سودانايل:
2025-04-14@13:20:15 GMT

الكيزان وتسييس الامتحانات

تاريخ النشر: 10th, December 2024 GMT

في بلد أصبحت، من حيث نظام الحكم والإدارة، جزرًا متقطعةً، وفي ظروفٍ طال فيها التشرد والعوز وانعدام الأمن الشخصي ملايين السكان، تصر حكومة الكيزان في بورتسودان على إقامة امتحانات الشهادة السودانية. لكن لا غرابة، فالكيزان، منذ أن وصلوا إلى السلطة في عام 1989، وطَّنوا أنفسهم على أن يتجاهلوا، وألا يحسُّوا، ولا يتعاطفوا مع الشعب، مهما أصابه.

ظلوا هكذا على مدى ثلاثين عامًا، أضاف إليها الفريق عبد الفتاح البرهان خمس سنواتٍ أخرى.

ما يهم الكيزان هي أن يكسبوا. فهم فرقةٌ جُبلت على الكسب، دون النظر لأي اعتبارات أخرى، أيًّا كانت. فهم يريدون كسب أي حربٍ، رغم أنهم لم يكسبوا أي حربٍ خاضوها؛ لا حرب الجنوب، ولا حرب دارفور، ولا حرب جبال النوبة، ولا حرب جنوب النيل الأزرق، ولا حتى حرب أبريل هذه، التي لا تزال رحاها دائرة. إلى جانب ذلك، ظلوا مصرِّين على احتكار السلطة، وأن يكونوا الجهة الوحيدة الكاسبة سياسيًا. وأي دعوة سبق أن دعوها للحوار وللتوافق الوطني، كانت لا تنتهي إلا بانفرادهم بسلطة القرار، وجعل الآخرين مجرد ديكور.

لكن، هم يحرصون، أكثر من هذا وذاك، على الكسب المالي. لقد أخرجوا الناس من الأسواق واحتكروها لأنفسهم وفق خطَّةٍ مُحكمةٍ ممنهجة. بل فصلوا الموظفين الأكفاء من وظائفهم ليأخذوا مواقعهم لأعضاء تنظيمهم. كما احتكروا ثروات البلاد لأشخاصهم وتنظيمهم، وأخفوها عن أعين الشعب والدولة. فجعلوا البلاد، من حيث مستوى التنمية الاقتصادية، بسبب نهب الثروات على مدى 35 عامًا، مضحَكةً بين البلدان. باختصار، هذه فرقةٌ دينيةٌ ضالةٌ، تحولت إلى عصابةٍ ناهبة. فأضحى محركها الوحيد هو الكسب الشخصي والجهوي، سواءً في السلطة أو في المال، دون النظر لأي اعتبارات أخرى. من أجل ذلك، ظلت هذه العصابة الشرهة للتحكم في كلِّ عرضٍ زائلٍ، تقتل خارج نطاق القانون، بصورةٍ فرديةٍ وجماعية، وتُخفي قسريًّا، وتعذِّب، وتشرِّد، وتغتصب، وتنهب، وتبيع أراضي البلاد، وترتكب كل موبقة.

مواصلةً لهذا النهج، وضمن حملتها التضليلية الضخمة التي تهدف إلى القول إنهم لا يزالون ممسكين بزمام الأمور، رغم هروبهم من العاصمة القومية، واتخاذهم عاصمةٍ جديدة، في أقصى ساحل بحري في شمال شرقي البلاد، تجدهم يجهدون أنفسهم في تسويق الوهم للعامة بأن كل شيءٍ على ما يرام. وعلى سبيل المثال، تجد الفريق البرهان يعين واليًا لغرب دارفور، رغم أن الكل يعرف أن غرب دارفور واقعةٌ تحت سيطرة قوات الدعم السريع، بل إن حاكم الإقليم نفسه يعيش لاجئًا في بورتسودان. كما تقرأ في الأخبار، وهذا مما قرأته اليوم، أن: "لجنة أمن ولاية الخرطوم تقف على جملة من الإنجازات في المجالات الجنائية وضبط العصابات والحد من الظواهر السالبة". هذا في حين أن حكومة الكيزان لا وجود لها في كامل ولاية الخرطوم، إلا في جيوب صغيرة منعزلة، أكبر جيب فيها هو جيب محلية كرري، الذي لا تتجاوز مساحته ثلاثين كيلومترًا مربعا. كما يعلم الجميع أنه لا توجد شرطة في كامل ولاية الخرطوم منذ بداية الحرب ليقوموا بضبط العصابات. بل، إن الذين ينهبون الثورات وأحياء أمدرمان القديمة هم جنود الجيش أنفسهم. والكل يعلم أنهم يبعيون المسروقات، جهارًا نهارًا، في سوق صابرين، في قلب محلية كرري.

