في عمق الظلام السوري، حيث تختفي أصوات الحقائق خلف القضبان، تبرز قصة السجون السرية لنظام بشار الأسد كصفحة مروعة في تاريخ الإنسانية. بين جدران تلك السجون المحصنة، التي لا تُرى بالعين المجردة لكنها تتردد أصداؤها في عيون المفرج عنهم، تتجلى حكايات التعذيب والسادية التي تخطت الحدود المألوفة، لتجعل الألم والخراب لغة يتحدث بها السجناء، وينطق بها النظام دون خجل.

أصوات المفقودين.. صرخة العالم

ومع انتشار مقاطع الفيديو والصور التي تُظهر محاولات إنقاذ العشرات من السجون السرية، برزت أسئلة ملحة حول مصير عشرات الآلاف الذين اعتقلوا واختفوا قسريًا منذ بداية الثورة السورية عام 2011. الأرقام صادمة، إذ تشير تقارير إلى أن أكثر من 157 ألف شخص ما زالوا في عداد المفقودين، بينما قُتل الآلاف تحت التعذيب أو بسبب الإهمال الطبي والجوع.

"كان لدي حلم بسيط، أن أعود إلى أطفالي"، تقول مريم خليف، إحدى الناجيات اللاتي حُبسن بتهمة تقديم مساعدات طبية للمصابين. داخل زنزانة بالكاد تسع ثلاثة أقدام مربعة، عاشت مريم مع ست نساء أخريات، حيث أُجبرن على مواجهة صنوف التعذيب التي شملت التعليق على الجدران والضرب المبرح. مريم، التي حمل جسدها ندوب العنف الجنسي، تشهد على بشاعة لم تفارقها: "كانت إحدى النساء تشكو الجوع، فقام الحراس بحشو فمها بالبراز".

"هتلر المزة".. وحشية بلا حدود

في سجن المزة، كان "هتلر"، كما يطلق على أحد الحراس، يستمتع بتحويل السجناء إلى ألعاب للتسلية. "كان يجبرنا على النباح كالكلاب، أو المواء كقطط، أو التصرف كحمير"، يقول أحد الناجين. أولئك الذين فشلوا في أداء أدوارهم تعرضوا للضرب الوحشي، وأحيانًا للصعق بالكهرباء أو تعليقهم عراة ورشهم بالماء البارد في الليالي المتجمدة.

صيدنايا.. المسلخ البشري

على تلة خارج دمشق، يقف سجن صيدنايا كشاهد على أقصى درجات الوحشية. وصفته منظمة العفو الدولية بـ "المسلخ البشري"، حيث كانت تتم عمليات إعدام جماعية أسبوعية، يُقتل خلالها ما بين 20 إلى 50 شخصًا ليلتي الاثنين والأربعاء. في مشهد عبثي، يتم إخبار السجناء بأنهم سينقلون إلى سجن مدني، لكن بدلًا من ذلك يتم اقتيادهم إلى حتفهم بعد "محاكمات" لم تتجاوز ثلاث دقائق.

تصاعد المطالبات بكشف الحقيقة

في ظل التحديات التي يواجهها السوريون، تصاعدت المطالب الدولية والمحلية بضرورة قيام النظام السوري، وبشار الأسد شخصيًا، بتزويد المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية بمعلومات دقيقة وشفافة حول السجون السرية ومصير المعتقلين. ترى منظمات حقوق الإنسان أن هذه الخطوة لا تقتصر على الكشف الجرائم، بل تعد ضرورة إنسانية لتضميد جراح آلاف العائلات التي فقدت أحبائها دون إجابات.

فيما دعت الشبكة السورية لحقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية النظام السوري إلى الإفراج الفوري عن قاعدة بيانات المعتقلين، تتضمن أسماءهم وأماكن احتجازهم وحالاتهم الصحية. كما طالبت الأمم المتحدة بفتح تحقيق دولي مستقل للوصول إلى السجون المغلقة، التي تشكل وصمة عار في سجل النظام.

