الجزيرة:
2025-01-11@07:46:19 GMT

أمران مهمان يشغلان بال إسرائيل في سوريا

تاريخ النشر: 11th, December 2024 GMT

أمران مهمان يشغلان بال إسرائيل في سوريا

منذ اندلاع الثورة السوريَّة عام 2011، في إطار ما يعرف بثورات الربيع العربي، وجدت إسرائيل في حالة الفوضى الداخلية فرصة لتقليص نفوذ دمشق الإقليمي. استفادت في ذلك من ضعف الدولة السورية وانشغالها بأزماتها. ومع هذا، فإنها تظلّ قلقة من التهديدات الأمنية التي قد تنشأ على حدودها الشمالية، خاصة فيما يتعلق بالنفوذ الإيرانيّ، ونقل الأسلحة إلى حزب الله والجماعات المسلحة الأخرى التي قد تستغل الفراغ الأمني.

في ظل هذه التحديات، يبرز سؤال محوري: كيف يمكن لسوريا الخروج من دائرة الانشغال الذاتي المستمر؟ وكيف تستطيع القيادة السورية الجديدة تبني سياسات عقلانية تعزز السيادة الوطنية، وتدعم الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتلعب دورًا محوريًا في القضايا العربية الكبرى، وعلى رأسها القضية الفلسطينية؟

يناقش المقال الأسئلة التالية:

كيف تتعامل إسرائيل مع سوريا لضمان استمرار ضعفها وانشغالها بنفسها؟ كيف تنظر إسرائيل إلى التهديدات الأمنية من الأراضي السورية، خاصة تلك المرتبطة بإيران وحزب الله، أو المجموعات التي قد تنشأ نتيجة للتطورات الحاصلة؟ وأخيرًا، كيف يجب على القيادة السورية الجديدة التعامل مع هذه التحديات؟ وهل يمكن بناء دولة ديمقراطية مؤسسية تنظر إلى هذه القضايا من منظور منطقي وعلمي يخدم مصلحة الشعب السوري؟

إعلان

الإجابات عن هذه الأسئلة ستستعرض السياسات الإسرائيلية الحالية تجاه سوريا، مع تقديم رؤية لما ينبغي أن تكون عليه الإستراتيجية السورية المستقبلية.

أولًا: إبقاء سوريا منشغلة بنفسها

تنظر إسرائيل إلى سوريا كتهديد أمني مستمر حتى في ظل انشغالها بمشكلاتها الداخلية. هذا التصور دفعها إلى تبني إستراتيجية مدروسة تهدف إلى ضمان بقاء سوريا ضعيفة وغير قادرة على استعادة دورها الإقليمي. تعتمد هذه الإستراتيجية على استغلال الأزمات الداخلية السورية، وتعزيز حالة الانشغال، إضافة إلى التدخلات المباشرة عند الحاجة، واستخدام الضغط الدولي والعزلة الإقليمية؛ لضمان إضعاف سوريا على المدى الطويل.

بالنسبة لإسرائيل، استمرار الأزمات الداخلية في سوريا أداة فعالة لإضعاف الدولة السورية وإفقادها قدرتها على التأثير، خاصة في القضايا الكبرى. مواجهة النـظام السوري عسكريًا للثورة الشعبية، التي اندلعت عام 2011، دمرت البنية التحتية للدولة، وأضعفت مؤسساتها، وجعلتها غير قادرة على لعب أي دور محوري في القضايا الإقليمية. هذه الأوضاع جعلت سوريا أكثر انشغالًا بمشكلاتها الداخلية، وهو ما يخدم المصالح الإسرائيلية التي تستفيد من ضعف قدرة سوريا على التأثير في المشهد السياسي أو العسكري الإقليمي.

لكن إسرائيل لا تعتمد فقط على مراقبة هذا الانشغال الطبيعي، بل تتدخل بشكل مباشر لضمان استمراره. الغارات الجوية الإسرائيلية تُعد واحدة من أبرز أدواتها لتحقيق هذا الهدف، حيث تستهدف مواقع عسكرية تابعة للنظام السوري أو للقوى الإيرانية وحزب الله.

على سبيل المثال، خلال عام 2024، نفذ سلاح الجو الإسرائيلي غارات على مواقع إستراتيجية في دمشق وحلب، يُعتقد أنها مراكز لتخزين الأسلحة الإيرانية ومراكز لوجيستية. الهدف الرئيس من هذه العمليات هو منع إعادة بناء القدرات العسكرية السورية أو تعزيز النفوذ الإيراني في المنطقة.

