السودان يستبدل عملته الوطنية.. ما الأهداف من ذلك؟
تاريخ النشر: 11th, December 2024 GMT
شهد السودان يومه الأول من عملية استبدال العملة الوطنية في خطوة وُصفت بالحاسمة لمعالجة التحديات الاقتصادية التي تواجه البلاد، حيث ترأس عضو مجلس السيادة الانتقالي ومساعد القائد العام الفريق مهندس إبراهيم جابر الاجتماع الثامن للجنة العليا لطرح واستبدال العملة، والذي ركز على متابعة سير العملية منذ انطلاقها.
في الاجتماع، استعرض الفريق إبراهيم جابر تقارير مفصلة من اللجان الفنية التي تشرف على استبدال العملة، وأكد على أهمية تسهيل الإجراءات للمواطنين، خاصة فيما يتعلق بفتح حسابات مصرفية، مشيراً إلى أن هذه الخطوة تسعى لدمج الأموال المتداولة خارج النظام المصرفي ضمن الاقتصاد الرسمي.
وبحسب وكالة الانباء السودانية، فقد أشاد وزير الثقافة والإعلام والناطق الرسمي باسم الحكومة، خالد الإعيسر، بالتفاعل الشعبي الكبير مع العملية في يومها الأول، ووصف هذا التفاعل بأنه دليل على وعي الشعب السوداني بأهمية هذه الخطوة، وأكد أن استبدال العملة يمثل عملية وطنية تهدف إلى حماية الاقتصاد من التخريب الذي تمارسه المليشيات المسلحة.
وأضاف الإعيسر أن التقارير الواردة من المراكز المستهدفة والمناطق الأخرى أظهرت إقبالاً واسعاً على العملية، مع تسجيل بعض العوائق البسيطة التي لا تعيق سير العملية. وأشار إلى أن الحكومة تعمل على معالجة كافة المشكلات الفنية والإدارية لضمان سير العملية بسلاسة.
أهداف استبدال العملة
وتهدف عملية استبدال العملة في السودان لمواجهة تحديات كبيرة تهدد الاقتصاد الوطني، ومن أبرز أهدافها:
مكافحة التزوير: تصاعدت محاولات تزوير العملة القديمة من قبل مليشيات وأطراف غير رسمية.
تحصين الاقتصاد: استبدال العملة يسهم في تقليل تداول الأموال خارج النظام المصرفي.
تعزيز الثقة بالنظام المصرفي: تشجيع المواطنين على فتح حسابات مصرفية والتعامل من خلالها.
مواجهة الاقتصاد الموازي: تقليص الأنشطة غير القانونية التي تعتمد على النقد خارج البنوك.
العملة الجديدة
وتتميز العملة الجديدة بخصائص أمنية متطورة تهدف لمنع التزوير، وبدأت المرحلة الأولى من عملية الاستبدال في المراكز المصرفية بمناطق مختارة، حيث تم تخصيص فرق ميدانية لتقديم الدعم الفني والإرشادات للمواطنين حول الإجراءات المطلوبة.
وأوضح الناطق باسم الحكومة أن المواطنين الذين يعيشون في المناطق غير المستهدفة بالمرحلة الأولى سيحصلون على توجيهات واضحة لضمان قدرتهم على استبدال أموالهم دون عناء.
رغم التفاعل الكبير مع العملية، تم رصد بعض التحديات، مثل الطوابير الطويلة ونقص الكوادر في بعض المراكز، لكن الحكومة أكدت أن هذه المشكلات قيد المعالجة الفورية، مع تعزيز فرق العمل في المراكز المصرفية وتوفير الدعم اللازم لضمان نجاح العملية.
ويعد استبدال العملة خطوة استراتيجية لمعالجة آثار التخريب الاقتصادي الذي طال النظام المالي خلال السنوات الأخيرة. وتعد هذه العملية إحدى أدوات الحكومة لتحصين الاقتصاد الوطني وبناء أسس مالية متينة تعزز استقرار السوق.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي اقتصاد اقتصاد دولي اقتصاد عربي اقتصاد عربي السودان استبدال العملة البنوك السودان البنوك المصارف استبدال العملة المزيد في اقتصاد اقتصاد عربي اقتصاد عربي اقتصاد عربي اقتصاد عربي اقتصاد عربي اقتصاد عربي سياسة سياسة اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة استبدال العملة
إقرأ أيضاً:
السودان ثروات منهوبة وديون متراكمة في ظل سياسة التحرير الاقتصادي والفساد والحرب
عمر سيد أحمد
أبريل 2025
مقدمة
حفّزني خبر إعلان إثيوبيا، الدولة محدودة الإمكانيات، عن امتلاكها أكبر صندوق ثروة سيادي في أفريقيا بقيمة 45 مليار دولار، للتفكير في السودان، البلد الغني الذي استنزفه الفساد والأنظمة الشمولية لعقود طويلة. لكن المأساة السودانية لا تتوقف عند النهب الممنهج للموارد، بل تمتد إلى حرب مدمرة أشعلها ذات النظام الفاسد لحماية مصالحه.