في هذا السياق، يقول أحد الناشطين السوريين: "ليس من حق النظام أن يحتفظ بهذه الأسرار، هذه حياة بشر وكرامتهم، ويجب أن يعرف العالم الحقيقة كاملة". من جانبها، أصدرت بعض الحكومات العربية والدولية بيانات تطالب فيها الأسد بالتصرف بمسؤولية ومصارحة الشعب السوري حول ممارسات الأجهزة الأمنية.

معركة الأمل في وجه الصمت

ويعيش السوريون اليوم في حالة من الترقب واليأس، بين أمل الحصول على إجابات بشأن أحبائهم، وخوف من أن تظل الحقائق طي الكتمان. تقول سيدة سورية فقدت ابنها منذ عام 2013: "أريد أن أعرف إذا كان حيًا أم ميتًا، حتى لو مات، أريد أن أدفنه بيدي".

تظل السجون السورية رمزًا للمعاناة الممتدة، وقصة إنسانية تمزج بين الألم والصمود. المطالبات بإجابات من النظام السوري لن تتوقف، فهي ليست فقط بحثًا عن العدالة، بل هي صرخة للإنسانية لعدم التهاون مع جرائم لا تسقط بالتقادم.

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: بشار الأسد السجون السرية التعذيب في سوريا حقوق الإنسان المطالب الدولية الافراج عن المعتقلين الجرائم ضد الإنسانية منظمة العفو الدولية الشبكة السورية لحقوق الإنسان الإفصاح عن السجون السجون السریة

إقرأ أيضاً:

FP: هل يتمكن حكام سوريا الجدد من مواجهة المشاكل التي زرعها الاستعمار الغربي

نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للزميل الأول لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا في مجلس العلاقات الخارجية ستيفن كوك، قال فيه إن المسألة لم تكن سوى مسألة وقت قبل أن تخترق حقائق الوضع في سوريا الروايات الأخيرة، التي اتسمت في معظمها بالأمل والتفاؤل، حول انتقال البلاد من سلالة الأسد.

في 7 آذار/ مارس، اندلعت انتفاضةٌ ضد النظام السوري الجديد الذي أسسه أحمد الشرع، واشتبكت مع السلطات في اللاذقية وطرطوس وجبلة. بعد أن حقق الأسديون بعض النجاح الأولي، حشدت القوات الموالية للشرع قواتها وقمعت الانتفاضة.

تفاصيل هذه الأحداث غامضة نوعا ما نظرا لسيل الشائعات والمعلومات المضللة التي غمرت منصات التواصل الاجتماعي، فضلا عن ندرة الصحفيين الفعليين في المنطقة.



بحسب من اختار المراقبون تصديقه، كانت هناك إما مجازر بحق العلويين والأكراد والمسيحيين السوريين، أو لم تكن.

كان الشرع على علم بهذه المجازر، أو لم يكن. أما الرئيس السوري، فهو إما جهادي غير متجدد، أو أنه انفصل عن ماضيه ويحاول بناء سوريا جديدة بعد خمسة عقود من حكم عائلة الأسد.

تشير التقارير الموثوقة إلى أن القوات الحكومية والقوات الموالية للشرع سحقت الموالين للأسد بشراسة صادمة خلّفت نحو ألف قتيل، معظمهم من المدنيين.

تفاصيل الانتفاضة - كما هي، وإلى الحد الذي يستطيع المحللون فيه استنباط ما حدث - أقل تعقيدا من التحديات والعقبات التي تعترض بناء مجتمع يتفق فيه الجميع على معنى أن يكون المرء "سوريا".

لا شك أن الغالبية العظمى من السوريين سيقولون إن جميع سكان البلاد - العلويون والأكراد والدروز والمسلمين والإسماعيليون والمسيحيون والقلة المتبقية من اليهود - سوريون. هذا شعور إيجابي، لكنه شعور هش. وكما رأينا للتو، ففي أوقات الأزمات، يُمكن بسهولة وبعنف الطعن في هذه الفكرة التعددية. وهذا لا يُبشر بالخير لمستقبل البلاد القريب.