إعلان

تستغل إسرائيل أيضًا الوضع الداخلي المتدهور في سوريا لإبقائها في حالة من الانقسام والضعف. كما قلنا، فالمواجهة المسلحة بين الحكومة وقوات المعارضة أثرت بشكل كبير على البنية التحتية والمؤسسات الوطنية، وجعلت سوريا عاجزة على تمويل مشاريع إعادة الإعمار أو تحسين أوضاعها الداخلية.

تفكك الدولة وفقدان السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي أسهما في جعل النظام السوري أكثر هشاشة. هذا الوضع وفر لإسرائيل فرصة لتعزيز حالة الانقسام والضعف.

دعمت إسرائيل كذلك الثورات المضادة في المنطقة كجزء من إستراتيجيتها لضمان بقاء الأنظمة غير الديمقراطية منشغلة بمشكلاتها الداخلية. بالنسبة لها، وجود أنظمة ضعيفة وغير مستقرة يعزز فرصها لتقليص النفوذ السوري الإقليمي ويحول دون أي تهديد إستراتيجي مباشر.

وعلى الصعيد الإقليمي، استغلت إسرائيل حالة الفوضى لتعزيز علاقاتها مع بعض الدول العربية من خلال اتفاقيات التطبيع. هذه العلاقات ساعدت على زيادة عزلة النظام السوري سياسيًا وإقليميًا. بالإضافة إلى ذلك، دفعت إسرائيل نحو تعزيز العقوبات الدولية المفروضة على النظام السوري، مما زاد من صعوبة أي محاولات لإعادة الإعمار أو تحسين الوضع الاقتصادي.

الهدف الإستراتيجي لإسرائيل من كل هذه السياسات مزدوج. فمن جهة، تسعى إلى إبقاء سوريا غارقة في أزماتها الداخلية وغير قادرة على استعادة قوتها، ومن جهة أخرى، تعمل على منع تحولها إلى مصدر تهديد أمني جديد. هذه الإستراتيجية ليست عشوائية، بل تقوم على أدوات مدروسة تشمل التدخلات العسكرية، الضغط السياسي، والعزلة الدولية، بهدف ضمان تفوق إسرائيل الإستراتيجي وإضعاف أي محاولات سورية لاستعادة دورها الإقليمي.

إجمالًا، تُظهر هذه السياسات رغبة إسرائيلية واضحة في إبقاء سوريا ضعيفة وغير قادرة على التأثير في المعادلات الإقليمية. إسرائيل لا تستهدف فقط النظام السوري كخصم سياسي، بل تسعى إلى تقويض الدور الإقليمي لسوريا بشكل شامل، مما يفقدها ميزتها الإستراتيجية على المدى الطويل.

إعلان

ثانيًا: القلق من التهديدات الأمنية

القلق الإسرائيلي من التهديدات الأمنية في سوريا ليس وليد اللحظة، بل يمثل امتدادًا لحقبة طويلة من التوترات الإقليمية. منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، وجدت إيران في سوريا فرصة لتعزيز نفوذها الإقليمي، مستغلة حالة الفوضى لتأسيس وجود عسكري قوي عبر مليشياتها، مثل: "فيلق القدس" و"حزب الله". بالنسبة لإسرائيل، شكل هذا التواجد الإيراني تهديدًا مباشرًا، حيث تحولت الأراضي السورية إلى جسر لنقل الأسلحة المتطورة إلى "حزب الله"، الذي يمتلك ترسانة صاروخية قادرة على استهداف العمق الإسرائيلي.

في مواجهة هذا الخطر، اعتمدت إسرائيل إستراتيجية الضربات الوقائية المكثفة، منفذة مئات الغارات الجوية على أهداف إيرانية وأخرى تابعة لـ"حزب الله" داخل سوريا، حيث استهدفت مستودعات أسلحة ومراكز قيادة وقوافل تنقل أسلحة متطورة.

ورغم هذه الجهود، يظل القلق الإسرائيلي قائمًا، حيث ترى أن الهدف الإيراني يتجاوز مجرد تقديم الدعم التكتيكي لـ"حزب الله"، ليشمل ترسيخ وجود إستراتيجي طويل الأمد في سوريا يمكن أن يشكل جبهة تهديد جديدة على حدودها الشمالية.

ومع ذلك، فإن المخاطر التي تثير قلق إسرائيل لا تقتصر على التواجد الإيراني فقط.

