لوموند: معركة الحفاظ على أدلة جرائم نظام الأسد
تاريخ النشر: 11th, December 2024 GMT
دعت العديد من المنظمات سلطات سوريا الجديدة إلى عدم تدمير أدلة جرائم النظام السوري والحفاظ عليها على أمل العدالة المستقبلية وأيضا للمساعدة في البحث عن آلاف المفقودين في سجون الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد.
وذكرت صحيفة لوموند، في تقرير لها عن الموضوع، أن آلاف الوثائق والشهادات حول ما جرى منذ الساعات الأولى للحرب، في مارس/آذار 2011، وحتى قبل ذلك بكثير ربما ستشكل دليلا مستقبليا على جرائم النظام السوري السابق.
واعتبرت الصحيفة الفرنسية أن "سوريا سلالة الأسد، التي انتهى عهدها -بعد أن دام نصف قرن- يوم الأحد 8 ديسمبر/كانون الأول الحالي، هي في الواقع، قصة مذابح وتعذيب على نطاق واسع" لا يضاهيها، بالحرف، إلا النظام النازي.
ونقلت، في تقرير لمراسلتها بلاهاي ستيفاني موباس عن بيتر بوكارت، مدير منظمة فورتيفاي رايتس غير الحكومية قوله "لقد وثقت الدولة السورية نفسها تقريبا جميع أعمال التعذيب والانتهاكات والإعدامات التي ارتكبتها في أرشيفاتها الخاصة".
وأضاف بوكارت، الذي جمع لمنظمة هيومن رايتس ووتش، عند سقوط الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، عشرات الوثائق في أرشيف أجهزة المخابرات المدنية والعسكرية الليبية أن "سوريا كانت آلة قتل بيروقراطية في عهد بشار الأسد".
إعلان
ومن برلين طالب المحامي السوري أنور البني، الذي دافع لفترة طويلة عن معارضي النظام السوري قبل أن يضطر بدوره إلى الهروب إلى المنفى، في عام 2014، السلطات الجديدة أن تساعد في "جمع الوثائق والأدلة المحتملة وأن تحتفظ بها كلها حتى نتمكن من تسليمها إلى قاض أو مدع عام".
ولفتت لوموند إلى أن المنهزمين دأبوا -في أخطر ساعات الحروب والثورات- على تدمير الأدلة على جرائمهم، لكنها لاحظت أن ذلك تغير خلال الـ15 سنة الأخيرة، خاصة بعد أن أطاحت العدالة الدولية بقوانين العفو، إذ حاول المستبدون، على العكس مما هو معهود، الحفاظ على هذه الأدلة، وهنا طالبت الصحيفة بفتح أدراج النظام السوري للتمكن من قياس همجيته الحقيقية، وربما تقديمه للعدالة ذات يوم.
ونسبت موباس لرئيس الآلية الدولية المحايدة والمستقلة، روبرت بيتي، قوله يوم الأحد: "لدينا بالفعل مؤشرات على أنه، ساعة بعد ساعة، أصبحت الأدلة المحتملة على الجهاز القمعي للنظام السوري متاحة مع انسحاب عملائه الذين هربوا على عجل".
وكانت الأمم المتحدة قد أنشأت مؤسسة في عام 2017، أسندت إليها مهمة جمع الوثائق التي عثر عليها عشرات المحققين منذ بداية الحرب في سوريا في عام 2011، وذلك عندما بدأت المنظمات غير الحكومية والمحامون ومعارضو النظام في جمع الأدلة على انتهاكات هذا النظام.
وقد طلبت لجنة التحقيق بشأن سوريا التابعة للأمم المتحدة، والتي تأسست عام 2011، يوم الأحد من هيئة تحرير الشام والجماعات المسلحة الأخرى "أن تكون حريصة للغاية على عدم تعطيل الأدلة على الانتهاكات والجرائم" من خلال الاستيلاء على السجون، والتأكد من عدم تلويث مسرح جرائم نظام الأسد.
ووفقا لهذه اللجنة، "طوال فترة الحرب، عرّضت العائلات نفسها لخطر كبير ودفعت مبالغ باهظة كرشاوى لمسؤولين فاسدين للحصول على أخبار عن أحبائهم. واليوم، في مقاطع الفيديو التي تم نشرها مؤخرًا من داخل مراكز الاحتجاز، نرى غرفًا بها صفوف من الأرفف مليئة بالملفات".
إعلانلا يتعلق الأمر بالإثبات فحسب، بل يتعلق أيضا بالإنقاذ، إذ دعت اللجنة الدولية المعنية بالأشخاص المفقودين، التي تأسست عام 1996، يوم الأحد، إلى الحفاظ على هذه الأرشيفات لأن الأحداث الجارية يمكن أن يكون لها "تأثير مباشر" على البحث عن نحو 150 ألف شخص مفقود.
وترى المنظمة أن "من المهم حماية الأدلة الوثائقية وغيرها عند فتح السجون وأماكن الاحتجاز الجماعي، وكذلك في حالة اكتشاف مواقع الدفن وأماكن الاعتقال السرية".
