على مدار عقدين من الزمان، قدمت التقارير السنوية للمجلس القومى لحقوق الإنسان تشخيصاً أميناً لحالة حقوق الإنسان فى مصر، وأوردت توصيات موضوعية تنطلق من أرضية وطنية تهدف لتعزيز الالتزام بمعايير حقوق الإنسان، ولم يكن التقرير السابع عشر للمجلس الذى صدر منذ أيام قليلة استثناءً من هذا السياق التاريخى للمؤسسة الوطنية التى تتمتع بتقدير وطنى ودولى كبير، وتضم خبرات حقوقية تحظى بالمهنية والاحترام والتجرد.

كشف التقرير الأخير للمجلس القومى لحقوق الإنسان عن بدء تبلور مخرجات آلية الحوار الوطنى التى وفَّرت منصة وطنية لمناقشة الإصلاحات المطلوبة فى مجال الحقوق المدنية والسياسية، وحركت المياه الراكدة ودفعت بحزمة من الإجراءات إلى صدارة الاهتمام الوطنى وأولويات العمل البرلمانى، وقد استفاد الحوار الوطنى كثيراً من خطوات سابقة اتخذتها القيادة السياسية، لعل أبرزها إطلاق أول استراتيجية شاملة لحقوق الإنسان فى مصر فى سبتمبر 2021 ووقف العمل بحالة الطوارئ فى أكتوبر 2021 وإحياء آلية العفو الرئاسى، وقد ركز المجلس فى توصياته على أهميته إصدار القانون الجديد للإجراءات الجنائية وضرورة الانفتاح على كافة الآراء التى اشتبكت مع مسودة القانون، خاصة نقابات الصحفيين والمحامين ونادى القضاة وخبراء حقوق الإنسان، كما طالب المجلس فى تقريره بأهمية استكمال السياق التشريعى للعدالة الجنائية من خلال إصدار قانون لحماية المبلغين والشهود وإجراء التعديلات الواجبة على بعض مواد قانون العقوبات، خاصة ما يتعلق منها بتعريف جريمة التعذيب، فضلاً عن مراجعة قوانين مكافحة الإرهاب والتجمع السلمى فى ضوء نجاح الدولة المصرية بتضحيات أبنائها من الجيش والشرطة فى الانتصار على الإرهاب وتحقيق الاستقرار الأمنى.

وقد أبرز تقرير المجلس الأحكام التى أصدرتها المحكمة الدستورية العليا وأكد من خلالها انحياز القضاء الدستورى المصرى العريق لتعزيز ضمانات الحرية والعدالة وحقوق الإنسان، كما أورد التقرير التطورات التشريعية الإيجابية ذات الصلة بحقوق الفئات الأولى بالرعاية والتمكين، خاصة المرأة وكبار السن والأطفال والأشخاص ذوى الإعاقة، إلا أن المجلس ما زال يؤكد أهمية تبنى تشريع شامل لتعريف ومناهضة كافة أشكال العنف ضد النساء.

فيما يتعلق بالحق فى المشاركة السياسية، أشار التقرير إلى ضرورة التعاطى الإيجابى مع توصيات الحوار الوطنى التى أكدت أهمية استكمال البنية المؤسساتية لممارسة الحقوق السياسية من خلال سرعة إصدار القانون المنظم للمجالس الشعبية المحلية وإجراء انتخاباتها وسد الفراغ القائم منذ أبريل 2011، كما علق التقرير على ضعف الفعالية السياسية لغالبية الأحزاب السياسية وأهمية المبادرة بتبنى نظام انتخابى أكثر دعماً للأحزاب السياسية والاسترشاد بالتوصيات الهامة لآلية الحوار الوطنى فى هذا الصدد.

أما على مستوى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فقد كشف التقرير السابع عشر للمجلس القومى لحقوق الإنسان عن أن استمرار حالة الارتباك الإقليمى والعدوان الإسرائيلى على قطاع غزة دفعت الحكومة المصرية لاتخاذ إجراءات مالية متشددة كان لها تأثيراتها السلبية على القوة الشرائية والأوضاع المعيشية للمواطنين المصريين، خاصة بعد إعادة هيكلة منظومة الدعم ورفع أسعار المحروقات، ورغم استمرار الدولة فى تنفيذ مشروعاتها الطموحة لتطوير الريف المصرى «حياة كريمة» ومد مظلة التأمين الصحى الشامل والارتقاء بالبنية الأساسية والاتصالية الجغرافية وتوفير السكن الملائم لشرائح مختلفة، وتوسيع قاعدة المستفيدين من برامج الدعم النقدى، فإن معالجة الآثار السلبية للسياسات المالية المتشددة تتطلب سرعة تطبيق سياسات اجتماعية واقتصادية أكثر شمولاً وأكثر قدرة على توليد فرص العمل المستدامة بأجور عادلة وأوضاع قانونية مستقرة.

