موقع النيلين:
2025-02-11@13:49:49 GMT

سقوط بشار.. ماذا تبقى بعد قتل الدولة؟!

تاريخ النشر: 11th, December 2024 GMT

كان سقوط نظام بشار الأسد منطقيًّا عقب اندلاع الثورة السورية فى مارس ٢٠١١، لكن أجهزة التنفس الصناعية الخارجية أمدت فى عمره ١٤ عامًا أخرى. إيران أرسلت القوات والأسلحة والمستشارين. حزب الله اللبنانى حارب معه، وكأنه يخوض معركته الكبرى. فصائل عراقية وأخرى من دول عديدة جاءت دفاعًا عنه باعتباره جزءًا من محور المقاومة، وعضوًا فيما عُرف بـ«الهلال الشيعى»، الممتد من لبنان وسوريا إلى العراق وإيران.

ثم جاءت روسيا فى سبتمبر ٢٠١٥ لتثبيت أركان النظام ومساعدته على هزيمة المعارضة والفصائل المسلحة.

حقول القتل ملأت سوريا، وراح ضحيتها مئات آلاف المواطنين، وتهَجَّر بسببها الملايين، لكن بقاء النظام، الذى ينتمى بأيديولوجيته وممارساته القمعية وإعلامه إلى عصر الحرب الباردة، كان أهم من حياة السوريين. رغم الخلافات السياسية بينهما، كان النظام السورى توأم نظام صدام حسين فى العراق، الذى سقط نتيجة الغزو الأمريكى ٢٠٠٣، إلا أن بعض الرشادة فى سياسة دمشق الخارجية بالقياس إلى صدام أنقذته من الزوال. ليس غريبًا إذن أنه انهار. المفاجأة سرعة الانزلاق إلى الهاوية. خلال الفترة المقبلة، سينشغل الإعلام والصحافة والمحللون السياسيون بما يحدث فى سوريا فى ظل حكامها الجدد، ويحاولون معرفة طبيعة ما جرى، وكواليس صُنع القرار على أعلى المستويات فى تلك الأيام الحاسمة، وأسرار الاتصالات بين أركان النظام وداعميه الإيرانيين والروس، والأدوار التى لعبتها إسرائيل وتركيا والولايات المتحدة.

لكن هناك قضية محورية قد لا نلتفت إليها، وهى أن الانهيار السريع مرآة عاكسة لهشاشة الدولة السورية ومؤسساتها وعدم قدرتها على التعامل مع الأزمات، مما جعلها تلجأ إلى خيار الانسحاب من مهامها، وتسليم الأرض والقرار إلى الخصوم. هذه الهشاشة أصبحت، على ما يبدو، جزءًا لا يتجزأ من طبيعة بعض الدول العربية، كما أنها ليست وليدة اليوم. تاريخها ربما يعود إلى نشأة تلك الدول. الدولة الهشة تتسم بضعف الكفاءة فى أداء المهام الأساسية المنوط بها القيام بها، خاصة الاقتصادية، بشكل يجعل المواطنين فيها عرضة لأخطار عديدة. لكن الجانب السياسى يلعب دورًا مهمًّا فى إصابة الدول بالهشاشة وفقدان المناعة، مما يجعلها عرضة للانكسار، بل السقوط فى مواجهة الأزمات الخطيرة. الأجهزة التى من المفترض أن تتعامل مع تلك الأزمات لا تتصف بالمؤسَّسية ولا النزاهة والشفافية، وجوهرها الفساد، وغالبًا ما تتحول إلى هيئات قائمة على الشخصنة، بحيث إذا اختفى رئيسها، ينتهى عمل تلك المؤسسات. هذا ما حدث فى ليبيا. بوصوله إلى الحكم، قضى العقيد القذافى على ما تبقى من مؤسسات الدولة، التى لم تعُد دولة، بل جماهيرية تحكمها قرارات وانفعالات وأفكار العقيد الغريبة، وليس الدستور والقوانين. الأمر نفسه حدث فى العراق. سقطت كل مقومات الدولة بسقوط صدام لأنه كان المقومات ذاتها.
باستثناء مصر، التى يتجذر فيها مفهوم الدولة الممتدة عبر التاريخ، ولأن مؤسساتها قامت على التراكم منذ مطلع العصر الحديث، فإن الدولة مفهوم نظرى أكثر من حقيقة واقعة فى معظم عالمنا العربى، الذى نشأت دول كثيرة فيه عقب الحرب العالمية الأولى نتيجة اتفاق بريطانى وفرنسى. وحتى الدول التى نشأت واجهت عدم اعتراف من جانب شعوبها بها. لبنان ظل عقودًا عديدة يرفضه أكثر من نصف شعبه طلبًا للوحدة مع سوريا. غالبية السوريين تطلعت إلى وحدة عربية أكبر تتجاوز القطر السورى. ثم أسهمت الانقلابات المتتالية فى العراق وسوريا واليمن فى زعزعة مفهوم الدولة، وإضعاف، إن لم يكن تفتيت، المؤسسات التى تركها الاستعمار عند رحيله. القبيلة، التى تتجاوز حدود الدول، رسّخت فى أذهان بعض العرب أن الدولة ستقضى على خصوصياتهم ونمط حياتهم الذى ورثوه عبر مئات السنين.

