الوعي الجمالي وجودة الحياة
تاريخ النشر: 10th, December 2024 GMT
فـي مقالي السابق تناولت باختصار علاقة الفلسفة بجودة الحياة كتوجه جديد فـي الفلسفة الراهنة، وأنا أود هنا أن أتناول جانبًا معينًا من هذا العلاقة كما تتبدى من خلال الوعي الجمالي باعتباره أحد التجليات الرئيسة للفكر الفلسفـي. ذلك أن الفلسفة- كما أفهمها- هي تأسيس للوعي فـي سائر تجلياته: كالوعي العلمي، والديني، والأخلاقي، والتاريخي، والجمالي؛ أي تأسيس الوعي بالمفاهيم الكبرى التي توجه حياتنا وأسلوبنا فـي العيش.
لنتفق أولًا على أنه لا حضارة من دون فن وثقافة بالمعنى الواسع، وإذا كانت الحضارة مقترنة بجودة الحياة وقيمتها، فإن هذه الجودة تمتنع إذن فـي حال غياب الفن؛ ببساطة لأن الإبداع فـي الفن هو أمارة على بلوغ الحضارة ذروة تألقها بعد الوفاء بالحاجات الإنسانية الضرورية للحياة. ولنتفق ثانيًا على أن ارتقاء الفن مقترن بارتقاء الوعي الجمالي، وهذا الوعي يتسع ليشمل الثقافة بمفهومها الواسع واتجاهات النقد الفني والأدبي، وكل هذا يرجع فـي النهاية إلى الفلسفة باعتبارها الأصل والمنشأ الذي ينبع منه كل هذا. الحضارات تبدأ بالعلم، ثم بالتكنولوجيا التي هي تطبيقات لهذا العلم، ولكن الوعي الجمالي (والفلسفـي عمومًا) يأتي عندما تنضج الحضارات بحيث نعلو كثيرًا على مجرد الوفاء باحتياجات وجودنا الفـيزيقي أو الجسماني، بل على رفاهة الحياة التي يكفلها العلم والتكنولوجيا، لكي نحيا الحياة الجديرة بأن تُعاش على المستوى العقلي والروحي الذي وُهِب للإنسان باعتباره غايةً وكمالًا له.
غير أنه من الضروري أن نلاحظ أن الوعي الجمالي لا يقتصر موضوعه على إدراك القيم الفنية والجمالية فـي الفن، بل يتسع ليشمل إدراك جماليات الطبيعة وجماليات البيئة التي تشمل البيئات الطبيعية والبيئات المشيَّدة، بل يشمل أيضًا نظرتنا للحياة ورؤيتنا فـي التعامل مع الأشياء بطريقة جمالية. وعلى هذا، فإن تأسيس الوعي الجمالي بظواهر الفن والجمال، لا يعمل فحسب على تعميق رؤيتنا للفن وحُسن تلقيه من خلال عملية التذوق الجمالي؛ بل يعمل أيضًا على تحسين رؤيتنا للبيئة التي نعيش بين جنباتها. الواقع أن علم الجمال البيئي كان مستبعدًا من علوم البيئة؛ وذلك لعدة أسباب أو مبررات خاطئة، ومنها القول بأن البيئة لا تنطوي على موضوع إستطيقي؛ لأن الموضوع البيئي كان مقتصرًا على الدراسات التي تتناول البيئة من خلال فروع العلوم الطبيعي، مثل: الجغرافـيا الطبيعية وعلم المناخ والإيكولوجيا.
