ما المطلوب من حكومة سوريا الجديدة؟ ضيوف فيصل القاسم يجيبون
تاريخ النشر: 11th, December 2024 GMT
فقد ورث السوريون بلدا مثقلا بالمشاكل والتحديات المعقدة التي تتعلق في جزء كبير منها بالمحيط الإقليمي والموقف الدولي، وهو ميراث يتطلب عملا جادا وعدالة حقيقية وتجاوزا للمحاور والانحيازات.
ورغم النجاح المفاجئ للسوريين في استعادة بلدهم من قبضة بشار الأسد، فإنهم في الوقت نفسه يعيشون لحظة مفصلية شديدة الخطورة من تاريخهم، كما يقول الكاتب والمحلل السياسي ياسر سعد الدين.
فليس ضروريا -برأي سعد الدين- أن تذهب سوريا الجديدة في المسار الذي يحلم به أبناؤها لأنها "قد تتعرض لانتكاسة تاريخية ما لم تتعامل بجدية وكفاءة مع أوضاعها الأمنية والإنسانية، ومع قوى تتربص بها وتتأهب للانقضاض عليها".
الانتباه للثورة المضادةلذا، فإن حكومة محمد البشير التي تسلمت الحكم مؤقتا أن تجد مقاربة جديدة تمنع ظهور الشبيحة وتضبط الحدود بما يمنع دخول العناصر الخارجية التي يمكنها إشعال ثورة مضادة، برأي سعد الدين.
ولإيجاد هذه المقاربة، فإن هذه المرحلة الانتقالية -كما يقول سعد الدين- تتطلب مؤسسات أمنية وعسكرية رصينة، "مع إلزام كل مسؤول بالحكومة الجديدة بتقديم براءة ذمة والتعهد بإجراء انتخابات نزيهة دون المشاركة فيها لضمان تأسيس دولة مدنية حقيقية تتسع لكل من قدم التضحيات من كل التيارات دون إقصاء".
إعلانلكن الأكاديمي علاء الدين العلي يرى أن حديث سعد الدين "ينم عن حماسة"، ويرى أن سوريا انتقلت من مرحلة الثورة إلى مرحلة الدولة، وأن حكومة البشير التي نجحت في إدارة الوضع بمدينة إدلب من دون إمكانيات تقريبا يمكنها فعل الشيء نفسه في عموم البلاد.
وعلى خلاف الرأيين السابقين، يقول الناشط والإعلامي مشعل العدوي إن سوريا بحاجة لتعامل جدي وواقعي مع ما تواجهه من تحديات خصوصا وأن السلطة الجديدة لم توقف أيا من "مجرمي الحرب الذين علموا سنوات لصالح بشار الأسد"، ولم تبدأ بإدارة تلفزيون الدولة الرسمي ولم تضع على رأس الخارجية من يتحدث باسم سوريا الجديدة.
من داخل منزل بشار الأسد بحي المالكي وسط دمشق (مواقع التواصل الاجتماعي) ضبط الأمن والخارجية والإعلامومن هذا المنطلق، فإن العدوي يخشى التشدق بشعارات التسامح والعفو "لأنها قد تودي بما تحقق من نصر وتعيد تكرار ما حدث في دول عربية عادت فيها الدولة العميقة للانتقام ومن الثورة، والتنكيل بالناس".
وحتى لا تقع سوريا فيما وقعت فيه غيرها من الدول العربية، فإن على الحكومة الجديدة التعامل مع ملفات الأمن والخارجية والإعلام بشكل رئيسي، مع طرد كل من كانوا يشغلون مناصب مهمة في عهد الأسد وتعيين سفراء جدد لتقديم الرواية السورية للعالم.
كما أن حياة المواطنين وأمنهم وتسهيل استخراج أوراقهم وجوازات سفرهم وإعادة المنشقين لوظائفهم التي طردوا منها بشكل تعسفي، كلها أمور تعد من الأولويات حاليا، برأي العدوي الذي يرى أن حكومة البشير لم تتحرك لفعل شيء من هذه الأمور حتى اللحظة.
وركز العدوي بشدة على ملفات الأمن والإعلام والخارجية التي يعتقد أن سوريا الجديدة لن تنجح في فعل أي شيء ما لم تتعامل بكفاءة مع هذه الملفات الثلاثة.
