ما هو سباق التسلح الجديد والخطير الذي يسيطر على صناعة السلاح عالميا؟
تاريخ النشر: 11th, December 2024 GMT
يعتبر وضع الشرق الأوسط أكثر قابلية للانفجار أكثر من أي وقت مضى، بينما تواصل الحرب بين روسيا وأوكرانيا التي تدخل في السنة الثالثة، وفي كل لحظة ستمر من بعد أداء الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب لليمين، هي لحظة قد تندلع فيها حرب تجارية مع الصين.
وجاء في تقرير لصحيفة "ذي ماركر"، وهي الملحق الاقتصادي لصحيفة "هآرتس" أن "العالم غير مستقر وهو يشبه العالم متعدد الأقطاب الذي أدى إلى الحرب العالمية الأولى أكثر مما يشبه العالم ثنائي القطب الذي ساد في فترة الحرب الباردة".
وقال التقرير إنه "ربما من الصحيح تسمية ذلك عالم ثلاثي القطب على خلفية سباق التسلح والتكنولوجيا، الذي لا يتوقف عن التطور بين الدول العظمى الثلاثة، الولايات المتحدة والصين وروسيا، وهو سباق ترافقه مواجهات إقليمية أخرى".
وذكر أنه "يمكن الإضافة إلى ذلك الشروط المريحة نسبيا الآن لتطور الصراعات أمام الشروط التي كانت سائدة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، وهذا حسب مؤشر السلام العالمي للعام 2024 في معهد الاقتصاد والسلام، الذي يصنف الدول حسب مستوى السلام فيها على قاعدة ثلاثة معايير رئيسية: شعور السكان بالأمان، ووجود واستمرار مواجهات داخلية ودولية، ومستوى العسكرة في الدولة".
وبين أن "مؤشر العسكرة العالمي في المركز الدولي لأبحاث الصراعات في بون في ألمانيا يدمج فيه مقارنة بين النفقات الأمنية للدول مقارنة مع الناتج الخام الإجمالي وبين النفقات على الصحة، ويدمج بين نسبة رجال الجيش من بين السكان أو الذين يوجدون في الخدمة شبه العسكرية وبين نسبة الأطباء، المؤشر يأخذ أيضا في الحسبان نسبة السلاح الثقيل (الدبابات والغواصات والطائرات والمروحيات) للفرد".
وأكد "حسب هذا المؤشر فإنه في 2023 كان هناك ارتفاع في متوسط العسكرة العالمي، كانت مواجهات أكثر والكثير من الناس ماتوا في الحروب (153 ألف شخص في 2022 مقابل 171 ألف في 2023)، وهذه هي السنة التي فيها أيضا تجاوزت أوكرانيا إسرائيل، وأصبحت الدولة الأكثر عسكرة في العالم".
وأشار إلى أن "إسرائيل أصبحت الآن في المكان الثاني بعد أن كانت في المكان الأول في الأعوام 2006 – 2021، بالأساس لأنها هي الأولى عالميا في نسبة مشاركة المواطنين في الجيش (الأرقام صحيحة حتى نهاية 2023)، وفي مؤشر العسكرة توجد روسيا في المكان 10، الولايات المتحدة في المكان 25، وإيران في المكان 28، والصين في المكان 103، رغم أنها لاعب رئيسي في سوق السلاح حيث تصدر لروسيا ولدول كثيرة في المنطقة التي كانت ذات يوم تسمى الاتحاد السوفييتي".
وجاء في التقرير أنه "يوجد حاليا 56 مواجهة نشطة في أرجاء العالم، وهو الرقم الأعلى منذ الحرب الباردة، وعدد قليل من الصراعات تنتهي باتفاق سلام أو انتصار حاسم، وإذا شئتم نصر مطلق فإن نسبته انخفضت من 49 بالمئة في سبعينيات القرن الماضي إلى 9 بالمئة في العقد السابق، ونسبة الصراعات التي انتهت باتفاق سلام انخفضت من 23 في المئة إلى 4 في المئة في نفس الفترة".
