التحول الإقليمي الذي أطلقه طوفان الأقصى
تاريخ النشر: 11th, December 2024 GMT
أنقرة (زمان التركية) – لم تكن عملية طوفان الأقصى التي شنتها جماعات المقاومة في غزة ضد إسرائيل في 7 أكتوبر/ تشرين الأول عام 2023، نقطة تحول في السياق الفلسطيني فحسب؛ بل هي أيضًا نقطة تحول تكشف عن هشاشة الأنظمة الاستبدادية في الشرق الأوسط وتغير جذريًا التوازنات الإقليمية.
بعبارة أخرى، فإن عملية المقاومة التي بدأت من فلسطين في 7 أكتوبر/ تشرين الأول أطلقت تحولا إقليميا، وأدت هذه العملية إلى تسريع انهيار نظام الأسد في سوريا وبدء عهد جديد في سوريا مع انتهاء عقود من الحكم الاستبدادي.
وكان تحقيق عناصر المعارضة المسلحة انتصارًا عسكريًا ضد نظام الأسد في أقل من 11 يومًا أمرا غير ميزان القوى.
سبب انهيار نظام الأسدتمكن نظام بشار الأسد من الاستمرار بمساعدة المؤيدين الدوليين في الحرب الأهلية التي بدأت في عام 2011 باحتجاجات سلمية، ولكن سرعان ما تحولت إلى نزاع مسلح. على وجه الخصوص، ضمن تورط روسيا في المجال السوري اعتبارًا من سبتمبر/ أيلول عام 2015 بقاء النظام واستمراره.
وبدعم من حزب الله والميليشيات الشيعية المدعومة من إيران، تمكن النظام من الحفاظ على قوته في دمشق، لكن تضاؤل نفوذ روسيا وإيران، وهما حليفتان للنظام في السنوات الأخيرة، أضعف قوة النظام بشكل كبير.
تحويل محور روسيا وإيران وحزب الله، الذي دعم النظام، أولوياته من سوريا إلى نقاط أخرى وفقدان القدرات التي عانى منها، عجل بعملية سقوط النظام وانتصار المعارضين والشعب السوري.
لوحظ لأول مرة أن نفوذ روسيا في سوريا انخفض بشكل كبير، إذ كان على روسيا، التي ركزت على حرب أوكرانيا، أن تحد من دعمها العسكري واللوجستي في سوريا إلى حد كبير. وهذا الوضع أدى إلى فقدان نظام الأسد السيطرة في الميدان.
وعلى الرغم من أن روسيا نفذت غارات جوية مرارًا وتكرارًا لوقف تقدم المعارضين في الفترة من 27 نوفمبر / تشرين الثاني إلى 8 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، لكنها لم تتمكن من إيقاف هذا التقدم.
لذلك، فإن انخفاض الدعم الجوي الروسي للنظام في المنطقة السورية مقارنة بعام 2015 والانتفاضة المسلحة للعشائر المحلية والعناصر المختلفة ضد النظام سهلت تقدم المعارضين.
إيران وحزب الله، اللذين يدعمان النظام، قد فقدا أيضا الأرض في المجال السوري وضعفت مجالات نفوذهما، فإيران خفضت مواردها لسوريا أثناء تصديها للأزمة الاقتصادية، وفقدان النفوذ الإقليمي.
وأدى مناخ الصراع المستمر مع إسرائيل، الذي خسرته إيران إلى حد كبير، إلى الإضرار بسياسات طهران التوسعية.
وبالمثل، كان على حزب الله، الذي فقد عناصره بهجوم أجهزة الاستدعاء وقيادته بهجوم الضاحية، البقاء على قيد الحياة ضد إسرائيل بدلاً من إبقاء النظام على قيد الحياة.
لذلك، فإن الخسائر الفادحة لإيران وحزب الله وهجمات إسرائيل على الميليشيات المدعومة من إيران قد كسرت قوة النظام، كما أدى تضاؤل نفوذ إيران في سوريا إلى عزلة النظام وفقدان التنسيق على الأرض.
