ماذا تريد إسرائيل من سوريا الآن؟!
تاريخ النشر: 10th, December 2024 GMT
كان الجيش الإسرائيلي، حين كتابة هذه المقالة صباح الثلاثاء 10 كانون الأول/ ديسمبر قد اقترب من دمشق حتى 20 كيلومترا، واحتلّ في الأثناء العديد من القرى بعدما سيطر على جبل الشيخ ومحافظة القنيطرة وتوسع باتجاه درعا، ونفّذ 300 غارة، دمّر فيها الطائرات والسفن والصواريخ ومراكز الأبحاث السورية.
وقد ظلّت الصحافة الإسرائيلية تتحدث بنحو واضح عن خطط إسرائيلية تجاه سوريا من مستويين، الأول تشييد منطقة عازلة داخل الأراضي السورية تتضمن أجهزة رادار وإنذار مبكر وتتحكم بالاتصال الجغرافي بين سوريا ولبنان من جهة الجنوب، والثاني محاولة مدّ خطوط الاتصال بقوى سورية، عرقية أو طائفية، وتحديدا الأكراد والدروز، وقوى المعارضة المسلحة في الجنوب السوري، لضمان نفوذ إسرائيلي داخل سوريا، وهي تصورات تصل أحيانا حدّ التطلّع لتشكيل قوى لحدية محاذية تمثّل حائط صدّ أوّلي، وعنصر افتراق سوريّ داخلي.
على أية حال بات الإسرائيليون الآن يتحدثون عن عشرات آلاف الدونمات داخل العمق السوري يزعمون أن البارون إدموند جيمس دي روتشيلد اشتراها زمن الدولة العثمانية لصالح الوكالة اليهودية، وهو ما يعني أنّ المشاريع الاستيطانية في الجوار العربي محفوظة في الأدراج الإسرائيلية إلى حين توفر الظروف المواتية، وهذا ما يذكّر بمقتل عالم الآثار الإسرائيلي زئيف إيرلتش (71 سنة) في جنوبي لبنان في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، والذي ذهب مع الجيش الإسرائيلي للتنقيب عن أيّ شيء يمكن عدّه مستندا تاريخيّا لتسويغ الاستيطان في جنوبيّ لبنان!
"إسرائيل" بطبعها لا تطمئن إلى أيّ ترتيبات قائمة، وتسعى لضمان أمنها وتستعد لأي تحولات مستقبلية وتشتغل على تعزيز موقعها ومراكمة نقاط قوتها التفاوضية المحتملة؛ باستثمار الفرص والمبادرة الذاتية التي تهتمّ بتكريس الوقائع وتعظيم القدرات الدفاعية والمواقع الهجومية
والحاصل أننا إزاء وقائع حقيقية وهي التوغل والقصف والتدمير، وأخرى تبدو أحاديث إسرائيلية؛ لكنها بالضرورة لن تكون بالنسبة للإسرائيليين مجرد مقالات صحفية أو دردشات تلفزيونية، بل ستسعى المؤسسة الإسرائيلية لإنفاذها بمحاولة الاتصال مع قوى داخل المجتمع السوري، وعلاوة على كون هذه سياسة إسرائيلية تاريخية وصلت إلى ما هو أبعد من مجالها الجغرافي الحيوي اللصيق، فمن المؤكد أن تدفع نحوها في مجالها هذا، فإنّ "إسرائيل" بطبعها لا تطمئن إلى أيّ ترتيبات قائمة، وتسعى لضمان أمنها وتستعد لأي تحولات مستقبلية وتشتغل على تعزيز موقعها ومراكمة نقاط قوتها التفاوضية المحتملة؛ باستثمار الفرص والمبادرة الذاتية التي تهتمّ بتكريس الوقائع وتعظيم القدرات الدفاعية والمواقع الهجومية.
ينشغل الناس والحالة هذه، باللحظة الراهنة، سواء فيما تعلّق بالنظام السابق، نظام بشار الأسد، الذي وبدلا من الاستناد إلى شعبه في مواجهة "إسرائيل"، فضّل تهجير الملايين من شعبه وتدمير مدنهم فوق رؤوسهم على أيّ تسوية سلمية وطنية تحفظ البلد ومقدّراته، فلم يفده الامتناع عن مواجهة "إسرائيل" في الحفاظ على حكمه أو حماية البلد أو الحفاظ على مقدّراته، وفوق ذلك، لم يفكّر بكيفية الحفاظ على ما لديه من أسلحة ومختبرات عسكرية، ولو بنقلها إلى حلفائه في الإقليم، أو فيما تعلّق بالحكام الجدد القادمين من المعارضة، الذين يتساءل الكثيرون عن موقفهم من التوغل الإسرائيلي في الأراضي السورية، والغارات المستمرّة على مقدّرات البلد، إذ يمكنهم في الحدّ الأدنى الاستناد إلى الدولة وإرسال رسالة احتجاج من خلال الحكومة المؤقتة للأمم المتحدة على الاعتداءات الإسرائيلية.
