«تحلّي الزرعة.. وتحسّن الرزق».. أسرار «الكارو» يكشفها ملوك الصنعة: «فن بالوراثة»
تاريخ النشر: 10th, December 2024 GMT
يقف وحيداً فى ورشته يطيّع الحديد والخشب، يشكّلهما بخياله وساعِده، يقضى شهوراً فى إكمال تحفته التى «تُحلى الزرعة» وتجذب الزبون من نظرة واحدة، يرى نفسه فى عيون «الفلاح» بطلاً لرأسماله، وبداخل قلبه هو حامل لواء الإبداع الفطرى المتسلسل فى عائلته، التى تعهّد أن يحافظ بكل ما أوتى من «فن وصنعة» على مهنة الأجداد ليحفر اسماً فى صناعة «العربات الكارّو»، مفتخراً بأنه لا يخرج واحدة تشبه الأخرى، ولا سبيل لاندثارها ما دام حياً.
فى شوارع «المحروسة» خلال القرن التاسع عشر، عرف المصريون «العربة الكارو» وسيلة للتنقل، تمتطيها النساء والبضائع، تسير على أربع وإن ضاق معونها فتكتفى باثنتين، يجرُّها حصان بائس أو حمار شقيان، بمرور السنوات قد نسيا شوارع القاهرة لكنهم على علم تام بأزقة الأرياف، فلا وجهة لـ«الكارو» دونهما، تلك العربة التى يأتى بسببها الفلاحون أفواجاً إلى «عبدالسلام محمد» فى ورشته، ليعينهم على تصنيع عربة يتباهى بها «الباعة»، أو آخر يقضى بها مشاويره ويشم بها الهواء الطلق فى «شغلة نزاهة»، كما يسميها «عبدالسلام».
لم يعرف الرجل الخمسينى غير صناعة العربات الكارو مهنة، تشبث بها صغيراً على يد جده ووالده، ليذيق ولده الوحيد نفس الفن، يحكى «عبدالسلام» الشهير بـ«عم عبده» مفتخراً بما صنعته يداه: «طلعت لاقيت جدودى وأبويا وأعمامى فيها، وأنا كملت وطورت»، ورغم رؤيته بأن «سوقها بِطل» وصارت «صنعة الهواة»، فإنه يتشبث بها وبزبونها الذى يطلق عليه «الغاوى»: «مش أى حد يكلِّف على عربية، لأنها بتبقى صارفة، الوحيد اللى ما يستغناش عنها الفلاح، حتى لو جاب الجرار، عشان خدمة أرضه وبيته وبهايمه».
ديكورات العربة الكارو«الزبون يجيب المون وأنا باخد صنعتى ونتفق على الديكورات»، تلك أولى مهام «عم عبده» الذى يتفنن فى ديكورات «الكارو»، وتحديد الفوارغ والرسومات التى يشكّلها بيديه من الحديد ويلصقها عليها: «بتخيل أشكال الحديد وفورمته، وبعمل كله بإيديا، سواء دراع حصان ولا وش قطة».
لا تخرج العربية الكارو من تحت يد «عم عبده» إلا بعد 5 أو 6 شهور من العمل الجاد: «مش كل العربيات بعملها بالفن ده، فيه عربيات فاضية خالص مفيهاش خشب ولا حديد مخلى، بيبقى صاحبها راجل غلبان عاوز ياكل عيش، إحنا مش بنبص للمكسب بنبص للصنعة، مش عاوزينها تموت».
«هى اللى بتحسِّن الرزق»، ذلك الاعتقاد الراسخ فى عقل «عم عبده» وقلب «التاجر الشاطر»، الذى يتعمد أن يصرف عليها حتى تليق ببضاعته وزبائنه: «العربية لما يبقى شكلها بتّحلى الزرعة اللى عليها وتشد الزبون».
تصميم العربةصانع الديكورات وتصميم العربة هو رقم واحد فى تلك الصنعة، لكن يليه اثنان هما «البوهيجى والرسام»: «بديلهم العربية خلصانة بس خشب أبيض، هما يلونوها ويرسموا عليها، إحنا التلاتة بنكمل بعض».