وأوضح أن "متوسط مؤشر السلام العالمي انخفض في 2023 مقارنة مع العام 2024 بنسبة 0.5 بالمئة، وهو الانخفاض رقم 12 في آخر 16 سنة، عدد الدول التي هبطت في المؤشر هي 97 دولة، وهو العدد الأعلى منذ البدء في قياس هذا المعطى قبل 18 سنة.
وتتصد أيسلاندا تتصدر مؤشر السلام بصورة متتالية منذ 2008، وهي توجد في المكان الأول في هذه السنة ايضا،بعدها تأتي أيرلندا ومن ثم أستراليا ونيوزيلندا وسنغافورة وسويسرا التي تنهي الخماسية الأولى، بينما تأتي اليمن في المتربة الأخيرة من هذا التصنيف الذي يشمل 163 دولة.
وتأتي السودان وجنوب السودان وأفغانستان أوكرانيا في المراكز التي قبل اليمن مباشرة، بينما جاءت روسيا في المركز 157 وسوريا في المكان 156 و"‘سرائيل" في المكان 155.
وجاء في التقرير أن المطلوب حاليا هو إضافة "تكنولوجيا السلاح المتطورة في مجال السايبر والذكاء الصناعي والقدرة على تحديد مكان الغواصات في أعماق المحيطات بعيدا عن الشواطيء، وسيكون لدينا عالم تنفق فيه الدول المزيد على الأمن وتزدهر فيه تجارة السلاح، من أجل فهم من الذي يزدهر بالضبط ومن يشتري، يمكن النظر الى النمو في مبيعات شركات السلاح والتغيير في تصنيف شركات السلاح الكبرى في العالم في 2024 في المجلة الأمنية "أخبار الدفاع".
ويذكر أن 9 شركات من الـ 10 شركات السلاح الكبرى في العالم سجلت نمو في إيراداتها في عام 2023 مقارنة مع العام 2022، والمداخيل من بيع السلاح والخدمات العسكرية للشركات المئة الكبرى بلغت 632 مليار دولار في 2023، بارتفاع بلغ 4.2 بالمئة، مقارنة بالعام 2022، حسب المعهد الدولي لأبحاث السلام في ستوكهولم.
وعلى خلفية الطلب المتزايد لمنظومات السلاح المتطورة التي تحتاج إلى استثمارات كبيرة في التطوير فإن الصناعات الأمنية قامت بعملية دمج بين الشركات الكبيرة، التي أدت إلى السيطرة على عدد من اللاعبين الأفراد في هذه الصناعة، وجزء من ذلك يعود للتكنولوجيا المتقدمة في تطوير الطائرات القتالية المتقدمة والصواريخ التي سرعتها أكبر من سرعة الصوت وحلول السايبر التي ترتكز إلى الذكاء الصناعي.
رغم ذلك، المعهد نشر في الملخص السنوي للعام 2023 بأن منتجي السلاح الأصغر كان أكثر نجاعة في الرد على الطلب الذي وجد على خلفية الحرب في قطاع غزة وفي أوكرانيا والتوتر في شرق آسيا وخطط إعادة التسلح في أرجاء العالم.
وأشار المعهد إلى أن 75 بالمئة من الشركات سجلت ارتفاع في المبيعات، وأن معظم الشركات التي كان لها نمو في المبيعات توجد في النصف الثاني في قائمة شركات السلاح المئة الكبرى في العالم.
وأكد التقرير أن "هذا ربما يفسر لماذا شركة السلاح الكبرى في العالم، لوكهيد مارتن الأمريكية، سجلت ارتفاع متواضع بلغ 2 بالمئة فقط في مداخيلها من السلاح، ايضا السهم في شركة السلاح الأمريكية الكبرى ارتفع سعره فقط 19 بالمئة منذ بداية السنة بعد أن انخفض في الشهر السابق على خلفية مبيعات أضعف من التوقعات، وهذا يعتبر نقص في الأداء مقابل مؤشر "اس آند بي 500" الذي ارتفع 27 في المئة منذ بداية السنة، وربما أن توقعات المستثمرين بشأن العائد على السلاح في العالم يمكن رؤيتها بشكل أفضل في مؤشر أسهم الدفاع والطيران في شركة اس آند بي، الذي ارتفع 38 بالمئة منذ بداية السنة".
