تشاد منبع مرتزقة المليشيا.. أي جوار مع السودان تريد ؟
تاريخ النشر: 11th, December 2024 GMT
ألقت الحرب السودانية بظلالها على العلاقات الخارجية للسودان بشكل عام، لكن انعكاسات المشهد كانت أكثر حدة على علاقاته مع جيرانه، وأبرزهم الجارة الغربية تشاد، التي لم يعد أمر انخراطها في الأعمال المعادية للسودان محل خلاف.
ومما يثير العجب والاستغراب إنكار وزير خارجية تشاد عبد الرحمن غلام الله في الحوار الذي أجرته معه قناة فرانس 24 الأسبوع الماضي، وبلا أدنى خجل ضلوع بلاده في دعم ومساندة مليشيا آلدعم السريع المتمردة، مع إن كل الشواهد التي يعرفها القاصي والداني تقول أن دولة تشاد هي الحاضنة الفعلية للجنجويد والمنبع الأهم للمرتزقة فهم يعيشون في عدة مناطق بالبلاد، و بالتحديد في مناطق (محافظة شاري باقرمي، وهي حيث تقع العاصمة “نجامينا”.
وتقول تقارير فريق خبراء الأمم المتحدة المعني بمراقبة تدفق السلاح إلى دارفور، أن المقاتلين التشاديين المبعدين من ليبيا، وخاصة الذين شاركوا في الحرب لصالح اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وأبرزهم مجموعات الجفرة التي دُرّبت بواسطة فاغنر الروسية، ومجموعة “المثلث” التي تتمركز عند الحدود الليبية السودانية التشادية، يمثلون أكبر تجمع للمرتزقة في المنطقة.
ويمثل التشاديون أهم العناصر التي تم استقطابها للعمل العسكري مع مليشيا الدعم السريع، وذلك لعدة أسباب معلومة للجميع، منها: التداخل القبلي، وتقارب العادات والثقافة المشتركة مع غربي السودان، وسهولة الحركة والتسلل إلى السودان، ووجود حواضن إجتماعية.
وكان المدرس المساعد في قسم الأمن وعلوم الجريمة كلية لندن ألكسندر بيش، قد رجح في مقال له نشر في مايو 2023، أن تتحول الحرب السودانية إلى فرصة جديدة لمجموعات مسلحة تشادية للاستفادة من الصراع الدائر في أرض النيلين من خلال الانخراط في إقتصاد الحرب.
وقد بنى بيش توقعاته، على أساس أن اتفاق 2020 في ليبيا أدى إلى خفض فرص عمل المرتزقة، في حين يبدو وجودهم نفسه فيها مهدداً مع الدعوة إلى خروج جميع المقاتلين الأجانب من ليبيا.
وتنتشر على منصات التواصل الاجتماعي العديد من المقاطع المصورة التي تزعم وجود مقاتلين تشاديين يشاركون في الحرب السودانية.
في حين أعلن الجيش السوداني في أبريل 2024 عن القبض على “مرتزقة” من تشاد وجنوب السودان ضمن مقاتلي مليشيا الدعم السريع بمدينة أم درمان غربي العاصمة الخرطوم، كما اتهم الجيش تشاد بتسهيل وصول المقاتلين إلى السودان وهو ما نفته إنجمينا بشدة.
وحتى لا يذهب وزير الخارجية التشادى بعيدا في إنكار تهمة ضلوع بلاده في دعم ومساندة مليشيا الدعم السريع، فقد أكد خبراء في الشأن التشادي تحدث إليهم موقع “المحقق” الإخباري أن الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي تحدث لوزير الدولة بالخارجية الاماراتية الشيخ شخبوط إبان زيارتة الأخيرة لأنجمينا وأكد له بأن تشاد فتحت كل مجالها الجوي والبري والبحري للاستخبارات الاماراتية وإحدى الدول الغربية من أجل إسقاط جيش السودان لكن أفعال “الدعم السريع” هي التي افشلت كل المخططات لأنها أصبحت عدواً للمواطنين وليس للجيش السوداني وهذا أكبر سبب للنكسة.