ومن بين الباحثين عن الأدلة، لجنة العدالة والمساءلة الدولية (CIJA)، وهي منظمة غير حكومية قامت، لأكثر من 10 سنوات، بالاستيلاء على عشرات الآلاف من الوثائق التي تركت في مباني النظام السوري بعد كل معركة يخسرها. وهناك أيضا «دليل قيصر»، وهو الاسم المستعار للمصور الذي فر من صفوف الجيش وغادر سوريا حاملا معه ما يقرب من 45 ألف صورة لجثث 6786 معتقلا تحت التعذيب، تم التقاط الصور بناء على طلب رؤسائه، الذين أرادوا التأكد من تنفيذ الأوامر بشكل صحيح.
وتعد، وفقا للصحيفة، عمليات الترحيل والتعذيب والهجمات الكيميائية أكثر الجرائم توثيقًا منذ ما يقرب من 15 عامًا من الصراع، وقد قامت المنظمة الحكومية الدولية لحظر الأسلحة الكيميائية بالتحقيق في المخزون الكيميائي لنظام الأسد، وتم تدمير جزء كبير من هذا المخزون، وأشارت المنظمة يوم الاثنين 9 ديسمبر/كانون الأول الحالي، إلى أن الأسلحة الكيميائية لا تزال موجودة في المنطقة، وكانت كندا وهولندا قد اتهمتا أمام محكمة العدل الدولية منذ سبتمبر/أيلول 2023 النظام السوري بانتهاك اتفاقية التعذيب وارتكاب هجمات كيميائية.
وما زال -حسب موباس- من السابق لأوانه، معرفة كيفية الحكم على مسؤولي النظام البائد، لكن أنور البني يرى أن "هذه الجرائم يجب أن يتم الحكم عليها في البلاد، وليس في أوروبا، لأن ذلك هو ما سيعيد الأمل والأمن للسوريين". لكنه أوضح: "أن الأمر أكثر من مجرد محاكمة بسيطة، أو محكمة، هو مسألة إنشاء نظام انتقالي، وضمان السلام بين المجتمعات، وتعويضات الضحايا، والإصلاحات القانونية..".
إعلانالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات ترجمات النظام السوری یوم الأحد
إقرأ أيضاً:
مستقبل سوريا..أسئلة حول الطائفية والحركة الجهادية والتعقيدات الإقليمية
دخلت سوريا مرحلة جديدة بعد 14 سنة من القتل والتهجير والتدمير، هي نهاية سعيدة عاشها الشعب السوري يوم الثامن دجنبر 2024 بعد سقوط نظام بشار الأسد أو تهاوي أركان نظامه بطريقة دراماتيكية، سقوط يؤشر على بداية تشكل نظام إقليمي جديد بالشرق الأوسط، وغلق قوس الحزب الوحيد والاوحد الذي شكله نظام حزب البعث لما يقارب ستة عقود من الزمن.
أسئلة كثيرة تطرح حول طريقة انهيار نظام الأسد ونهايته السريعة، وعلامات استفهام عديدة تثار حول سياق هذا السقوط المدوي لنظام بدا هشا وضعيفا ومعزولا، رغم ارتباطاته وتحالفاته الإقليمية والدولية سواء بالنظامين الروسي والإيراني. وفي معرض تحليل وفهم خلفيات انهيار هذا النظام، ومحاولة استشراف مستقبل سوريا ما بعد نظام الأسد، يمكن تفكيك واستحضار ثلاث جوانب أساسية:
أولا، اللافت أن ليلة سقوط نظام الأسد جاءت بالتزامن مع اجتماع وزراء خارجية روسيا وايران وتركيا وقطر بالدوحة، وذلك قبل ساعات من وصول المعارضة المسلحة إلى العاصمة دمشق، لكن، يبدو أن هذا اللقاء جاء كنتيجة للسياق الإقليمي الملتهب والمتقلب باعتباره العامل الرئيسي الذي على الارجح عجل بنهاية هذا النظام، وفي مقدمة ذلك، إضعاف النظام الإيراني بفعل سياسات الانهاك والاستدراج والاضعاف التي بمقتضاها تمكنتا أمريكا وإسرائيل من تقليم أظافر النظام الصفوي وتقزيم دوره الإقليمي من خلال القضاء على بعض الرموز الدينية الحركية(نصر الله) وقطع خطوط الامداد والدعم عن المليشيات المسلحة (حزب الله)التي لعبت دورا محوريا في بقاء نظام الأسد خلال السنوات الماضية.
إضعاف النظام الإيراني وتفكيك ميلشياته المسلحة التي شكلت جبهة إسناد إقليمية/ ميدانية لنظام الأسد، بالإضافة للحرب الروسية الاوكرانية التي أضعفت نظام موسكو الذي بدوره شكل جبهة إسناد دولية وعسكرية للنظام السوري، كلها عوامل ساهمت في عزلة نظام الأسد، وتلاشي جبهات الدعم والاسناد الإقليمية والدولية.