فبسقوط النظام السوري وانسحاب إيران ومليشياتها، فإن الفراغ الأمني الناتج عن ذلك يفتح الباب لتهديدات جديدة، أبرزها الجماعات المسلحة. تفكك الدولة السورية وضعف سلطتها المركزية من شأنه أن يخلق بيئة خصبة لنشاط جماعات محلية وعابرة للحدود قد تستغل هذا الفراغ. وقد تُستخدم الأراضي السورية كقاعدة لشن هجمات على حدود إسرائيل، خاصة في الجولان المحتل.

علاوة على ذلك، فإن ترسانة الأسلحة المتبقية في سوريا بعد سقوط النظام تمثل تهديدًا إضافيًا بما تقدمه من فائض تسليح للجماعات المسلحة. حتى مع غياب إيران المباشر، يظل خطر تهريب الأسلحة إلى "حزب الله" أو جهات أخرى قائمًا، مما يعزز من القلق الإسرائيلي بشأن أمنها القومي.

إعلان

إسرائيل تدرك أيضًا أن سقوط النظام السوري لا يعني بالضرورة نهاية النفوذ الإيراني. فقد تتبنى إيران إستراتيجيات غير مباشرة، مثل دعم وكلاء محليين أو تأمين طرق تهريب بديلة، لضمان استمرار تأثيرها في المنطقة. هذا السيناريو يجعل التحديات الأمنية لإسرائيل أكثر تعقيدًا، حيث تصبح المواجهة مع شبكة غير مركزية من التهديدات أكثر صعوبة من التعامل مع خصم مركزي واضح.

هذه السياسات تمثل جزءًا من رؤية إسرائيل للحفاظ على تفوقها الأمني في منطقة مليئة بالتغيرات والمخاطر المحتملة، مع إدراكها أن الخطر قد يتغير في طبيعته، لكنه يظل قائمًا في ظل غياب الاستقرار الإقليمي.

ثالثًا: كيف تواجه القيادة السورية الجديدة ذلك؟

تواجه القيادة السورية الجديدة مجموعة من التحديات المصيرية التي تتطلب رؤية إستراتيجية شاملة لتحقيق الاستقرار الداخلي وتعزيز الدور الإقليمي. في ظل الطموحات الإسرائيلية التي تركز على تعزيز نفوذها الإقليمي، وتكريس احتلالها للأراضي الفلسطينية والجولان السوري المحتل، يصبح التصدي لهذه التحديات أمرًا ملحًا.

لذا، يجب على القيادة السورية الجديدة تبني خطوات عملية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني من خلال تعزيز المصالحة الوطنية وتوحيد الصف العربي لمواجهة الانتهاكات الإسرائيلية. كما يتعين تفعيل الدبلوماسية السورية لتسليط الضوء على قضايا الاحتلال وبناء تحالفات دولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني، بالإضافة إلى تعزيز المنظومة الدفاعية لمواجهة التهديدات الإسرائيلية.

إلى جانب ذلك، فإن إعادة بناء الدولة لتحقيق الاستقرار الداخلي تتطلب تحولًا جوهريًا في هيكلية الدولة. يتمثل ذلك في تعزيز الديمقراطية واحترام التعددية السياسية من خلال بناء نظام قضائي مستقل يضمن سيادة القانون، ومكافحة الفساد عبر تحقيق الحوكمة الرشيدة وتعزيز الشفافية في إدارة الموارد الوطنية بما يحقق عدالة التوزيع. علاوة على ذلك، يجب الاستثمار في البنية التحتية وإعادة الإعمار لتوليد فرص عمل وتعزيز الإنتاج المحلي، وتطوير الموانئ السورية كمراكز تجارية إقليمية تدعم الاقتصاد الوطني.

إعلان

لا يمكن تجاهل أهمية تعزيز العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان، والتي تشكل جوهر أي رؤية مستقبلية. لتحقيق ذلك، يجب ضمان الحريات الأساسية من خلال تعزيز حرية التعبير والمشاركة السياسية لجميع الأطياف، وتطبيق العدالة الانتقالية لمعالجة انتهاكات الماضي بآليات قانونية تحقق المصالحة الوطنية. كما ينبغي تحسين الخدمات الأساسية، مثل التعليم والصحة لتلبية احتياجات المواطنين وتعزيز الكرامة الإنسانية.