تُتيح الظروف الحالية في سوريا فرصة شبه مثالية لأصحاب المشاريع السياسية والقوى الخارجية العازمة على تقويض الشرع وجماعته التابعة سابقا لتنظيم القاعدة، هيئة تحرير الشام. عندما كانت فرنسا قوة استعمارية في بلاد الشام، رسّخت مكانة الطائفتين العلوية والدرزية كأقليات مُفضّلة، بل ذهبت إلى حدّ إنشاء دويلات لكليهما.

وتمّ في النهاية ضمّ هذه الدويلات إلى سوريا، لكن هذا لم يكن الحال بالنسبة للدولة المسيحية التي اقتطعها الفرنسيون مما أسماه القوميون ذوو الرؤية التوسعية لبلادهم "سوريا الطبيعية" لإنشاء دولة ذات هيمنة مارونية تُدعى لبنان. تمّ كل هذا على حساب السكان السنة، الذين كانوا كثيرين وغير مُرتاحين عموما للمشروع الأوروبي في المنطقة.

لقد خلق التلاعب الاستعماري بالطوائف والجماعات العرقية مجموعة من التبعيات المسارية التي ثبت أنه من الصعب على السوريين التخلص منها على مدى المائة عام الماضية.

كان حافظ الأسد، الذي حكم سوريا من عام 1971 حتى وفاته عام 2000، عضوا في حزب البعث - وهو حزب قومي عربي بامتياز. لقد حافظ، مثل الأحزاب والفصائل القومية العربية في جميع أنحاء المنطقة، على وهم أن الشرق الأوسط عربي بامتياز، مما أدى إلى محو التشكيلة الغنية من الجماعات العرقية والدينية التي كانت من السكان الأصليين للمنطقة.

لم يكن التزام حافظ بالبعث مهما كثيرا من الناحية العملية أو السياسية. ربما كان الرجل القوي في سوريا لفترة طويلة، لكنه لم يستطع أبدا التخلص من حقيقة أنه كان علويا - عضوا في مجتمع فقير تقليديا يمارس دينا غير تقليدي وتعاون قادته مع السلطات الاستعمارية الفرنسية.

وعلى الرغم من وجود سوريين من خلفيات متنوعة في هيكل السلطة السورية خلال فترة حكم حافظ الأسد الطويلة، فإنه اعتمد على العلويين كقاعدة لسلطته، مما أدى إلى إعادة خلق وتعزيز الاختلافات الطائفية والعرقية بين السوريين.

خلال فترة حكمه، قيل إن المسيحيين كانوا محميين، والأكراد كانوا يتعرضون للقمع ما لم يُستخدموا ضد الأتراك، وكان العديد من السنة مستائين. تمرد البعض - وتحديدا جماعة الإخوان المسلمين وأنصارها - وأشهرها في حماة عام ١٩٨٢. من جانبهم، مارس الدروز التقية.

هذه تعميمات بالطبع. لم يدعم كل علوي نظام الأسد، ولم يعارض كل سني النظام. كان هناك مسيحيون فعلوا ذلك، وكان هناك دروز وطنيون سوريون. أراد معظم السوريين ما يريده الجميع في كل مكان: عيش حياة كريمة ورؤية أطفالهم يكبرون ويزدهرون. مع ذلك، لا تقلل هذه الفروق الدقيقة من البعد الطائفي للسياسة السورية، وهو قابل للاستغلال.

ليس من المستحيل على السوريين التغلب على المؤسسات الاجتماعية والسياسية التي تقسمهم وتصنفهم حسب الطائفة والعرق، لكن الأمر سيكون في غاية الصعوبة.

من السابق لأوانه معرفة ما إذا كانت السياسة الجديدة في سوريا ستقوض هذه الأنماط، التي ترسخت في سياسة البلاد ومجتمعها على مدى القرن الماضي، أم ستعززها.

تُفسر هذه السمة "المتأصلة" لماذا، بمجرد أن أقدم الأسديون، الذين تدور مظالمهم ظاهريا حول السلطة والسياسة، على التحرك، بدا أن العنف الذي أعقب ذلك قد اتخذ طابعا طائفيا وعرقيا. ذلك لأن السلطة والسياسة في سوريا متشابكتان بشدة مع هذه الاختلافات.