وبعض الأسماء الأخرى الأقل أمريكية، تبرز عند النظر إلى تصنيف شركات السلاح الكبرى في العالم في العام 2024، في المكان الثاني في التصنيف توجد شركة الصناعات الجوية في الصين، التي في 2023 كانت في المكان الرابع (الذي قفزت إليه من المكان الثامن في 2022)، بعد قفزة 45 بالمئة في المداخيل السنوية من بيع منظومات سلاح.
ورغم العقوبات المفروضة على روسيا إلا أنه حسب عدد من التقارير فإن الصناعات الجوية الصينية تبيع لروسيا أجزاء وقطع غيار للطائرات القتالية الروسية، سو 35، وهي أيضا توفر السلاح للزمرة العسكرية في مينمار، ورغم القيود الدولية على تجارة السلاح في مواثيق مختلفة إلا أن تقارير كثيرة لمنظمات تفحص هذا المجال تظهر أن تطبيق هذه المواثيق غير دائم، والسلاح يستمر في الوصول أيضا الى دول خرقت حقوق الانسان أو فرض عليها حظر السلاح.
وقال تقرير الصحيفة الإسرائيلية إنه "بين الأسود والأبيض يوجد الكثير من الرمادي، وشركات خاصة، إلى جانب شركات سلاح صينية تعمل أيضا في المجالات المدنية، متهمة في حالات كثيرة بأن المعدات المدنية التي تصدر بالأساس لروسيا، تستخدم أيضا لأغراض عسكرية".
وأشار إلى أن "المعدات ثنائية الاستخدام مثل شبه الموصل الضروري لإنتاج منظومات السلاح المختلفة، معدات الملاحة، قطع غيار الطائرات وآلات التصنيع الدقيقة (سي.ان.سي)، تمر في شبكة متشعبة من الشركات الوهمية وتصل من الصين الى روسيا، حسب بحث أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن الذي يتابع البيانات التجارية، هكذا فإن الصين توفر الموارد الضرورية لتحقيق قفزة كبيرة في إنتاج السلاح الروسي، التي حتى بداية السنة ستضاعف قدرتها الانتاجية الشهرية للصواريخ بعيدة المدى، بغض النظر عن ذلك فإن نصف صادرات الصين من السلاح تقريبا يذهب إلى دولة واحدة هي باكستان، من أجل دعم صراعها مع الهند".
ومن الأسماء الأخرى البارزة هناك، شركة أحواض السفن الصينية لبناء الغواصات، التي للمرة الأولى دخلت إلى قائمة الشركات العشرة الكبرى للسلاح في العالم، بعد زيادة 19 في المئة على إيراداتها من بيع المعدات العسكرية، وأعلنت الشركة مؤخرا بأنها تقوم ببناء غواصة بدون ملاح، بطول 40 متر ويمكنها حمل 12 صاروخ توربيد، إضافة إلى مقاتلات وألغام وغواصات صغيرة بدون ملاح.
من أجل المقارنة فإن طول الغواصة غير المأهولة لشركة صناعة الفضاء الإسرائيلية "الحوت الأزرق"، حوالي 10 امتار.