لكن ما هو أهمّ من هذه السجالات، فهم السلوك الإسرائيلي تجاه المنطقة العربية والتحوّلات التي تجري فيها، فإنّ "إسرائيل" لا تسمح لأحد في البلاد العربية أن يثبّت أوضاعه قبل أن تأخذ منه ضماناتها، فكل نظريات الانتظار والصبر الاستراتيجي تحطّمت على صخرة المبادرة الإسرائيلية، وكل الأوضاع المستقرّة مشروطة بالتفوق الإسرائيلي، وهو ما يستدعي أقدارا متفاوتة من القهر وانتهاك الكرامة الآدمية للإنسان العربي في دوله المتعددة، مما يفرض "إسرائيل" بالضرورة قضية عربية، لأجل كلّ بلد عربيّ، وليس لأجل الفلسطينيين وقضيتهم، ومن هذه الحيثية تكون القضية الفلسطينية قضية عربية، لا قضية الفلسطينيين وحدهم.
الخطط الإسرائيلية تتراوح بين الجرّ إلى الاتفاقات الإبراهيمية، أو خلق عمق استراتيجي في أراضي الآخرين، أو فرض مجال حيوي بالفعل العسكري المباشر الذي تسميه "المعركة بين الحروب"، والذي يتحول في الحالتين السورية واللبنانية، أقلّه في الظرف الراهن، إلى "عمليات جزّ العشب" المعتمدة في الضفّة الغربية
بقطع النظر عن أي نوايا أو أي ترتيبات إقليمية بخصوص المشهد السوري الراهن، فإنّه من المفهوم تماما، انعدام القدرة السورية الآن على مواجهة العدوان الإسرائيلي، علاوة على كون "هيئة تحرير الشام" مصنفة على قوائم الإرهاب، وهو ما قد تتغطى به "إسرائيل" للتوسع في عدوانها، إضافة إلى كون وقف إطلاق النار على الجبهة السورية لا يستند إلى اتفاق سلام وإنما إلى اتفاقية فض اشتباك مما يجعل "إسرائيل" تتصرف على أنّها في حرب بالفعل، إلا أنّ الوعي بالمشروع الإسرائيلي الرامي إلى تأكيد السيادة الإسرائيلية على دول الجوار هو واجب أيّ قوّة حكم جديدة، ولا سيما إن جاءت في سياق اعتراضي على عقود الحكم الماضية.
هذا التفوق الإسرائيلي المراد، يسعى أولا إلى فرض الهشاشة العسكرية على الدول المجاورة، وحتى الاقتصادية والاجتماعية، وفي حالات معينة يسعى الإسرائيلي للتحالف الضمني أو الصريح مع قوى أهلية على أساس طائفي أو عرقي. والدفع نحو التقسيم مصلحة إسرائيلية متوخاة ويجري العمل عليها، ليس بهدف إضعاف الدول العربية فحسب، ولكن أيضا لجعل "إسرائيل" بطابعها الطائفي شيئا طبيعيّا.
ولضمان العمق الاستراتيجي فإنّ الخطط الإسرائيلية تتراوح بين الجرّ إلى الاتفاقات الإبراهيمية، أو خلق عمق استراتيجي في أراضي الآخرين، أو فرض مجال حيوي بالفعل العسكري المباشر الذي تسميه "المعركة بين الحروب"، والذي يتحول في الحالتين السورية واللبنانية، أقلّه في الظرف الراهن، إلى "عمليات جزّ العشب" المعتمدة في الضفّة الغربية، وهذا كلّه يوجب أن يكون الموضوع الإسرائيلي حاضرا في مستوى الوعي والاستعداد.
x.com/sariorabi
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الإسرائيلي سوريا العدوان سوريا إسرائيل احتلال عدوان مقالات مقالات مقالات سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
أكسيوس: بلينكن سيقدم اليوم خطة لإدارة غزة بعد الحرب الإسرائيلية على القطاع
كشف موقع "إكسيوس" عن 3 مسؤولين أمريكيين أن وزير الخارجية أنتوني بلينكن، سيقدم خطة شاملة لإعادة بناء وإدارة غزة بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية على القطاع في خطاب أمام "المجلس الأطلسي" بعد ظهر الثلاثاء. ويأمل بلينكن أن تصبح هذه الخطة مرجعًا للإدارة المقبلة بقيادة دونالد ترامب.
اعلانويقترب بلينكن من نهاية ولايته في وزارة الخارجية، لكنه يراهن على أن هذه الخطة ستكون ضرورية ليس فقط لإعادة الإعمار بل أيضًا لبناء هيكل إداري مستدام للمرحلة التالية بعد انتهاء الحرب.
سيتركز الخطاب على ثلاث محاور رئيسية: إعادة الإعمار، الأمن، وإصلاح السلطة الفلسطينية. كما سيدعوإلى المشاركة العربية والدولية في عملية إعادة الإعمار، مع ضمان دور محوري للسلطة الفلسطينية في المستقبل. علاوة على ذلك، يقترح إرسال قوات دولية إلى غزة للمساعدة في تثبيت الأمن وتقديم المساعدات الإنسانية.