الابتعاد عن صراع المحاور
هذه الملفات التي تحدث عنها العدوي، تحدث عنها أيضا الأمين العام لحزب اللواء السوري بالسويداء مالك أبو خير، الذي يرى أن سوريا تواجه اليوم تحديات معقدة جدا تفرض عليها التعامل بحكمة وواقعية من خلال عدم الانتقال من محور إلى محور آخر.
إعلانفالأمر ليس مجرد استلام سلطة من نظام سابق، بل يتعلق بملفات أمنية واستخبارية ودولية وإقليمية معقدة لأن كل العيون متجهة إلى سوريا حاليا، كما يقول أبو الخير.
وللتعامل بواقعية مع هذه الملفات الحساسة، فإن الحكومة الجديدة "مطالبة بإعادة بناء مؤسسات الدولة المدنية وتحديدا الشرطة ووزارة الدفاع وضبط الحدود، والانتباه إلى أن إيران خرجت من سوريا لكنها ستحاول العودة إليها من باب آخر"، وفق تعبير أبو الخير.
ليس هذا فحسب، فهناك دول أخرى -يضيف أبو الخير- ستحاول التدخل في سوريا، وهناك مئات الضباط الذين اختفوا وهم يملكون الملفات الأمنية والاستخبارية المهمة ولا أحد يعرف أين هم ولا لِمَ يخططون.
وحتى النظام الذي سقط، ستكون له خلاياه التي ستحاول العودة من باب الإرهاب أو إحداث الاضطرابات، ومن ثم فلا بد من إخضاع أسماء كبيرة مثل علي مملوك (ضابط المخابرات القريب من الأسد) مثلا لمحاكمات عادلة لأن هؤلاء يمكنهم قلب المشهد تماما وفتح حرب أخرى.
وبالنظر إلى كل هذه التحديات، فإن اللحظة الراهنة -برأي أبو الخير- تتطلب التعامل بجدية مع ملف تهريب المخدرات إلى دول الخليج، ومع علاقة سوريا بالعالم ومع تنظيمات مرتبطة بإيران وأخرى مثل تنظيم الدولة الذي يمكنه إحداث مشاكل كبيرة.
وقبل هذا وذاك، فإن على الحكومة السورية الحالية التأكيد على أن سوريا لم تتحول من محور لآخر، وأنها لن تكون طرفا في صراع النفوذ حتى لا ينتهي بها الأمر كالعراق أو لبنان، كما يقول أبو الخير.
11/12/2024المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات سوریا الجدیدة سعد الدین أبو الخیر أن سوریا کما یقول
إقرأ أيضاً:
وضع مزري.. اقتصادي ينصح حكومة سوريا الجديدة بعدم سداد ديون نظام الأسد
نصح خبير اقتصادي الحكومة السورية الجديدة، بعدم الالتزام بسداد الديون الباهظة التي تركها نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد.
وترك الأسد سوريا في وضع مزري سياسيا واقتصاديا، واجتماعيا، وخسرت الليرة في آخر سنوات عهده 140 بالمئة من قيمتها.
ورغم أن مؤسسات الدولة السورية أُنهكت بفعل الفساد وسنوات طويلة من الحرب، خصوصا بعد تسخيرها إلى فئة قليلة مقربة من النظام السابق، إلا أن المعارضة تتجه إلى الحفاظ عليها وضمان استمراريتها في المرحلة الجديدة.
ويقول الخبير الاقتصادي مصطفى عبد السلام، إن "أسباب هذا التردي الاقتصادي تعود إلى فساد نظام الأسد البائد وفشله في إدارة الشأن الاقتصادي، وعدم الاستقرار السياسي وحالة عدم اليقين خلال الحرب الأهلية التي دامت سنوات طويلة، إضافة إلى بيع أصول الدولة ورهن مقدراتها للحلفاء الخارجيين ومن بينهم إيران وروسيا، والنتيجة تهاوي كل المؤشرات الاقتصادية".
مؤشرات مفزعة
ومن المؤشرات الدالة على فداحة الوضع الاقتصادي الذي ترك فيه بشار الأسد سورية، "خسارة الليرة السورية نحو 140% من قيمتها خلال 10 سنوات، وانهيار الاحتياطي الأجنبي لدى مصرف سوريا المركزي ليصل إلى الصفر مقابل أكثر من 20 مليار دولار قبل عام 2010"، وفقا لمصطفى عبد السلام، الذي نبه كذلك في تصريحات خاصة لـ"عربي 21" إلى أن "الأحوال المعيشية لغالبية السوريين سيئة، وانهارت الطبقة الوسطي".