وختم التقرير بالقول: "لكن ليس كل شيء يسير على ما يرام، ففي 2023 الزيادة في إيرادات الشركات الصينية التسعة في قائمة شركات السلاح المئة الكبرى في العالم التي بلغت 103 مليار دولار، وكان الأقل منذ 2019 (نمو 0.7 بالمئة في المتوسط)، في جزء منه بسبب التباطؤ الاقتصادي في الصين في السنوات الأخيرة، لكن يوجد أسباب أخرى، فمثلا الصناعات الجوية في الصين سجلت مداخيل كبيرة من بيع الطائرات بدون طيار، لكن في مرات كثيرة تم توجيه الانتقاد لجودة المنتج والدعم السيء، حتى لو كان أقل مما في السابق".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية روسيا الصين سباق التسلح الولايات المتحدة الولايات المتحدة الصين روسيا تسليح سباق تسلح صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی العالم على خلفیة فی المکان بالمئة فی فی المئة المئة فی
إقرأ أيضاً:
أمريكا ... بين السلام الروماني والجريمة الكبرى !
نحن أمام كيان عنصري وإمبريالي وإمبراطوري منذ اللحظة الأولى لأنه قام أساسا على فكرة تفوق الرجل الأبيض , وحقه في السيطرة على القارة الأمريكية وإبادة سكانها الأصليين , فالإبادة والعنصرية جزء لا يتجزأ من البنية الأمريكية منذ اللحظة الأولى , ثم الاسترقاق الواسع النطاق للسود الإفريقيين واستخدام سواعدهم في بناء الاقتصاد والرخاء الأمريكي .
-حقيقة أمريكا
الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها وارثة القيم الغربية ما انفكت أن أصبحت مثل أوروبا عنصرية – استعمارية , ولأنه كان هناك صراع مستمر , ونوع من توازن القوى , أدي إلى تطاحن الدول الأوروبية فيما بينها على النهب والمستعمرات والأسواق , ثم تطاحن المنظومتين الرأسمالية والاشتراكية , فإن الفرصة لم تأت أصلا لظهور المفاهيم الإمبراطورية والعنصرية والاستعلائية المباشرة لعدم وجود المناخ الصالح ولا الانفراد لدولة واحدة , إلا في حالات زمنية ضيقة وفشلت إذا لم تسقط سقوط مروع وانتهت من الخارطة السياسية والعسكرية والاقتصادية وأصبح نراها اليوم تدور في فلك أمريكا مثل المانيا النازية أو ايطاليا الفاشية .
فعندما انتهى النفوذ الاستعماري لمعظم الدول الأوروبية وسقط هذا النفوذ في الفم الأمريكي , ثم سقطت المنظومة الاشتراكية وتفكك الاتحاد السوفيتي السابق , أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية هي الدولة الوحيدة المنفردة بالقوة في العالم , فهي الأقوى عسكريا الأغنى اقتصاديا , المهيمنة إعلاميا , ومع التطور الهائل في وسائل القوة والمواصلات والتقنيات المختلفة كان من الطبيعي أن تتطور السياسات والمفاهيم بحكم الصيرورة الطبيعية إلى المفاهيم الإمبراطورية , ومحاولات غزو العالم الذي بدأ منذ حرب الخليج الثانية , ثم غزو أفغانستان واحتلال العراق .فالمسألة لا علاقة لها إذن بصعود نوع من القوى السياسية في أمريكا , بل إن الظروف الموضوعية هي التي أفرزت صعود تلك القوى والسماح لها بممارسة برنامجها الإمبراطوري , ولأن الولايات المتحدة الأمريكية دولة مؤسسات فإنه حتى ولو كان الرئيس غير الرئيس والإدارة غير الإدارة فإن الأمر لم يكن ليختلف كثيرا .
وهذا ردا على الذين يقولون : إن أمريكا تغيرت , أو تنكرت لمبادئ المؤسسين والقادة الكبار حين تمارس التمييز ضد العرب والمسلمين والانحياز للعدو الصهيوني على حساب القضية الفلسطينية , أو عدوانها المستمر على أكثر من دولة في العالم , والصحيح أن أمريكا هي أمريكا كما هي في حقيقتها , وهذه هي الصورة الطبيعية والمتوقعة لها في إطار تركيبها مع إدراك الظروف الموضوعية لنشأتها .
