من الأثر الشعبي المتداول من باب التباهي بالشجاعة في مناطق بعض حواضن المليشيا الجنجويد، الترنّم بالموال الذي يقول ( *العندا موت ببيعا ليا، ببكرية داره تلدي ليا* ) بمعنى أنه لو وجد من يدلّه على القتال المفضي للموت لأهداه بقرةًحامل مقبلة على الولادة لأول مرة .
وآخر يخاطب حصانه لما إزوَرّ وتلجلج ( *هاااي أنا الموت لرقبتي ما لقيتا، القا ليك انت يين* !!) بمعنى أنه يبحث عن الموت والمشاكل المفضية إليه، هذه الأقوال الشعبية المتداولة بين التجمعات البشرية في مناطق معينة تتولد من خلال تجارب الشعوب والمكونات، تعبّر عن ميول وإتجاهات مستخلصة من التجارب، مُعدة لمخاطبة الواقع من باب المآثر أو الردع بهذا الإنتفاش الشبيه بما تفعله بعض المخلوقات بزيادة حجمها في مواجهة الخطر.
ما ساقنا للحديث عن الموت ( *سمبلا* ) وسمبلا بلغة أهلنا في جنوب السودان هي الهملة، أو بلا مقابل، أو لأجل لا شيء، ما ساقنا للحديث هو هذا الموت المجاني الذي تنفذه مشيئة الجهل في رقاب وذمم الدعامة، بوصف يستدعي التركيز والسؤال، لم يفعلون ذلك ؟؟ ولأجل من ؟؟ والإجابة تسردها يوميات الحرب، والأجداث التي ملأت الطرقات والبراري، والغباء يطل من ملامحها الغابرة، تتراكم في حمية جاهلية، تداري نبض الحياة بالأحجبة والتمائم، تتجاذبها روح الإنتماء القطيعي، ونفس العنصرية الحار، ومظآن ثارات واجبة الأخذ والسداد، وما بين الرغبة في النهب والوفاء برضى ( *العقاب* ) بمعنى الأهل والأحباء ، ( *أم قرون وأخواتها* )، فالذي يطلع على مجمل خسائر الجنجويد خلال هذه الحرب، سيقع على أرقام صادمة، لا شك سيكون لها تأثير بالغ في ديموغرافيا القبائل في تلك الحواكير، وقد دق كثير من الناس أجراس الإنذار بفداحة الفقد، وخطر الإستمرار، وخطل الفكرة نفسها، وهوان الشأن والقضية المدعاة، إن كانت الديموقراطية أو دولة ٥٦ او الفلول والكيزان، أو حكم العطاوة وأولاد جنيد أو كما قالوا ( *الله للعبادة* ، *وحميدتي للقيادة* ) هذه هي العوامل المحسوسة والدافعة لهذه الأسراب من الفراشات التائهة المبثوثة أن تسقط في خطوط نيران الجيش ثم لا ترعوي فتتمادى في السقوط، فتهوي فئة إثر أخرى، وليس لها من قيادة تحكم أمرها، وتحرص على حياتها،
وتشاركها معاناة الميدان، وويلات الحرب، ولكنها تجد الحطب متوفراً من ( *حمالاته* ) لتسعر النار، وتنضج الجلود، وتزيد العذاب، ولعل هذه من مقاصد الحرب ببعدها السياسي وفق منطق وتبرير ووعود، ( *القحاطة* ) وهم يخيّرون الشعب ما بين التسليم والسكين،التسليم لهم بأن يركبوا ظهره ( *ويلولحوا أرجلهم* ) وينفذوا أمرهم وبرامجهم الكفرانية الزائغة عن الإستقامة والسوية، وتعرف ذلك بنظرة لما فعلوه خلال فترة حكمهم العقيم، وخطل ما أبدوه من عداوة وإستهداف لثوابت الأمة في الدين والأخلاق، لدرجة أن وزير التربية عندهم ( *خايب* ) يدعو النساء إلى التعري والتصالح مع الجسد.
