من دعم الحليف إلى حساب التكاليف.. تغيرات الموقف الإيراني في سوريا
تاريخ النشر: 11th, December 2024 GMT
11 ديسمبر، 2024
بغداد/المسلة: الصحافة الإيرانية تفتح النقاش حول تداعيات تقليص النفوذ الإيراني في سوريا، مشيرة إلى التحولات الجوهرية التي طرأت على الدعم الذي كان يقدمه حلفاء دمشق التقليديون. بالرغم من أن إيران وروسيا لعبتا أدوارًا حاسمة في دعم حكومة بشار الأسد منذ اندلاع الحرب الأهلية عام 2011، إلا أن السؤال الذي يثار اليوم في الأوساط الإعلامية والسياسية الإيرانية هو: لماذا لم يتحرك حلفاء الأسد لمنع تدهور الأوضاع هذه المرة؟.
أخطاء الماضي وأزمات الحكم
محمد قاسم محب علي، الخبير الإيراني في شؤون الشرق الأوسط، أشار في تصريحات صحفية إلى أن حكومة الأسد كانت تعاني منذ سنوات من أزمات هيكلية. وصفها بأنها “حكومة أقلية” تعتمد على حزب البعث الذي ارتبط بطائفة علوية تسيطر على غالبية سنية. ورغم انتهاء الحرب مع داعش منذ 2017، لم تستغل الحكومة وحلفاؤها فرصة تحقيق مصالحة سياسية مع المعارضة، ما عمّق الأزمة.
وأضاف أن المعارضة طورت استراتيجياتها في المواجهات الأخيرة، حيث باتت تعتمد على تكتيكات أكثر انضباطًا وابتعدت عن الممارسات التي كانت تثير الفزع في السابق، مثل المجازر العشوائية.
أسباب غياب الدعم الإيراني والروسي
يشير محللون إلى أن تغير الظروف الإقليمية والدولية لعب دورًا رئيسيًا في غياب الدعم المعتاد. روسيا، المنشغلة بالحرب في أوكرانيا، تبدو غير مستعدة لتوسيع تدخلاتها في الشرق الأوسط، في ظل تدخلات إسرائيلية وأمريكية متزايدة. في المقابل، تعاني إيران من قيود جغرافية في نقل قواتها عبر العراق، وسط ممانعة بغداد، فضلاً عن تحديات داخلية اقتصادية بسبب العقوبات.
تراجع العمق الاستراتيجي لإيران؟
يرى محب علي أن “السياسات الإقليمية الإيرانية مكلفة اقتصاديًا”، وأن إيران بحاجة إلى إعادة صياغة استراتيجياتها بما يتناسب مع قدراتها الاقتصادية المتراجعة. الوضع الاقتصادي الضعيف، نتيجة العقوبات، يعوق طهران عن تحمل تكاليف سياساتها الإقليمية السابقة. ويؤكد على ضرورة مراجعة الأولويات لتجنب استنزاف الموارد قبل الوصول إلى تفاهمات سياسية مستدامة.
خاتمة
التقارير الصحفية والتحليلات الإيرانية تُظهر بوضوح أن تغيّر الموازين في سوريا يعكس أزمة أعمق في الاستراتيجية الإيرانية. ما بين تراجع النفوذ وتفاقم الأعباء الاقتصادية، يبرز تساؤل ملحّ حول قدرة طهران على الحفاظ على دورها الإقليمي دون أن تدفع أثمانًا باهظة قد تفوق طاقتها.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post Author AdminSee author's posts
المصدر: المسلة
إقرأ أيضاً:
مستقبل سوريا..أسئلة حول الطائفية والحركة الجهادية والتعقيدات الإقليمية
دخلت سوريا مرحلة جديدة بعد 14 سنة من القتل والتهجير والتدمير، هي نهاية سعيدة عاشها الشعب السوري يوم الثامن دجنبر 2024 بعد سقوط نظام بشار الأسد أو تهاوي أركان نظامه بطريقة دراماتيكية، سقوط يؤشر على بداية تشكل نظام إقليمي جديد بالشرق الأوسط، وغلق قوس الحزب الوحيد والاوحد الذي شكله نظام حزب البعث لما يقارب ستة عقود من الزمن.
أسئلة كثيرة تطرح حول طريقة انهيار نظام الأسد ونهايته السريعة، وعلامات استفهام عديدة تثار حول سياق هذا السقوط المدوي لنظام بدا هشا وضعيفا ومعزولا، رغم ارتباطاته وتحالفاته الإقليمية والدولية سواء بالنظامين الروسي والإيراني. وفي معرض تحليل وفهم خلفيات انهيار هذا النظام، ومحاولة استشراف مستقبل سوريا ما بعد نظام الأسد، يمكن تفكيك واستحضار ثلاث جوانب أساسية:
أولا، اللافت أن ليلة سقوط نظام الأسد جاءت بالتزامن مع اجتماع وزراء خارجية روسيا وايران وتركيا وقطر بالدوحة، وذلك قبل ساعات من وصول المعارضة المسلحة إلى العاصمة دمشق، لكن، يبدو أن هذا اللقاء جاء كنتيجة للسياق الإقليمي الملتهب والمتقلب باعتباره العامل الرئيسي الذي على الارجح عجل بنهاية هذا النظام، وفي مقدمة ذلك، إضعاف النظام الإيراني بفعل سياسات الانهاك والاستدراج والاضعاف التي بمقتضاها تمكنتا أمريكا وإسرائيل من تقليم أظافر النظام الصفوي وتقزيم دوره الإقليمي من خلال القضاء على بعض الرموز الدينية الحركية(نصر الله) وقطع خطوط الامداد والدعم عن المليشيات المسلحة (حزب الله)التي لعبت دورا محوريا في بقاء نظام الأسد خلال السنوات الماضية.