وبحسب الخبراء، فإن دبي الإبن قال لضيفه الإماراتي إنه إذا تم سحب الدعم السريع من الفاشر من قبل وتوقفوا عن الهجوم على المدينة بعد قرار مجلس الأمن الدولي، كان يمكننا التوصل لاتفاق مع أبناء الزغاوة مع الاحتفاظ بالفاشر ضمن الاتفاق ولكن قوات الدعم السريع أصبحت ضد المواطن وأحرقت قرى أبناء الزغاوة وقتلت أطفالهم وهذا كان أكبر خطأ من قوات الدعم السريع لكونها تصرفت في إطار قبلي وعنصري وأصبحت القبيلة عندها هي الدولة.
وأضافت المصادر أن شخبوط طلب من تشاد معالجة جميع الأخطاء وقال إن تحالف الحركات المسلحة في دارفور مع الجيش السوداني أسهم في إفشال مخططهم الرامي لإحتلال الفاشر وتعهد بدعم بلاده لتشاد بالسلاح وجميع أنواع العتاد العسكري تحت غطاء مساعدتها في مكافحة الإرهاب كما التزم بمساعدة مباشرة قدرها 500 مليون دولار أمريكي نقداً من أجل الانتخابات البرلمانية ومساعدة أسر الجنود التشاديين الذين ماتوا في بحيرة تشاد.
وبحسب الخبراء الذين تحدث إليهم موقع المحقق الإخباري، فإن خلافاً داخل أروقة السلطة في تشاد بدأ يتصاعد حول ما إذا كان من مصلحة البلاد الاستمرار في فتح أبوابها لتنفيذ الأجندة الإماراتية والإضرار بالعلاقات التاريخية بينها والسودان، أم أنه من المصلحة عدم المضي قدماً في تصعيد الموقف، ومن الضروري احتواء الأزمة بطريقة ودية لتستمر العلاقات بينهما بصورة عادية، لأن تلك هي رغبة الشعبين الشقيقين، فأي التيارين ستكون له الغلبة ؟
المحقق – خاص
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: الدعم السریع
إقرأ أيضاً:
لماذا تتوارى الحرب السودانية عن الإعلام؟
أماني الطويل
وسط أنباء المعارك والصراعات المسلحة في الشرق الأوسط وأفريقيا تتوارى الحرب السودانية عن الساحات الإعلامية الإقليمية والدولية من جهة الأولوية والمساحة منتقلة إلى ذيل الأخبار. والمساحات الزمنية المرصودة تقلصت، على رغم أن الحرب السودانية الشاملة كانت الحرب الأسبق في توقيت الاندلاع، بل والأعمق تأثيراً في دول مهمة في النطاقين العربي والأفريقي كمصر والسعودية وإثيوبيا وإريتريا وتشاد وأفريقيا الوسطى.
المشهد الإعلامي الشامل يقول لنا إنه منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة في أكتوبر (تشرين الأول) 2023 توارت معارك السودان جزئياً عن المتابعة الإعلامية. ومع اندلاع حرب لبنان والصراع المسلح في سوريا نستطيع ملاحظة أن التفاعلات السودانية على المستويين العسكري والسياسي تبدو حالياً متوارية على نحو كبير، إذ يطلق عليها الحرب المنسية في غالبية الأدبيات المهتمة بها، على رغم تحركات دبلوماسية عدة على الصعيدين الدولي والإقليمي في شأن محاولة وقف الحرب في هذا البلد كان آخرها اجتماع روما الذي جمع الولايات المتحدة مع كل من السعودية ومصر والإمارات على هامش قمة السبع.
