الشيطان الأكبر وقرنه اللعين واليمن
تاريخ النشر: 11th, December 2024 GMT
مقالات:
بقلم/ طاهر محمد الجنيد
استطاعت الإمبراطورية التي غابت عنها الشمس أن تحافظ على مصالحها رغم الانكفاء الإجباري بسبب ثورات الاستقلال ضدها في معظم البلدان التي سيطرت عليها وحكمتها بأسلوب مباشر بالجبروت والطغيان، ويرجع ذلك إلى أنها لم تخرج إلا وقد سلمت مقاليد الحكم والسلطان لمن تثق بهم كما سلمت فلسطين لليهود ونجداً والحجاز لـ لآل سعود وبقية الأقطار لمن هم أهل ثقة ويقدمون مصالح الاستعمار على حساب بلدانهم، حتى في خروجها من الجنوب اليمني فعلت ذلك، فقد تركت منهم من كل الأصناف، لكن الجامع المشترك بينهم أن مصالح الاستعمار والإمبراطورية التي غابت عنها الشمس لا يمكن المساس بها .
وهكذا حافظت على مصالحها الاقتصادية والسياسية والثقافية، لغتها في توسع على حساب اللغات الأم للبلدان ومنتجاتها لها الصدارة على غيرها ونفوذها في تمدد وسياستها تطبق رغم المغادرة والرحيل، وبينما يهتف الأحرار “برع يا استعمار” فمن طُرد عاد تحت حماية رجال الاستقلال.
ولأن الغرب يجيد أسلوب الخداع والغدر وسياسة الكيل بمكيالين نجد انه –الاستعمار- يتخذ سياستين الأولى للدول غير العربية والإسلامية تتسم بالعدائية ومحاربة كل نهضة تنموية وغيرها، بينما يساعد الدول الأخرى على تحقيق نهضة والاستفادة من التطور والتقدم.
في الوطن العربي والإسلامي فرض سياسة التجزئة والإفقار والسيطرة والاستحواذ على الثروات بمساعدة فرقه المؤهلة والمدربة على أعلى مستوى، تنفيذا لمقررات “كامبل بنرمان” أصبح “وعد بلفور” حقيقة وتم الاستيطان.
فقبل قرار التقسيم خاطب الصحفي الصهيوني الأمريكي ستيفن واينز رئيس الوزراء البريطاني -آنذاك- ديفيد لويد جورج قائلا: – أود أن أقول لإنجلترا رغم أنني يهودي أمريكي لكنني معجب منذ زمن ببريطانيا العظمى سأقول لإنجلترا لو استطعت “إن وجود فلسطين عربية هو تهديد لبريطانيا والعالم ولكن وجود فلسطين يهودية هو مكسب لبريطانيا العظمة والعالم”.
وهكذا قامت بريطانيا بمساعدة الدول الغربية وصهاينة العرب بإسقاط الحكومات المناهضة لسياسة مؤتمر كامبل بنرمان وتنصيب الحكومات الموالية للغرب عموما وتم القضاء على الثورات والحركات الاستقلالية.
كانت السعودية أهم الحكومات التي تم تأسيسها بدعم مباشر من الحركة الاستعمارية وإسرائيل، فوجودهما وتوسعهما تم بفضل الأسلحة والمستشارين والخبراء والعصابات وتم ربط ذلك بالمصالح الاقتصادية والسيطرة على الثروات، فهناك مشروع اليمامة العسكري بين السعودية وبريطانيا بمليارات الدولارات لتزويدها بأحدث ما تنتجه المصانع البريطانية من الأسلحة خصوصا وقد تعهد المؤسس بتنفيذ وعد بلفور بإعطاء فلسطين للمساكين اليهود -حسب زعمه- وتعهد بعدم الخروج عن سياسة بريطانيا حتى تصيح الساعة، ولذلك فسياسة بريطانيا في المكر والخداع هي ذاتها سياسة مملكة آل سعود ولا تخرج عن سياسة الحلف الصهيوني الأمريكي الإسرائيلي في جميع خطوطها الواضحة ومؤامراتها الخفية .
وكما أخذت بريطانيا تعهدات السعودية، أخذت تعهدات بقية إمارات الخليج، وبحسب ما أثبته الدكتور حامد سليمان في كتابه “القانون الدولي” أنها تعهدت أن لا تتدخل أبداً في قرار ما ولا محاورة مع أحد من الدول سوى الدولة البهية “الإنكليز”.
وبينما استطاعت الدول الأخرى التي كانت مستعمرات إنجليزية تحقيق نهضة صناعية وتنموية حقيقية، حققت الدول العربية والإسلامية تنمية في الاتجاهات السالبة باستنزاف الثروات وتكريس التخلف والتبعية والاعتماد على الاستيراد من الخارج على حساب المنتجات الوطنية التي تم تدميرها، بالإضافة إلى ذلك تأجيج الصراعات الأثنية والاختلافات الجهوية والقبلية وغيرها لتحطيم النسيج الاجتماعي والسلام الداخلي للمجتمعات العربية والإسلامية.