حكم الإسلاميون السودان تحت مظلة نظام الإنقاذ لثلاثة عقود، نهبوا خلالها البلاد بلا رحمة، وحولوا الدولة إلى آلة لجمع الثروات الشخصية عبر استغلال القروض الدولية وموارد السودان الطبيعية. وعندما اشتدت المعارضة الشعبية، لجأوا إلى تأسيس ميليشيا الدعم السريع كأداة لحماية النظام، لكنها سرعان ما تحولت إلى قوة مستقلة تنافس الجيش في السلطة والثروة. وعندما قامت الثورة السودانية مطالبة بالتحول المدني، قرر بقايا النظام العسكري والإسلامي إشعال الحرب بين الجيش وميليشيا الدعم السريع، في محاولة لمنع التغيير الديمقراطي، حتى لو كان الثمن هو تدمير البلاد بالكامل.
حرب أشعلها الإسلاميون لمنع التحول الديمقراطي وسرّعت الانهيار
كانت الثورة السودانية التي أطاحت بنظام البشير في 2019 تمثل لحظة فارقة في تاريخ السودان، حيث فتحت الباب أمام أمل جديد للتحول المدني وإقامة دولة ديمقراطية حقيقية. لكن القوى التي استفادت من نظام الإنقاذ، وعلى رأسها قيادات الجيش وتحالف الإسلاميين، لم تكن مستعدة للتخلي عن نفوذها. وعندما بدأ السودان يسير نحو التحول الديمقراطي، تآمرت هذه القوى لإيقافه بأي وسيلة.
جاءت الحرب نتيجة مباشرة لهذا الصراع على السلطة. فقد تمسك قادة الجيش والميليشيات التابعة لهم بمصالحهم الاقتصادية، ورفضوا تسليم السلطة لحكومة مدنية منتخبة. وعندما أصبح من الواضح أن التحول الديمقراطي قد يهدد امتيازاتهم، أشعلوا الحرب بذريعة الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع، رغم أن هذه الأخيرة لم تكن سوى أداة أنشأها نظام البشير نفسه لحماية سلطته.
وهكذا ضاع حلم التحول المدني، وتحولت آمال السودانيين في بناء دولة حديثة إلى كابوس حرب طاحنة أكلت الأخضر واليابس، ودفعت البلاد إلى حافة الانهيار التام.
ديون متراكمة ونهب ممنهج
كان السودان دائمًا بلدًا غنيًا بالموارد، لكن الإسلاميين الذين حكموا تحت راية نظام الإنقاذ جعلوه واحدًا من أكثر الدول فسادًا وفقراً ومديونية في العالم. ارتفع الدين الخارجي من 5 مليارات دولار في الثمانينيات إلى أكثر من 66 مليار دولار اليوم، دون أن تنعكس هذه القروض على حياة المواطنين. ذهبت معظم الأموال إلى جيوب المسؤولين وأمراء الحرب، بينما تدهورت البنية التحتية وانهار الاقتصاد.
مقارنة إقليمية صادمة
بينما تنهار مؤشرات الاقتصاد في السودان، تحقق دول مجاورة مثل إثيوبيا وكينيا قفزات في النمو. ففي الوقت الذي أعلنت فيه إثيوبيا عن امتلاكها لصندوق ثروة سيادي بقيمة 45 مليار دولار، يعاني السودان من شح الموارد، وانخفاض الناتج المحلي الذي وصل إلى أقل من 30 مليار دولار في 2020، مقابل أكثر من 100 مليار في كينيا ونحو 360 مليار في مصر.
التحرير الاقتصادي ونهب ثروات السودان
منذ أواخر الثمانينيات، اعتمد السودان سياسة التحرير الاقتصادي ضمن توصيات صندوق النقد الدولي. لكن بدلاً من تحقيق التنمية، قادت هذه السياسات إلى خصخصة مؤسسات الدولة، وإلغاء الدعم، وخلق طبقة طفيلية مرتبطة بالسلطة.