اهتمام إعلامي متراجع على رغم تضخم حجم الضحايا من المدنيين السودانيين، وتفاقم الأوضاع الإنسانية للنازحين واللاجئين إلى حد المجاعة في أعلى مستوياتها الحرجة أي الجوع المفضي إلى الموت وكذلك اتساع النطاق ليشمل الملايين من البشر.
في تقديري أن المسألة الأولى في ضعف التغطية الإعلامية للحرب السودانية متصلة بعدم وضوح العدو منذ اللحظة الأولى للحرب كالحالة في الحروب الإسرائيلية على كل من غزة ولبنان، إذ إن العدو هنا واضح وهو عدو تاريخي للشعوب العربية وبات كذلك أيضاً للمسلمين حول العالم، بسبب استباحة الصهاينة قدسية المسجد الأقصى وضم القدس للكيان الإسرائيلي.
المسألة الثانية هي الالتباس وعدم وضوح الموقف في شأن تفاعلات المشهد السوداني قبيل الحرب المندلعة منذ أبريل (نيسان) 2023، ذلك أن الأطراف المتحاربة كانت حليفة لبعضها بعضاً حتى وقت قريب منذ بداية الحرب، وتبادلت المهام والمواقع على الصعيد العسكري، بل إن تضخم قوة وقدرات قوات "الدعم السريع" تقع مسؤوليتها على صانع القرار في الجيش السوداني الذي سمح بهذا الأمر خلال الفترة الانتقالية التالية لثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018.
وطبقاً لهذا الواقع فإن شيطنة الأطراف المتصارعة لبعضها بعضاً تظل مجروحة، وإن كانت قوات "الدعم السريع" فقدت كل مشروعية سياسية لدى الجمهور السوداني العادي بسبب ممارستها غير الإنسانية في المناطق التي تجتاحها، وهو ما انعكس إعلامياً على الصعيد الداخلي ولكنه لم ينعكس خارجياً.
أما المسألة الثالثة فهي حالتا التعقيد والتركيب على أكثر من صعيد، ذلك أن هذه الحرب تمتد بجذورها لصراع سياسي مترتب على ثورة 2018 بين قوى سياسية واجتماعية ممثلة لنظام استبدادي له طابع عسكري وثيوقراطي وبين قوى سياسية واجتماعية لها طابع مدني ساعية نحو الحداثة والتحول الديمقراطي منذ ثلاثة أرباع قرن من الزمان.
ويضاعف من تعقيد مشهد الصراع في السودان أمران هما البعدان التاريخي والقبلي، لأن مؤسسة الدولة السودانية في دولة الاستقلال الوطني موصومة بالانحياز على أسس عرقية وقبلية، كذلك فإن الجيش القومي موصوم بتمكين قوى سياسية من السلطة يساراً ويميناً وهو ما نزع عنه تمثيله المصالح الجامعة للشعب السوداني في فترات ليست بالقليلة في تاريخ البلاد الحديث.
أما البعد القبلي فهو حاضر في هذه الحرب تأسيساً على المكونات العرقية في الجيش السوداني وطبيعة حواضنه الاجتماعية، وأيضاً الحواضن الاجتماعية والقبلية لخصمه من قوات "الدعم السريع"، إذ إن هذه الحواضن تعادي على الصعيدين العرقي والثقافي بعضها بعضاً قبل الحرب السودانية، وأُسست مقولات وإبداعات الغابة والصحراء الثقافية في أطروحات منقسمة الوجدان بين مركز وهامش، وكثر بينهما الجدل غير السلمي، وهو أمر يفسر لنا أن في السودان فصائل مسلحة وأراضي محررة قبل الحرب الأخيرة سواء في جبال النوبة أو في دارفور، كذلك فإن مشاهد الصراع المسلح هناك هي غير جديدة بل تاريخية على صعيد شامل كالحرب الأهلية بين شمال السودان وجنوبه، التي اندلعت عام 1955 أي قبل تاريخ الاستقلال الوطني، أو الصراعات الجزئية في أقاليم جبال النوبة والنيل الأزرق وأجزاء من دارفور.