-وثيقة بوش
الوثيقة التي جاءت في 35 صفحة ومقدمة كتبها الرئيس الأمريكي " بوش الأبن 2001- 2009م " بنفسه أو بمعنى أصح وقعها باسمه , حددت العدو في أنه الإرهاب ومن يحمى أو يؤوى أو لا يقاوم الإرهاب , وهذا معناه كل العالم تقريبا , لأن الإرهاب يمكن أن يوجد حسب المفهوم الأمريكي في كل من يعارض سياسة الولايات المتحدة أو يناهض الصهيونية .
وإذا كان الإرهاب وحده لا يكفي فإن الوثيقة حددت دورا أمريكيا في نشر القيم الحضارية – الحرية وحقوق الإنسان في العالم ومناهضة الديكتاتوريات والتمييز الديني وغيرها , وهو نفس مضمون رسالة الرجل الأبيض الذي برر بها الأوروبيون استعمار آسيا وإفريقيا وتنظيم المذابح والتدمير والوحشية والنهب وتقطيع الأوصال , وهو نفس الأمر المتوقع على يد الأمريكي حامل شعلة الحرية والحرية منه براء .
فأمريكا منذ وثيقة الرئيس بوش الأبن والذي حددت بأنه غير مسموح لأي دولة في العالم أن تبلغ مبلغا معينا من القوة العسكرية أو الاقتصادية وإلا ستتعرض لتدخل الولايات المتحدة .. وايضا الوثيقة تدعو إلى المزيد من فتح الأسواق وحرية التجارة والانفتاح الثقافي , وهي كلها تعبر عن حقيقة السماح لأمريكا بأكبر قدر من النهب وتدمير البنية الثقافة للحضارات والشعوب الأخرى .
-السلام الروماني
هناك العديد من التوصيفات المختلفة التي تصف الحالة الأمريكية منذ سقوط الاتحاد السوفيتي إلى اليوم وإحدى هذه التوصيفات تقول : إن أمريكا تعيد عصر الإمبراطورية الرومانية , والتي حققت نوعا من العولمة أو السيادة المطلقة على العالم القديم لصالح وحساب الرومان فقط , وكان سكان الإمبراطورية ينقسمون إلى سادة وعبيد هم باقي السكان , ولغة التفاهم الوحيدة بين الطرفين هي الطاعة المطلقة , أو العصا الغليظة , وهو نفس الأمر فيما يخص أمريكا اليوم ,
وكذلك فإن العالم القديم كان يعيش في ظل ما يسمى بالسلام الروماني وهو ما تريد أمريكا أن تفعله , بمعني دخول الجميع في السلام الأمريكي , وهو طبعا كما كان السلام الروماني نوع من الخضوع الكامل للقوة الأمريكية ونمط الحياة الأمريكية وما تقرره أمريكا من إسقاط هذا النظام أو هذا الرئيس أو تجميد أموال تلك الهيئة ووصف حركات تحررية وشعوب مقاومة لهيمنتها بوصف الإرهاب أو غزو ذلك البلد واحتلال أرضه أو تحديد الطيب من الشرير والمشكلة أو الفارق النوعى بين الإمبراطورية الرومانية والإمبراطورية الأمريكية , أن الأخيرة تمتلك أدوات قوة عسكرية واقتصادية بكثير جدا مما تمتلكه الأولى , وهذا يعني أن الخضوع سيكون أكثر قسوة , ولكن في نفس الوقت فإن الامبراطورية الرومانية كانت تواجه شعوبا وأمما في طور التكوين ولم تكن شخصيتها الحضارية قد تبلورت بعد , وهذا سهل لها مهمة الإخضاع , وحولوا البحر المتوسط إلى بحيرة رومانية واحتلت روما بلاد الشام سنة 62 ق. م , وغزت مصر وسيطرت عليها سنة 30 ق. م .