على غرار هذه الأكاذيب تصر عصابة بورتسودان على إجراء امتحانات الشهادة السودانية، بصورةٍ جزئية في الأجزاء التي يسيطر عليه الجيش. وقد أورد موقع قناة سكاي نيوز عربية، أن التقديرات تشير إلى أن نحو 400 ألف طالب، يمثلون ثلثي أعداد الطلاب البالغة 600 ألف، لن يتمكنوا من الجلوس للامتحانات، لأنهم يقعون في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع. يُضاف إلى ذلك، أن المدارس التي كان يقيم فيها اللاجئون قد أُخليت بالقوة لكي يجري إعدادها لتكون مقَّراتٍ للامتحانات، وكأن الامتحانات أهم من إيواء الذين شردتهم الحرب.

هذا الإصرار على إقامة امتحانات الشهادة بهذه الصورة الجزئية المخلة يوغر نفوس من لا يستطيعون المجيء لأدائها، ويعمق الانقسام المجتمعي، بل وانقسام البلاد نفسها. ولا أستبعد أن يكون الإصرار على إقامة هذه الامتحانت جزء من حملة إيذاء حواضن الدعم السريع، بلا جريرة اقترفوها. يُضاف إلى ما تقدم، فإن ذهاب من يستطيعون الذهاب لأدائها يكلِّف الأسر التي يذهب أبناؤها وبناتها لأدئها كلفةً ماليةً فوق طاقتها. فهي أحوج ما تكون للمال لمواجهة مشاكل المعيشة التي تتصاعد كلفتها يوميًّا، وإبعاد شبح المجاعة التي أضحت تهدد الجميع. فالأسر تدبِّر مالاً لسفر وإسكان أبنائها وبناتها، في مقرَّات الامتحانات، في وقتٍ أصبحت فيه كلفة السفر والإسكان باهظةً للغاية. وقد أشارت بعض التقارير أن بعض الطلاب الذين حاولوا الالتحاق بالامتحانات قد تعرَّضوا، للاعتقال تحت ما يسمى قانون "الوجوه الغريبة". وما من شكٍّ، أن السفر لمسافاتٍ طويلةٍ في مثل هذه الظروف، التي تضعضعت فيها سلطة الدولة وعمَّت فيها الفوضى، يشكِّل خطرًا كبيرًا على الطلاب والطالبات المسافرين.

مرةً أخرى، الكيزان تهمهم أغراضهم هم، غض النظر عما يصيب الآخرين من جراء إصرارهم على فعل ما يريدون فعله. فغرض هذه الامتحانات سياسيٌّ بحت، وهو القول أن الأمور تحت السيطرة وأن الدولة وأجهزتها لا تزال تعمل. وكل هذا هراءٌ كيزانيٌّ تعودناه لعشرات السنين. لقد تجاهلوا كل هذه الاعتبارات التي ذكرناها، وهي اعتبارات يمكن أن يراها كل شخصٍ عاقلٍ في مثل هذه الظروف، لكن الكيزان تعوَّدوا ألا يروا إلا ما يريدون.

ما معنى أن تمتحن الدولة ثلث الطلاب في القطر وتترك الثلثين؟ ثم أين هي الجامعات العاملة حاليًا، التي سوف تستوعب الناجحين من هؤلاء؟ ودعك من طلاب الثانويات المساكين الذي أُجبروا على القيام بهذه المخاطرة الكبيرة التي أرهقوا فيها كاهل أسرهم، ودعنا نسأل: كم من الذين تخرَّجوا من الجامعات عبر سنوات الإنقاذ أوجدت لهم سلطة الكيزان فرصًا للعمل؟ وهل الأَوْلى في مثل هذه الظروف بالغة السوء، التصدي لمشاكل التشرد والجوع وانعدام الأمن وتوفير الدواء، أم امتحان الطلاب بلا هدفٍ ذي مردودٍ واضحٍ من امتحانهم؟ ولا أستبعد إطلاقًا أن تكون وراء هذا الأمر أغراضٌ خفيةٌ أخرى، كجمع الرسوم، وخلق سوقٍ حامٍ للترحيل، وللسكن، وانعاش الأسواق بما يفيد المتنفذين، وغير ذلك. خلاصة القول، لن تنصلح هذه البلاد، يد الدهر، ما بقيت شؤونها في قبضة هذه العصابة الإجرامية.

elnourh@gmail.com

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: لا حرب

إقرأ أيضاً:

إيكونوميست: إسرائيل عازمة على تدمير غزة وخلق مناطق إبادة فيها

أكدت مجلة "إيكونوميست" أن الاحتلال الإسرائيلي ينوي تدمير قطاع غزة بالكامل، فقد أراد الجنرالات ألا يلاحظ أحد العملية العسكرية التي شنت في الأول من نيسان/أبريل الجاري ولحين تمركز جنودهم في مواقع آمنة.

