صحيفة التغيير السودانية:
2025-02-11@13:06:18 GMT

الحرب وجز أعناق الحقائق

تاريخ النشر: 11th, December 2024 GMT

الحرب وجز أعناق الحقائق

حيدر المكاشفي

“وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم.. وما هو عنها بالحديث المرجم.. متى تبعثوها تبعثوها ذميمة.. وتضر إذا ضريتموها فتضرم.. فتعرككم عرك الرحى بثقالها وتلقح كشافا، ثم تنتج فتتئم”.

إذن هكذا هي دائما الحرب نار ورحى تورثان دمارا وهلاكا هائلا كما وصفها الشاعر زهير بن أبي سلمى في معلقته، مقدما ما يمكن اعتباره أبلغ وصف للحرب.

.

ولك أن تتصور حجم الهلاك والدمار والخراب الذي تسببه الحروب اليوم التي تستخدم فيها أحدث الأسلحة الفتاكة، إذا قارنتها بحروب العصر الجاهلي التي عاصرها الشاعر زهير، والتي تدور رحاها بأسلحة بسيطة وتقليدية من رماح وسيوف وخلافها.. فحرب اليوم التي تدور في بلادنا، وتستخدم فيها أفتك الأسلحة خفيفها وثقيلها، وبطائراتها المقاتلة ومسيراتها وداناتها وقذائفها الصاروخية وبراميلها المتفجرة، لا تقتل البشر الآمنين الوادعين، وتجز أعناقهم فحسب، بل إنها أيضا تجز أعناق الحقائق، فتصبح الحقيقة من بين أول ضحايا الحرب، حيث تنبري الجماعات الخائضة للحرب والداعمة لها والنافخة في كيرها.

كما نشهد حاليا، وتنخرط في نشاط محموم لاغتيال الحقيقة بعدة وجوه وأشكال، لتعبر فوق جثة الحقيقة، بل وتدوس عليها لبلوغ مبتغاها وهدفها الذي من أجله تخلصت من الحقيقة والمعلومة الصحيحة، ليخلو لها الجو، فتفرخ وتبيض وتملأ الأجواء والاسافير بالأكاذيب والأخبار الملونة والمعلومات المضللة والشائعات، ولهم في ذلك أفانين وطرائق قددا، ومتخصصون متفرغون لصناعة وبث الرسائل المسمومة.

وبغياب الأخبار الدقيقة والصحيحة والمعلومات الحقيقية تتوفر لهم البيئة المثالية لأداء أدوارهم القذرة، وفي حالة حربنا السودانية التي تخضع فيها أجزاء من البلاد لسيطرة الجيش وأجزاء أخرى خاضعة للدعم السريع،تكون الحقيقة في الحالين هي الضائعة، فلا الجيش يسمح بنشر وبث إلا ما يروقه ويطربه ويخدم أغراضه وأجندته، ولا مليشيا الدعم السريع تسمح بنشر وبث ما يمسها ويضر بها، ولهذا غابت تماما التغطية الإعلامية والصحفية المهنية المتوازنة والموضوعية عن مجريات ويوميات الحرب كما هي على الأرض.

أما من هم خارج البلاد ولا سيطرة مباشرة عليهم من طرفي القتال، فتسيطر عليهم أجندتهم الخاصة الموزعة بين الطرفين، فمن داعم منهم للجيش أو داعم للدعم السريع ولا داعم بينهم أبدا للحقيقة.

وهكذا تغتال الحقيقة مرتين مرة بالداخل ومرة أخرى بالخارج، ومن عجب أن أفرزت هذه الحرب العبثية طبقة أخرى عابثة تسورت مهنة الإعلام، وقفزت عليها بليل بلا علم ولا هدى ولا كتاب منير، وملأت الاسافير والوسائط بغثاء كثيف يثير الغثيان ودونك من يسمون ب(اللايفاتية والتيكتوكرز واليوتيوبرز)..

وسبحان الله كلما نأتي على ذكر مصيبة من مصائب الحرب وإفرازاتها الضارة، إلا وترافقها ذكرى مصيبة من مصائب (الكيزان)، وليس ذلك بمستغرب فهم من أشعلوا هذه الحرب وما زالوا ينفخون في غيرها، حيث إنهم وعلى امتداد سنين حكمهم الكالحة، كانوا قد جندوا واستقطبوا عددا من الصحافيين والإعلاميين كانوا يعملون إلى جانب المنظمين أصلا (من انقاذويين وإسلاميين) للدفاع عن النظام بالحق وبالباطل وخدمة أهدافه والترويج لها، على النحو الذي يعرفه متابعو أجهزة الإعلام وقراء الصحف.

وتشهد عليه (الأراشيف)، وفي مقابل ذلك كان النظام يغدق عليهم الأموال والعطايا والمكرمات والكريات، ويخصهم بالأسفار الرسمية في معية المخلوع وغيره من القيادات الرسمية والحزبية والحركية للاستفادة من النثريات الدولارية والاستمتاع بالإقامة في أفخم الفنادق،ويخصهم بقطع الأراضي المميزة وغيرها من التصديق، فصاروا على رأي المثل يأكلون خبز السلطان ويضربون بسيفه.

