سوريا بدون الأسد، هذه حقائق التاريخ وثمن التضحيات التي دفعها الشعب السوري طوال 14 عاما، ونتيجة طبيعية لمسار حكم العائلة طوال 54 سنة.
قبل ساعات قليلة من فرار بشار الأسد وانهيار منظومته العسكرية والأمنية، وأمام زحف قوات المعارضة السورية باتجاه دمشق، كانت بعض الأصوات المحسوبة على تيار دعم النظام في الداخل السوري ومن بعض الدوائر العربية تحاول تبديد هذه الحقائق، لكن سرعة الحدث وفرض السيطرة، بدلت كل الخطاب الإعلامي الذي حاول حصر المشهد السوري، واختزاله بـ"هيئة تحرير الشام" كتنظيم مدرج على قائمة "الإرهاب"، وإسباغ كل فصائل المعارضة بثوب التزوير مجددا من بوابة الإرهاب، واستحضار "داعش" فزاعة للداخل والإقليم والمجتمع الدولي.
انهيار كل ما علق بصورة الثورة السورية من تزوير، يؤكده مشهد التعامل مع المناطق التي أصبحت تحت سيطرة فصائل المعارضة من الشمال السوري حتى الجنوب بشهية طمأنة مجتمعها وبتطبيق تجربة الضبط الذاتي، ويقول إن هناك شمعة صغيرة بدأت تضيء في سماء وأرض بلدٍ غارق في الظلمة والدمار والموت والقهر لأكثر من خمسة عقود.
صدمة نهاية نظام بشار الأسد، لن تكون محصورة في الحيّز الجغرافي السوري، فحلقة وظيفة النظام كانت مرتبطة بسلسلة عربية إقليمية ودولية لفترة طويلة من حكم الأسدين الأب والابن
وهذا يحتاج لجهود جبارة وعمل كثير يعرفه السوريون تماما، فالتخلص من نظام الأسد وإعادة كشف الندوب الكثيرة التي تركها خلفه، تفتح المجال لبداية طريق جديد بعد التخلص من الاستبداد، وتجعل البحث عن أي حل سياسي غير خاضع لمنطق ومفهوم الأمن والسيطرة، لتجنب الانتكاسة المعهودة في الثورات العربية، كما حدث في مصر وتونس وليبيا واليمن، مع أنها جُربت في سوريا بسلوك النظام السابق وارتباطه الوثيق مع محور الثورات المضادة الذي ظل حتى الثانية الأخيرة من وقت الإعلان عن فراره يدافع عن جرائمه وتبريرها.
من المؤكد أن صدمة نهاية نظام بشار الأسد، لن تكون محصورة في الحيّز الجغرافي السوري، فحلقة وظيفة النظام كانت مرتبطة بسلسلة عربية إقليمية ودولية لفترة طويلة من حكم الأسدين الأب والابن، وسرعة امتصاص هذه الصدمة بدأ بتغيير اللهجة والاستعداد للتواصل مع القوى على الأرض لمحاولة استعادة هذه الحلقة. فما حصل مرعب ومخيف لكل القوى التي كانت ترى في نظام الأسد ضمانة وحائط صد في منع التغيير في المنطقة العربية، وخصوصا في بلدان الثورات المضادة والحلف الداعم لها. ومن هنا تبقى المخاطر قائمة ومحيطة تتربص انتهاز فرصة استنساخ الفشل المطبق في ثورات عربية مغدورة، وهذا ما يستدعي الوعي والانتباه الذي نعتقد أن السوريين بلغوه منذ زمن ارتكاب المجتمع الدولي جريمة منع سقوط النظام.
الفوضى بعد سقوط نظام الأسد حذر منها الطاغية نفسه، وأخاف بها السوريين والعالم، بأن بديل وجوده إرهاب سيعم المنطقة، وكذلك التحذير العربي والدولي من فقدان سوريا لوحدتها وسيادة أرضها، وكأن الفراغ قدر لا رد له لعدم امتلاك السوريين حلا لمعضلة التخلص من قاتلهم.