 وأوضحت المجلة في تقرير لها أن "السياسيين سارعوا إلى التباهي بها، وقال وزير الدفاع (الحرب) الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، بأن الجيش الإسرائيلي شرع في عملية جديدة لسحق المنطقة وتطهيرها من الإرهابيين". 

وأضاف كاتس أن العملية تهدف إلى "الاستيلاء على مساحات واسعة وضمها إلى المناطق الأمنية الإسرائيلية"، وبعد ذلك ساعات قليلة، نشر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مقطع فيديو تباهى فيه بأن إسرائيل "تغير مسارها"، مما أثار استياء الجنرالات، حيث كشف نتنياهو أيضا عن اسم العملية وموقعها: "ممر موراغ". 

وقد كان الفيديو بمثابة رسالة إلى قاعدته الشعبية المتطرفة، فموراغ كانت مستوطنة إسرائيلية صغيرة، تقع بين رفح وخانيونس عندما احتلت "إسرائيل" قطاع غزة بأكمله، والآن عادت القوات الإسرائيلية، والهدف هو تقسيم الشريط الساحلي الذي تبلغ مساحته 365 كيلومترا مربعا إلى مناطق منفصلة، حيث سيدمر جيش الاحتلال أحياء بأكملها، على أمل القضاء أخيرا على حماس، الحركة التي لا تزال تسيطر على جزء من غزة، بحسب ما ذكرت المجلة.


وأصدر جيش الاحتلال أوامر إلى سكان رفح باللجوء إلى "ملاجئ" ضيقة على الساحل، بينما أكد مسؤولون أمنيون إسرائيليون لصحيفة "الإيكونوميست" أن الخطة تهدف إلى إخلاء منطقة رفح، جنوب قطاع غزة، بشكل دائم، والتي تمثل حوالي 20 بالمئة من إجمالي مساحة القطاع.

وأوضحت المجلة أنه "تجري حاليا عملية مماثلة في منطقة أصغر شمال القطاع"، مشيرة إلى أن هذه الخطوات هي جزء من خطة أوسع لإجبار أكثر من مليوني فلسطيني في غزة على مغادرة المدن والبلدات والتوجه إلى الساحل.

 ويهدف هذا، على المدى القصير إلى إنشاء "مناطق إبادة" لا يبقى فيها، نظريا، سوى مقاتلي حماس، أما على المدى البعيد، فتأمل "إسرائيل" أن يهاجر سكان غزة "طواعية". 

وأوضحت المجلة أن "الإسرائيليين يهدفون من حصر السكان في منطقة الساحل لتحقيق هدف آخر، ففي ظل الحصار ومنع دخول المواد الغذائية والطبية، يقول مسؤولون إسرائيليون إن ممر موراغ سيكون الخط لنقل المواد الإنسانية لهذه التجمعات الساحلية، وحرمان حماس من السيطرة على المواد الغذائية، كما يزعمون. وأيضا يزعمون أن هناك وفرة كبيرة في المواد الغذائية والإنسانية".

 وتقول المجلة إن هذا سيكون تغييرا كبيرا في السياسة الإسرائيلية، فحتى وقت قريب، رفض جيش الاحتلال تحمل مسؤولية الاحتياجات الإنسانية في غزة، مفضلا تنسيق قوافل المساعدات مع المنظمات الدولية. وفي جلسات خاصة، قال الجنرالات إنهم يريدون تجنب إعادة احتلال فعلي لغزة. 

أما الآن، وتحت ضغط السياسيين الذين يريدون السيطرة على الإمدادات إلى غزة تمهيدا لإقامة سلطة إسرائيلية طويلة الأمد، فقد رضخوا. 

وبموجب الخطط الجديدة، سيوزع جيش الاحتلال الإمدادات مباشرة على المدنيين النازحين إلى الساحل، أما في بقية غزة، فستطبق  عليها سياسة الأرض المحروقة التي تهدف إلى القضاء على حماس نهائيا. 