ومع احتلال مصر ارادت الإمبراطورية الرومانية جعل البحر الأحمر بحيرة رومانية كالبحر المتوسط وانتزاعه من سيطرة اليمن عليه .من المعلوم تاريخيا أن شعوب العالم القديم دخل في السلام الروماني وخضع لروما إلا اليمن فقد قاومت الغزو الروماني وهزمت جيشها بل دفنته في رمال مأرب بما عرف بحملة الرومان بقيادة جاليوس حاكم روما في مصر بعد ان قاد تحالف مع دولة الانباط واليهود عام 24 ق . م ,
فقد اصدر الإمبراطور أغسطس أمرا لحاكم مصر الروماني " اليوس جاليوس " عام 24 ق . م , للقيام بحملة إخضاع اليمن فجند عشرة آلاف من الرومان واستعان بألف جندي من الأنباط وايضا خمسمائة من اليهود كحلف عسكري لغزو اليمن , لكن اليمنيون تصدوا للحملة الرومانية ببسالة ومقاومة وهزموها .
وعلى عكس الإمبراطورية الرومانية فإن الأمريكان يواجهون أمما وحضارات وشعوبا وثقافات مكتملة التكوين ولن يكون خضوعها سهلا , ولعل هذا بالتحديد ما يجعل الولايات المتحدة تسابق الزمن لضرب الحضارة العربية الإسلامية في القلب واحتلال قلبها بقسوة وكثافة , وكذا محاولات احتواء الصين وروسيا والهند والسيطرة على البترول للتحكم في الاقتصاد الأوروبي والياباني أي منع تلك الحضارات والقوى من الاستمرار وتقزيمها أو قتلها إن امكن حتى لو كان حلفاءها مالم يكونوا تحت مظلتها وحمايتها .
-بيت الطاعة
نحن اليوم أمام استراتيجية جديدة بل ان صح التعبير امام استراتيجية فوضى عالمية واعادة العالم إلى قانون الغاب وانهيار للمنظومة والشرعية الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة وهيئاتها المختلفة . فأمريكا تريد أرساء مبدأ إمبراطوري خطير يجعل تدخل الولايات المتحدة في أي مكان لا يحتاج إلا إلى أن تقرر الولايات المتحدة ذلك فقط لا غير , وأن الولايات المتحدة ستتصرف منفردة حتى لو عارضت ذلك الهيئات والجهات الدولية بما فيها الأمم المتحدة , بمعنى إما أن تصبح الأمم المتحدة بوقا وذيلا , وإما فلا حاجة لها , وهذا معناه أن أمريكا أعطت لنفسها الحق في تحديد الخطأ والصواب المشروع وغير المشروع , وأعطت نفسها الحق في تنفيذ ما تراه ملائما . كل هذا معناه أن العالم كله مطلوب لبيت الطاعة الأمريكي . -قيادة العالم مع انهيار الشيوعية , وانفراد أمريكا بالقوة العسكرية في العالم , طرحت أمريكا نفسها كقيادة للعالم , واعتبرت أن هذه هي فرصتها وإنه يجب أن يكون القرن الواحد والعشرين قرنا أمريكيا , وأمريكا لم تقدم نفسها كقيادة عسكرية للعالم فقط بل تريد أن تقدم نفسها كقيادة سياسية واقتصادية بل وقيمية وحضارية للعالم , فهي تريد الهيمنة على العالم في كل شيء بدءا من النفوذ العسكري ومرورا بالنفوذ الاقتصادي والسياسي وانتهاء بالنفوذ الثقافي . وأمريكا التي تريد الانفراد بالقيادة في العالم الجديد أو النظام العالمي الجديد كما تسميه واشنطن لا بد أن تستخدم سياسة " الجزرة والعصا " فهي ترسم لنفسها صورة وردية ويرسم لها المؤيدون أو التابعون أو المأجورون صورة زاهية وقيما رفيعة , فهي ذات مسؤولية عالمية ومدافعة عن الحرية والسلام , وتريد عالما بلا حروب وتريد مساعدة العالم كله على