وكل هذه المحاذير أكذوبة كبرى مستمرة بدون الاعتراف بأن الشعب السوري يمتلك القدرة على تقرير مصيره وبناء دولته على أسس المواطنة والحرية والقانون والدستور. فالمأزق المستحيل انتهى بنهاية عهد الطاغية، وكل الصعوبات والمستحيلات التي حاول فرضها أعداء التغيير في سوريا فشلت، وكل صعوبة ستكون أسهل من رؤية الماضي بتحويل سوريا كلها لمعتقلات وزنازين لم ينته السوريين من فتحها لفتح طاقة أملٍ نحو المستقبل. مهام كثيرة تنتظر السوريين، وآمال أكثر ينتظرها الشعب السوري من النظام العربي؛ أولا التخلص من حالة الذهول والصدمة مما حصل في سوريا، والاعتراف بشرعية مطالب السوريين ببناء وطن موحد يقوم على المواطنة والحرية والتعددية السياسية، والتخلي عن وظيفة الأمن غير المرتبط بالأمن العربي وعمقهفمن كان يخاف على وحدة التراب السوري في النظام العربي الرسمي ليتفضل بالتحرك لمواجهة تمدد الاحتلال بإعادة احتلال أراضٍ جديدة في سوريا، ويصرخ بوجه نتنياهو لتمزيقه اتفاق فض الاشتباك، ويندد ويدين مواصلة المحتل غاراته وعدوانه على سيادة سوريا.
مهام كثيرة تنتظر السوريين، وآمال أكثر ينتظرها الشعب السوري من النظام العربي؛ أولا التخلص من حالة الذهول والصدمة مما حصل في سوريا، والاعتراف بشرعية مطالب السوريين ببناء وطن موحد يقوم على المواطنة والحرية والتعددية السياسية، والتخلي عن وظيفة الأمن غير المرتبط بالأمن العربي وعمقه. فالمخاطر ليست كامنة برغبات ومطالب الشعب السوري، وما أكده السلوك الصهيوني بإعادة احتلال مواقع جديدة في سوريا وضرب مخازن السلاح على الأرض، هو الشيء الأكيد غير الوارد في القلق العربي من أن المخاطر تكمن خارج حدود سوريا وفي الاحتلال نفسه بعد هروب رأس النظام حارس الحدود.
الطريق طويل والمخاطر عديدة في مسيرة بدأت في اليوم التالي لسقوط النظام السوري، لكن المستحيلات المتخيلة والأوهام سقطت، ويمتلك الشعب السوري من المواعظ والتجارب كمّا هائلا يجنبه السقوط في أفخاخ عدة تنصب له. فأنهار الحقد والدم والصواريخ التي بناها النظام ستجف، وملايين الضحايا كلفة النفاق والتخاذل العربي والدولي للسوريين كان لها وقع الصدمة.. انحسار كل ذلك وتخفيفه بحصر المعركة الآن بكيفية إدارة المرحلة الانتقالية في سوريا والانتقال السلس والسلمي للسلطة بدون الغرق بمشاعر القلق هو تعافٍ من صدمة لن تُخلف إعاقة مستحيلة على الشعب السوري، وبكيفية نهوضه مجددا في وطن يسترد حضوره ودوره على الخارطة العربية والدولية.
x.com/nizar_sahli
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه سوريا الأسد الثورة صدمة سوريا الأسد حرية الثورة صدمة مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الشعب السوری التخلص من فی سوریا
إقرأ أيضاً:
صراع محاور يُسقط النظام… هل يمكن أن ينسحب الوضع السوري على السودان؟
في مشهد دراماتيكي مفاجئ، تغير النظام السوري مع إعلان سقوط النظام الحاكم في البلاد، بعد مغادرة الرئيس السوري بشار الأسد، واحتلال الفصائل المسلحة عدة مدن، كان آخرها العاصمة دمشق التي باتت تحت التحكم الكامل لهم.
سقوط بشار
وأعلنت الفصائل المسلحة التي تقودها ما تعرف بـ”هيئة تحرير الشام”، “الأحد”، سيطرتها على العاصمة دمشق دون أي مقاومة تذكر، مؤكدة سيطرتها على المدينة التي وصفتها بأنها “تحررت” ب”سقوط بشار الأسد”، في وقت قال فيه رئيس الحكومة السورية محمد غازي الجلالي إنه لن يغادر البلاد، وذلك من أجل الحفاظ على مقدرات البلد وضمان استمرار مرافق الدولة، مضيفاً: “لن أرحل إلا بطريقة سلمية”، ودعا الجلالي الشعب السوري للحفاظ على مؤسسات الدولة والتفكير بعقلانية، وعدم المساس بأى أملاك عامة لأنها بالأساس أملاكهم.