ولبيان بعض المقارنات اللازمة، نورد بعض الأمثلة، ففي حين تسعى ايران لتحقيق الاكتفاء الذاتي من السلاح والحصول على الطاقة الذرية وعدم الاعتماد على الخارج برغم الحظر الاقتصادي والتكنولوجي والاغتيالات لعلمائها ، كذلك تسعى تركيا لتحقيق الاكتفاء الذاتي، لكننا نجد السعودية برغم إمكانياتها الكبيرة وعلاقاتها الاستراتيجية باليهود والنصارى، مازالت تعد أكبر مستورد للسلاح ومثل ذلك الإمارات، كان المبرر في السابق الاستعداد لتحرير المسجد الأقصى وتطهيره من دنس اليهود واتضح الأمر انه سمح لليهود بالدخول إلى المسجد الحرام والمسجد النبوي وأن كل تلك الأسلحة ما هي إلا للتوسع والاستيلاء والتمدد على أكبر مساحة من أراضي الجزيرة العربية، مع أنها لو أرادت بناء قدرات نووية، كان لها ما تريد، لكن التزاماتها وتعهداتها لا تسمح بذلك ومثل ذلك البرنامج النووي المصري الذي تم تجميده وتم اغتيال العلماء، ولا يختلف الأمر كثيرا في تدمير البرنامج النووي العراقي الذي تم تدميره بواسطة إسرائيل وبتعاون السعودية وأمريكا.
الإمام الخميني حينما قام بالثورة في إيران أنهى التبعية للغرب ووصف أمريكا بأنها الشيطان الأكبر، فتوجهت سياسات كل صهاينة العرب والغرب لمحاربة الثورة الإسلامية، لكنها بفضل توجهاتها الصادقة حققت نهضة صناعية واقتصادية متميزة رغم الكثافة السكانية الكبيرة، فيما سُخرت ثروات دول الخليج -كما تحدث عضو البرلمان الكويتي عبدالحميد دشتي- لدعم مشاريع التقسيم والتجزئة وإثارة الفتن، فتم الاستثمار في الحرب العراقية الإيرانية واجتياح الكويت وغزو العراق وتدميره وفي حرب الانفصال في اليمن واحتلال أفغانستان وتدمير السودان وسوريا والصومال وغيرها وكل ذلك من أجل القضاء على كل نهضة قد تتحقق وشراء الأسلحة، ويكفي اعتراف وزير الخارجية القطري السابق حمد بن جاسم بحجم الأموال التي رصدتها دول الخليج لتدمير سوريا وإسقاط النظام بعد إسقاط النظام العراقي وأيضا تمويل المليشيات لإكمال بقيه مخططات التقسيم والتمزيق وفقا للمخطط الذي أعده منظر السياسة الأمريكية اليهودي برنار لويس المتمثل في تجزئة المجزأ وتقسيم المقسم، وبذلك تستمر السيطرة للاستعمار أكبر فترة ممكنة.
اليمن أستُهدف بالمؤامرات المباشرة والمتعددة من قبل قرن الشيطان، لأنه ثار على الإمبراطورية التي كانت تريد البقاء والاستفادة من الموقع الاستراتيجي وكانت المشيخات والسلطنات أحد خيارات البقاء، بالإضافة إلى اللعب على الاختلافات المذهبية والقبلية وغيرها، لكن الوحدة قضت على ذلك وأكملت بقية ما سعت إليه الثورة، لكن وكلاء الإمبراطورية -الإمارات والسعودية – يريدون اليوم تحقيق ما عجزت عنه وذلك يحقق هدفين شراء الأسلحة من دول الغرب وسحب التمويلات إليها وإعاقة مسيرة البناء والنهضة والتنمية.
كان بإمكان السعودية والإمارات الإسهام في استثمار تمويلات الحرب فيما يخدم التنمية وتحقيق عائدات اقتصادية مضمونة في كل المجالات من باب التكامل وتعزيز قدرات دول الجزيرة، لكن ذلك هو المستحيل الذي لا يمكن تحقيقه بسبب الإملاءات الاستعمارية وإقصاء ما تم السماح به لليمن في أجندات دول الخليج المشاركة في لعب كرة القدم.
في حين يستثمرون أموالهم في شراء أندية الغرب وشراء أهم اللاعبين بدلاً من تأهيل شباب الوطن العربي والإسلامي.
ولم يقتصر الأمر على الرياضة فحسب، بل سرت هذه الأيام فكرة الاستثمار في الفن والفنانين المشهورين وتنظيم الحفلات الموسيقية المختلطة وتقنين عبادة الأوثان والأصنام بعد تحليلها لأصحاب المعالي والسمو.
