من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي … رمضانك يا شام
تاريخ النشر: 11th, December 2024 GMT
#رمضانك_يا_شام
من أرشيف الكاتب #أحمد_حسن_الزعبي
نشر بتاريخ .. 27 / 5 / 2017
عندما تتوارى شمس “يوم الشكّ” في غروب اليقين، ويعلن مفتي الديار المُخوّل باستقبال وتوديع الشهور أن غداً اليوم الأول من #رمضان.. تتدلّى حبال الزينة من الشبابيك العالية كأغصان من نور، وتشعل الأهلة الصغيرة على شرفات البيوت، يبحث الغرباء عن بعض المعلبات التي لا تستدرج العطش إلى الشفاه في النهار، وتنشغل الأمهات بتوليف مكوّنات سهلة التحضير في وجبة السحور الأولى بعد ساعات.
الليل الأول حالك مثل ثوب أمي الجديد، جادّ بالعتمة الخالصة، مثل شيخ ورع يتعطّر بصوت المآذن الخضراء المرتفعة قارورات مسك وعبادة.. الأطفال فرحون دون أن يعرفوا السبب، يرون الكل مشغول بضيف لا يرى لكنه مُهاب وله حضور، لا يعرفون من أي المداخل سيحضر رمضان بأولاده الثلاثين لذا يخرجون الى الحي، يلتفون حول مصابيح الشوارع يغنون للقادم القريب حتى تنعس الفرحة في الجفون!
**
أشتاق الى رمضانك يا شام ، أشتاق إلى صوت #مدفع_درعا الذي كانت تفطر عليه حوران كلها بصُيّامها وعصافيرها وسنابلها وهضابها الطرية كجفن رضيع ، أشتاق الى صوت الآذان القادم من المزيريب والنعيمة وطفس وأم المآذن ونوى والمسيفرة ودرعا البلد ودرعا المحطة، أشتاق إلى طقطقات الصحون في أيادي باعة التمر هندي، إلى الطرطيرات التي تخترق الحواري والشوارع الضيقة المرصوفة بالبلاط العتيق وقت الغروب، يحملون فوقها كيس خبز للأولاد، وعلى جانبي الكرسي سلة مشمش وشراب الليمون.
أشتاق الى أصوات تجار الملابس في باب تومه ، الى ازدحام البنايات الرمادية القديمة المتشابهة كباقة زعتر في دمشق الذاكرة ، الى تجار المسابح والخرز وأعواد السواك المنثورين على باب الجامع الأموي ، أشتاق الى عيونكم و سكينتكم وابتسامتكم وشفاء جراحكم جميعاً ..أشتاق ان تعود “الشراويل” الواسعة والقبعات البيضاء تملأ الأسواق الشعبية بنفس الشهامة والرجولية والحياة التقليدية ..أن تعود النساء الى عادة “الحبل والسلة” في شراء الحاجيات من “سمّان” الحارة ، وان يعود الأطفال الى اللعب بين البيوت وعلى ادراج الحي المسالمة.
لقد تعبت الشام من رائحة البارود ولون الدم لقد تعبت من أنين الجرحى وصرخات المعذبين في السجون والأمهات المشتاقات لأولادها المهجّرين بين قارات الدنيا، هلاّ أرحتم شامكم قليلاً بترتيل التراويح من مساجد المدينة، هلا رقيتموها قليلاً بآية الكرسي وببوح الياسمين.
أنا معنّي الا يموت ورد “القوّارات” المركون في شرفات الانتظار بعد أن مات ساقيه، معنيّ الا يكون في ذاكرة أطفال الشام سوى الحواجز والفواصل والشبيحة وخطاب التخوين
في رمضان، ومع إجازات المدارس كانت تمر من أمام بيتنا سيارات “السفريات” المتوجهة الى الشام، عائلات عائدة من الخليج الى دمشق لتقضي الصيف هناك، كنا نلوّح للمغتربين المارين من أمام بيتنا، نشاهد حقائبهم المحمولة على ظهور السيارات، دراجات الأولاد، كهربائيات بسيطة حصيلة سنين الاغتراب، وبعض الأثاث الذي يلزم الإجازة، كنا نشّتم رائحة الشام بتلك السيارات الصفراء الطويلة، نشتم ريح دمشق وحلب وحمص ودرعا ودير الزور.. ونشتم الفرح من عيون العائدين الى الوطن.
قُطعت الطريق، وصارت فكرة العودة للوطن انتحار، وتوقفت السيارات أمام بيوتها تقاوم الصدأ وذكرى المسافات المحفوظة بين وطنين.. وبقي المغترب المشتاق يكبت شوقه الى أن ينقشع ضباب الموت الثقيل.