من ناحية أخرى، من المعروف أن إبقاء النظام على قيد الحياة يشكل عبئًا خطيرًا على كل من روسيا والميليشيات التابعة لإيران وإيران اقتصاديًا، فلم تستطع روسيا تحمل تكلفة إضافية من خلال دعم النظام أثناء تعرضها للعقوبات الغربية بسبب احتلال أوكرانيا المتواصل منذ ثلاث سنوات و تحول إلى مستنقع لها.
ودفع حديث ترامب عن إنهائه الحروب فور توليه السلطة في يناير/ كانون الثاني روسيا إلى التركيز على إنجازاتها في أوكرانيا.
على الجانب الآخر، أصبحت تكلفة إبقاء النظام على قيد الحياة بالنسبة لإيران لا تطاق. بالإضافة إلى الخسائر التي تسبب بها حزب الله، لم يعد إبقاء نظام الأسد في السلطة أولوية لنظام طهران، الذي فشل في “محاربة” إسرائيل.
وبنحو مشابه، أدى استنزاف الموارد الاقتصادية للنظام إلى انخفاض خطير في معنويات الجيش وقدرته الحربية. خصوصا أن عدم القدرة على دفع الرواتب العامة وزيادة التضخم تسبب في فقدان النظام للدعم العام.
لذلك، لم يعد الحفاظ على النظام بالنسبة محور روسيا وإيران، اللتين أخرتا سقوط النظام، خيارًا عقلانيًا.
التقدم الاستراتيجي للمعارضةفي سوريا، التي أصبحت منطقة نزاع 1متجمدة، كان من المعروف أن روسيا وإيران خرقتا وقف إطلاق النار مراراً وتكراراً، واستمرت النزاعات المحلية، وأرادت المعارضة تنظيم عمليات عسكرية رداً على هذه النزاعات. وقد أخرت تركيا هذه العملية لأنها أعطت الأولوية لعملية المشاركة الدبلوماسية بين أنقرة ودمشق، لكن وصلت العملية إلى طريق مسدود لأن النظام وإيران لم يفضلا الوجود السياسي والقانوني لتركيا على الطاولة خلال الانتقال السياسي.
امتدت عمليات التحرير للمعارضين، الذين كانوا يستعدون منذ فترة، والتي بدأت بحلب بعد رفع الحصار التركي، إلى دمشق وأسفرت عن سقوط النظام.
برز وفد هيئة تحرير الشام والجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا كفاعلين رئيسيين في المقاومة ضد النظام. وأدت العمليات واسعة النطاق، خاصة بعد حلب، إلى فقدان النظام السيطرة في المدن الحرج، حيث استولت جماعات المعارضة، بما في ذلك هيئة تحرير الشام، على مدن مهمة مثل حلب وحماة وحمص وقطعت الخطوط اللوجستية للنظام.
وأضعف هذا التقدم بشدة قدرة النظام على إعادة الإمداد والدفاع. وقد ساعدتها الهياكل المنظمة التي أنشأتها هيئة تحرير الشام في الحكومات المحلية على كسب دعم الجمهور وزيادة فعاليتها في هذا المجال.
دور تركيا الحاسم في إسقاط الأسدلعبت تركيا دورًا نشطًا في عملية التحول في سوريا، سواء على أرض الواقع أو على الساحة الدبلوماسية. ودعم الرئيس التركي،رجب طيب أردوغان، للمعارضين المناهضين للنظام، وخاصة الجيش الوطني السوري، دورًا حاسمًا في تحرير سوريا.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الهجمات الإسرائيلية في دمشق، والتي استغلت العملية الانتقالية في سوريا، وموقف الرئيس أردوغان القاسي ضد الوجود المحتل على مرتفعات الجولان، ودعمه للشعبين السوري والفلسطيني والمقاومة، زادت من نفوذ تركيا في المنطقة.
وبهذا تولت تركيا دورًا قياديًا عسكريًا ودبلوماسيًا على المستوى الإقليمي.
دعمت المناطق الآمنة التي أنشأتها تركيا في شمال سوريا تقدم المعارضين وأضعفت قوة النظام. ولعب الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا دورًا رئيسيًا في العمليات ضد النظام وحقق نجاحات كبيرة في هذا المجال.
