مأرب برس:
2025-02-11@12:37:40 GMT

قصة العشاء الإيراني الأخير في دمشق

تاريخ النشر: 10th, December 2024 GMT

قصة العشاء الإيراني الأخير في دمشق

 

قبل ثلاثة أسابيع فقط، كان بشار الأسد في قمة عربية في الرياض، يتمتع بالاهتمام الدبلوماسي.

 

وقف على منصة ليلقي محاضرة عن التضامن السياسي، واجتمع بقادة عرب أقوياء، بمن فيهم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ولوّح من على السجادة الحمراء أثناء مغادرته بطائرته الرئاسية.

 

كان زعيمًا مكروهًا لدولة ممزقة، لكنه كان متجذرًا في مكانه لدرجة أن الأوروبيين أنفسهم كانوا يقدمون مبادرات - عبر الأردن - بحثًا عن حل لأزمة اللاجئين السوريين.

 

ان لم يكن هذا إعادة تأهيل، فقد كان على الأقل قبولًا على مضض.

 

كان هناك تراجع تدريجي عن حالة المنبوذ التي عاشها الاسد بعد أكثر من عقد من الحرب الأهلية فشل في الإطاحة بالأسد.

 

بعد مرور الأسابيع الثلاثة، أصبح الأسد البالغ من العمر 59 عامًا طالب لجوء في موسكو، وتم إسقاط تمثال والده في طرطوس، وبات المتمردون يجوبون السفارات في دمشق بحثًا عن أي أثر لرجال نظامه.

 

المسار الذي سلكه المتمردون بقيادة الإسلاميين للوصول إلى العاصمة على مدار أسبوع مليء بمخلفات الصراع، من دبابات مهجورة إلى أكوام من الزي العسكري تركها الجنود الفارون.

 

لقد عكس هذا المسار بقايا حرب استدرجت قوى عالمية إلى حالة من التوازن القلق: قوات أمريكية وروسية في زوايا متقابلة من البلاد، وقاعدة تركية في الشمال، بينما حولت إيران وإسرائيل سوريا إلى ساحة أخرى لصراعهما الخفي.

 

التدهور البطيء لنظام الأسد أتاح لتنظيم داعش فرصة النمو؛ وأنتج أزمة لاجئين أعادت تشكيل أوروبا؛ وأدى إلى مقتل ما يصل إلى نصف مليون شخص وسقوطه يترك دولة ذات أهمية استراتيجية بالغة ممزقة وتواجه مستقبلًا غير مؤكد.

 

اتضح في الثاني من ديسمبر أن النظام الذي صمد 13 عامًا من الحرب الأهلية يواجه أخطر تهديد له. اقتحم المتمردون حلب، التي كانت أكبر مدينة في سوريا وموقع معركة استمرت أربع سنوات وانتهت بتراجع تفاوضي للمتمردين المدعومين من تركيا في عام 2016، عندما جاءت القوات الروسية لإنقاذ الأسد.

 

مع سقوط حلب هذه المرة، أظهرت إيران، الداعم الرئيسي للأسد، دعمها علنًا: زار وزير الخارجية عباس عراقجي الأسد، وتجول في حي المزة الراقي بدمشق، وتناول الشاورما في مطعم دجاجتي الشهير. كتب على منصة “إكس”: “نتمنى لو كنتم معنا”.

 

وفقًا لوزارة الخارجية الإيرانية، أعرب عن ثقته بأن “سوريا ستتغلب مرة أخرى على الجماعات الإرهابية”، لكن في السر، قال مصدر إيراني مطلع لصحيفة “فاينانشال تايمز” إن عراقجي أبلغ الأسد أن “إيران لم تعد في وضع يسمح لها بإرسال قوات لدعمه”.

 

بعد ذلك، استولت هيئة تحرير الشام - الجماعة الإسلامية التي تقود حملة المتمردين - على الريف حول حماة، وهي مدينة يقطنها مليون شخص وكانت سجونها تضم معارضين منذ عام 1982، عندما قمع والد الأسد تمردًا هناك، مما أسفر عن مقتل عشرات الآلاف.

 

أفادت وسائل الإعلام المحلية أن الأسد ضاعف رواتب الجنود، ونفذت روسيا غارات جوية، لكن هذه الغارات لم تفعل الكثير لإبطاء تقدم هيئة تحرير الشام، بخلاف ما كان عليه الوضع سابقًا في الحرب الأهلية السورية، عندما كان التفوق الجوي الروسي حاسمًا في تدمير المدن التي تسيطر عليها الجماعات المتمردة.

