عرف الترابي بشخصية مبعثرة، وبها صمد في الساحة السياسية السودانية نصف قرن ويزيد، كان راسخ القدم في الفقه واللغة العربية، ونال شهادة الماجستير من أكسفورد في بريطانيا، والدكتوراه من جامعة باريس. وعمل في التعليم الجامعي، وكان عميد كلية الحقوق.
وتشير سيرته إلى أنه رأى نجاح الحركة الطلابية التي أطاحت بحكم الجنرال إبراهيم عبود عام 1964، فترك الجامعة إلى السياسة، وكان يتوق إلى دولة إسلامية بمواصفات جديدة، وسجنه جعفر النميري (ثاني رئيس للسودان) مع غيره من الإسلاميين، ثم تحالف معه لاحقا بعد أن أخرج الإسلاميين من السجون.
اشترك حسن الترابي بصمته في حمل دم محمود محمد طه الذي أعدم عام 1985 بتهمة أنه كان مرتدا، وعندما سئل الترابي عن الأمر قال إنه "يتحمل من هذا الوزر ما يتحمله كل السودانيين"، وفق ما أورد برنامج "تأملات".
وبعد سقوط نظام النميري عام 1985، حوّل الجنرال عبد الرحمن سوار الذهب الحكم إلى المدنيين، وتولى رئاسة الوزراء الصادق المهدي، ووقف الترابي في المعارضة، ثم تحالف مع العسكر في انقلاب الإنقاذ عام 1989.
اقتسم السلطة مع الجنرال عمر حسن البشير وأصبح له أثر كبير في تسيير البلاد باتجاه إسلامي، وبعد نحو 10 سنين تحول الترابي إلى المعارضة فسجنه البشير أكثر من مرة ثم فرض عليه الإقامة الجبرية.
إعلانوكانت حقيبة الترابي جاهزة تحت سريره، يستدعى إلى التحقيق في السجن فيصحبها معه.
وكانت فترات السجن الكثيرة في حياته مساحات للتفكير والكتابة، وكتب المفكر السوداني في سجنه أكثر من 15 كتابا كلها في العقيدة والفقه وتجديد الفكر الإسلامي. وأفتى الترابي بجواز إمامة المرأة في الصلاة حتى لو كان المأمومون رجالا، وأجاز للمسلمة أن تتزوج كتابيا، وكفّره بعض الناس بسبب هذه الآراء.
انصب فكر الترابي -الذي توفي عام 2016 عن 84 سنة- في كل ما كتب على وصف الدولة الإسلامية المنشودة، وقد أتيح له موقع القرار، لكنه لم يستطع إلباس أفكاره ثوب الواقع، كما جاء في حلقة برنامج "تأملات".
10/12/2024المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات
إقرأ أيضاً:
نداء الى المعارضة المصرية
بقلم : هادي جلو مرعي ..
عندما تواجه السفينة الغرق في زحمة الأمواج لايعود من فرق بين من عليها في الغنى، أو الجاه، أو العمر والمنزلة. فحين تغرق سيموت الفقراء والأغنياء والشيوخ والشباب والنساء والأطفال، وعليهم جميعا أن يتحدوا لتمر العاصفة، وتنتهي الى خير.. فالأمزجة تختلف والنوايا، وفي النفوس تكمن الأطماع والأحقاد والرغبات، وتتباين الأعمار والألوان، ولكن كل ذلك يذوب عندما تكون السفينة بمن عليها عرضة ليبتلعها البحر، وتنتهي الى القاع، وتختفي عن الوجود.
مصر بلد عظيم، يمتد عمر الحضارة فيه الى سبعة آلاف سنة، وتركت الأجيال من الناس والحكام أثرا لايمكن تجاهله، أو محوه، وليست الأهرامات إلا مظهرا من مظاهر تلك الحضارة العظيمة، وهناك ماتحت الرمل، وفي الصحاري الممتدة من الآثار مايبهر الأنظار، ويروي حكاية حضارة لم يكن العمران سوى صورة ظاهرية لها، بينما هناك علوم وفنون وطب وأفكار وإكتشافات رائعة ومبهرة ألهمت العالم الكثير من المعارف النظرية والعملية وماتزال مصر بعد كل تلك القرون المتطاولة من الزمن حاضرة، وجاذبة للبشرية لكي تتعرف على سحر الشرق، وماتركته الحضارة الفرعونية من أثر، وماجرى على الأنبياء والشعوب على تلك الأرض، والهجرات والغزوات والحروب، والأسر الحاكمة من غير الفراعنة التي حكمت هناك.
هذا البلد العظيم يراد له أن يتحول الى وطن بديل للشعب الفلسطيني الذي يراد له أن يلغى، ويتم تذويبه لتخلوا فلسطين من شعبها، ولايكون سوى اليهود الذين يقومون بكل شيء خارج القانون والعرف الإنساني، ويشرعنون لأنفسهم قتل الأبرياء من أجل إقامة الدولة اليهودية. وبعد العدوان على غزة وصلنا الى مرحلة جديدة غير مسبوقة مع وصول ترامب الى البيت الأبيض حيث يتبنى رسميا، وبلا أدنى خجل فكرة ترحيل أهل غزة الى شمال سيناء، ويتبجح ذلك الرئيس بنواياه علنا، ودون تردد، وسيكون هناك ضغط سياسي وإقتصادي كبير على مصر لتذعن لمطالب الولايات المتحدة وإسرائيل، وتفتح حدودها لمئات آلاف النازحين ليتم توطينهم هناك.
فهل بقي من مطمع للمعارضة المصرية في الحكم حين تجد نفسها أداة بيد الغرب الساعي في خدمة إسرائيل، وهل سيكون من جدوى أن تبحث عن سلطة في وطن يختفي من الوجود، أم إن من الأجدر بها أن تشرع بتقديم الدعم والإسناد للدولة، ولأجهزتها الأمنية لمواجهة المخطط الأمريكي الإسرائيلي الرامي الى تضييع تلك الدولة العظيمة، وجعلها سببا في نهاية القضية الفلسطينية، وحينها سنفقد الوجود العربي بكامله.