على الصعيد الآخر، بعد سقوط نظام الأسد، عمقت الإدارة السورية الجديدة تعاونها مع تركيا وفتحت مجالها الجوي أمام تركيا.
وقد عزز هذا التطور موقع تركيا الاستراتيجي في المنطقة من خلال جعلها جارة مباشرة لإسرائيل.
ومن أجل إنهاء إرهاب حزب العمال الكردستاني/حزب الاتحاد الديمقراطي، فإن تطهير المعارضة لتل رفعت ومنبج من الإرهاب والتحول إلى مناطق مثل القامشلي – الحسكة يساهم أيضًا في الأمن القومي لتركيا.
مستقبل سوريا الجديدةالنظام الجديد، الذي سيتم إنشاؤه تحت قيادة تركيا، لن يضمن السلام الداخلي لسوريا فحسب، بل لديه أيضًا القدرة على زيادة الأمن والتعاون الإقليميين. ويمكن لسوريا الخالية من إرهاب حزب العمال الكردستاني/حزب الاتحاد الديمقراطي ونظام الأسد القمعي أن تساهم بشكل مباشر في الاستقرار الإقليمي.
وعلى الرغم من وجود عقبة إسرائيلية أمام هذا السيناريو، فإن تطوير تركيا للعلاقات العسكرية مع الإدارة السورية الجديدة لديه القدرة على ردع إسرائيل المحتلة.
ويمكن للمعارضة السورية، التي حققت مكاسب عسكرية، تحويل المكاسب في الميدان إلى نجاح دبلوماسي من خلال اتباع سياسة بناءة ومؤسسية في عملية التحول.
ويمكن لمشاريع إعادة الإعمار متعددة الأبعاد التي سيتم تنفيذها بدعم من تركيا أن تلعب دورًا حاسمًا في ضمان الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في سوريا.
تحرير دمشق يجلب معه إمكانية عرقلة سياسات إسرائيل التوسعية وتعزيز المقاومة الفلسطينية، فسوريا أنشأت محورًا إقليميًا للمقاومة مستوحى من المقاومة الفلسطينية. يتكون هذا المحور من جهات فاعلة مستقلة عن المحور الإيراني الروسي والمحور الغربي الذي يتخذ من الولايات المتحدة مقراً له، متوافقة مع مطالب الشعوب ولديها موقف أكثر نشاطاً تجاه سياسات الاحتلال الإسرائيلي. وقد يزيد هذا الوضع من هشاشة الأنظمة الاستبدادية في الشرق الأوسط. لذلك، يمكن اعتبار انهيار نظام الأسد في سوريا ليس فقط تغييراً للنظام، ولكن أيضاً حركة تحول إقليمية.
وأصبحت سوريا الجديدة، التي ستتشكل تحت قيادة تركيا، رمزا لنضال الشعوب من أجل الحرية والتضامن. يمكن لهذه العملية أن تمهد الطريق لإقامة نظام جديد قائم على العدالة والحرية في الشرق الأوسط عبر نضال يتم تنفيذه بصبر وتصميم.
Tags: التطورات في سورياالشرق الأوسطسقوط نظام الأسدطوفان الاقصىمحور المقاومة
المصدر: جريدة زمان التركية
كلمات دلالية: التطورات في سوريا الشرق الأوسط سقوط نظام الأسد طوفان الاقصى محور المقاومة على قید الحیاة نظام الأسد فی روسیا وإیران النظام على فی سوریا حزب الله
إقرأ أيضاً:
ماذا قالت روسيا عن قادة سوريا الجدد باجتماع مغلق لمجلس الأمن؟
كشف مصدران مطلعان لرويترز أن روسيا انتقدت بشدة حُكّام سوريا الجدد في اجتماع مغلق للأمم المتحدة هذا الأسبوع، وحذرت من صعود "الجهاديين" هناك، وقارنت بين ما شهده الساحل السوري من أحداث عنف قبل أيام والإبادة الجماعية في رواندا.
