي غايتها تأمين بقاء الكيان الصهيوني وكشف ظهر المقاومة.
حتى خطاب الأسد الأخير في القمة العربية بالرياض كان نشازًا كما في التعبير الشعري للشاعر أبو ريشة [لا يُلام الذئب في عدوانه/ إن يك الراعي عدو الغنم]، ثم كان يدور في خلدي تساؤل ماذا لو صمدت سوريا وظلت على نهجها المقاوم حتى وإن بقيت تجاهد كلاميًا ومعنويًا، كيف سيتصرف هذا الظهير والممسك بأدوات الإدارة هل سيصل بهم الشطط إلى تعديل الدستور ليتمكّن الأسد من الترشح من جديد للرئاسة؟
وأخيرًا أقول إن النظام القائم حاليًا في سوريا لا يفكر في النتائج التي قد تحدث بعد الإطاحة بالدولة فغايته الإجهاز على النظم السياسية التي لا تشبهه ولا تلوي قناتها لتماثل تلك القنوات القزمة، بعد أن أسقطوا العراق والسودان وليبيا والحبل على الجرار، ولا يفكرون في الثروات التي ستسرقها الإمبريالية العالمية كما سرقت ذهب ليبيا، ثم إنهم لم يضعوا إطارًا للحكم يضمن حفظ البشر والحجر والثروات، فالغاية كانت إسقاط النظام لتشكُر إسرائيل سعيهم، ثم تنقلب عليهم لتسقط نُظمًا أخرى؛ وهذا هو المصير الأليم.