 

كان التحرك السريع للمتمردين هذه المرة نتيجة جزئية لحربين: حرب روسيا في أوكرانيا، وحرب إسرائيل مع جماعة حزب الله اللبنانية، وبالوكالة، إيران.

 

قدمت روسيا أيضًا وعودًا علنية بدعم النظام مثل إيران، لكن مسؤولًا سابقًا في الكرملين أخبر “فاينانشال تايمز” أن روسيا أيضًا كانت عاجزة عن مساعدة الأسد: غزو فلاديمير بوتين لأوكرانيا أدى إلى استنزاف قوات موسكو.

 

تقول هانا نوت، مديرة برنامج منع الانتشار في أوراسيا بمركز جيمس مارتن لدراسات منع الانتشار “لو لم تكن هناك حرب في أوكرانيا، لما سقط الأسد، أو على الأقل، لكان الروس مستعدين لفعل المزيد”.

 

ضعف الأسد في الوقت الذي كانت إسرائيل تخرج فيه منتصرة في معركة بالقرب من دمشق في تكرار سيناريو حصل مع والده حافظ اسد الذي شق طريقه عبر الانقلابات الداخلية في القصر إلى الرئاسة مباشرة بعد خسارة سوريا لهضبة الجولان لصالح إسرائيل في حرب 1967.

 

تباهى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم الأحد بالتغيير قائلا “هذا الانهيار هو نتيجة مباشرة لإجراءاتنا القوية ضد حزب الله وإيران، الداعمين الرئيسيين للأسد”، مضيفا “لقد أطلقنا سلسلة من التفاعلات في المنطقة”.

 

لتأكيد وجهة نظره، أرسل نتنياهو قبل بضعة أسابيع أقرب مساعديه في السياسة الخارجية، رون ديرمر، إلى موسكو برسالة: أبلغ الأسد أنه إذا لم يحد من الإيرانيين، وإذا سمح لحزب الله بإعادة تنظيم صفوفه في سوريا، وإذا لم يغلق الحدود مع لبنان أمام نقل الأسلحة والأموال، “فسنلاحقه”.

 

ومع استمرار المتمردين في تقدمهم، بدا أن سقوط دمشق نفسها لا يزال غير مرجح، فالمدينة القديمة صمدت خلال معظم الحرب الأهلية، حتى عندما كانت الدولة نفسها تقترب من الإفلاس. لكن خلف الكواليس، قال دبلوماسي لـ”فاينانشال تايمز”، إن الإيرانيين بدأوا بالتخلي عن الأسد، فقد غادر أفراد من النخبة في الحرس الثوري الإسلامي، إلى جانب الدبلوماسيين وعائلاتهم، بأعداد كبيرة، متجهين إلى العراق.

 

وفي غضون يومين، استولى المتمردون على حماة، ثم حمص، آخر مدينة كبيرة على الطريق السريع إلى دمشق.

 

واتبعت هيئة تحرير الشام نمط الجماعات الإسلامية المتمردة السابقة بالتفاوض مع زعماء القبائل المحليين وتحذير أمراء الحرب المحليين من التدخل، حسبما قال مسؤول استخباراتي غربي لصحيفة “فاينانشال تايمز” واضاف “لقد كان مهرجانًا من تحالفات المصالح المؤقتة”.

 

حتى هيئة تحرير الشام نفسها فوجئت بمدى سرعة انهيار الجيش السوري، حسبما قال دبلوماسي لـ”فاينانشال تايمز”.

 

أرسلوا 300 مقاتل لمحاولة اختراق خط فك الاشتباك لعام 2019 بمهاجمة مواقع الجيش السوري في بداية الهجوم، “لكن الجيش السوري اختفى ببساطة”، قال الدبلوماسي.

 

كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها يحاولون مواكبة الأحداث بسرعة. تمركزت القوات الأمريكية في سوريا على طول الحدود مع تركيا، بعيدًا عن تقدم المتمردين. وقال مسؤول: “الأحداث كانت تتغير أسرع مما يمكننا فهمه”.

 

قال شخص مطلع على الأحداث إن الاستخبارات التركية، التي دعمت فصائل متمردة منفصلة وساعدتها على السيطرة على مساحة واسعة من الأراضي جنوب الحدود التركية السورية منذ عام 2016، قدمت دعمًا للهجوم المتقدم.