وتأتي انتقادات موسكو لحكام سوريا الجدد في الاجتماع المغلق لمجلس الأمن على الرغم من الجهود التي تبذلها للاحتفاظ بقاعدتين عسكريتين رئيسيتين على الساحل السوري، وهي المنطقة نفسها التي شهدت اشتباكات الأسبوع الماضي بين فلول النظام المخلوع من جهة والأمن والجيش السوريين، راح ضحيتها العشرات من الطرفين إضافة إلى مدنيين.
واندلعت أعمال العنف في السادس من مارس/آذار الجاري، إثر هجوم على قوات الأمن الحكومية الجديدة، وتبنّت المسؤولية عنه شخصيات عسكرية سابقة موالية للرئيس المخلوع بشار الأسد.
وأدى هذا الهجوم إلى حملة عسكرية قادتها القوات الحكومية ووُجهت فيها اتهامات بقتل عدد من الأشخاص من الطائفة العلوية، التي ينتمي إليها بشار الأسد على يد جماعات تُتهم بالارتباط بالحكومة الجديدة.
ودعا الكرملين، الذي دعم الأسد لسنوات قبل الإطاحة به وفراره إلى روسيا في ديسمبر/كانون الأول الماضي يوم الثلاثاء، إلى بقاء سوريا موحدة، مشيرا إلى أنه على اتصال بدول أخرى بشأن الأمر.
إعلانلكن تعليقاته في الإحاطة المغلقة لمجلس الأمن الدولي يوم الاثنين، والتي دعا إليها بالاشتراك مع الولايات المتحدة، كانت أكثر حدة مما يسلط الضوء على إستراتيجية موسكو، في حين تسعى لإعادة تأكيد نفوذها على مسار سوريا، ولم تُنشر هذه التعليقات سابقا.
وقال مصدران مطلعان على الاجتماع إن المندوب الدائم لروسيا لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا قارن بين أعمال "القتل الطائفي" في الساحل السوري والإبادة الجماعية برواندا عام 1994 عندما تعرض التوتسي والهوتو المعتدلون لمذابح منهجية على يد المتطرفين الهوتو بقيادة الجيش الرواندي ومليشيا تُعرَف باسم إنتراهاموي.
ونقل المصدران عن نيبينزيا قوله أمام الحاضرين أيضا إن "أحدا" لم يوقف القتل في سوريا.
وعندما سُئل عما إذا كان يشبه العنف في سوريا بالإبادة الجماعية في رواندا، قال نيبينزيا لرويترز "أقول ما أريد في المشاورات المغلقة، بناء على فرضية أنها مشاورات مغلقة ولا يخرج منها شيء".
وقالت آنا بورشفسكايا، الخبيرة في الشؤون الروسية بمعهد واشنطن، إن موسكو تتخذ احتياطاتها، وذلك عند سؤالها عن سبب توجيه روسيا انتقادات أشد حدة في تصريحاتها بالأحاديث الخاصة مقارنة بالتصريحات العلنية.
وأضافت "يريدون استعادة نفوذهم في سوريا ويبحثون عن طريقة للنفاذ، إذا بدأوا بانتقاد الحكومة علنا، فلن يعود هذا عليهم بأي جدوى".
وتابعت "تريد روسيا أيضا أن يُنظر إليها على أنها قوة عظمى، مساوية للولايات المتحدة، وتسعى إلى حل الأزمات بالتعاون مع الولايات المتحدة، وبالتالي فإن العمل بشكل خاص مع الولايات المتحدة في هذه المسألة يمنحها مزايا إضافية".
وأسست موسكو قواعد عسكرية في سوريا خلال السنوات الماضية، من ضمنها قاعدتا حميميم الجوية وطرطوس البحرية اللتان تعدان ركيزتين أساسيتين للوجود العسكري الروسي في منطقة البحر الأبيض المتوسط وأفريقيا.
إعلانومنذ سقوط الأسد أعلنت روسيا أنها تواصل محادثاتها مع السلطات السورية بشأن موضوعات عدة، بينها مصير قاعدتين عسكريتين لموسكو في البلاد.