الرخاء والحرية . وتقدم قيمها السياسية " البرغماتية " كما لو كانت أفضل القيم , فالتاريخ قد انتهي وأثبت صحة اقتصاد السوق والليبرالية الرأسمالية والنزعة الفردية والصفقات التجارية والمشاريع الاستثمارية والمصالح المشتركة . ومن ناحية أخرى فإنها تلوح بالعصا الغليظة لمن لا يريد الخضوع لهذا النظام العالمي الجديد أو الهيمنة الأمريكية وتهدد بأنها سوف تضرب بقسوة كل من يتحدى جبروتها سواء كان من الأعداء أو الأصدقاء على حد سواء . يشرح الرئيس الأمريكي " ريتشارد نيكسون 1969- 1974م" في كتابه والذي نشر منذ سنوات قريبة بعنوان " انتهزوا هذه الفرصة " ملامح تلك القيادة الأمريكية مقدما لها صورة وردية : ( سيعلم الجميع أنه بدون الولايات المتحدة الأمريكية فلن يكون هناك سلام أو حرية في العالم أجمع سواء في الماضي أو في الحاضر أو في المستقبل ... يجب أن نعيد الثقة في عقيدتنا وفي مثلنا وفي قدرنا وفي أنفسنا , نحن موجودون لنصنع التاريخ , ونفتح آفاقا جديدة للمستقبل ... لقد ظل الناس على مدي قرون طويلة يحلمون بالسلام والحرية والتقدم في العالم أجمع , ولم نكن في يوم من الأيام أقرب إلى تحقيق هذه الآمال من يومنا هذا ... إن علينا حمل عبء قيادة العالم , لأننا شعب عريق ... إن الولايات المتحدة الأمريكية تستطيع أن تقوم بدور القيادة في العالم وعلى العالم أن يتبع خطانا ... ليس هناك إلا الولايات المتحدة التي تملك القوى العسكرية والسياسية والاقتصادية لتقود العالم في طريق الحرية , والأهم من ذلك أن تأثيرنا لا ينبع فقط من القوة العسكرية والاقتصادية , ولكن ينبع أيضا من الإعجاب بمبادئنا ومثلنا , ونحن البلد الوحيد في العالم الذي رفع اسمه بقوة مبادئه وليس بقوة سلاحه ) .فأمريكا تقدم نفسها للعالم إلى جانب تفوقها العسكري والاقتصادي ايضا انها تحمل قيما عظيمة , وينبغي على العالم أجمع أن يدخل في هذه القيم وأن يتخلى الجميع عن قيمهم الحضارية الذاتية , وأن يخضع وهو سعيد لقيادة أمريكا وإلا فإن من يرفض أو يعارض أو حتي يكون محايدا فإن العصا الغليظة ستناله . -الجريمة الكبرى إن الصورة الوردية التي تروجها أمريكا ويروجها مؤيدوها صورة منافقة وكاذبة وتفتقر إلى الحد الأدنى من الجدية والحقيقة , فلا هي دولة صاحبة قيم عظيمة ولا ممارسات عظيمة ولا هي دولة بهذه القوة التي يتحدثون عنها . والصورة الحقيقية لأمريكا تقول : إن أمريكا ذاتها نشأت من خلال جريمة كبرى وهي إبادة شعب " الهنود الحمر " واستلاب أرضه والعيش فيها , أباد المهاجرون الأمريكيون أكثر من مائة مليون نسمة من الهنود الحمر , فكل مهاجر أباد أربعة من الهنود الحمر وبالتالي فقد عاش على جماجم أربعة من البشر . وهؤلاء الذين أنشأوا أمريكا أو سلبوها من أهلها كانوا من حثالات المهاجرين والمغامرين والأفاقين الأوروبيين , وهؤلاء بدورهم أبادوا الهنود الحمر , ثم استقدموا الرقيق الإفريقي ليسخروه في بناء امريكا , أي أن أمريكا قامت على النهب والإبادة والتفرقة العنصرية والتي تمارسها بصورة رسمية وتشرعها قوانينها وما تزال التفرقة العنصرية موجودة ومتغلغلة في الوجدان الأمريكي وما تزال آثارها ملموسة حتي الآن في كل مكان بأمريكا , فأي عالم إذن يمكن أن نتوقعه تحت قيادة أمة نشأت على النهب والإبادة والعنصرية ؟! .