 

وأضاف أن الطائرات التركية المسيرة كانت قد قامت مسبقًا برسم خرائط للمنشآت العسكرية على الطريق إلى دمشق لأسباب عملياتية خاصة بها، ولذلك تمكنت من تقديم جرد مفصل للمواد القتالية المخزنة في بعض المواقع.

 

وأوضح الشخص أن تركيا كانت تزود بعض الفصائل المتمردة بالسلاح، والتي تعمل تحت راية الجيش الوطني السوري وتنسق مع هيئة تحرير الشام، لكنه رفض الكشف عن التفاصيل.

 

وفي المقابل، حصلت تركيا على ضمانات بأن المتمردين الإسلاميين لن ينضموا إلى القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة، والتي تسيطر بالفعل على مناطق واسعة من الأراضي السورية.

 

تعتبر تركيا أن هؤلاء المتمردين جزء من حزب العمال الكردستاني، المصنف كمنظمة إرهابية من قبل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، بينما تعتبرهم واشنطن قوة أساسية في معركتها مع داعش.

 

وقال مسؤول غربي: “نصحنا [الأكراد] بأن هذا سيكون وقتًا مناسبًا لمراقبة جدرانهم وحماية حدودهم” وأضاف: “هذه ليست معركتهم”.

 

كانت دمشق في الأفق ومع تقدم هيئة تحرير الشام جنوبًا، مدعومة بالأسلحة التي تركها الجنود الفارون ومؤيدة بدعم شعبي، اتجهت فصائل متمردة أخرى شمالًا من محافظة درعا، مهد الحرب الأهلية في عام 2011.

 

بدا أن قوات النظام اختفت بين ليلة وضحاها؛ وأشار مراقبون محليون إلى أن القوات أبرمت صفقة مع المتمردين للسماح لهم بالانسحاب دون قتال على الطريق السريع مقابل السماح لهم بالفرار.

 

سباق الوصول إلى دمشق أعاد إلى الأذهان سباقًا مشابهًا في عام 1918، عندما تسابقت القوات الغربية مع الميليشيات العربية - بدعم من لورنس العرب - للاستيلاء على دمشق من الجيش العثماني المنسحب في نهاية الحرب العالمية الأولى.

 

كانت الجائزة حينها، كما الآن، سوريا، وكانت النتيجة الفورية حينها، كما الآن، فوضوية.

 

عاش سكان دمشق ليلة مرعبة من الغارات الجوية - بعضها إسرائيلي، استهدف البنية التحتية الإيرانية لمنعها من الوقوع في أيدي المتمردين - وإطلاق النار.

 

لكن بحلول الصباح، كانت دمشق لهم.

 

فرضت هيئة تحرير الشام حظر تجول مسائي، ونشرت حراسًا أمام المباني الإدارية، وأمنت البنك المركزي، ونقلت رئيس الوزراء السوري محمد غازي الجلالي من مكتبه إلى فندق فور سيزونز، حيث تعهد بالمساعدة في الانتقال السياسي، ولم يتم الإعلان عن رحيل الأسد من مكتبه، بل من وزارة الخارجية الروسية.

 

يقول جون فورمان، الملحق الدفاعي البريطاني السابق في موسكو، إن “الأمر كان مسألة وقت فقط” قبل أن تسقط قاعدة روسيا الجوية في حميميم وقاعدتها البحرية في طرطوس وأضاف: “إذا لم يتمكنوا من ضمان أمن القواعد، فسيتعين عليهم المغادرة”.

 

وفي الوقت نفسه، نقلت وكالة “تاس” الروسية عن مصدر في الكرملين أن المتمردين ضمنوا سلامة القواعد الروسية والمرافق الدبلوماسية في البلاد.

 

بدون هاتين القاعدتين سيكون من الصعب على روسيا تحدي البحرية التابعة للناتو أو إسقاط قوتها الجوية في البحر المتوسط والبحر الأحمر، ودعم وجودها في شمال وشبه الصحراء الإفريقية، حسبما أضاف فورمان.

 

واظهرت منشورات وسائل التواصل الاجتماعي على ما يبدو أن المعدات الروسية تُسحب باتجاه قاعدتيها الرئيسيتين، في حين أن الطائرات الثقيلة كانت تتنقل بين روسيا وسوريا، وقد رصدت صور الأقمار الصناعية طائرة أنتونوف 124 الضخمة - بجناحيها البالغ طولهما 74 مترًا والقادرة على حمل معدات كبيرة - وهي على مدرج المطار في 7 ديسمبر.