لتنجح القيادة السورية الجديدة في مواجهة هذه التحديات، يجب أن تتبنى رؤية متكاملة توازن بين إعادة بناء الدولة والتصدي للطموحات الإسرائيلية. إن تحقيق هذه الرؤية يتطلب إرادة سياسية قوية وخططًا عملية تعيد بناء الثقة بين الشعب والقيادة، وتضع سوريا على طريق استعادة دورها كمحور إستراتيجي في المنطقة. بذلك، تكون سوريا قادرة على مواجهة التحديات الإقليمية والدولية، وعلى رأسها الأطماع الإسرائيلية.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات التهدیدات الأمنیة النظام السوری غیر قادرة على هذه التحدیات من التهدیدات فی المنطقة فی سوریا حزب الله من خلال

إقرأ أيضاً:

هل يمكن أن تلتقي إيران مع إسرائيل ضد تركيا في سوريا؟

عندما أطاح الثوّار في سوريا بنظام الأسد، نسفوا بذلك هيكلاً عمل الإيرانيون على بنائه منذ ما يقارب النصف قرن، وأتاح لهم إختراق العالم العربي وبث الطائفية والفرقة والخلاف والاقتتال والدمار في المنطقة، حيث تحوّلت سوريا الى منصّة إنطلاق لمشروعهم التوسّعي تحت شعار مقاومة إسرائيل وإخراج الأمريكيين من المنطقة.

وعليه، ليس هناك مبالغة في القول إنّ إيران كانت أكبر الخاسرين في سوريا بعد أن كانت سياساتها قد ادّت الى تدمير البلاد بشكل كامل، وقتل قرابة مليون سوري، وتشريد أكثر من نصف سكّان البلاد، حوالي 12 مليون في كل أنحاء الأرض. لكن، وبدلاً من أن يعترفوا بالهزيمة، ويعيدوا التفكير في سياساتهم، ويتصالحوا مع الشعب السوري، ويعتذروا عن مجازرهم ويعوّضوا السوريين، بدؤوا بالبحث سريعاً عن طرق لتخريب المرحلة الانتقالية في سوريا ودفعها الى مزيد من الخراب.

المشكلة أنّهم لم يخفوا ذلك كما ناقشتُ في المقال السابق في عربي 21، لكن الجديد انّهم يريدون أن يكون التخريب مشتركاً بالتعاون مع الولايات المتّحدة ومع إسرائيل بالتعبيّة كي يعيد ترميم العلاقة ويحمي نظامهم بعد أن إنهارت استراتيجية الدفاع المتقدّم التي كانوا يتّبعونها. ويقترح الإيرانيون حالياً أن يتم دعم الأقليات في سوريا مع تحديد المكّون الكردي المسلّح كهدف لأنّه يرتبط بكل من أمريكا وإسرائيل وباستطاعة مثل هذا الدعم للميليشيات الكردية الإرهابية أن يؤمّن كذلك أجندة مشتركة لإيران مع الولايات المتّحدة ضد تركيا.

إنّ إيران كانت أكبر الخاسرين في سوريا بعد أن كانت سياساتها قد ادّت الى تدمير البلاد بشكل كامل، وقتل قرابة مليون سوري، وتشريد أكثر من نصف سكّان البلاد، حوالي 12 مليون في كل أنحاء الأرض.ولكن وكما هو معلوم، فقد شدّد ترامب خلال دورته السابقة على ضرورة إنسحاب القوات الامريكية من سوريا، وهو يرى أنّ دعم هذه الميليشيات الكردية الانفصالية أمر غير صائب وغير مجدي ويقوّض المصالح المشتركة مع دولة قوية في المنطقة كتركيا. ولأنّ التوقعات تشير الى انّ ترامب لا يزال متمسكاً بموقفه وأنّه سيسير في هذا الإتجاه ما أن يستلم السلطة في هذه الدورة، عملت ميليشيات "واي بي جي" الكردية حثيثاً للبحث عن كفيل آخر، وقد تقاطع ذلك مع جهود إسرائيل وإيران لتقويض موقع ودور تركيا.