السياسات الاستكبارية والاستعلائية القائمة على تدمير اليمن، هي الأساس، فالمغترب اليمني يظل تحت رحمة السياسات الاستعمارية الخليجية وتحت رحمة الكفيل وغير مسموح إلا لمن يتكيف مع توجهات الإمارات والسعودية وستتكفل المليشيات المحلية وشبكات الإجرام العالمية الممولة باغتيال كل من يشكل خطرا على توجهاتهم.
لكن إذا كانوا يراهنون على إمكانياتهم المادية وسطوتهم وجبروتهم فإن اليمن يراهن على شهادة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وعلى ثناء الله عليهم في كتابه الكريم.
المصدر: يمانيون
إقرأ أيضاً:
السعودية هي الهدف الثاني في مؤامرة التهجير
تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن "امتلاك غزة" وتحويلها إلى منتجع تديره الولايات المتحدة، لم تستهدف الفلسطينيين فحسب، حَيثُ أكّـد ترامب أن خطة التهجير تعتمد بشكل أَسَاسي على إيجاد أرض بديلة لسكان غزة في الدول المجاورة وبالتحديد مصر والأردن؛ الأمر الذي مثّل صدمة للحكومتين العربيتين اللتين ربما ظنتا أن موقفهما السلبي تجاه الإبادة الجماعية في غزة سيبقيهما بعيدتَين عن خطر المشروع التوسعي الصهيوني الأمريكي في المنطقة.
وقد شجّع الاندفاع الأمريكي مجرم الحرب بنيامين نتنياهو على استهداف السعوديّة أَيْـضًا بتصريحات مماثلة، حَيثُ قال: إن "المملكة لديها أراضٍ واسعةٌ ويمكنها أن تقيم فيها دولةً للفلسطينيين"، الأمر الذي عكس بوضوح عدم جدوى مسار "التطبيع" الذي تهرول فيه الرياض منذ سنوات، في حمايتها من مشروع العدوّ الذي يستهدفُ المنطقة بأكملها.
وبرغم أن الدول الثلاث اتخذت مواقفَ إيجابية بشأن رفض تهجير الفلسطينيين، لكن هذه المواقف افتقرت إلى الإطار الحامي لها، والمتمثل بدعم المقاومة الفلسطينية واحتضان قضية تحرير فلسطين بكاملها، حَيثُ جاءت الاعتراضاتُ على مؤامرة التهجير مقيدةً بعناوينَ تخدم مشروع العدوّ مباشرة مثل عنوان "حل الدولتَين" الذي لا يعتبر في الحقيقة سوى غطاء لمشروع "دمج إسرائيل في المنطقة" عن طريق تطبيع وجودها وعلاقاتها مع الدول العربية، وهو ما يعني فتح المجال رسميًّا أمام مشروع "إسرائيل الكبرى" وتغيير الشرق الأوسط، بما يتجاوز مخاطرَ تصفية القضية الفلسطينية وتهجير الفلسطينيين إلى احتلال دول أُخرى وتهجير وإبادة المزيد من الشعوب العربية.
وهكذا فَــإنَّ مؤامرةَ تهجير الفلسطينيين من غزة تكشفُ بوضوح الفجوة الهائلة الموجودة في مواقف الدول العربية والإسلامية، حتى عندما تكونُ تلك المواقف رافضةً لمخطّطات العدوّ؛ فلو كان هدف الرئيس الأمريكي من التلويح بورقة التهجير هو ابتزاز المنطقة للقبول بإكمال مسار التطبيع، وهو ما يراه العديد من المحللين؛ فَــإنَّ الدول العربية تكون قد قدمت باعتراضاتها المقيدة موافقةً ضمنيةً على ما يريده ترامب.
والحقيقة أن السعوديّة هي الهدف التالي لمشروع التطبيع، قد قدمت الكثير من الدلائل على قابلية الاستجابة للابتزاز الأمريكي الإسرائيلي، من خلال "مفاوضاتها" المُستمرّة منذ مدة حول إبرام صفقة التطبيع، والتي وصلت إلى حَــدّ القبول بمُجَـرّد تعهد شكلي من كيان العدوّ بالموافقة على "حل الدولتين"؛ مِن أجلِ تقديمه للجمهور كإنجاز يبرّر الصفقة الخيانية.
وبالتالي فَــإنَّ الضامن الحقيقي لإفشال مشروع تهجير الفلسطينيين وبالتالي إيقاف خطر المخطّط التوسعي للعدو هو دعم المقاومة الفلسطينية والتمسك بالحق الثابت للشعب الفلسطيني بتحرير كامل أرضه، والتخلي عن "الحلول التطبيعية" التي لا تمثل سوى طرق التفافية تؤدي إلى نفس النتائج التي يريد العدوّ تحقيقها.