هذا التعقيد للتفاعلات السودانية المفضية إلى حرب أبريل 2023 جعل المعالجات الإعلامية الخارجية للصراع تقصر أحياناً عن إدراك عمق التعقيد في المشهد الصراعي السوداني، وتجنح ربما إلى التسطيح أحياناً، انطلاقاً من قصور أدوات المتابعة وضغط الوقت، أما إذا امتلكت المعرفة والإدراك فربما تخضع لتوجهات وسياسات دولة البث الإعلامي خصوصاً في منطقتنا العربية أو الانحيازات القيمية المبدئية على الصعيد الدولي، فيسهم كلا الأمرين في تعقيد المشهد السياسي الداخلي وتعويق خلق بيئة واقعية إعلامياً مناصرة لمطلب وقف الحرب مثلاً.
وبطبيعة الحال ينتج من المشهد الانقسامي السوداني على أكثر من مستوى استقطاب كبير بين الأطراف المتحاربة والمتصارعة انعكس بالضرورة على الإعلام السوداني ووسائل التواصل الاجتماعي، إذ يندر وجود المنصات الإعلامية المستقلة على صعيد الإعلام الواقعي على رغم بعض المحاولات خصوصاً الشبابية، بينما تخضع وسائل التواصل الاجتماعي لأهواء أفراد أو مجموعات لها مصالح متناقضة، ولكن بالإجمال يخضع الجميع لمطلب ما يسمى "التريند والترافيك" أي حجم الانتشار وسرعته، مما يعمق الاستقطاب السوداني المفضي إلى الصراع والحرب ولا ينهيه أو يقلل من أثره السلبي.
إجمالاً يبدو لنا أن مجهودات وقف إطلاق النار أو الوصول إلى محطة السلام السوداني والحفاظ على الدولة ضد التهديدات الوجودية لا تتطلب فقط جهداً إقليمياً ودولياً على الصعيد الدبلوماسي، أو جهداً سياسياً داخلياً وقدرة على إنجاز هدف التوافق الوطني من الفواعل الداخلية السودانية، ولكنها تتطلب قبل كل ذلك خلق اهتمام إعلامي بالمشكل السوداني وطبيعته، شرط أن تكون هذه المنصة مستقلة ومحايدة قدر الطاقة والظروف، ممتلكة الأدوات المهنية الصحيحة بعيداً من الأجندات بجميع أنواعها، وأيضاً أن يكون الهدف المتفق عليه من دون أو مراوغة أو توظيف هو الإنسان السوداني لا غير، بعيداً من أية مصالح إقليمية أو دولية على الصعيد الخارجي أو حالة الانقسام الداخلي.
وظني أن هذا الطرح لا ينتمي إلى عوالم يوتوبيا ولكن إلى المصالح قبل أي شيء آخر، ذلك أن انهيار السودان هو خسائر بالجملة للجميع، ومن بين هؤلاء قطاع الأعمال الخاص في هذا البلد، الذي أتصور أن عليه أن يقوم بهذه المهمة في هذه المرحلة الحرجة، عبر تحالف متعدد الأطراف من رجال الأعمال السودانيين الكبار، وقد يكون من المقترح أن يكون ممثلاً للمكونات السودانية على الصعيدين الديموغرافي والقبلي. ويضاف إلى ذلك وربما الأهم من كل ذلك هو بلورة خطاب هذه المنصة ومشروعها الإعلامي والاجتماعي قبل السياسي، وإذا امتلكت هذه المنصة وعياً شاملاً بمتطلبات استقرار الدولة السودانية، واستمرارها. من هنا يمكن بلورة طريق تاهت معالمه لفترة طويلة ومطلوب استعادة ملامحه.
نقلا عن اندبندنت عربية