لجريدة عمان:
2025-02-11@07:35:39 GMT

الصحافة العُمانية والتحول الرقمي

تاريخ النشر: 10th, December 2024 GMT

طرحنا في مقال الأسبوع الفائت سؤالا يقول أين صحافتنا من ثورة الذكاء الاصطناعي؟ وللإجابة عن هذا السؤال المهم والملح في الوقت نفسه، استعرضنا التحولات التقنية الكبرى التي شهدتها الصحافة، وقلنا إن التأريخ للتحول الرقمي في الصحافة بوجه عام يجب أن يبدأ بظهور الحاسوب وتزايد استخدامه في إنجاز بعض الأعمال التي كان يقوم بها الصحفيون والفنيون البشر في المؤسسات الصحفية.

وعلى هذا الأساس فإن دخول أجهزة الحاسوب وإدماجها في غرف الأخبار واستخدامها في التغطية الصحفية وإنشاء الأنظمة التحريرية والتصميم والطباعة كان البداية الفعلية للتحول الرقمي في صناعة الصحافة ووسائل الإعلام، والتي كان عليها مواكبته والتأقلم مع متطلباته المادية والبشرية.

تشير المصادر التاريخية إلى أن صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية قامت في نهاية خمسينيات القرن الماضي بتجربة استخدام الحاسوب لتحليل الأخبار والبيانات. وشهدت نهاية الستينيات وأوائل السبعينيات بداية استخدام الحاسوب في الصحافة لتحرير النصوص والتصميم. وسرعان ما انتقلت هذه الأجهزة إلى الصحف العربية خاصة في السبعينيات والثمانينيات لتطوير عمليات التحرير والإخراج والطباعة.

يمكن القول إن التحول الرقمي في الصحافة العُمانية ليس وليد اليوم، ولا يرتبط بثورة تكنولوجية واحدة، واستفاد من كل التقنيات الرقمية التي بدأت مع ظهور الحاسوب وانتهت -حتى الآن على الأقل- بالذكاء الاصطناعي، مرورا بشبكة الإنترنت وشبكة الويب، وشبكات التواصل الاجتماعي. ورغم أن نشأة الصحافة في عُمان جاءت متأخرة وبدأت في مطلع السبعينيات في وقت كان الحاسوب قد دخل بالفعل في إنتاج الصحافة في كثير من دول العالم، فإن دخول هذه التقنية في الصحف العُمانية تأخر حسب بعض شهود هذه المرحلة من الصحفيين إلى نهاية ثمانينيات وبداية تسعينيات القرن العشرين، وبالتالي تأخرت الصحف التي كانت قائمة وقتذاك في إنجاز أولى خطوات التحول الرقمي.

في تقديري إن هذا التأخر كان طبيعيًا ومتوقعًا ومتوافقًا مع السياق التقني الذي كان قائما في سلطنة عُمان في تلك الفترة من ناحية، ومحدودية الخريطة الصحفية التي كانت تضم ثلاث صحف أسبوعية فقط من ناحية ثانية، بالإضافة إلى المقاومة العالية من جانب إدارات الصحف والصحفيين للحاسوب واستخدامه في الصحافة في تلك الفترة المبكرة من عمر الصحافة في عُمان. وقد تم تعويض هذا التأخر فور بدء التحول الرقمي من خلال تسخير كافة الإمكانات المادية والبشرية لاستخدام أحدث الأجهزة والبرامج المشغلة لها، والتوسع الكبير في توظيفها في جمع وتحرير الأخبار والموضوعات الصحفية وإخراج الصفحات وإعدادها للطباعة. ومع مطلع الألفية الجديدة كانت كل الصحف العُمانية تقريبا قد أدخلت الحاسوب في صالات التحرير وغرف الأخبار، وبدأ الصحفيون في الاعتماد على أجهزة المؤسسة في كتابة وتحرير موضوعاتهم، واستخدام الأنظمة التحريرية التي قامت الصحف بتوفيرها لتحقيق التدفق الإخباري داخل المؤسسة، بين الصحفيين وأقسام المراجعة المركزية، ورؤساء الأقسام، ومديري التحرير، والمصممين، والمخرجين.التقنية الثانية التي تبنتها الصحافة العُمانية بشكل أسرع كانت شبكة الإنترنت، التي تحولت إلى وسيلة اتصال جماهيرية بعد ظهور شبكة الويب في 1991. في العام التالي لظهور الويب سارعت الصحف خاصة في الدول الغربية إلى توظيف هذه التقنية في إنشاء مواقع إلكترونية لها على الشبكة لتكون قناة ترويج وبيع إضافية لها. وكان على الصحافة العُمانية في تلك الفترة أن تنتظر ست سنوات بعد ظهور الصحف الرقمية لتظهر مواقعها على الشبكة، وذلك لأن شبكة الإنترنت لم تدخل إلى عُمان سوى في عام 1997، وفي العام نفسه خرجت الصحف العُمانية -التي كانت قد تحولت إلى الإصدار اليومي وزاد عددها لتصبح خمس صحف- إلى الشبكة.