وغير أجهزة الراديو والتلفزيون والصحافة الورقية، كان للنظام البائد وإسلامييه (مجندون) في الإعلام الإلكتروني، حيث أنشأ العديد من المراكز والمنصات والمواقع الاسفيرية، وكانت هذه المواقع تنشط في الدفاع عن السلطة ونشر أفكارها وأفكار الحركة الإسلاموية، كما كانت تبث الشائعات التي تخدم هذه الأغراض الخبيثة، وهي مراكز يعلمها بالاسم العاملون في الوسط الصحفي والإعلامي، بل إن عامة الناس اكتشفوها وأطلقوا عليها مسمى شعبياً (الجداد الإليكتروني)، ومن أحد هذه المراكز درجوا على إعداد وإنتاج عدد من الأفلام الوثائقية المعادية للثورة وللشباب والشابات الثائرات، منها الفيلم الخسيس والخبيث (خفافيش الظلام) الذي حشوه بمحتويات مفبركة مسيئة لشباب الحراك الثوري والاعتصام أمام مقر قيادة الجيش.

ولمواكبة التطورات التقنية المتلاحقة انشأوا مركزا حديثا يمارس نشاطه على نحو سري من على مبنى بضاحية الرياض شرقي الخرطوم، ودفعوا بكوادر بارزة منهم معلومون بالاسم لإدارته، وبعد الثورة تحول نشاط هذه المواقع والكوادر الصحافية المجندة إلى معول هدم للثورة، فعمدوا لحياكة المؤامرات، وبث الرسائل المسمومة والشائعات تجاه الحكومة الانتقالية وتخريب مجمل عملية الانتقال المدني الديمقراطي، بغرض دنيء هو إحباط الرأي العام وتأليبه ضد الثورة والثوار والحكم المدني الديمقراطي، لإجهاض الحراك الشعبي بقيادة ثورة مضادة، سعيا للعودة مجددا لسدة الحكم، وها هو نفس هذا النشاط المسموم يتواصل الآن بكل الإمكانات والخبرات السابقة لخدمة أهدافهم من هذه الحرب التي أشعلوها وبعثوها ذميمة كدمامة أفعالهم الذميمة.

الوسومحيدر المكاشفي

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

إقرأ أيضاً:

صحفيون بتعز يعلنون رفضهم حضور مؤتمر دعت إليه السلطة المحلية

دعا صحفيون في تعز إلى رفض حضور مؤتمر صحفي دعت إليه السلطة المحلية بالمحافظة، احتجاجًا على ما وصفوها بـ"السياسات الفاشلة والمضللة التي تتبعها السلطة في إدارة المحافظة".

وقال بيان لمراسلي القنوات المحلية والخارجية والمواقع الإخبارية، إن قرار المقاطعة، جاء نتيجة لمحاولات السلطة المحلية توجيه الخطاب الإعلامي قسرًا نحو "الشراكة"، وهو ما اعتبروه انتهاكًا لدور الإعلام كسلطة رقابية مستقلة تُعنى بكشف الحقائق ونقل مطالب المواطنين بدقة وشفافية.

وأشار البيان إلى أن الواقع المأساوي في تعز يغني عن أي تبريرات رسمية، معتبرين المؤتمر الصحفي محاولة لإضفاء شرعية زائفة على سلطة فقدت مصداقيتها، لا سيما في ظل تفشي الأوبئة وارتفاع معدلات الوفيات، فضلًا عن فشلها في تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين.

وقال الصحفيون، إنهم لن يكونوا جزءًا من أي عملية تضليل للرأي العام، ولن يسمحوا باستخدامهم كأدوات لتبرير الإخفاقات أو تمرير أجندة مشبوهة، ودعوا زملاءهم الإعلاميين إلى التمسك بالمبادئ المهنية والأخلاقية، وعدم المشاركة في فعالية وصفوها بالمضللة.

واختتم البيان بالإشارة إلى ما وصفه بـ"سقطة لغوية" في خطاب الدعوة، إذ وصفت السلطة المحلية الصحفيين بـ"التابعين"، وهو ما اعتبروه تعبيرًا عن نظرة استعلائية تتعامل مع الإعلام كأداة للتلميع، وليس كجهة مستقلة معنية بمحاسبة السلطات وكشف الحقائق.

يذكر أن إدارة الإعلام في السلطة المحلية بتعز، أعلنت عن تأجيل موعد انعقاد المؤتمر الصحفي إلى وقت لاحق، بعد أن كانت قد أعلنت بشكل رسمي، عن إقامته اليوم الإثنين الموافق 10 فبراير 2025م.

مقالات مشابهة

  • المسيرات.. سلاح الحروب الحديثة الذي يغير موازين القوى
  • صحفيون بتعز يعلنون رفضهم حضور مؤتمر دعت إليه السلطة المحلية
  • ختان الفتيات.. "الحقيقة القاسية" في اليمن
  • مصر ترد بقوة على نتنياهو: لا لتهجير الفلسطينيين.. ولن نسمح بتشويه الحقائق!
  • الكشف عن أبرز البنود التي تحوي المشروع الوطني الذي قدمته القوى السياسية
  • الخارجية السودانية تدعو المجتمع الدولي لدعم خارطة الطريق التي طرحتها قيادة الدولة
  • الخارجية تدعو المجتمع الدولي لدعم خارطة الطريق التي طرحتها قيادة الدولة
  • عيد مار مارون: الحقائق المرّة... وإمكانات النهوض؟
  • أخصائية توضح الفرق بين مفهومي المعرفة والحكمة.. فيديو
  • هل صعود الدرج يعادل المشي 10 آلاف خطوة؟ دراسة تكشف الحقيقة