وليس من الواضح متى ستبدأ هذه المرحلة، ففي هذه الأثناء، بدأت الإمدادات تنفد مجددا، وقد أغلق برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة 25 مخبزا تنتج الخبز اليومي، إذ لم يعد بإمكانه تزويدها بالوقود أو الدقيق. 


كما لا تستطيع العائلات إعداد خبزها بنفسها: إذ يبلغ سعر كيلوغرام غاز الطهي الآن 250 شيكلا على الأقل (66 دولارا)، وكيس الدقيق الذي يزن 25 كيلوغراما هو ضعف هذا السعر. 

كما أن العديد من المواد الأساسية كالسكر وزيت الطهي تختفي من الأسواق، وأصبحت المياه نادرة، فقد انخفضت القدرة الإنتاجية لمحطة تحلية المياه الرئيسية في غزة إلى نسبة 85 بالمئة ومنذ توقف "إسرائيل" عن تزويد القطاع بالطاقة الكهربائية الشهر الماضي. 

وتقول الأمم المتحدة أن معظم سكان غزة يحصلون على 6 لترات من المياه يوميا. ولا يعتبر الجوع التهديد الوحيد للحياة. ففي الشهر الماضي، قتلت القوات الإسرائيلية 15 مسعفا فلسطينيا قرب رفح. 
وزعم جيش الاحتلال أن السيارات كانت تسير بشكل مثير للريبة، دون أضواء أو صفارات إنذار.

 وأظهر مقطع فيديو حصلت عليه صحيفة "نيويورك تايمز" أن رواية الجيش كاذبة: فقد كانت سيارات الإسعاف مزودة بأضواء وإشارات طوارئ.  

وقتل المسعفون الذين يرتدون الزي الطبي بوابل من الرصاص. 

وأشارت الصحيفة لاحتجاجات بين السكان على الأوضاع. وانتهكت "إسرائيل" وقف إطلاق النار في غزة أولا بغارات جوية، في 18 آذار/ مارس. 

وقد أسفرت عملياتها البرية منذ ذلك الحين عن استشهاد أكثر من ألف شخص، وتزعم المجلة أن  حماس، التي تخشى المزيد من الاحتجاجات، إلى استعدادها لقبول هدنة مؤقتة أخرى تستمر لبضعة أسابيع، والتي ستتبادل خلالها عددا صغيرا من الأسرى الإسرائيليين البالغ عددهم 59 الذين ما زالوا في غزة، مقابل إطلاق سراح سجناء فلسطينيين. 

ولكن حتى لو حدث ذلك، فإن "إسرائيل" تنوي استئناف حربها. وهي توقعات قائمة، حيث يقول دبلوماسي شارك سابقا في مثل هذه المحادثات: "لا توجد حاليا أي خطط قيد المناقشة بجدية لليوم التالي للحرب في غزة". 


وتقول المجلة إن بصيص الأمل الوحيد جاء في اجتماع بين الرئيس دونالد ترامب  نتنياهو في 7 نيسان/ أبريل، قال فيه  الرئيس الأمريكي: "أود أن أرى الحرب [في غزة] تتوقف. أعتقد أن الحرب ستتوقف في مرحلة ما، ولن يكون هذا في المستقبل البعيد جدا". 

وفي الوقت الذي فرض فيه فريق ترامب المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار على "إسرائيل"، إلا أن الرئيس  يبدو منشغلا الآن بأمور أخرى. فبدون ضغط منه، يصعب تصور أي شيء آخر يمكن أن يمنع "إسرائيل" من تدمير غزة نهائيا.

مقالات مشابهة

  • اقتلاع الكيزان: الوهم والحقيقة (2 من 2)
  • 7 دول تقدم لك منحا ورواتب للانتقال للعيش فيها
  • سنة منسية يوميا دعوتك فيها مستجابة .. اغتنمها
  • “هل مواعيد الامتحانات في العراق مجرد مسكنات أم بداية لحل حقيقي؟”
  • عاجل. إعفاء الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر من رسوم ترامب بما فيها تلك القادمة من الصين
  • دعاء قبل المذاكرة للفهم والحفظ وعدم النسيان.. احرص عليه حتى الامتحانات
  • في ذكرى 11 /أبريل : إبدال الكيزان وجه البشير بوجه البرهان المقنع
  • من هو شيخ الإسلام البريطاني الذي بنى أول مسجد فيها؟
  • إيكونوميست: إسرائيل عازمة على تدمير غزة وخلق مناطق إبادة فيها
  • دورات المياه في بغداد.. الحكومية تزكم الأنوف والخاصة فيها محارم وعطور (صور)