وبعد الخروج إلى الشبكة تزايدت سرعة تبني الصحف العُمانية للتقنيات الجديدة وتوظيفها في تطوير المحتوى والوصول إلى جمهور عالمي واسع. خلال العقد الأول من الألفية الحالية أطلقت المزيد من الصحف العُمانية مواقعها الإلكترونية، وحدّثت الصحف الكبرى مواقعها، وأضافت لها المزيد من الخدمات مثل التحديث المستمر للأخبار والتفاعل مع المستخدمين واستخدام الوسائط المتعددة، وتحولت بعض هذه المواقع إلى منصات إلكترونية متكاملة.

ربما يكون تبني وتوظيف شبكات التواصل الاجتماعي كمنافذ لتوزيع الإنتاج الصحفي هو النقلة الأكبر والأهم في التحول الرقمي للصحافة العُمانية في السنوات الأخيرة. إذ بعد فترة قصيرة من إنشاء الصحف العالمية حسابات لها على هذه الشبكات سارت الصحف العُمانية في الاتجاه نفسه، وأصبحت حساباتها على هذه المنصات الجديدة منافذ مهمة لتوزيع محتواها والتفاعل مع القراء وزيادة حركة المرور على مواقعها الإلكترونية. وقد بحثت دراسات كثيرة واقع استخدام الصحف والصحفيين في عُمان للمنصات الاجتماعية، وأكدت نتائجها أن الاستخدام الواسع لها فتح أبوابا جديدة لوصول المنتج الصحفي إلى ملايين من مستخدمي هذه المنصات في جميع أنحاء العالم والوصول بالرسالة الإعلامية العُمانية إلى آفاق جديدة.

التقنية الأحدث في سلسلة التحول الرقمي والتي كانت محورًا للمؤتمر الدولي الرابع لقسم الإعلام بجامعة السلطان قابوس، هي تقنية الذكاء الاصطناعي التي أصبح على الصحافة ووسائل الإعلام في عُمان التعامل معها والاستفادة من الإيجابيات والحد من السلبيات التي يمكن أن تترتب على التوسع في استخدامها. صحيح أن المؤتمر ناقش نحو ستين ورقة علمية، ولكن هذه الأوراق لم تتناول واقع الاستخدام الفعلي للذكاء الاصطناعي في الصحف العُمانية، ومع ذلك فإن أوراقًا أخرى تناولت اتجاهات الصحفيين في الصحف العُمانية نحو هذا الاستخدام، وأكدت إيجابية هذه الاتجاهات خاصة فيما يتعلق بجمع وتحرير الأخبار والتقارير الروتينية مثل حالة الطقس وأسعار الأسهم والسندات ونتائج المباريات الرياضية، بالإضافة إلى تحليل البيانات الضخمة والمساعدة في جمع معلومات التحقيقات الصحفية الاستقصائية.

إن على الصحافة العُمانية أن تستثمر ثورة الذكاء الاصطناعي وتستفيد منها مثلما استفادت من تقنيات التحول الرقمي السابقة عليها، بعد أن أصبحت خوارزميات التعلم الآلي جزءًا لا يتجزأ من الصحافة. ويمكن البدء باستخدام هذه التقنيات في تدقيق المعلومات والبيانات، قبل نشرها وتحديد الأنماط المناسبة للعرض والتقديم، والتنبؤ بالاتجاهات المستقبلية، وتحليل الاتجاهات على وسائل التواصل الاجتماعي، ورسم خريطة الرأي العام في الأحداث والقضايا المختلفة، بالإضافة إلى استخدامها في تخصيص توزيع المحتوى للمستخدمين الأفراد بناءً على تفضيلاتهم، وتعزيز التفاعلية، واقتراح المقالات والمحتوى بناءً على سلوك المستخدمين، وهو ما قد يؤدي إلى تغيير جذري في كيفية تفاعل الجمهور مع منصات الأخبار العُمانية.

إن من شأن تبني الصحف العُمانية التقدم في تقنيات الذكاء الاصطناعي، وخاصة التعلم العميق، أن يعزز القدرات الصحفية ويساعد في التحقق من صحة المعلومات، والمساعدة في كشف الأخبار الزائفة والمضللة، وهو ما يزيد الثقة الجماهيرية فيما تنشره الصحف ويعيد لها بريقها كأكثر وسائل الإعلام مصداقية.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الصحافة الع مانیة الذکاء الاصطناعی التحول الرقمی الصحافة فی فی الصحافة التی کانت التی کان فی ع مان

إقرأ أيضاً:

صحافة عربية .. على خط المجاعة !

بقلم : حسين الذكر ..

وصلتني رسالة موجعة حد الاسى من احد الزملاء الأعزاء في سوريا العزيزة جاء فيها : ( أستاذ : هل ممكن تجد لي صحيفة او مؤسسة إعلامية اكتب لها مقابل اجر ولو رمزي .. فاننا منذ سنوات نعاني شظف العيش وتعلم اني لا اجيد غير الكتابة ولي اسرة .. لقد بلغت حد الفقر المدقع .. ولحين ما يستقر الوضع في سوريا .. لعل الحكومة الجديدة تستطيع معالجة الملفات المتراكمة ونحن جزء منها ) .