 

لكن حجم الانسحاب الروسي غير واضح وقد لا يكون بنفس الدراماتيكية مثل انسحاب الإيرانيين، الذين كانوا مستهدفين من الإسرائيليين وبعض السوريين، الذين نهبوا السفارة الإيرانية في دمشق.

 

طارت طائرة - على الأرجح روسية - من مكان ما في سوريا في الأيام الأخيرة، تحمل الرجل الأكثر مطاردة في البلاد: الأسد نفسه واقتحم اللصوص منزله، ونهبوا الأثاث، واستعرضوا مجموعته من السيارات الفاخرة في العاصمة التي تركها وراءه.

 

يواجه بشار الاسد الآن مستقبلًا غامضًا، بعد أن انتهت فائدته لكل من روسيا وإيران وذلك مثل غيره من الحلفاء الروس الذين أطيح بهم وكان الشبان يتزلجون على تمثاله في الشوارع كعربة مزلجة في سوريا.

 

المصدر/ فاينانشال تايمز

المصدر: مأرب برس

إقرأ أيضاً:

معاناة مشتركة بين أبناء فلسطين والجولان على أطراف دمشق

دمشق- بجوار تجمّع الذيابية -حيث يقيم سوريون من أبناء الجولان المحتل- يتقاسم أبناء فلسطين اللاجئون المعاناة والمصير المشترك ذاته، فيقيمون في مخيم الحسينية الذي يعد حاليا أكبر المخيمات الفلسطينية من حيث عدد السكان في سوريا، وقد أنشئ عام 1982.

وكان مخيم اليرموك في دمشق أكبر المخيمات الفلسطينية بسوريا، ولكن بعد اندلاع الثورة السورية تعرّض لدمار كبير وتهجير على يد النظام المخلوع وداعميه، وهو الآن شبه خالٍ.

ويقع تجمّع الذيابية (يطلق اسم التجمع على المناطق التي نزح إليها أبناء الجولان داخل سوريا) على بعد 15 كيلومترا جنوب العاصمة دمشق، ويقيم فيه أبناء الجولان المحتل الذين نزحوا عام 1967 بسبب الحرب التي نشبت بين إسرائيل وسوريا، إذ طلب الجيش السوري بقيادة وزير الدفاع آنذاك حافظ الأسد من أهالي مرتفعات الجولان الخروج من القرى بحجة محاربة جيش الاحتلال الإسرائيلي، ووعدهم بأنهم سيعودون بعد أسبوع.

لكن انقضى أسبوع تلو الآخر، وانقضت الأشهر والسنوات، وكانت تلك الوعود "مواعيد عرقوب"، فلا تحررت مرتفعات الجولان، ولا عاد إليها أبناؤها حتى هذه اللحظة، فصار لسان حالهم يقول "وما مواعيده إلا الأباطيل".

بستان "الحافي" الفاصل بين بلدة السيدة زينب وتجمّع الذيابية (الجزيرة) انعدام الخدمات

لا يلحظ الزائر لمخيم الحسينية وتجمّع الذيابية أي فروق ثقافية أو اجتماعية أو خدمية بينهما، إذ ينتمي أبناء المخيم والتجمع إلى بيئة جغرافية متجاورة متشابهة في العادات والتقاليد، ولا يفصل بين مرتفعات الجولان وفلسطين إلا حدود رسمتها اتفاقية سايكس بيكو.

هذا التجاور وهذا التشابه انتقلا مع النازحين من الجولان واللاجئين من فلسطين الذين نزلوا أحياء في أطراف دمشق وسكنوا إلى جوار بعضهم مثلما حدث بين مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين وتجمّع الحجر الأسود لأبناء الجولان، فكانت معاناة النزوح واللجوء واحدة، وكانت ممارسات نظام الأسد المخلوع نحوهما متشابهة، وبالتالي كان مصير المخيم والتجمع مصيرا مشتركا.

تعرضت تجمعات أبناء الجولان ومخيمات اللاجئين الفلسطينيين في ريف دمشق للتهميش من قبل النظام المخلوع، مما أنتج واقعا معيشيا صعبا زاد معاناة النازحين واللاجئين الذي أُخرجوا من ديارهم.