هجوم مباغت
يذكر أن الفصائل المسلحة قد سيطرت، الخميس، على مدينة حماة، رابع كبرى مدن سوريا، الواقعة في وسط البلاد، بعد أيام من سيطرتها على حلب وإدلب في إطار هجوم مباغت، وكانت قد سيطرت أمس الأول الجمعة، على ريف حمص الشمالي بشكل كامل، وأطلقت ما تعرف بـ “هيئة تحرير الشام” والفصائل المتحالفة معها هجومها في 27 نوفمبر الماضي، انطلاقاً من معقلها في إدلب شمال غربي البلاد، وذلك بعد دعمها بأسلحة متطورة وحديثة ساعدتها كثيراً في حسم معارك ميدانية على الأرض بشكل سريع.
تقاطعات دولية
هذا التغيير المفاجئ والسريع، لا يخلو من تقاطعات إقليمية ودولية كانت حاضرة في المشهد السوري منذ سنوات، ففي الوقت الذي ساندت فيه كل من روسيا وإيران النظام السوري، تداخلت أمريكا وقوى غربية داعمة للمعارضة السورية، ما أدى إلى وجود قوى إقليمية ودولية في البلاد على رأسها (روسيا – إيران – تركيا – أمريكا)، ما آثار العديد من التساؤلات حول الأسباب التي أدت إلى سقوط نظام الأسد الذي حكم البلاد أكثر من 50 عاماً بهذه الطريقة، هل انشغال روسيا بحربها مع أوكرانيا، وهل تصفية حزب الله المصنف ذراعاً لإيران بالمنطقة كان سبباً، مَن باع مَن، هل روسيا وإيران باعت بشار الأسد، أم هو الذي باعها باتصالات سرية مع بريطانيا والدول المناوئة، وماذا بعد سقوط نظام الأسد، وماهو مستقبل سوريا بعد هذا المشهد المعقد.
مستقبل غامض
في الوقت الذي يرى فيه خبراء بأن سوريا قد تحررت من نظام الأسد الذي قتل وشرد شعبه، يرى آخرون إنّ سوريا باتت في حوزة التنظيمات المسلحة ذات الخلفية الإسلامية، وبات مستقبلها غامضاً أمام سيطرة هذه التنظيمات، كما رأوا أن هذه التنظيمات التي تقاتل تحت كيان هيئة تحرير الشام أو جبهة النصرة سابقًا ما تزال لديها إرتباطات بتنظيم القاعدة، صحيح هي فككت ارتباطها بالتنظيم من قبل ولكن لا يوجد ما يؤكد أنها تخلت عن أفكارها. وتبقى الخطورة ليست في نظام سياسي قد سقط، ولكنه جرس إنذار لمستقبل يبدو غامضاً مع التنظيمات المتطرفة، وقد تؤدي هذه التطورات إلى سقوط الدولة السورية نفسها وتمزيقها.
خارطة جديدة
وتشير التوقعات بأنّ هناك من يسعى إلى أفغنة الحالة السورية، فكما تم تسليم أفغانستان في أول عهد الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن، فقد تم تسليم سوريا في نهايات عهد نفس الرئيس الديمقراطي، الذي لا يرى مشكلة في استخدام جماعات الإسلام السياسي في منطقة الشرق الأوسط، كما يرى آخرون أن سوريا قد تقع فريسة لمطامع مختلفة سواء من تركيا أو من إسرائيل وسيكون لذلك انعكاسات وتأثيرات استراتيجية تقودها أمريكا وإسرائيل، لإعادة رسم الخارطة السياسية والجغرافية والأمنية في المنطقة، وفق معادلات وتوازنات ومصالح جديدة، وذلك لتفكيك النفوذ الإقليمي الإيراني، لصالح بسط النفوذ الإسرائيلي، لكن هذه الاستراتيجية ربما تواجه تحديات جمه على رأسها عدم استسلام ايران.