بصراحة دمعت عيني حد الاسى ولم استطع الرد الفوري .. اصابتني الحيرة فزميلي ابن كرماء واذا ما قدمت له مبلغ بسيط لعبور المرحلة قد ينزعج ويفهم رسالتي بشكل خاطيء .. فالصحافة الورقية او بالأحرى التقليدية قد ماتت ولم يتبق منها الا صحافة حكومية تعين موظفين يحررون يومياتها وشؤونها بما يحيلها الى شيء آخر غير الصحافة .. عدا ذلك اكثره هذر وهدر على السوشل ميديا لا يمكن للصحفي المفكر والفيلسوف والجاد والموضوعي والحيادي ان يجد له موطيء قدم و جمهور فيه يثمن ما يقوم به في ظل التزاحم الذبابي المهيمن على فضلات الانحطاط .
بعد تفكير واحساس بالمسؤولية الأخوية كتبت له :
اولا :- ان تردي وضعك المادي ليس وحدك وما تعانيه حاليا يعد حالة عامة جراء الظروف التي مر بها الشعب السوري العزيز منذ سنوات ومراحل لعله يتغير نحو الأفضل بعد الاستقرار فاصبر قليلا .
ثانيا .. ان الصحافة بمعناها القديم الورقي والمجلات والكتب .. ماتت والى الابد .. ولم يعد احد يهتم بها ولا يدفع لها (قرشا) في عالمنا العربي كله وليس في سوريا فحسب .. في ظل هيمنت السوشل ميديا التي يتعاطوا معها على انها عالم طفيلي مجاني يمثل ضحك على الراي العام لا يحتاج الى دعم فضلا عن كونها عمل شخصي طوعي .
ثالثا : هناك آلاف الصحفيين العرب بلا رواتب واغلبهم يكتب للحفاظ على بقاء اسمه ليس الا .. لم يحصلوا على مردود اطلاقا الا معنويا .
خامسا : جميع وسائل الاعلام العربية – الحكومي والأهلي – مسيطر عليها وفقا لمنهجية القرار الرسمي او الحزبي وهم يوظفون اشخاص منزهين امنيا وتبعيا بشكل مطلق لا مجال لاي فسحة حرية للفكر فيه يطلق عليهم موظفوا الصحافة الرسمية ونسبتهم لا تشكل واحدة بالمائة من ناطشي الصحافة الحرة المفترضة .
سادسا : قطعا ان هذا الواقع لا يدعونا لليأس المفرط حد القنوط بل ما أقوم به هو شرح للواقع كما هو .. بلا نفاق ولا تزويق ولا مداهنة كي اضعك بالصورة الحقيقية التي قد تساعدك على تفهمها وتدبر امرك وتكيف نفسك من خلالها ..
سابعا .. من يمتهن الصحافة ولا يجد منها معيلا يعيش به برغم تمتعه بالمهنية والثقافة المجتمعية الواسعة معززة بالوعي .. ان يصمد فالفرج قادم وتذكر نحن تحت ظل الله قبل ان نكون رعايا القوى العالمية والمحلية والظروف .. ستتبدل والتغيير سنن معتادة وما علينا الا العمل وعدم الاستسلام ..
لذا ادعوك للصبر واعلم ان كل كلماتي اليك منتقاة من الواقع ودونتها بواقعية .. فتوكل واكتب واصبر وراسل وانشر واجتهد حتى تحقق موطيء قدم بين مئات الآف العرب ممن يمارسون الكتابة والصحافة والاعلام دون مقابل .. فان مداد القلم المجتهد المعزز بالراي والمعرفة لا يموت والحاجة اليه قائمة لا تنتفي بكل زمان ومكان باذن الله !

حسين الذكر

مقالات مشابهة

  • العلاقات العُمانية الإيرانية في 5 عقود
  • صحافة عربية .. على خط المجاعة !
  • الصحف العربية.. هبّة عربية وإسلامية ضد تطرف نتنياهو.. تعزيزات عسكرية على جانبي الحدود اللبنانية ـــ السورية
  • أمانة منطقة الرياض شريك ماسي في مؤتمر “ليب 25” لتعزيز الابتكار والتحول الرقمي
  • نيودلهي تحتضن معرضًا يوثق عمق العلاقات العُمانية الهندية
  • وزير الشباب: مصر بذلت جهودا كبيرًا في الحوكمة والتحول الرقمي
  • القاهرة أول محافظة يطبق فيها نظام ميكنة الخدمات الصحية والتحول الرقمي
  • الصناعة العُمانية نحو التميُّز
  • 46 شركة عُمانية تستعرض منتجاتها في ليب الدولي بالرياض
  • الصحف العربية.. تحركات عربية لوقف مخطط تهجير الفلسطينيين.. والرياض تتحدث عن التدمير الإسرائيلي الممنهج لقطاع غزة