ولأجل هذا الإختيار القسري أوقدوا نار الحرب، ونأوا بأشخاصهم عنها بعيداً، وتركوا الجنجويد يستدفئون بها، غير عابئين بمعاناتهم من شوك الكتر، ودوابي الليل، وتماسيح النيل، ونسور الجو، وآساد الشرى، وضواري الفهود والعمل الخاص، ونحل المستنفرين السام، وكل ما عند القوات المسلحة من بأس، ودراية في ( *متاتاة* ) الحروب اي سياقتها إلى ناصية النصر.
وكل ماعند الشعب السوداني من نصرة، وما فيه من مرؤات مشهودة، وشهامة موسومة، وصبر الحكماء وغضب أهل الحلم، وكل ما في القانون الدولي والأعراف، والقواعد التي تحكم العلاقات ما فيها من حقوق للجيش أن يذود عن سلامة شعبه ووحدة أرضه.
نعم كل هذه الحواجز المانعة، والبينات الساطعة كالشمس في ضحاها، يغالطها قطيع الجنجويد، ويصر مستكبراً أن يحسم ( *القضية* ) ومن الطرائف قال أحدهم: إن هذه القضية لو حميدتي زاتو خلاها نحن ما بنخليها.
الأخبار المؤكدة من المدن صغيرها وكبيرها في دار فور، والقرى، والفرقان، كلها قد خيّم الحزن فيها، لفداحة الفقد والخسران، وما عاد من طعم للمنهوبات المحمولة من المدن والمناطق المستباحة، فما قيمة شاشة بالريموت لقرية بلا كهرباء ، ( *كلما ترد كلمة شاشة يطل منها وجدي صالح بوجه كقناع المكر* ) ،
ولا صوت يؤذن في الناس للفلاح إلا من نعيق نظّار السوء الذين باعوا أرواح أبناء قبائلهم ودماءهم، باعوهم بعربة بوكس دبل كابينة صينية الصنع ومرتب مية مليون جنيه شهريا، وأدوا القسم مقابل ذلك بالولاء لحميدتي في المنشط والمكره، فبئس البيع وبئس الشرو، وهكذا قضى نظار هذه القبائل التي تحملت وزر القتال، قضوا على مستقبل شباب وأسر، لنزوة عابرة للعلعة دنيا بائسة.
الغريبة تنطق الحاجة بعض من هم في صف القتال من الجنجويد ويصدعون بالحقيقة لماذا نقاتل، وأين هو القايد، وأخوانه، وأسرهم، وأولادهم، والإجابة بالتأكيد بينة واضحة، هو واخوانه وأسرهم وأولادهم في عواصم خارجيه ، يرفلون في النعيم والبهجة، وأولادهم في المدارس، أما الجنجويد فيبحثون عن الموت، ليستبدلوه بما عندهم، وقد رأوه رأي العين في أسوار المدرعات، وعرين المهندسين، وحرم الإشارة، وسماء حطّاب التي بدت لهم واستعصمت ببطولات جيشها ومجاهديها عنهم، وجدوه حيث ما حلوا وارتحلوا، في مواجهة الجيش العظيم، فنكسوا رؤوسهم، ووضعوا اذيالهم بين أفخاذهم ، وتولوا مدبرين.
والراوي الشعبي يقع على قفاه من الشماتة والضحك يردد ما قلتوا عاوزين تبدولوا الموت ببقرة داره،
هاكم الموت مجاني، والبقرة خليناها ليكم،
مؤسف أن يكون كل هذا الموت سمبلا.
*ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز* .
لـواء ركن (م) د. يونس محمود محمد
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
سجون مليشيا الجنجويد وسجون الأسد: سيان
سجون المليشيا وسجون الأسد: سيان..
اختطفت مليشيا الدعم السريع عددا من المواطنين من كبار السن من أحياء الفاشر ، وقتلت بعضهم وتم ترحيل بعضهم إلى الكومة ، واطلق سراحهم بلا ذاكرة وبلا قدرة على الحركة..
ما يجرى فى سجون المليشيا أمور فظيعة ، شملت كبار السن والصغار والنساء..
ابراهيم الصديق على