وقد يرى البعض أن هناك وجه تشابه بين المشهدين السوري والسوداني، من حيث التقاطعات الإقليمية والدولية، فإلى أي مدى يمكن أن ينسحب المشهد السوري على الأوضاع في السودان، وهل يمكن أن نرى صراع المحاور الذي حدث في سوريا في السودان قريبا؟
لا يوجد تشابه
من جانبه يرى الكاتب الصحفي والمحلل السياسي الدكتور خالد التيجاني أن لا وجه للتشابه بين ماحدث في سوريا والسودان. وقال التيجاني لموقع “المحقق” الإخباري ربما يكون التشابه الوحيد في تعقيدات المشهد السياسي الداخلي، لكن في سوريا هناك تدخل خارجي كثيف له حواضن شعبية على الأرض، إضافة إلى وجود عسكري داخل سوريا من الروس والأتراك والايرانيين والأمريكان، مضيفا أن سقوط نظام الأسد جاء نتيجة لتغيير التحالفات الاقليمية والدولية، متسائلا هل ستظل هذه الارتباطات مستمرة ومرتهنة بالخارج، موضحا أن الدور الخارجي موجود في السودان ولكنه أقل تعقيدا من سوريا، لعدم وجود حاضنة شعبية لهذا الدور، وقال إن الدعم السريع وسيلة لتحقيق أجندة خارجية في السودان، ولكن ليس له حاضنة شعبية تسانده في هذا الأمر، وتابع أن الجيش السوداني ظل يقاتل بمفرده معتمدا على قدراته الذاتية، عكس الحال في سوريا التي دخلت قوات بالعتاد والأفراد لمساندة الجيش السوري، مؤكدا أن فكرة أن النظام السوداني مستند على دعم خارجي هذا غير صحيح، وأن مايحدث في سوريا صراع محاور خارجية، وقال مالم تكن هناك حاضنة شعبية حقيقية لهذه الأجندات الخارجية لا يمكن أن يحدث تغيير، ورأى أن كل من يشبهون المشهد السوري بالسوداني، يحاولون التعلق “بقشه” تتوافق مع مصالحهم، وقال إن الحاضنة الشعبية الموجودة في السودان الآن تساند الجيش السوداني، وإن هذا لا يمكن معه تدخل دولي.
هناك مقارنة
في المقابل يرى رئيس تحرير صحيفة التيار عثمان ميرغني أن هنالك مقارنة بين المشهدين السوري والسوداني. وقال ميرغني لموقع “المحقق” الإخباري أن هناك ترتيبات دولية متفق عليها بين الأطراف اللاعبين الأساسيين في المشهد (روسيا – ايران – تركيا – أمريكا)، وإن هناك إتفاقاً على تسليم وتسلم، موضحا أن هذه الترتيبات عبارة عن خارطة طريق لشرق أوسط جديد بلا نزاعات، وأنه تم بدأها في غزة وحزب الله وسقوط نظام الأسد، وأن الدور القادم على الحوثيين في اليمن وبعدها إيران، وقال إن السودان جزء من هذه الأزمة، وإنه كانت هناك مجهودات دولية لحلها ولكن تم رفض كل هذه المجهودات، مؤكداً أن أطراف اللعبة بيد الخارج، وقال يبدو أن البرهان يريد أن يحافظ على بقائه في السلطة بهذه التقاطعات، ولكن يتضح أنه لن يستطيع أن يسير أكثر من ذلك، ومن الأفضل أن يتعظ مما يحدث في المنطقة، متسائلا إلى متى سيستمر البرهان في ذلك، وقال إنه ليس هناك أفق محدد للتعامل مع هذا الوضع، مؤكدا أن الجيش هو القوة الشرعية بالبلاد وأن الدعم السريع لا وجود له في مستقبل السودان باقرار الجميع والمجتمع الدولي، وتابع يجب أن يبني البرهان على ذلك ويعول عليه ويذهب إلى حل بديل إذا كان رافضا لكل الحلول الخارجية.
القاهرة – المحقق – صباح موسى
إنضم لقناة النيلين على واتساب