لا شك أن أشخاصا وجماعات ودولا - إيران؟ روسيا؟ إسرائيل؟ - داخل سوريا وخارجها، سعت إلى تضخيم هذه الاختلافات وتعزيز فكرة أن ما كان يحدث هو هجوم جهادي شامل على الأقليات السورية.

يبدو - من التقارير غير الدقيقة التي ظهرت من غرب سوريا - أن هناك بعض الحقيقة في هذه الروايات. لا يمكن إنكار حقيقة أن أتباع الشرع قتلوا أعدادا كبيرة من العلويين (مع ذهاب البعض خارج البلاد إلى حد التلميح إلى أنهم يستحقون ذلك). رفض ناشطون وشخصيات على مواقع التواصل الاجتماعي الاتهامات الموجهة إلى مؤيدي النظام الجديد بقتل المسيحيين، ولكن يبدو أنهم كانوا مستهدفين. وهذا أمرٌ لا ينبغي أن يُفاجئ أحدا. فالمتطرفون الإسلاميون يهددون رجال الدين المسيحيين وكنائسهم منذ سقوط الأسد.

هذا ليس دفاعا عن الأسديين. فقد كانت سوريا بلدا قمعيا ودمويا للغاية خلال العقود الممتدة بين صعود حافظ الأسد عام ١٩٧١ وسقوط بشار الأسد أواخر عام ٢٠٢٤. وكان تصميم الابن على استخدام القتل كوسيلة للخروج من الانتفاضة ضد حكمه عام ٢٠١١ هو الدرس الذي تعلمه من والده، الذي قتل عشرات الآلاف ردا على انتفاضة حماة عام ١٩٨٢.



بل إن وجهة نظري هي أن السوريين، مثل جيرانهم في لبنان والعراق، من المرجح أن يواجهوا صعوبات في التكيف مع الهياكل الاجتماعية التي أورثهم إياها التاريخ. هناك نماذج قليلة يمكن للسوريين اتباعها. يُسهم النظام السياسي الطائفي في لبنان في التشرذم، بينما يُسهم النظام العراقي في دوامة من الغنائم والاختلال الوظيفي. لقد قال الشرع كلاما صائبا عن كون سوريا لجميع السوريين.

إنها رؤية إيجابية لمستقبل سوريا، يتفق عليها بلا شك الكثير من مواطنيه. ولكن، وبعيدا عن التعبير عن المشاعر، لم يُقدم الرئيس السوري طريقا حقيقيا للمضي قدما. في الوقت الحالي، يحق للسوريين أن يتساءلوا: "إلى أي سوريين يشير؟".

مقالات مشابهة

  • من درعا "مهد الثورة السورية".. أهالي المفقودين يطالبون بالكشف عن مصير ذويهم وتحقيق العدالة
  • مقامرة ترامب التي ستضع الدولار في خطر
  • الذكرى الرابعة عشر للثورة.. سوريا بدون نظام الأسد
  • رئيس شؤون الضباط في وزارة الدفاع العميد محمد منصور: الجيش العربي السوري كان وسيبقى عماد السيادة الوطنية، واستعادة الكفاءات والخبرات العسكرية التي انشقت وانحازت للشعب في مواجهة نظام الأسد البائد والتي خاضت معارك الدفاع عن الوطن أمرٌ ضروري لتعزيز قدرات جيشن
  • حكمت الهجري أحد زعماء الدروز في السويداء
  • في ذكراها الـ14.. هذه محطات الثورة السورية من الشرارة الأولى إلى دخول دمشق
  • تقسيم سوريا.. بين المُؤامرة والواقع (2- 2)
  • هل تورطت روسيا في دعم فلول الأسد بالساحل السوري؟
  • التفاصيل الكاملة لحريق المعامل المركزية لوزارة الصحة
  • FP: هل يتمكن حكام سوريا الجدد من مواجهة المشاكل التي زرعها الاستعمار الغربي