ومن الأخطاء التي وقرت فـي الأذهان الاقتصار فـي النظر إلى موضوع البيئة من حيث صلتها بالأخلاق، وبالأسلوب الأمثَل فـي الحفاظ عليها من أجل صحة ورفاهة الإنسان. وهكذا يتم اختزال الموقف الفلسفـي من البيئة إلى «علم أخلاق البيئة» Environmental Ethics، والنظر إلى الخبرة بالبيئة باعتبارها خبرة أخلاقية تتعلق بأسلوب التعامل مع البيئة والحفاظ عليها، وما إلى ذلك. ولكن هذا الخطأ الفكري هو ما أدى إلى تأخير النظر إلى الموضوع البيئي باعتباره موضوعًا جماليًّا؛ ومن ثم يمكن النظر إلى الخبرة المرتبطة به من حيث هي خبرة جمالية وإن كانت مختلفة عن الخبرة بالعمل الفني، وهذا هو مادة البحث الأساسية فـي «علم جمال البيئة» Environmental Aesthetics. والحفاظ على البيئة لا يعني فحسب عدم الجور عليها بتقليص مساحتها بفعل المجتمع الصناعي المتمدين الذي يُقلِّص باستمرار من وجودها وحضورها فـي عالمنا؛ وإنما يعني أيضًا عدم تشويه ما تبقى منها، من خلال التغيير الجائر لطبيعتها الفطرية بزرع كتل أسمنتية وسطها أو أبراج شاهقة تُشرِف على مشهدها وكأنها تقوم بتسييجه، فتفسد المشهد وتعزلنا عنه. وجمال البيئات المشيدة يشمل كل الأمكنة التي نتعامل معها بشكل مباشر فـي حياتنا اليومية، من قبيل: بيئة الحياة اليومية والاعتيادية كما تتمثل فـي العمل والمنزل وفـي كل الأماكن التي يتحرك فـيها الإنسان ذهابًا وإيابًا فـي الطريق إلى عمله أو قضاء حوائجه. وهنا على وجه التحديد تبرز أهمية فن المعمار وهندسة التخطيط العمراني؛ إذ بات لزامًا على هذا الفن أن يضع فـي اعتباره- فـي المقام الأول- كيف يكون المعمار متصلًا بعالم الطبيعة؛ ومن ثم بانفتاح الداخل على الخارج. بل بات لزامًا على فن الديكور والتصميم الداخلي للمنازل فـي العوالم المتقدمة أن تراعي ألا يكون المنزل محبسًا أو سجنًا يقبع المرء بين جدرانه.
ومن ضرورات الوعي الجمالي بالفن استبعاد المقولة التي شاعت فـي عصر الحداثة التي تقول: «الفن من أجل الفن»؛ فالحقيقة أن الفن ينبغي أن يكون دائمًا من أجل الحياة، وهكذا كان شأن الفن العظيم فـي عصر القدماء حينما ارتبط بعالمهم الديني والأسطوري والاجتماعي، وهكذا كان شأن كل الأعمال الفنية العظمية على مر العصور.
خلاصة القول إن الإحساس بقيمة الجمال ومواطنه أمر مرهون بالوعي الجمالي، وهذا الوعي مرهون بالثقافة الفنية والجمالية، أي بفلسفة الجماليات؛ وهذا ما يتحقق عندما تبلغ الحضارات ذروة تألقها، وهو ما يكفل جودة جانبًا مهمًا من جودة الحياة وأسلوب العيش.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: من خلال
إقرأ أيضاً:
وزير الثقافة: نتواصل مع الأزهر والكنيسة لزيادة الوعي للمواطنين (فيديو)
قال الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة، إن الوعي مسئولية جماعية وليس مسئولية مؤسسة واحدة، وهناك أكثر من هيئة مسئولة عن ذلك كوزارات الأوقاف والشباب والتربية والتعليم والتعليم العالي.
وزير الثقافة: 30% زيادة في عدد دور النشر المشاركة في معرض القاهرة الدولي للكتاب هذا العام وزير الثقافة يُكرم صناع الهوية المصرية خلال النسخة الأولى من "يوم الثقافة" بدار الأوبراوأضاف هنو في لقاء خاص مع الإعلامي أحمد موسى ببرنامج «على مسئوليتي» المذاع عبر قناة صدى البلد،: "نتواصل مع الأزهر والكنيسة من خلال فعاليات لزيادة الوعي للمواطنين، وتم عقد لقاء كبير داخل الكنيسة مع الأطفال من خلال عدة أنشطة فنية، فضلا عن إقامة عروض مسرحية متنوعة داخل جامعة الأزهر.
حفل إنشاد داخل جامعة الأزهروأشار وزير الثقافة، إلى أن الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر وافق على إقامة حفل إنشاد داخل جامعة الأزهر بحضور المنشد محمود التهامي خلال شهر رمضان المقبل.
وتابع: "العمل الثقافي له قدرة كبيرة على جذب السياحة، ونتطلع لإقامة حفلات ثقافية في البر الغربي ومعبد الكرنك لتحقيق الجذب السياحي.
وأعلن الوزير، أنه سيتم افتتاح قصر الثقافة في مركز أخميم بمحافظة سوهاج خلال شهرين على الأقل، معقبًا: «لدينا قناعة بأن التحرك لا بد أن يكون أفقيا وليس رأسيا».
وكان الدكتور أحمد فؤاد هَنو، وزير الثقافة، قد كرم عددًا كبيرًا من صناع الهوية المصرية، تقديرًا لمسيرتهم المتميزة، وإسهاماتهم البناءة في ترسيخ الهوية الفكرية والإبداعية لمصر، وذلك خلال الاحتفالية الكبرى التي نظمتها وزارة الثقافة المصرية، بالمسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية، بحضور عدد كبير من الشخصيات العامة بالمجالات المتعددة.