سوريا تحديدًا كانت نموذجًا لعدم الإيمان بمفهوم الدولة، سواء اعتبارها مرحلة سابقة على الوحدة، أو من خلال نمط الحكم السائد منذ استيلاء الرئيس الراحل حافظ الأسد على السلطة ١٩٧٠. جمع الأسد كل السلطات فى يديه، كما لم يحدث فى تاريخ سوريا الحديث. الغريب أن طريقة الأب، التى أورثها لنجله بشار، كانت تلقى تأييدًا كبيرًا من مثقفين عرب اعتبروا أنها الطريقة الأنجع للتعامل مع القلاقل والاحتجاجات التى اعتبروها مؤامرة غربية تستهدف زعزعة الحكم، بل إنهم لم يرفعوا أصواتهم عندما ارتكب النظام المذابح فى حماة أوائل الثمانينيات.

فى رواية «خبر اختطاف»، للكاتب الكولومبى جابرييل جارسيا ماركيز، الفائز بنوبل فى الآداب عام ١٩٨٢،

(ترجمة صالح علمانى) يستدعى المؤلف مقولة مشهورة فى بلاده: «هناك قطاع من الكولومبيين قتل النمر ثم خاف من جلده». عرب كثيرون قتلوا الدولة، ثم تباكوا على تداعيات ما بعد القتل.

عبدالله عبدالسلام – المصري اليوم

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

عادل عبدالرحيم يكتب: مصطفى بيومي رحيل بالجسد وخلود بالذكرى

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق ناظر مدرسة «العباقرة».. قيمة وقامة وصاحب مسيرة عطاء «فكرى وثقافى» غاية فى الخصوبة 

رحيل بالجسد وخلود بالذكرى.. لعل هذا أقل ما يمكن قوله فى وداع المفكر القدير الأستاذ مصطفى بيومى الذى غادر عالمنا منذ أيام إلى آفاق أرحب وأوسع، فالرجل وبحق صاحب مسيرة عطاء فكرى وثقافى غاية فى الخصوبة والإنماء وقد أثمرت عن عشرات المؤلفات ومئات الدراسات النقدية وغيرها من نفحات العقل والروح.

ولحسن حظي.. وقبل نحو العامين أتيحت لى فرصة القرب إلى أقرب مسافة مع "الأستاذ بيومي"، ففى أحد الاجتماعات الساخنة سأل الكاتب الصحفى عبد الرحيم على عن سر غياب الأستاذ الراحل مصطفى بيومى عن هذا الاجتماع.. فأخبره الحاضرون أن نزلة برد من العيار الثقيل أصابت الرجل الذى لم يغب أبدًا.. وهنا ظهرت علامات التأثر الشديد على الأستاذ عبد الرحيم على وراح يسرد على الحاضرين القيمة الفكرية والثقافية لـ"بيومي".