فهناك 84 بالمئة من السوريين تحت خط الفقر، ونحو 13 مليون سوري يعاني من نقص حاد في الغذاء. أما معدلات البطالة فهي تزيد عن 60 بالمئة في أكثر المؤشرات تفاؤلاً.
ومن المنتظر أن ينصب التركيز بعد أن يستتب الأمن ويتم تكريس الفترة الانتقالية على إعادة الإعمار التي ستكون مشروعا هائلا ستعول فيه دمشق الجديدة على جذب تمويلات دولية، خصوصا من الخليج العربي. ذلك أن بشار الأسد دمر البنية التحتية بالقصف طيلة 13 عاما، كما نسفت مناطق أخرى شهدت معارك طاحنة بين مختلف الجماعات العسكرية التي تنشط في سوريا.
ورغم أن لا توجد أرقام رسمية عن تكلفة إعادة الإعمار، لكن بشار الأسد نفسه قدرها في مارس 2023 بنحو 400 مليار دولار. وكان لافتا وقتها أن هذا الرقم يعادل نصف تقديرات رسمية روسية تبلغ 800 مليار دولار.
وبصرف النظر عن مصدر هذه الأرقام وتقادمها، فإن "الكلفة الاقتصادية للحرب منذ عام 2011 بلغت 1.2 تريليون دولار من الناتج المحلي الإجمالي المفقود"، وفقا لمصطفى عبد السلام.
باع مقدرات الدولة
وإضافة إلى هذه التكلفة الباهظة، ستجد سوريا الجديدة نفسها محرومة من السيطرة على قطاعات
حيوية فوّتها بشار الأسد لحلفائه، حتى إنه "سارع إلى بيع أصول الدولة للوفاء بتلك الديون والأعباء المستحقة عليها عندما عجز عن سداد ديونه"، بحسب مصطفى عبد السلام.
عبد السلام قال إنه تابع عن كثب مسيرة بشار الأسد إلى الإفلاس الاقتصادي منذ "تنازل عن مناجم الفوسفات في تدمر الأهم على مستوى الموارد الطبيعية، وعن رخصة تشغيل الهاتف الجوال ومحطات كهرباء ومستودعات ومحطات للنفط والغاز في مناطق سيطرته لإيران التي حمته من السقوط".
وهو الأمر الذي "تكرر المشهد مع روسيا"، إلى أن "باتت غالبية موارد البلاد الطبيعية خارج مناطق سيطرته قبل سقوطه".
الاستقرار أهم
ومع ذلك، ينصح مصطفى عبد السلام السلطات الجديدة بعدم سداد ديون النظام السابق وعدم الالتزام بالاتفاقيات التي أبرمها لتمويل حربه على السوريين.
وفي المقابل، يحث مصطفى عبد السلام على العمل على تأمين الاستقرار السياسي ليكون هناك "تحرك لدعم سوريا على مستويين اثنين".
ويتمثل المستوى الأول في "عودة الأموال السورية الضخمة المستثمرة في الخارج سواء في شكل سيولة نقدية وودائع أو استثمارات مباشرة"، بينم يتجسد الثاني في "الحصول على دعم عربي ودولي واسع خاصة من بعض دول الخليج الداعمة للثورة السورية منذ العام 2011".
وفي انتظار توفر شرط الاستقرار السياسي لجذب الدعم المالي الدولي، يتعين حاليا التركيز على ملفات عدة أبرزها "العمل على تحسين الأحوال المعيشية المتردية لمعظم السوريين، وخفض كلفة المعيشة ومعدل التضخم، ووقف قفزات الأسعار وتهاوي الليرة السورية وتفشي الفساد والرشى، ولاحقا تحسين البنية التحتية وقطاع الخدمات من شبكات مياه وطرق وصرف صحي وكهرباء واتصالات، والعمل على استعادة الأموال المنهوبة والمهربة للخارج، ويكفي القول إن تقديرات الخارجية الأميركية تشير إلى ان ثروة بشار تبلغ نحو ملياري دولار"، وفقا لمصطفى عبد السلام.