قصة سهيل حموي الذي قضى 32 عاما في السجون السوريّة... إليكم ما كشفه
تاريخ النشر: 10th, December 2024 GMT
"وجعٌ. مرضٌ. ظلمٌ. ألمٌ. حنيٌن، واشتياق". هكذا لخّص سهيل حموي، السجين اللبناني معاناة أكثر من ثلاثة عقود في زنزانات نظام بشار الأسد.
ويقول حموي: "كنت شابّا عندما اعتقلت، والآن عمري 61 سنة".
وتابع كاشفاً السرّ وراء صبره كل تلك السنين: "كنت إذا اشتقت لأحد، أغمضت عيناي لأراه، وإذا جعت أكذب على نفسي وأقول إنني أكلت، كل شيء كان له دواء إلا الحرية".
عندما اعتُقل قبل ثلاثة عقود، لم يكن يعرف حتى تهمته، بينما أمضى عدة أيام في ما أسماه بـ"الفرع"، حيث يتم استنطاق السجناء "تحت الأرض".
وبعد 20 عاما من الاعتقال، قال "اتُهِمتُ بالتعاون مع القوات اللبنانية".
وأمضى حموي 5 أعوام في "فرع فلسطين"، المعروف أيضا باسم "فرع 235"، وهو أحد السجون التي تديرها المخابرات السورية.
بعدها نقل إلى سجن تدمر، ثم إلى صيدنايا، حيث بقي نحو 14 سنة هناك، 1997-2011، ثم نُقل إلى سجن عدرا، ليمكث فيه بين عامي 2011-2015، قبل أن يُنقل إلى سجن اللاذقية حتى "تحريره".
ويقول واصفا تلك السنوات: "كان أكثر اشتياقي لأمي وإخوتي".
قبل أيامٍ من تحريره، كان حموي والسجناء قد سمعوا بتحرّك المعارضة التدريجي نحو كافة المحافظات السورية.
وفتح والسجناء معه أبواب السجن بأياديهم. اتخذوا هذا القرار بعد هروب موظفي السجن وحراسه.
ويقول: "في تلك اللحظة، لم أحسّ بأي شيء. كنت ضائعا. كنت في مكان لا أعرفه، ولا أعرف أحدا فيه".
بوعد تحرره، احتار في اختيار وجهته وقال: "لم أكن أعرف إن كان علي أن أذهب يمينا أو شمالا".
بعدها، رافق أحد السجناء السوريين إلى بيته، حيث أقام في انتظار عودته إلى لبنان.
وفي وصفه ليوم لقاء عائلته قال: "لم أعرفهم، لكنهم عرفوني. كنت أرى حلمي ينتظرني. كِدت أقفز فوق خندق حتى أصل إليهم، كانوا هناك. زوجتي وأصدقائي. كل أولئك الذين كنت أتحسس أرواحهم معي في الزنزانة". (الحرة)
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
طلقاء فلسطينيون بين عناق الحرية وأوجاع التعذيب والفقد
غزة- «عُمان»- بهاء طباسي:
في مشهد تختلط فيه دموع الفرح بالحزن، خرج ياسر أبو دقة من سجون الاحتلال الإسرائيلي بعد عشرين عامًا قضاها بين جدران المعتقلات، لكنه لا يجد من أهله أحدًا ليستقبله. يشعر الرجل بحجم الفقد حين يكتشف أن 20 فردًا من عائلته قد قضوا في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، بينهم والدته وإخوته وأبناء عمومته، ولم يبق له في هذه الدنيا سوى الطفلة تالا، ابنة شقيقه التي باتت يتيمة الأب والأم.
قبل أن يتنفس هواء الحرية، طلب ياسر أن يذهب إلى المقبرة، حيث يرقد الأحبة تحت التراب. وقف أمام القبور التي تضم من كانوا ينتظرون يوم الإفراج عنه، لكنه يعود إلى الحياة بلا وطن عائلي يحتضنه. كانت يديه مكبلة بآثار الأسر، لكن روحه تبدو أشد تقيدًا بالحنين والفقد. لا يمثل الخروج من السجن بالنسبة له ميلادًا جديدًا، بقدر ما يكون مواجهة قاسية مع واقع أكثر قسوة ربما من سنوات الاعتقال.