مراحل التحرير:
• التسعينيات: بيع المؤسسات الحكومية، تضخم، فقر.
• 1999–2011: طفرة نفطية لم تُستثمر.
• 2011–2019: فقدان عائدات النفط، أزمة معيشية.
• 2019–2024: تعويم الجنيه، رفع الدعم، اندلاع الحرب.
النتيجة: تفكك اقتصادي، ارتفاع الفقر، وفقدان الثقة في الدولة.
مآلات الحرب على الاقتصاد السوداني: الانهيار الشامل وأولوية الإعمار
منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023 بين الجيش وقوات الدعم السريع، دخل الاقتصاد السوداني مرحلة الانهيار الكامل. لم تعد الأزمة مقتصرة على تدهور العملة أو ارتفاع الأسعار، بل أصبحت مسألة بقاء دولة. الحرب دمّرت ما تبقى من البنية التحتية، أوقفت الإنتاج الزراعي والصناعي، ودفعت الملايين للنزوح، وأخرجت مدنًا كبرى مثل الخرطوم من الخدمة الاقتصادية.
أبرز آثار الحرب الاقتصادية:
• تدمير البنية التحتية: الكهرباء، الطرق، الموانئ، المنشآت الحيوية.
• نزيف الموارد البشرية: هجرة الكفاءات، مقتل الآلاف، نزوح الملايين.
• توقف الاستثمار: لا مستثمر محلي أو أجنبي يضخ أموالًا في اقتصاد تحكمه الفوضى.
• انكماش الناتج المحلي: فقد السودان أكثر من نصف نشاطه الاقتصادي خلال أول عام من الحرب.
• ارتفاع التضخم وانهيار العملة: فقد الجنيه أكثر من 90% من قيمته، والأسعار ارتفعت بـ500%.
تكلفة إعادة الإعمار: تقديرات مستحيلة في ظل الحرب
من غير الممكن حتى الآن تقدير تكلفة إعادة إعمار السودان بدقة، لأن الحرب ما زالت مستمرة، والخسائر تتصاعد يوميًا. لكن المؤكد أن الرقم سيكون ضخماً، وقد يصل إلى مئات المليارات من الدولارات.
إعادة الإعمار لن تقتصر على البناء فقط، بل تشمل إعادة تأسيس الدولة من الصفر:
• بنية تحتية جديدة.
• جهاز خدمي فاعل.
• مؤسسات مدنية.
• قطاع إنتاجي قابل للحياة.
• معالجة آثار النزوح والانهيار الصحي والتعليمي.
الحل: وقف الحرب فورًا
لا تنمية بدون سلام. لا اقتصاد في ظل الحرب. لا عدالة اجتماعية بوجود الميليشيات.
وقف الحرب ليس خيارًا سياسيًا، بل ضرورة وجودية.
استمرار القتال سيحوّل السودان إلى “دولة فاشلة”، ويجعله رهينة للمصالح الخارجية، في وقت لا يملك فيه أي هامش للبقاء على هذا المسار المدمر.
خلاصة: السودان إلى أين؟
بعد عامين من الحرب، وأربعة عقود من الفساد، يقف السودان على حافة الانهيار الكامل. لن يتحسن الحال مالم يتم تفكيك المنظومة التي دمّرت الاقتصاد، وبدء مشروع وطني جامع ينقذ ما تبقى.
السودان لا يحتاج إلى معجزات، بل إلى إرادة سياسية حقيقية، توقف الحرب، وتعيد بناء الدولة على أسس العدالة والمواطنة والكفاءة. هذا ممكن إذا تم اجتثاث منظومة الفساد، وإعادة هيكلة الاقتصاد لخدمة الناس لا النخب.
المصادر
• البنك الدولي: بيانات الناتج المحلي والديون الخارجية.
• منظمة الشفافية الدولية: مؤشر مدركات الفساد 2020.
• الأمم المتحدة: تقرير الوضع الإنساني في السودان 2023.
• هيومن رايتس ووتش: تقارير الانتهاكات في دارفور والخرطوم.
• معهد صناديق الثروة السيادية (SWFI): بيانات صندوق إثيوبيا.
• دراسات أكاديمية:
o أنور محمد أحمد علي (جامعة النيلين).
o علي الحسن محمد نور (مجلة العلوم الاقتصادية 2022).
o محمد محمود الطيب (مقالات بصحيفة الراكوبة 2017).
o عبدالله إدريس أبكر أحمد (جامعة السودان 2017).
o.sidahmed09@gmail.com