ثانيا، مع نهاية نظام الأسد، دخلت سوريا مرحلة جديدة، مرحلة تشكيل نظام جديد ومغاير، يؤسس لبناء دولة مؤسسات، وإخراج سوريا من دائرة الدول الفاشلة، لكن، يبدو أن إعادة بناء الدولة الوطنية بسوريا بالمفهوم الحديث يصطدم بعدة صعوبات وإكراهات داخلية وإقليمية ودولية. فعلى المستوى الداخلي، تعتبر مكونات وفصائل المعارضة المسلحة غير متجانسة من حيث المرجعيات والمنطلقات الفكرية والسياسية والعقائدية والطائفية، سيما وأن هذه المكونات تضم السلفي الجهادي، المنخرط في ما يعرف ب » هيئة تحرير الشام » التي تعتبر من أكبر الفصائل المعارضة التي تأسست في يناير 2017 بعد اندماج عدد من الفصائل كجبة فتح الشام(النصرة سابقا) وحركة نور الدين الزنكي(انسحبت لاحقا) وجيش السنة، ولواء الحق، وجبهة أنصار الدين. هذا، بالإضافة إلى الجيش الوطني السوري الذي تأسس سنة 2017 ويرتبط بما يعرف بالحكومة السورية المؤقتة المدعومة من تركيا، بالإضافة لفصائل صغيرة تتوزع على مختلف أنحاء سوريا.
أما على المستوى النسيج الاجتماعي وارتباطاته الخارجية، فقد تمكن نظام بشار المنهار من جعل المكون العلوي يستحوذ على مساحة ديموغرافية بين 40 و50 في المائة من مجمل السكان، بالإضافة لتغيير الخريطة والتركيبة السكانية للسوريين خلال الحرب، إذ لم يعد يمثل المكون السني سوى نصف سكان سوريا بفعل تهجير ما يقارب 7 ملايين سوري خلال سنوات الحرب. بالإضافة إلى أن المجتمع السوري يتكون من خليط اثني وديني ومذهبي، العرب السنة والمسيحيون والدروز والشيعة والمرشدية والايزيدية، ناهيك عن المكون القومي كالأكراد والتركمان والشركس والارمن والعرب.
إن التنوع الطائفي والاثني بالإضافة إلى ارتباطاته الخارجية، بات يشكل أرضية صلبة للصراع الطائفي، خاصة وأن نظام الأسد عمل على تغدية الخلافات ذات النزعة الطائفية من أجل تأجيج الصراع لزرع الفرقة بين مختلف المكونات، معطى أساسي من غير المستبعد أن يعقد ويصعب دور مختلف الفاعلين خلال المرحلة الانتقالية، بالإضافة لصعوبة احتواء وترويض الحركات الجهادية وفق سقف الدولة الوطنية.
ثالثا، يشكل انهيار نظام الأسد مناسبة لإعادة رسم خريطة التحالفات والتوازنات في منطقة الشرق الأوسط، سيما وأن إيران وروسيا شكلتا أبرز دعائم النظام الإقليمي في الشام والشرق الاوسط إبان النظام السابق، مما يجعل النظام الإقليمي قيد التشكل محل صراع وتنافس بين عدة قوى إقليمية كتركيا وإسرائيل وغيرها، دون القفز على الدور الأمريكي المحوري في ميزان القوة وقدرتها الفائقة على إدارة الفوضى الخلاقة في المنطقة بما يخدم مصالحها على غرار التجربة العراقية.
مؤشرات الصراع والتموقع بدت جلية مع اعلان نتنياهو الانسحاب من اتفاقية « فض الاشتباك » الموقعة سنة 1974 بعد ساعات وفي نفس اليوم الذي سقط فيه نظام الأسد، مما دفع إسرائيل إلى السيطرة على المنطقة العازلة في مرتفعات الجولان بدعوى حماية امنها بعد انسحاب وعدم تمركز الجيش السوري في تلك المناطق.
التمدد الإسرائيلي في الجولان من المرجح أن يقابله تحرك إيراني وتركي وروسي بأشكال ودعامات طائفية وسياسية مختلفة بغية الحفاظ على مصالحهم، بحكم التقارب الجغرافي والتقاطع الاثني للدولتين الصفوية والعثمانية، بالإضافة لتواجد قاعدة عسكرية روسية يبدو من خلالها أن موسكو غير مستعدة لتراجع عن نفوذها في سوريا.
ختاما، وفي ظل التحولات المصاحبة لانهيار نظام الأسد، فمن المرجح أن الساحة السورية باتت مفتوحة على مختلف السيناريوهات، إلا أن إعادة بناء الدولة مؤسساتيا وإخراج سوريا من دائرة الدول الفاشلة يعتبر رهانا صعبا في ظل التعقيدات الداخلية والإقليمية والدولية. غير ان إدارة المرحلة الانتقالية وفق تصور سياسي محدد واحتواء النزعة الطائفية داخليا، وإعادة ترميم الجيش السوري وفق عقيدة وطنية، كلها عوامل من الممكن أن تساعد على إخراج سوريا من حالة عدم الاستقرار التي طالت وتجاوز الازمة الراهنة.