جنود إسرائيليون يطلون على قطاع غزة من دبابة، يوم الجمعة 19 يناير 2024Maya Alleruzzo/APتواجه الخطة التي سيعرضها بلينكن معارضة داخل وزارة الخارجية الأمريكية، حيث عبر بعض المسؤولين عن قلقهم من أن المقترحات قد تخدم مصالح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وتهمش السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس.
من جانبها، أبدت السلطة الفلسطينية اعتراضها، إذ يعتبرون أنها لا تأخذ في الاعتبار مصالحهم السياسية. فيما أصر بلينكن على أن الخطة ستكون جاهزة للإدارة المقبلة، وأكد أنه مستعد لتسليم بنودها للإدارة المقبلة كي تتمكن من العمل عليها.
الدخان يتصاعد عقب قصف إسرائيلي لمناطق داخل قطاع غزة، الاثنين، 13 يناير/كانون الثاني 2025Ariel Schalit/APRelatedأكسيوس: بن زايد يصف السلطة الفلسطينية بـ"علي بابا والـ40 حرامي" خلال اجتماع حضره بلينكن"بلينكن ملاك الموت".. النازحون الفلسطينيون في غزة يعبرون عن استيائهم من زيارة وزير الخارجية الأمريكيبلينكن قبل مغادرته: حديث مع نيويورك تايمز في التطبيع السعودي مع تل أبيب والدفاع الشرس عن إسرائيلبلينكن في حجه الـ11 إلى إسرائيل في عام واحد.. هل بوسعه الضغط على نتنياهو لوقف الحرب على غزةفي المقابل، تعارض الحكومة الإسرائيلية أي خطة تتضمن دورًا للسلطة الفلسطينية في الحكومة المستقبلية لغزة، حيث ترى أن مشاركة السلطة قد تؤدي إلى زعزعة الأمن في المنطقة.
فلسطينيون يسيرون وسط الدمار الذي خلفه الهجوم الجوي والبري الإسرائيلي في خان يونس جنوب قطاع غزة، الثلاثاء، 7 يناير/كانون الثاني 2025Abdel Kareem Hana/APرغم هذه المعارضات، أكد بلينكن أنه لا مجال لاستمرار السيطرة الإسرائيلية على غزة أو تقليص مساحة الأراضي الفلسطينية أو ترحيل الفلسطينيين بالقوة من غزة.
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية حرب غزة: إسرائيل تمهد لانسحابها من محور نتساريم مع اقتراب الصفقة والحوثيون ينفذون 3 عمليات عسكرية دراما في إيطاليا: مؤسسة حقوقية تطالب باعتقال جنرال بارز في الجيش الإسرائيلي بتهمة تجويع أطفال غزة كيف ينظر الفلسطينيون في قطاع غزة إلى مفاوضات وقف إطلاق النار بالدوحة؟ قطاع غزةحركة حماسجو بايدنالسلطة الوطنية الفلسطينيةالصراع الإسرائيلي الفلسطيني بنيامين نتنياهواعلاناخترنا لك يعرض الآن Next مباشر. حرب غزة: إسرائيل تمهد لانسحابها من محور نتساريم مع اقتراب الصفقة والحوثيون ينفذون 3 عمليات عسكرية يعرض الآن Next المشاهير وحرائق كاليفورنيا: بيونسيه تتبرع بـ 2.5 مليون دولار وميغان ماركل ترجئ مسلسلها على نتفلكس يعرض الآن Next احتفالات بسيطرة الجيش السوداني على مدينة ود مدني الاستراتيجية ومعقل قوات الدعم السريع يعرض الآن Next جيروزاليم بوست: من بورقيبة إلى بن علي.. علاقات سرية بين تونس وإسرائيل وانتفاضة الأقصى أجهضت التطبيع يعرض الآن Next بيلا حديد تبكي منزل طفولتها المدمر في حرائق ماليبو بلوس انجلوس اعلانالاكثر قراءة تكليف نواف سلام بتشكيل الحكومة اللبنانية.. ماذا نعرف عنه؟ روسيا تعلن رسميا عن موعد التوقيع على اتفاقية للتعاون الاستراتيجي مع إيران بالصور: "يوم بلا سراويل" تقليد سنوي بمترو لندن لتحدي الشتاء.. ركاب عراة الساقين بملابس داخلية ملونة زلزال بقوة 6.4 درجة على مقياس ريختر يضرب قبالة سواحل ميازاكي باليابان وتحذير من حدوث تسونامي النرويج: حمامات الجليد الجماعية في بيرغن فوائد صحية جمة ووجهة عشاق السباحة وإحساس استثنائي بالانتعاش اعلانLoaderSearchابحث مفاتيح اليومإسرائيلالشتاءدونالد ترامبحركة حماسبنيامين نتنياهوالهندغزةقطاع غزةالمملكة المتحدةحرائقجرائم حرباليابانالموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesJob offers from AmplyAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2025