التقرير الأخير للمجلس القومى لحقوق الإنسان يؤكد أن «مهمة» صياغة المستقبل أثقل من أن يحملها طرف واحد، وتتطلب مساهمة واسعة ومؤسسية من كافة أصحاب المصلحة، وهو ما يتطلب بدوره مجالاً عاماً منفتحاً، وحواراً وطنياً مستمراً، ومساحات لتقبل الآراء والأفكار المختلفة، وضمانات فعالة لاحترام حقوق الإنسان والحريات العامة يطمئن لها الجميع ويثقون فى قدرتها على حمايتهم، كما يثقون -بنفس القدر- فى قدرة هذه الضمانات على حفظ التماسك الوطنى والوعى الجمعى والثقة المتبادلة التى ساعدت مصر فى اجتياز مرحلة بالغة الخطورة خلال العقد الماضى ومكّنتها من الانتصار فى معركة الإرهاب والصمود وسط إقليم مرتبك والنجاح فى تشييد مقومات البنية الأساسية لنهضة ممكنة وقريبة.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: اليوم العالمي لحقوق الإنسان يوم حقوق الإنسان الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان الحوار الوطنى حقوق الإنسان

إقرأ أيضاً:

مدير مكتب المفوضية الأممية لحقوق الإنسان بفلسطين: وضع غزة غير مسبوق

وصف أجيت سونغاي مدير مكتب المفوضية الأممية لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية ما يجري في قطاع غزة بأنه غير مسبوق، وقال للجزيرة إن إسرائيل لا تفي بالتزاماتها بموجب القانون.

وأكد أن وضع غزة هو الأسوأ منذ 18 شهرا حيث لا مياه نظيفة ولا أغذية يتم توزيعها، وقال "منذ 60 يوما لم تدخل حبة قمح أو أي من المساعدات الإنسانية والطبية ولوازم السكن" مذكّرا بإعلان برنامج الغذاء العالمي بأنه لم يعد لديه ما يوزعه في القطاع الفلسطيني.

وأضاف المسؤول الأممي أن غزة بكاملها بحاجة إلى مساعدات إنسانية، وهناك نحو 2.2 مليون شخص نزحوا عدة مرات.

وشدد على أن ما يحدث في غزة سببه عدم وجود ضغط دولي كاف على إسرائيل التي قال إنها -كما يبدو- لا تهتم بالقانون الدولي على الإطلاق، ولا تتعاون مع المنظمات الإنسانية، مشيرا إلى وجود رأي استشاري وإجراءات مؤقتة تم طرحها -من قبل محكمة العدل الدولية– ولم تطبق إسرائيل هذه الإجراءات.

واعتبر أن إسرائيل هي المسؤولة عن المدنيين وسلامتهم في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأن سلوكها يقوض المجتمع الفلسطيني.

وبينما أعرب عن اعتقاده بأن إسرائيل لن تغير موقفها قريبا، دعا مدير مكتب المفوضية الأممية الحقوقية مجلس الأمن الدولي إلى فعل المزيد بشأن غزة.

إعلان

ومن جانبه تحدث الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش -باجتماع لمجلس الأمن بشأن الشرق الأوسط أمس- عن الوضع في غزة، وقال إنه تدهور "من سيئ إلى أسوأ، إلى ما يفوق التصور" مشيرا إلى أن إسرائيل تمنع الغذاء والدواء من دخول القطاع منذ ما يقارب الشهرين.

ومن جهتها، أعلنت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) -أمس- أن لديها نحو 3 آلاف شاحنة من المساعدات المنقذة للحياة بانتظار دخول قطاع غزة، مطالبة إسرائيل بإعادة فتح المعابر ورفع الحصار.

مقالات مشابهة

  • الجمهورية اليمنية تُطلّق التقرير الوطني الـ10 عن آثار العدوان على اليمن
  • "حقوق الإنسان" تشارك في مؤتمر دولي بإيران
  • الجمهورية اليمنية تُطلّق التقرير الوطني العاشر عن آثار العدوان على اليمن
  • العُمانية لحقوق الإنسان تشارك في مؤتمر دولي بطهران
  • اتصالات رفيعة المستوى لشيخ العقل والقيادة السياسية لتطويق الاحداث الدامية في سوريا واجتماع استثنائي للمجلس المذهبي
  • مدير مكتب المفوضية الأممية لحقوق الإنسان بفلسطين: وضع غزة غير مسبوق
  • اللجنة الدائمة لحقوق الإنسان تعقد جلسة حول الميتافيرس
  • «الوطنية لحقوق الإنسان» تناقش دعم وتمكين أصحاب الهمم
  • اللجنة الدائمة لحقوق الإنسان تعقد جلسة حوارية
  • أمنستي: الهجمات على النظام العالمي لحقوق الإنسان تسارعت منذ عودة ترامب للسلطة