لست معنياً بكل السيناريوهات والصراعات والتفاهمات التي تجري وستجري ولن تجري، أنا معنّي الا يموت ورد “القوّارات” المركون في شرفات الانتظار بعد أن مات ساقيه، معنيّ الا يكون في ذاكرة أطفال الشام سوى الحواجز والفواصل والشبيحة وخطاب التخوين.. معنّي أن يمرّ رمضان ناعماً كالحرير فوق أرض سوريا.. أن يمشي العائدون من المساجد في الحي المعتم ولا يخشون القنص أو الاعتقال.. معنى أن تعود الشام شامنا.. حلم وجنة ووطن لكل المتعبين.
**
رمضانك يا شام.. لا يشبه احداً ولا يشبهه أحد.. رمضانك يا شام بعض من طفولتنا ورجولتنا وبكاءنا في قنوتنا…مثل الأم أنت يا شام.. النظر في وجهك عبادة والشوق اليك عبادة، والموت على أبوابك أيضا عبادة.
احمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com
#163يوما
#الحرية_لاحمد_حسن_الزعبي
#أحمد_حسن_الزعبي
#كفى_سجنا_لكاتب_الأردن
#متضامن_مع_أحمد_حسن_الزعبي
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: رمضان الحرية لاحمد حسن الزعبي أحمد حسن الزعبی أشتاق الى
إقرأ أيضاً:
الكاتب المتمرد | كيف غيّر كريستيان ديتريش جرابه مسار المسرح
في مثل هذا اليوم، 12 سبتمبر 1836، رحل الكاتب المسرحي الألماني كريستيان ديتريش جرابه، أحد أبرز مجددي الأدب المسرحي في عصره.
ترك جرابه إرثًا فنيًا مؤثرًا، حيث أحدث نقلة نوعية في الأسلوب المسرحي آنذاك، متأثرًا بأعمال شكسبير وأفكار فترة العاصفة والاندفاع التي سادت أواخر القرن الثامن عشر.
البدايات والتأثيرات الأدبيةوُلد كريستيان ديتريش جرابه في 11 ديسمبر 1801، وكان شغوفًا بالأدب المسرحي منذ صغره. تأثر بمسرحيات شكسبير وسعى إلى كسر الجمود الذي فرضته الكلاسيكية، حيث انتقل بالمسرح من الأسلوب الصارم إلى نهج أكثر مرونة وتدفقًا في المشاهد، مما مهد لظهور المسرح الواقعي لاحقًا.
حملت أعماله رؤية متشائمة للعالم، مع مشاهد مفزعة أحيانًا، عكست فلسفته العدمية.
المسيرة التعليمية والمهنيةفي عام 1820، حصل جرابه على منحة لدراسة القانون في لايبزج، لكنه تركها عام 1822 ليكمل دراسته في برلين. بعد التخرج، حاول العمل في المسرح كممثل أو مخرج، لكنه فشل، كما لم ينجح في العثور على وظيفة بمجال القانون.
أبرز أعماله المسرحيةرغم التحديات، بدأ جرابه مسيرته المسرحية بنجاح. عرضت أولى مسرحياته “دون جوان وفاوست” عام 1829 في ديتمولد، وحققت نجاحًا كبيرًا. أما مسرحيته الأولى “الدوق تيودور فون جوتلاند”، فقد كانت صادمة للجمهور برؤيتها التشاؤمية والعدمية. ومن أبرز أعماله:
• “نابليون أو المائة يوم” و*“هانيبال”*: قدّمتا معالجة تاريخية مغايرة لتقاليد الدراما التاريخية.
• “فكاهة وهجاء وسخرية ومعنى أعمق”: تُعد من أهم المسرحيات الكوميدية الألمانية، وما زالت تُعرض في المسارح حتى الآن.
بدأت صحة جرابه تتدهور منذ عام 1831 بسبب إدمانه الكحول. وبعد وفاته، أعاد كتاب المسرح الطبيعي والتأثري اكتشاف أعماله، بينما احتفت به الحركة النازية لاحقًا بسبب تقاطع بعض أفكاره مع توجهاتهم، خاصة معاداة السامية.
إرث جرابهتخليدًا لاسمه، تم إطلاقه على إحدى المدارس الثانوية في مسقط رأسه، ديتمولد، كما تأسست جائزة كريستيان ديتريش جرابه للأدب المسرحي الحديث عام 1994.
رغم رحيله المبكر، ما زال إرثه المسرحي مؤثرًا في الثقافة الألمانية والعالمية.