وعلى نفس الروح شبَّ «هيثم عبدالسلام»، 34 سنة، فلم يرتضِ مهنة غيرها، بل عمل على تطويرها ووضع بصمته الخاصة: «كنت فى المدرسة، أطلع أقف مع الحج فى الورشة وفى وسط الصنيعية، بقيت أتعلم من أبويا، وأطور من الحدادة وأعمل الحديد، كان الأول الحليات اللى فى العربيات معدودة، زودت فى العربية وعملت دلايات متحركة، الديكور بتاعها خليته عالى وأحط أشكال من دماغى، حتة الحديدة بمسكها غشيمة وأشكّلها»، يحافظ «هيثم» على مبدئه بألاَّ تخرج عربة كارو من تحت يديه تشبه الأخرى: «أغلب الورش عندهم اسطمبة واحدة، وبيجولى عشان أجددلهم فى شغلهم».
لا يعتمد ابن محافظة المنصورة على التصنيع فقط، ولكنه يجرى الصيانة كذلك، معتمداً على مواسم الطلب عليها: «الفلاح قبل موسم الأرز والغلة يحب يجددها ويعمل فيها صيانة».
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: العربة
إقرأ أيضاً:
الأوبرا تنظم صالوناً ثقافياً عن شادى عبدالسلام على «المسرح الصغير»
تحتفى وزارة الثقافة باسم الفنان الكبير شادى عبد السلام، من خلال دار الأوبرا المصرية برئاسة الدكتورة لمياء زايد، التى تنظم ضمن نشاطها الثقافى والفكرى تحت عنوان «يوم شادى عبد السلام»، تحت رعاية الدكتور أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة فعاليات مميزة مساء الأربعاء ١١ ديسمبر.
ومن المقرر أن تتضمن عرض فيلمى «جيوش الشمس وآفاق» من تأليف وإخراج شادى عبد السلام فى السادسة مساء، بأوبرا دمنهور ويعقب ذلك لقاء يديره الفنان أحمد النبوى مع الناقد السينمائى الدكتور محمد عبد الغنى مصطفى.
كما يقام فى السابعة مساء على المسرح الصغير بالأوبرا صالون ثقافى تحت عنوان «شادى عبدالسلام الفرعون العاشق فى عيون المبدعين» (يوم أن تحصى السنون) بمشاركة المخرج السينمائى جمال قاسم، المصور السينمائى سمير فرج، الناقد السينمائى سامح فتحى، الفنان سيف أبوالنجا والفنان وليد عونى ويدير الصالون الأستاذ بشير شوشة وتقدمه الدكتورة نجوى صابر.
جدير بالذكر ان المخرج شادى عبد السلام ولد فى مارس ١٩٣٠ بمحافظة المنيا وتخرج فى كلية فيكتوريا بالإسكندرية، درس فنون المسرح فى لندن والتحق بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة وحصل على درجة الامتياز فى العمارة، أتيحت له فرصة دخول عالم السينما عن طريق المخرج صلاح أبوسيف من خلال فيلم «الفتوة»، عمل مصممًا للديكور ومساعدًا للمهندس رمسيس واصف.
عمل مساعد مخرج فى بعض الأفلام أغلبها لمخرجين أجانب، منها: «وإسلاماه» والفيلم الإيطالى (الحضارة) والأمريكى (كليوباترا) والبولندى (فرعون ) كما صمم الديكورات والملابس للفيلم التاريخى الكبير الناصر صلاح الدين إلى أن أخرج العديد من الأعمال السينمائية والتسجيلية الهامة منها فيلم «المومياء…يوم أن تحصى السنين..» الذى حصد الكثير من الجوائز العالمية وشهد حفاوة شديدة وتقديراً كبيراً من الوسط السينمائي.
كما اختير الفيلم ضمن قائمة أفضل ١٠٠ فيلم فى تاريخ السينما العالمية والإخراج ليس منطقة التفوق الوحيدة فى تاريخه، فهو كاتب وصاحب مشروع فنى طموح حاول من خلاله أن يعكس رؤيته وعشقه للثقافة المصرية القديمة باختلاف أزمنتها، معبراً عن أصالة الروح المصرية فى أفلامه وقد توفى فى أكتوبر ١٩٨٦.