أمام المقبرة، ينظر ياسر حوله وكأنه يبحث عن وجه أمه أو ضحكات إخوته، لكنه لا يجد سوى الشواهد الصامتة. يرفع يديه إلى السماء، ويروي قصته للتراب قبل أن يجر أقدامه نحو الحياة مجددًا. كانت هذه لحظة تكسر روحه أكثر مما كسرتها سنوات الاعتقال الطويلة.
خرج فلم يجد من أهله إلا مقبرة
عبد الله أبو دقة، أحد أقرباء ياسر، يُلخص حجم المأساة التي لحقت بأخيه، قائلاً لـ«عُمان»: «الأسير الذي قد قضى من عمره عشرين عامًا في هذه السجون فقد في هذه الحرب 20 شخصًا من أهله المقربين. فقد كل أهله في هذه الحرب. واليوم يخرج ولم تبق إلا طفلة واحدة وهي تالا، ابنة أخيه. ذهب إلى مقبرة أهله يترحم عليهم قبل أن تخطو قدماه نحو الحرية التي تمناها».
ويستطرد عبد الله بغصة واضحة في صوته: «فقد إخوته وفقد أمه وفقد أبناء العمومة. فقد 20 من أهله، ولكن اليوم سيخرج رغم هذا الظلم الذي وقع علينا. لكن بإذن الله عز وجل، هذه رسالة لهذا المحتل أنه مهما غاب أسرانا في هذا السجن الظالم، سيخرجون بإذن الله، وهذا وعد الله ووعد مقاومتنا الباسلة».
ويشعر عبد الله بمرارة الظلم: «نحن منذ الصباح ننتظر أسرانا أن يخرجوا من السجون، وبعد قليل بإذن الله سنستقبل أحبابنا الذين غابوا عنا طويلًا. لكننا نعلم جيدًا كيف يعامل الاحتلال أسرانا، فبينما يخرج الأسرى الإسرائيليون من سجوننا بكل احترام وأدب، يخرج أسرانا بعد الإهانة والضرر والضرب والظلم».
الدفعة الخامسة
أمس، استقبل الأهالي في قطاع غزة نحو 100 أسير فلسطيني أفرج عنهم الاحتلال ضمن الدفعة الخامسة من المرحلة الأولى لاتفاق وقف إطلاق النار. تعم الفرحة الأرجاء، حيث تعالت الزغاريد واحتضن الأهالي أبناءهم الذين غابوا خلف القضبان لسنوات.
وأعلن الهلال الأحمر الفلسطيني أنه جرى نقل سبعة أسرى إلى المستشفى فور الإفراج عنهم، نتيجة سوء حالتهم الصحية جراء التعذيب وسوء المعاملة التي تعرضوا لها خلال الأسر. وتؤكد مصادر فلسطينية أن الأسرى يعانون من آثار التنكيل الممنهج، الذي لا يتوقف حتى لحظة الإفراج عنهم.
فرحة لا تُوصف
وتطايرت الكلمات من محمد الجبري، من شدة الفرح بالإفراج عن شقيقه سمير الجبري. يقول: «الحمد لله فرحتنا لا توصف، نشعر بسعادة كبيرة، ما كناش متوقعين. هذا اليوم نصر كبير لنا، والفضل لربنا وللمقاومة كلها. وعقبال بقية الأسرى إن شاء الله ربنا يفرج عنهم».
ويؤكد الأخ المتلهف لرؤية شقيقه الذي أُسر إبان حرب السابع من أكتوبر أنه رغم تعذيب الأسرى وسقوط الكثير من الضحايا الأبرياء في حرب الإبادة الجماعية التي شنها الاحتلال على قطاع غزة إلا أن الفلسطينيين سيظلون صامدين على أرضهم حتى آخر رمق فيهم.