حيث أشار إلى غزارة إنتاجه الأدبى والنقدى الذى لطالما أثرى الحياة الإبداعية فى مصر، مستعرضًا أشهر مؤلفاته التى أحدثت حراكًا فى المياه الراكدة ونهل منها الكثيرون وتتلمذ على يديه كثيرون ممن يشار إليهم اليوم بإسهامات ثقافية، وانتهى الحديث بإصدار "علي" توجيهات فورية بمراجعة كل الأعمال الصحفية والنقدية التى كتبها "بيومي" لاستعادة زمن الكتابة الجميل وإفادة القراء بإبداعاته، وكنت أنا من تشرف بهذه المهمة التى أتاحت لى التواصل المباشر مع الأستاذ مصطفى لأكتشف أننى أمام إنسان فى قمة البساطة والتواضع رغم قيمته التى يعرفها القريب والبعيد.

ومنذ ذلك الحين أعادت مؤسسة "البوابة" نشر أشهر الموضوعات الأدبية والنقدية لكاتبنا الراحل والتى طالما حظيت بمشاهدات وقراءات عالية لتثبت أن جمهور القراء بخير وأنهم حين تقدم لهم وجبات ثقافية شهية يقبلون عليها بنهم وينصرفون عن السطحية واللهث وراء الترند، فلا أحد ينسى محطة "عباقرة الظل" التى تعتبر خير إنصاف للفنانين الخارقين الذين لم يحصلوا على حقوقهم فيما يبدو إلا من خلال ما كتبه عنهم الأستاذ مصطفى رحمه الله.

شهادة للتاريخ

وكيف لا وقد شهد الجميع برجاحة فكر وإبداع كاتبنا القدير.. وعلى سبيل المثال، قال عنه الكاتب أحمد رجب شلتوت: حاول الكاتب مصطفى بيومي، فى أحد أشهر مؤلفاته "عباقرة الظل"، إنصاف عدد من الممثلين الأقل شهرة عن نجوم الصف الأول، وهم من يطلق عليهم أعمدة الطبقة الوسطى فى السينما المصرية، ولم يكن مبالغًا حينما وصفهم فى العنوان بالعباقرة، فقد لعبوا أدوارًا لا تقل أهمية عن أدوار البطولة، وأشار الكاتب إلى أنه بهذا الكتاب يدين بالحق للأديب الراحل يحيى حقي، ففى كتابه "ناس فى الظل" تحدث عمن أسماهم ملح الأرض، موضحًا أنهم جديرون بالحب، وكان هذا الكتاب دافعًا لكتابة "عباقرة الظل"، فهدفه رد الاعتبار لنجوم الصف الثاني، أو ملح أرض السينما.

فلا أحد من هؤلاء يحتل الصدارة فى الأفلام المشار إليها، لكنهم فيها كالملح فى الطعام، الملح سلعة زهيدة الثمن، ولكن لا مذاق للطعام إلا به، وهكذا أفلامهم لا اكتمال للبناء الفنى فيها بمعزل عنهم.

ويضيف "شلتوت": مارس مصطفى بيومى فى "عباقرة الظل" نوعًا من الكتابة، يجمع بين الأدب والصحافة، تذوب فيه الحدود بين الاثنين حتى تكاد أن تتلاشى، ليس للطبيعة التى يأخذها سرده لما يتعلق بشخصيات ذات مواهب فائقة، ثم انتهت حياتها إلى التجاهل فلم تنل ما تستحق من اهتمام وتكريم، وهو فى فصول الكتاب لا يهتم كثيرًا بسيرة حياة الشخصية التى يتناولها، بل يركز على أدوارها السينمائية مبينا جوانب التميز فيها، ويرسم بورتريهات للشخصيات من خلال ما أدته من أدوار، فيصنع ما يشبه القصة مستوحيًا أحداثها وشخصياتها من الأفلام التى برع فيها هؤلاء الذين يعرض لهم فى كتابه، فى محاولة للتدليل على استحقاقهم لوصفه لهم بالعباقرة.