 ولذلك، فقد تواصلت إسرائيل مع المليشيات الكردية منذ العام 2019 على الأقل وذلك وفقاً لتصريح نائب وزير الخارجية الإسرائيلية آنذاك تزيبي هاتوفلي متزامنة مع تعهد من قبل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بدعم الميليشيات الكردية في وجه ما اسماه الغزو التركي. وبخصوص إيران، كشف وزير الدفاع التركي يشار جولّير في مقابلة مع صحيفة ملييت التركية في مايو 2024، عن أنّ بلاده كانت تزود إيران بأماكن تواجد عناصر حزب العمّال الكردستاني عند تنفيذهم عمليات في تركيا وعبورهم الى الجانب الإيراني وذلك من أجل إستهدافهم، لكنّ طهران كانت تمتنع عن الإستهداف متذرّعة بأنّه لا يوجد مقاتلين على أراضيها في الأماكن التي تم تحديدها، الى أن فاجأهم الجانب التركي بصور جوّية لاحقاً تثبت بطلان الإدعاءات الإيرانية.

بعد الإطاحة بنظام الأسد في شهر ديسمبر من العام الماضي، تسارعت وتيرة التصريحات الإسرائيلية الداعمة للميليشيات الكردية والمهاجمة لتركيا، وكان ذلك مؤشراً على أن الجانب الإسرائيلي سيتولى مهمة دعم الميليشيات الكردية في حال إنسحاب القوات الأمريكية، حتى أنّ اللوبي الإسرائيلي مارس نفوذه مؤخراً مما دفع اعضاءاً من الكونجرس باعداد مشروع قانون ينصل على سلسلة من العقوبات التي يمكن فرضها على تركيا في حال فكّرت في اغتنام الفرصة ومهاجمة الميليشيات الكردية.

وبموازاة ذلك، خرج مهدي خان علي زاده، وهو مسؤول إيراني يشغل منصب مدير موقع قناة "برس تي في" الحكومية ووسائل التواصل الاجتماعي التابعة له، والمستشار الأول للرئيس التنفيذي للقناة، ليقول أنّه "يجب على إيران أن تتعاون مع الولايات المتحدة في سوريا، تمامًا كما فعلت من قبل في العراق، وذلك من خلال دعم وحدات حماية الشعب الكردية ]ميليشيات "واي بي جي" الإرهابية[". سأله المذيع عندها: "ضدّ من؟"، فأجاب مهدي: "ضد تركيا".

مثل هذا المقترح هدفه اضاعف سوريا الجديدة ما بعد الأسد من خلال توظيف واستخدام ودعم الأقليات وتقويض دور ونفوذ تركيا الإقليمي. المسؤول الإيراني ليس لديه حرج في أن يقول ذلك بشكل علني، فبعد أن كانوا ولا يزالوا يدعمون الطائفية والمذهبية والعنصرية علناً من خلال بعض الأقليات المذهبية، يفعلون نفس الشيء الآن باستخدام الأقليات العرقيّة.

المقطع التلفزيوني الخاص بمهدي تمّ تداوله على نطاق واسع في وسائل التواصل الاجتماعي العربية والتركية على وجه الخصوص ما دفع الإعلامي الإيراني علي علي زادة الى القول في تغريدة له أنّ هذا التصريح أعطى خصوم إيران دليلا إضافيا  لاتهام إيران وقائدها بالنفاق، ودليلا إضافيا على أنّ إيران تتعاون مع أمريكا لضرب الحكومات الإقليمية في وقت يدعو قائدها الى الوحدة الإسلامية والى إخراج أمريكا من المنطقة، مشيراً الى أنّ هكذا تصريحات تحرق مصالح إيران وتجعلها دولة مكروهة بشكل أكبر في الإقليم، ناصحاً المسؤولين الإيرانيين أن يناقشوا مثل هذه الأمور خلف الأبواب المغلقة وفي مراكز الأبحاث والدوائر الخاصة وليس على التلفزيونات.

لكن في الأول من يناير 2025، تم بث مقابلة متلفزة أخرى مع محمد حسين عادلي، وهو سياسي إيراني و دبلوماسي سابق، وخبير اقتصادي، واستاذ جامعي، قال فيها أنّه" خلال الـ20 عاماً الماضية، كان لدينا ]إيران[ خلافات مع الولايات المتّحدة الأمريكية في المنطقة، لكن كان لدينا أيضاً مصالح مشتركة مثيرة للإهتمام مع الولايات المتّحدة الأمريكية، كاسقاط نظام طالبان في أفغانستان وصدّام في العراق، الأمر الذي أفضى الى نوع من التعاون. لذلك، نحن لدينا اليوم الكثير من المصالح المشتركة مع الولايات المتّحدة في المنطقة. يضيف عادلي "خذ في عين الإعتبار أنّ العلاقة بين إيران والولايات المتّحدة الامريكية قد تمّ اخذها كرهينة من قبل عدد من اللاعبين الإقليميين والدوليين، ويجب علينا ألاّ ندع هؤلاء اللاعبين يحدّدون شكل ودرجة العلاقة التي تربط بين إيران والولايات المتّحدة الأمريكية".