إن ما يسمى اليوم بالأمة الأمريكية هي تمثل كل القيم البشعة للحضارة الغربية , تلك الحضارة التي قامت على نهب الشعوب واسترقاقها وأذاقت كل البشرية الويلات خلال فترة الاستعمار ولا تزال , وما دامت ما يسمى بالأمة الأمريكية جزءا من الحضارة الغربية فهي تمتلك كل مقوماتها الحضارية وعي العنف والقهر والنهب والعنصرية , بل إنه يمكن القول : إن أمريكا هي أسوأ التطورات في الحضارة الغربية , لأنها نشأت من حثالة البشر في تلك الحضارة الغربية , ولأنها نشأت من خلال جريمة كبرى إبادة الهنود الحمر سكان أمريكا الأصليين . -تاريخ أسود إن سجل الجرائم الأمريكية حول العالم متعددة ومتنوعة , فهو تاريخ أسود حافل بكل المذابح والمجازر والانتهاكات ولا يوجد دولة إلا واكتوت بنار جرائم واشنطن , فأمريكا التي تدعي أنها رفعت اسمها من خلال المبادي , وليس من خلال القوة هي نفسها التي قامت بالعديد من الجرائم الكبيرة اولاها إبادة شعب أمريكا الأصلي الهنود الحمر واسترقاق السود وتسخيرهم في بناء امريكا . وفيما يخص جرائمها ضد العرب و المسلمين اهمها : دعم قيام الكيان الصهيوني والاعتراف به عام 1948م , وفرضه كعضو على الأمم المتحدة عام 1949م , ثم تقديم عشرات المليارات إليه لدعمه فضلا عن السلاح والمعلومات الاستخبارية وغيرها حتي اليوم , التدخل العسكري في لبنان 1983م , ضرب ليبيا 1986م , اختطاف الطائرة المصرية إبان حادثة السفينة " أكيلي لاورو " عام 1986م , إسقاط طائرة الركاب الإيرانية المدنية فوق مياه الخليج العربي 1988م , تدمير العراق والكويت 1991م , التدخل في الصومال 1993م , ضرب السودان وأفغانستان 1988م , احتلال أفغانستان 2001م , احتلال العراق 2003م , محاولة تصفية القضية الفلسطينية من خلال صفقة القرن 2017م , أو مقترح ترامب اليوم ترحيل سكان غزة 2025م , وشراء أراض غزة مخالفا بذلك كل القوانين والمواثيق الدولية مما لاقي استهجان عالمي . وجعل العالم بأسره يدرك حقيقة وتاريخ أمريكا وانها قامت على الإبادة والعنصرية . -سقوط أمريكا إذا كانت الصورة الوردية التي ترسمها أمريكا لنفسها أو يرسمها لها مؤيدوها صورة كاذبة ومنافقة وغير حقيقية , فإن الصورة الأخرى التي تكمل بها أمريكا ومؤيدوها حصارها حول العالم وهي صورة أمريكا القوية القادرة التي لا تستطيع قوة أخرى تحديها هي أيضا صورة مبالغ فيها لإيقاع الرعب في نفوس الآخرين , وأن الصورة الحقيقية لأمريكا ليست بهذه القوة ولا بهذه القدرة ويمكن بالصمود والمقاومة والمواجهة أو بعوامل الضعف الداخلية الأمريكية أن تسقط هذه القوة بأسرع مما نتصور . وفي هذا الصدد يقول " محمد حسنين هيكل " في كتابه " الإمبراطورية الأمريكية والإغارة على العراق " : ( الواقع أن الإمبراطوريات الكبرى في التاريخ لا يهزمها خصومها في صراعات مباشرة إلى النهاية , وإنما تتولى هي هزيمة نفسها بالإفراط في استعمال القوة وفي الغرور , إذ يعجز عن مسايرة التطور ويتصور قجرته غالبة إلى الأبد ) .