يواصل الكتاب رحلته أمام الشاشة وخلف كواليسها منطلقا من فكرة أن الأستاذية لا يشترط أن تقترن بالنجومية، فهى حصيلة الإبداع الصادق المتوهج الذى يتجاوز فكرة البطولة التجارية، وثيقة الصلة بشباك التذاكر والموقع الذى يحتله الاسم فى أفيشات الدعاية، ويستعرض تميز عدد كبير من الفنانين ينتمون لأجيال مختلفة ومدارس فنية متباينة، منهم "نعيمة الصغير.. سلطانة فى الفن"، "عبدالعليم خطاب.. مزيج من الموهبة والثقافة"، "سعيد خليل المشهور المنسي"، "نجمة إبراهيم.. الملكة المتوجة فوق عرش الشر"، حيث يشير إلى ما قيل عن إشهار إسلامها قبل تأسيس الكيان الصهيونى فى فلسطين، ويرى أن المسألة ليست أن تكون الفنانة يهودية أسلمت أو أنها عاشت وماتت على دينها القديم، فهى مصرية خالصة قبل أن تكون مسلمة أو يهودية.

ويختم الكاتب مقاله عن مسيرة "بيومي" قائلًا: وما تاريح الفن المصرى إلا حصيلة جهد المصريين والمتمصرين والوافدين، دون نظر إلى هوياتهم الدينية وأصولهم العرقية، ومن هنا تتشكل خصوصية مصر وتفردها قبل أن يضربها الضعف والوهن.

مسيرة حافلة

نعم إنه فقيدنا الغالى الأستاذ مصطفى بيومى، ابن محافظة المنيا، الذى عصرته الدنيا وصهرته، لم يبخل بجهد، ولا وقت، على الأدب، وغيره من المعارف، فكان متعدد الاهتمام والاطلاع والكتابة، له فى كل اتجاه سهم، وفى كل جمع قول، أخلص للأدب، قراءة وكتابة، حتى أضناه، وسلى جسده، وأورثه أسقامًا، تقعد غيره، فلا يقدر على حملها، أما هو فيقوى على ضعف الجسد بقوة الروح، ومضاء الإرادة، وحضور الرغبة التى لا تتوقف فى إضافة شىء جديد إلى الثقافة، بعيدًا عن أى هرج أو مرج، وكيف يهرج الزاهدون العاكفون فى صوامع المعارف والفنون!.

لم يسع مصطفى إلى أن يخطف من القاهرة كل مفاتيحها، وما أكثرها وأقساها! إنما اختار مفتاحًا واحدًا، لا يفكر فيه سوى أولياء المعرفة، وأصفياء الفن، والساعين إلى أمل بعيد، ومجتمع آخر يسوده الجمال والعدل والحرية، كيف لا وهو أكبر المتخصصين فى العالم العربى فى دراسة نص نجيب محفوظ، ذلك الرجل العظيم الذى كان بطله الأثير يحلم دائمًا بأن يشرق النور، وتأتى العجائب، ويرعى العجل مع الشبل، والذئب مع الغنم، حين يعود الفتوة الغائب «عاشور الناجى»؟!.

كلمة أخيرة

اللهم ارحم مفكرنا الغالى الأستاذ مصطفى بيومى واجعل نزله جنة الخلد مع الصالحين والشهداء وحسن اولئك رفيقًا واجعل دعاء كل محبيه فى ميزان حسناته.. آمين 

مقالات مشابهة

  • أكثر من 100 ألف لاجئ سوري عادوا من تركيا إلى بلادهم خلال شهرين
  • رحيل سام نيجوما .. ماذا تبقى من حركات التحرر الوطني الأفريقي
  • إلغاء مسيرة قافلة عسكرية روسية في سوريا بعد تدخل وزارة الدفاع
  • مصطفى بيومى.. المتناغم بين الحكمة والعفوية.. المتخلى عن شهوة الاقتناء
  • مصطفي بيومي.. الاستثنائى الجميل الذى ندين له كُتابًا وقُرًاء ومُثقفين
  • عادل عبدالرحيم يكتب: مصطفى بيومي رحيل بالجسد وخلود بالذكرى
  • مع اقتراب شهر رمضان.... اسعار الدواجن واللحوم والاسماك بالإسكندرية نار !!
  • شاهد | ماذا تبقى بعد طي نصف المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة
  • 50 مليار دولار تُسرق من أجور العاملين في أمريكا سنويا (الحلقة الثالثة)
  • «المثالية».. مصدر التفكير الدينى