حيث كرم الدكتور أحمد فؤاد هَنو، وزير الثقافة، عددًا من الشخصيات التي أثرت الحياة الثقافية المصرية خلال عام 2024، وتضمنت قائمة التكريمات: "تكريم المرشحين من لجان المجلس الأعلى للثقافة، وتكريم المرشحين من النقابات، إضافة إلى أسماء الراحلين الذين فقدتهم مصر خلال العام.
حيث اشتملت قائمة المرشحين من لجان المجلس الأعلى للثقافة، على: "المخرج الكبير هاني خليفة (السينما)، المخرج أحمد طه (المسرح)، الدكتور طارق والي (الفنون التشكيلية والعمارة)، محمد عبد الحافظ ناصف (فنون الطفل)، المايسترو ناير ناجي (الموسيقى والاوبرا والباليه)، الدكتور أحمد درويش (الدراسات الأدبية واللغوية والنقدية)، الروائي الكبير إبراهيم عبد المجيد (السرد القصصي والروائي)، الشاعر سامح محجوب (الشعر)، الدكتور حسين محمود (الترجمة)، الدكتور حامد عيد (تنمية الثقافة العلمية والتفكير الابتكاري)، الدكتور منى علي الحديدي (الشباب) الدكتورة نهلة إمام (التراث الثقافي غير المادي -الفنون الشعبية-)، المهندس زياد عبد التواب (الثقافة الرقمية والبنية المعلوماتية)، الدكتور حسام لطفي (حماية الملكية الفكرية)، الدكتور علاء عبد الهادي ( تطوير الإدارة الثقافية وتشريعاتها)، المستشار الدكتور خالد القاضي (مواجهة التطرف والإرهاب) ، السفيرة مشيرة خطاب (ثقافة القانون والمواطنة وحقوق الإنسان)، الدكتور أحمد زكريا الشلق (التاريخ والآثار)، الدكتورة نيفين مسعد (الاقتصاد والعلوم السياسية)، الدكتور مصطفى النشار (الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا)، الدكتور عبد المسيح سمعان (الجغرافيا والبيئة)، الدكتور زين عبد الهادي (الكتاب والنشر)، الدكتورة منى محمد سعيد الحديدي (الإعلام)، الدكتور مصطفى رجب (التربية وعلم النفس)".
كما تضمنت قائمة المرشحين من النقابات، كلًا كل من: "الدكتور يوسف نوفل الشاعر والناقد الأدبي وأستاذ الأدب العربي، والدكتور محمد حسن عبد الله، الناقد الأدبي وأستاذ الأدب العربي (النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر)، الدكتور محمود حامد، والدكتور عبد العزيز الجندي (نقابة الفنانين التشكيليين)، والفنان يحيى الفخراني، والمخرج سمير العصفوري (نقابة المهن التمثيلية)، السيناريست عبد الرحيم كمال، والمخرج مروان حامد (نقابة المهن السينمائية)، الفنان مصطفى كامل، والفنان محمد منير (نقابة المهن الموسيقية)، والشيخ ياسين التهامي، والفنان انتصار عبد الفتاح (نقابة المنشدين)".
واشتملت قائمة أسماء المبدعين الراحلين الذين فقدتهم مصر خلال عام ٢٠٢٤، كلًا من : "الشاعر محمد إبراهيم أبو سنة، الدكتور عبد الوهاب عبد الحافظ، رئيس مجمع اللغة العربية، الناقد الكبير أحمد شمس الدين الحجاجي، الناقدة والمفكرة سيزا قاسم، الشاعر بخيت بيومي، الدكتور فتحي أبو عيانة، أستاذ الجغرافيا، الناقد المسرحي عبد الغني داوود، الفنان التشكيلي حازم المستكاوي، الفنان التشكيلي مصطفى الفقي، الفنان التشكيلي حلمي التوني، الفنان التشكيلي كمال خليفة، المؤلف عصام بشاي، الفنان مصطفى فهمي، الفنان نبيل الحلفاوي، الفنان حسن يوسف، المايسترو عبد الحميد عبد الغفار، الكاتب والمنتج فاروق صبري، رئيس غرفة صناعة السينما السابق، المخرج طارق الكاشف، الملحن الكبير حلمى بكر، الفنان جميل برسوم، الفنانة شيرين سيف النصر، الفنان صلاح السعدني، المخرج عصام الشماع، الفنان تامر ضيائي، الفنان أحمد فرحات، الناقد الفني نادر عدلي، الفنانة ناهد رشدي، الفنانة شريفة ماهر، الملحن والشاعر محمد رحيم، المنتج تامر فتحي، المنتج حسام شوقي، المنتج فتحي إسماعيل، المنتج محمود كمال، المصور عصام فريد، مهندس الصوت محسن التوني، عميد معهد السينما السابق".