يقول لـ«عُمان»: «المجد لنا ولكل الأسرى ولكل الأهالي الذين رأوا أحبابهم بعد طول غياب. قدمنا شهداء، خسرنا الكثير، لكن الحمد لله صامدون، وبإذن الله سيتم الإفراج عن جميع أسرانا».
«تعرضنا للتنكيل حتى آخر لحظة»
أما الأسير علاء أغا، الذي قضى سنوات طويلة في الأسر، فيروي تفاصيل المعاناة قائلاً: «فرحة عارمة لأننا خرجنا من السجون بعزة وكرامة، ورأينا وجوه جند الاحتلال تسقط من الخزي، ونحن عند معبر كرم أبو سالم. لكن الألم الأكبر لنا أننا رأينا هذا الدمار. هذا هولوكوست العصر الذي حدث في غزة. لكن إن شاء الله سنعمرها من جديد وسنعيدها سيرتها الأولى».
ويُلخص أغا معاناة الأسر قائلاً : «عانينا من انتقام يومي وتنكيل لا يتوقف، وضرب مستمر حتى ليلة أمس. وحتى أثناء نقلنا من السجون إلى داخل المعبر، تعرضنا للضرب والإهانة أمام الصليب الأحمر وأمام الجميع».
18 عامًا من الانتظار
أما والدة الأسير المحرر فتحي عبد ربه، فلا تستطيع حبس دموعها وهي تروي مشاعرها: «لا أصدق نفسي أنني سأراه بعد 18 عامًا في السجن. لم أكن أنام الليل من الفرح. كانت ابنته في بطن أمها عندما اعتُقل، واليوم تراه لأول مرة».
وتضيف بفرحة يغمرها الحنين خلال حديثها لـ«عُمان»: «فرحانين والله ينصر أهل المقاومة كلهم يا رب العالمين». أما ابنته، التي كبرت وهو في السجن، فأوضحت: «أبي كان محكومًا عليه بالسجن لمدة 32 سنة. وكنت قد فقدت الأمل في رؤيته بيننا مرة أخرى. الحمد لله. لا أستطيع وصف شعوري».
معاناة لا تنتهي
وأفرجت إسرائيل اليوم عن 183 أسيراً فلسطينياً، بينهم 18 أسيرا محكوماً بالسجن المؤبد، و54 أسيرا من ذوي الأحكام العالية، و111 أسيرا من أسرى قطاع غزة الذين اعتقلوا بعد السابع من أكتوبر 2023.
وتعد هذه الدفعة جزءًا من سلسلة عمليات تبادل الأسرى منذ سريان اتفاق وقف إطلاق النار في 19 يناير الماضي، حيث أفرجت المقاومة الفلسطينية عن 13 رهينة إسرائيلية وخمسة عمال تايلانديين، مقابل إطلاق سراح 583 أسيراً فلسطينيًا، أُبعد العشرات منهم إلى خارج البلاد.
لا تنتهي معاناة الأسرى الفلسطينيين بمجرد الإفراج عنهم، فالتنكيل يرافقهم حتى اللحظات الأخيرة، إذ تم نقل سبعة أسرى إلى المستشفى فور خروجهم، نتيجة ما تعرضوا له داخل السجون. وتؤكد تقارير حقوقية أن الأسرى الفلسطينيين يعانون من التعذيب وسوء التغذية والإهمال الطبي، ما يجعل خروجهم إلى الحرية رحلة محفوفة بالألم والمعاناة.
وفي ظل هذه الأوضاع، لا يزال الفلسطينيون ينتظرون الإفراج عن باقي الأسرى، فيما تتواصل الضغوط الدولية من أجل وقف الانتهاكات بحق المعتقلين الفلسطينيين. وعلى الرغم من كل الألم، تبقى لحظة الحرية أملًا يتشبث به الأسرى وذووهم، في انتظار اليوم الذي تتحطم فيه قضبان السجون إلى الأبد.