الباحث الاجتماعي إبراهيم محمد: 95% من أهالي المخيم والتجمع تحت خط الفقر (الجزيرة)

 

بدوره، أشار الباحث الاجتماعي إبراهيم محمد في حديث للجزيرة نت عن الوضع المعيشي السيئ الذي يعيشه أهالي الذيابية والحسينية إلى أن 95% من الأهالي تحت خط الفقر.

إعلان

ويقول الباحث إن التجمع والمخيم بحاجة إلى مؤسسات تنموية وصحية وإغاثية ومراكز لمكافحة المخدرات وتعبيد الطرق وتوفير الكهرباء.

ويؤكد محمد على ضرورة المحافظة على "الوضع القانوني للفلسطينيين باعتبارهم بحكم السوريين من أجل الحفاظ على حق العودة وإعطائهم حق التملك الذي حرمهم منه النظام البائد".

بدورها، تشتكي فرح (20 عاما) -وهي طالبة في كلية الحقوق- في حديثها للجزيرة نت من المعاناة التي كان يعيشها ويعيشها حاليا طلاب التجمع والمخيم بسبب الظروف الدراسية الصعبة، فلا كهرباء متوفرة (حصة البلدة والمخيم من الكهرباء ساعة في النهار وساعة في الليل)، وفي الشتاء تزداد المعاناة بسبب البرد الشديد الذي لم تكن تتوفر له مادة المازوت، وإذا توفرت فأسعارها خيالية.

وإذا قرر أحدهم استخدام الغاز للتدفئة -تواصل الطالبة- فسيضيع راتبه كله (ما يقارب 30 دولارا) مقابل أسطوانة غاز لا تدوم أكثر من شهر، وللحصول عليها يتطلب الأمر انتظار الدور عبر البطاقة الذكية التي أصدرتها حكومة النظام المخلوع.

ورغم عدم توفر إمكانيات جيدة لدراسة الطلاب فإن فرح استطاعت تجاوز المرحلة الثانوية، ثم التحقت بكلية الحقوق، ونالت المركز الأول في السنتين الأولى والثانية.

نزوح متكرر

يقف الشاب حارث (33 عاما) على سطح منزل عائلته مستذكرا كلمات جده الراحل قبل 20 سنة (قبل اندلاع الثورة السورية عام 2011).

كان الجد يقف في المكان ذاته، ويخبره أن هناك خلف ذلك الجبل (جبل الشيخ) "قريتنا في الجولان على حدود فلسطين، بدي (أريد) إياك تصير طيارا وتحرر الجولان".

ويقول حارث "بعد اندلاع الثورة السورية هاجمتنا مليشيات طائفية اتخذت من البلدة المجاورة "السيدة زينب" مقرا لها.

اضطر حارث إلى النزوح مع جده عام 2012 الذي كان قد حكى له عن نزوح 1967، وكيف أوقفهم الجيش الإسرائيلي ليطلق عليهم النار، ولكنهم نجوا.

إعلان

ويتابع أنه نزح إلى بلدة تطل على الذيابية، فكان يخرج مع جده إلى سطح البناء، فيشير له إلى بيت نزوحه الأول، قبل أن يحرق البيت ويموت جده حزنا وكمدا.

مجازر وانتهاكات

تقع الذيابية والحسينية بجوار بلدة السيدة زينب التي يقع فيها مقام السيدة زينب، فكانت تستقطب الزوار من الطائفة الشيعية من مختلف أنحاء العالم، خاصة من إيران.

ويقول أبو محمد (70 عاما) "قبل استلام حافظ الأسد الحكم في سوريا كنا نعيش مع الطوائف كلها بسلام، وكان الناس في الجولان من مختلف الأعراق والأديان والمذاهب، وفيما بعد حاول نظام الأسد تفريق الشعب، وبعد اندلاع الثورة ظهر خطاب وممارسات طائفية، فأخرجتنا من بيوتنا وأحرقتها واعتقلت شبابنا".

وعن التضييق الذي كانت تمارسه حواجز النظام المخلوع والمليشيات، يقول الشاب عثمان (34 عاما) "أنشأت المليشيات السواتر الترابية والحواجز العسكرية حول بلدتنا، كانت تسمح للمقيمين فقط بالدخول إلى البلدة، أما الذين لا يملكون بطاقة إقامة في البلدة فيضعون هوياتهم الشخصية عند الحواجز العسكرية، كنا نعيش حياة مليئة بالخوف على نسائنا وأبنائنا وأنفسنا".

وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، ارتكب النظام المخلوع وداعموه مجزرة في التجمع حصلت خلال الفترة من 22 إلى 26 سبتمبر/أيلول 2012، إذ طوقت قوات جيش النظام البلدة وبدأت بقصفها بشكل عنيف وعشوائي بالمدفعية والدبابات والرشاشات الثقيلة، وسقط إثر هذا القصف عدد كبير من القتلى والجرحى من المدنيين من أبناء البلدة، ثم اقتحمت في 26 يونيو/حزيران2012 البلدة وقتلت عددا من أبنائها، وتجاوز عدد ضحايا البلدة في تلك الفترة 107 شهداء من المدنيين، وفق المصدر ذاته.

انتشار المخدرات

كما هو الحال في المناطق التي كان يسيطر عليها نظام الأسد المخلوع تنتشر المخدرات بين شباب ومراهقي مخيم الحسينية وتجمّع الذيابية، إلى درجة انتشارها في المدارس.

إعلان

وعن ذلك يقول أحمد (50 عاما) إنه أجبر ابنته المجتهدة في مدرستها (الصف التاسع المتوسط) على ترك المدرسة بعد انتشار مادة الكبتاغون بين طالبات المدرسة وسهولة الحصول عليها.

ويضيف أن أسعار هذه المادة أصبحت أرخص من قطعة البسكويت، وكان النظام يغض الطرف عن انتشارها بين المراهقين.

وبحسب الباحث الاجتماعي إبراهيم محمد، فإنه "خلال فترة سيطرة النظام المخلوع على المنطقة انتشرت المخدرات بشكل واسع بمساعدة الفرقة الرابعة (كان يقودها ماهر الأسد شقيق الرئيس السوري المخلوع) والأمن العسكري، وقبل سقوط النظام كان بيع المخدرات بشكل شبه علني في الشوارع، والذين يتم اعتقالهم يخرجون بعد مدة قصيرة"، وهذا يدل على تعمّد النظام نشر هذه المواد.

وتقول مريم (40 عاما) -التي استشهد زوجها في معتقلات النظام المخلوع- إن الناس هنا يعيشون حياة بؤس وفقر، لكننا نريد مراكز صحية لمعالجة الشباب المدمنين على المخدرات، فإذا تخلصنا منها فإننا نتخلص من السرقة والمشاكل العائلية بين الأبناء والآباء.

ضحايا مشتركون

يصف أبناء التجمع والمخيم الذين قابلتهم الجزيرة نت نظام الأسد المخلوع بأنه "بائع الجولان" و"متاجر" بالقضية الفلسطينية على مدار عقود، وبالتالي فإنهم ضحايا مشتركون زاد نظام الأسد مأساة تهجيرهم عن أرضهم.

همشت مناطقهم وانتشرت المخدرات بين أبنائهم، بالإضافة إلى الاعتقالات التي تعرّض لها أبناء المخيم والتجمع بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011، وكذلك من التهجير الإجباري والإخفاء القسري.

ويتفقون على أنه بسقوط النظام المخلوع فإن الأسوأ قد مضى، وأنه كما كان الألم مشتركا فإن الأمل أيضا مشترك.

مقالات مشابهة

  • حساب لـ حافظ نجل الهارب يروي تفاصيل ليلة الهروب إلى روسيا .. تفاصيل
  • سيطرة “إسرائيل” على سوريا.. مقدّمة لحرب ضدّ إيران
  • جدل بشأن منشور منسوب لنجل الأسد يرد على قصة "الهروب"
  • هل يستعيد قطاع النقل في سوريا عافيته بعدما أهمله الأسد؟
  • أبعاد أول زيارة لمسؤول جزائري إلى دمشق بعد سقوط الأسد
  • معاناة مشتركة بين أبناء فلسطين والجولان على أطراف دمشق
  • لبنان: قذائف مصدرها “هيئة تحرير الشام” تسقط في جرود الهرمل الحدودية مع سوريا
  • الروائي غيث حمور يوقع 6 كتب “كانت ممنوعة” في زمن النظام البائد
  • منظمة "الأسلحة الكيميائية" تدعو إلى "انطلاقة جديدة" في سوريا
  • وفد من منظمة الأسلحة الكيميائية يلتقي الشرع في دمشق