إضعاف النظام الإيراني وتفكيك ميلشياته المسلحة التي شكلت جبهة إسناد إقليمية/ ميدانية لنظام الأسد، بالإضافة للحرب الروسية الاوكرانية التي أضعفت نظام موسكو الذي بدوره شكل جبهة إسناد دولية وعسكرية للنظام السوري، كلها عوامل ساهمت في عزلة نظام الأسد، وتلاشي جبهات الدعم والاسناد الإقليمية والدولية.
ثانيا، مع نهاية نظام الأسد، دخلت سوريا مرحلة جديدة، مرحلة تشكيل نظام جديد ومغاير، يؤسس لبناء دولة مؤسسات، وإخراج سوريا من دائرة الدول الفاشلة، لكن، يبدو أن إعادة بناء الدولة الوطنية بسوريا بالمفهوم الحديث يصطدم بعدة صعوبات وإكراهات داخلية وإقليمية ودولية. فعلى المستوى الداخلي، تعتبر مكونات وفصائل المعارضة المسلحة غير متجانسة من حيث المرجعيات والمنطلقات الفكرية والسياسية والعقائدية والطائفية، سيما وأن هذه المكونات تضم السلفي الجهادي، المنخرط في ما يعرف ب » هيئة تحرير الشام » التي تعتبر من أكبر الفصائل المعارضة التي تأسست في يناير 2017 بعد اندماج عدد من الفصائل كجبة فتح الشام(النصرة سابقا) وحركة نور الدين الزنكي(انسحبت لاحقا) وجيش السنة، ولواء الحق، وجبهة أنصار الدين. هذا، بالإضافة إلى الجيش الوطني السوري الذي تأسس سنة 2017 ويرتبط بما يعرف بالحكومة السورية المؤقتة المدعومة من تركيا، بالإضافة لفصائل صغيرة تتوزع على مختلف أنحاء سوريا.
أما على المستوى النسيج الاجتماعي وارتباطاته الخارجية، فقد تمكن نظام بشار المنهار من جعل المكون العلوي يستحوذ على مساحة ديموغرافية بين 40 و50 في المائة من مجمل السكان، بالإضافة لتغيير الخريطة والتركيبة السكانية للسوريين خلال الحرب، إذ لم يعد يمثل المكون السني سوى نصف سكان سوريا بفعل تهجير ما يقارب 7 ملايين سوري خلال سنوات الحرب. بالإضافة إلى أن المجتمع السوري يتكون من خليط اثني وديني ومذهبي، العرب السنة والمسيحيون والدروز والشيعة والمرشدية والايزيدية، ناهيك عن المكون القومي كالأكراد والتركمان والشركس والارمن والعرب.
إن التنوع الطائفي والاثني بالإضافة إلى ارتباطاته الخارجية، بات يشكل أرضية صلبة للصراع الطائفي، خاصة وأن نظام الأسد عمل على تغدية الخلافات ذات النزعة الطائفية من أجل تأجيج الصراع لزرع الفرقة بين مختلف المكونات، معطى أساسي من غير المستبعد أن يعقد ويصعب دور مختلف الفاعلين خلال المرحلة الانتقالية، بالإضافة لصعوبة احتواء وترويض الحركات الجهادية وفق سقف الدولة الوطنية.
ثالثا، يشكل انهيار نظام الأسد مناسبة لإعادة رسم خريطة التحالفات والتوازنات في منطقة الشرق الأوسط، سيما وأن إيران وروسيا شكلتا أبرز دعائم النظام الإقليمي في الشام والشرق الاوسط إبان النظام السابق، مما يجعل النظام الإقليمي قيد التشكل محل صراع وتنافس بين عدة قوى إقليمية كتركيا وإسرائيل وغيرها، دون القفز على الدور الأمريكي المحوري في ميزان القوة وقدرتها الفائقة على إدارة الفوضى الخلاقة في المنطقة بما يخدم مصالحها على غرار التجربة العراقية.
مؤشرات الصراع والتموقع بدت جلية مع اعلان نتنياهو الانسحاب من اتفاقية « فض الاشتباك » الموقعة سنة 1974 بعد ساعات وفي نفس اليوم الذي سقط فيه نظام الأسد، مما دفع إسرائيل إلى السيطرة على المنطقة العازلة في مرتفعات الجولان بدعوى حماية امنها بعد انسحاب وعدم تمركز الجيش السوري في تلك المناطق.
التمدد الإسرائيلي في الجولان من المرجح أن يقابله تحرك إيراني وتركي وروسي بأشكال ودعامات طائفية وسياسية مختلفة بغية الحفاظ على مصالحهم، بحكم التقارب الجغرافي والتقاطع الاثني للدولتين الصفوية والعثمانية، بالإضافة لتواجد قاعدة عسكرية روسية يبدو من خلالها أن موسكو غير مستعدة لتراجع عن نفوذها في سوريا.
ختاما، وفي ظل التحولات المصاحبة لانهيار نظام الأسد، فمن المرجح أن الساحة السورية باتت مفتوحة على مختلف السيناريوهات، إلا أن إعادة بناء الدولة مؤسساتيا وإخراج سوريا من دائرة الدول الفاشلة يعتبر رهانا صعبا في ظل التعقيدات الداخلية والإقليمية والدولية. غير ان إدارة المرحلة الانتقالية وفق تصور سياسي محدد واحتواء النزعة الطائفية داخليا، وإعادة ترميم الجيش السوري وفق عقيدة وطنية، كلها عوامل من الممكن أن تساعد على إخراج سوريا من حالة عدم الاستقرار التي طالت وتجاوز الازمة الراهنة.