بعد الإطاحة بنظام الأسد في شهر ديسمبر من العام الماضي، تسارعت وتيرة التصريحات الإسرائيلية الداعمة للميليشيات الكردية والمهاجمة لتركيا، وكان ذلك مؤشراً على أن الجانب الإسرائيلي سيتولى مهمة دعم الميليشيات الكردية في حال إنسحاب القوات الأمريكيةفي 3 يناير، قالت صحيفة "إسرائيل هيوم" العبرية، إن وزير الخارجية، جدعون ساعر، أجرى محادثة هاتفية مستفيضة مع مسؤولة العلاقات الخارجية في القوات التي تقودها ميليشيات "واي بي جي" الكردية، إلهام أحمد. وخلال محادثاتهما، إدّعت إلهام أنّ هناك اعتقالات تعسفية بحق الأكراد وإعدام لمواطنين أكراد من قبل الحكومة السورية الجديدة ، على حد زعمها. وأشارت الصحيفة، إلى أن الحوار بين إسرائيل وهذه الميليشيات موجود منذ فترة، لكنه بات أقوى بعد سقوط نظام الأسد.

وبالتوازي مع التنسيق الإسرائيلي، نشرت تقارير إعلامية في 5 يناير خبر لقاء قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني إسماعيل قآني مع المدعو مظلوم عبدي، قائد ميليشيات "واي بي جي" الكردية المنضوية تحت قسد والتي تعتبر فرعاً من حزب العمّال الكردستاني الإرهابي،  وذلك في السليمانية في العراق.

تبع ذلك تعليق متلفز لنائب وزير خارجية إسرائيل في 7 ينابر 2025، قال المسؤول الإسرائيلي فيه أنّ على المجتمع الدولي ان يجعل مطلب حماية الأقليات في سوريا على رأس المطالب أثناء لقائهم مع قادة سوريا الجدد. وبالنسبة الى الأكراد، أشار الوزير الإسرائيلي الى أنّه يجب ان نأخذ بعين الاعتبار أنّ تركيا تحتل 15% من شمال سوريا وأنّ للأتراك ميليشياتهم وهم يهاجمون الأكراد واستقلاليتهم ويقتلونهم ويقصفونهم. على المجتمع الدولي أنّ يدعو تركيا الى وقف هذا العدوان والقتل.

ما يمكن استنتاجه من كل هذا هو أنّ إيران تأخذ خيار التعاون مع واشنطن في سوريا ضد تركيا بعين الإعتبار على غرار التعاون الذي أنشأته مع واشنطن في أفغانستان والعراق، وحقيقة إيران وإسرائيل تريدان أيضاً نفس الهدف لأسباب مختلفة يعني أنّ تقاطع المصالح بينهما قائم، والاجماع على دعم ميليشيات "وا بي جي" هو بمثابة عامل ميسّر لهذا التقاطع تماماً كما كان عليه الأمر في محاربة "الإرهاب". هل ستنجحان في ذلك؟ سؤال سيبقى مفتوحاً إلى حين.

مقالات مشابهة

  • هل يمكن أن تلتقي إيران مع إسرائيل ضد تركيا في سوريا؟
  • خبير عسكري: إسرائيل تتخذ إجراءات دفاعية بسبب الفراغ الأمني السوري
  • رغم رسالة الشرع.. إسرائيل توسع نفوذها داخل سوريا!
  • العربي للدراسات: التحركات الإسرائيلية داخل سوريا أقصتها من الصراع الإقليمي لسنوات
  • السيسي: حريصون على وحدة سوريا وسلامة أراضيها ونقف دوماً مع الشعب السوري
  • ‏المرصد السوري: 37 قتيلا في معارك بين القوات الكردية والفصائل الموالية لتركيا في شمال سوريا
  • صحيفة إيرانية: جانبان مهمان لزيارة السوداني لطهران
  • مندوب سوريا بمجلس الأمن: نطالب بإلزام إسرائيل بالانسحاب من الأراضى السورية
  • مخالف للقانون الدولي| مندوب مصر بمجلس الأمن: ندين احتلال إسرائيل للأراضي السورية
  • مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا: على إسرائيل وقف انتهاكاتها للأراضي السورية