سودانايل:
2024-12-11@23:27:58 GMT

فرار الطاغية

تاريخ النشر: 10th, December 2024 GMT

عبدالله مكاوي

abdullahaliabdullah1424@gmail.com

بسم الله الرحمن الرحيم

واخيرا سوريا من غير آل الاسد الطغاة، الذين اتخذوا منها ضيعة خاصة، ومن اهلها رقيق يُسخرون لخدمتهم، ومن منحرفيها جنود قساة يتولون حمايتهم. والمفارقة ان من كان يتحدث عن الشجاعة والبطولة ويتشدق بالشرف والكرامة، وسط حرسه وقواته الخاصة وشبيحته واجهزته الامنية متعددة الاغراض والانشطة.

تكشف عند لحظة الحقيقة والمواجهة عن رعديد مرعوب عديم الحيلة، كل ما يعنيه فراره واسرته كالفئران المذعورة.
وما يؤسف له ان من يدعي الحكمة والوعي والقوة والفحولة في مواجهة شعبه الاعزل المقموع، ظهر بعد قيام الثورة وتهديد عرشه، مجرد صبي غرير يتلاعب به حماته الايرانيون والروس! وان من يهين شعبه ويذل كرامته، لطالما طأطأ راسه وبلع الاهانة من سادته وحماته (الصورة الشهيرة في قاعدة حميميم الروسية مع بوتين)! وبدل ان يواجه نتائج افعاله، اقلاه لصيانة كرامة منصبه الذي ضحي من اجله بكل شئ، طلب اللجوء الي روسيا، هروبا من سجله الاجرامي الحافل بكل اشكال الانتهاكات وانماط الفساد. ولا ندري والحال كذلك هل ستنطبق عليه كل الاساءات والتهم التي كالها دون حساب للملايين الذين الجأهم قسرا للجوء؟!
وما يجعل سقوط حكم الطاغية بشار وفراره واختفاءه من المشهد الي الابد، هو عيدا في كافة ارجاء المعمورة لكل اعداء الطغاة، ان هذه الاسرة جسدت واحدة من اكثر انظمة الاستبداد بطشا وارهابا واذلالا لشعبها. لدرجة يمكن القول ان اجهزة الامن والاستخبارات السورية لا تحصي انفاس السوريين فحسب، ولكنها تشكل جزء من تكوين الفرد وتشكيل المجتمع والصلة بمؤسسات الدولة. اي الهاجس الامني هو المحرك للحياة والمشكل للقيم والقيِّم علي الانشطة داخل دولة الاسد. وكل من يحاول مجرد اختبار الخروج من هذا الهاجس، تتكفل المعتقلات وما يجري داخلها من قتل وتعذيب واهدار للكرامة بالتصدي لهذا الاختبار (لو اسعفتني الذاكرة في واحدة من كتب المفكر ياسين الحاج صالح ذكر انه بعد نهاية فترة الاعتقال المحكوم بها، مكث عامين آخرين هكذا اعتباطا، لتصل لستة عشر عاما لمجرد انتماءه لحزب معارض)!
كما ان الاسرة وفي سبيل تابيد سلطتها، استغلت الطائفة العلوية التي ينتمي لها، في بناء منظومته الامنية والاستخباراتية التي تحمي النظام وقبله الاسرة الحاكمة، في علاقة استنفاع متبادلة، وتكتم علي تطييف السلطة والمجتمع بغطاء مؤسسات الدولة. وما زاد الطين بلة انشغال النظام بمشروع عروبي لا يملك مقوماته، ليتحول الي مجرد شعارات فارغة تستخدم كآلية لتبرير تجاوزات السلطة وسردية مغالطة لتنصلها من الفشل في القيام بواجباتها الداخلية. والمدهش رغم هذه العروبة المدعاة، لا يستنكف النظام عن تمتين علاقاته مع ايران الفارسية، مستغلا التمذهب الديني هذه المرة، كاحد روافد حماية النظام الخارجية.
والحال ان معظم الشر والاحتقار والقسوة التي ميزت نظام العائلة الاسدية، هو انعكاس لاحتقار وقسوة شرور هذه العائلة. واذا كان حافظ الاسد هو الاب المؤسس لهذا النظام الباطش، فان توريث هذا النظام لابنه الاقل حنكة والاكثر غرور تسبب في فقد السيطرة علي كبح جماح القسوة والشرور، لتسيطر عليه بدل ان يسيطر عليها. لتعلن الثورة السورية عن تدشين الحقبة الاكثر دموية لواحد من اكبر سفاحي الانسانية. وذلك علي الرغم من محاولته الظهور بمظهر الحداثة الذي سينقل سوريا اليه، بعد ان تم توريثه بطريقة مستفزة لدولة تتظاهر بانها جمهورية! ويبدو ان هذا وعد كل من يدعي الحداثة ويعمل من اجل الديمقراطية والمدنية بوسائل عنف وهمجية! اي ان الطبع كما هو معلوم يغلب التطبع، ليتحول النظام علي يديه الي نسخة اكثر توحش علي مستوي تمكين ادوات السلطة وسلوكياتها واقل اكتراث وخدمة للمجتمع، بعد ان آل لاقطاعية اقتصادية احتكارية تقف علي راسها عائلة بشار.
وغالبا طول المكوث علي سدة السلطة المطلقة، يلعب الدور الاساس في التماهي ما بين الفرد (الحاكم) والسلطة والدولة. وبغياب هذه التمايزات تختل كافة المقاربات. اي يصبح للسلطة منطقها ولغتها وبالطبع المواطن والدولة. وبما ان السلطة المطلقة تحتكم علي القوة وتستند عليها فمنطقها هو الذي يسود. وبمنطق التعود كمطلب للاستقرار، تصبح هكذا وضعية مختلة من البداهة بمكان، بما يجعل المساس بها كالمساس بالمقدس، او اقلاه تقض مضجع الاستقرار كحاجة فردية واجتماعية.
وبعد قيام الثورة وتعبير معظم قطاعات الشعب السوري عن خياراتها وارادتها الحقيقية بعيدا عن خطاب السلطة وارادتها، تكشف نظام بشار عن وحشية قل نظيرها، لدرجة استخدام كافة الوسائل وبما فيها السلاح الكيماوي لقمع الثورة. والحال كذلك، في احد مراحل الثورة التي تسلحت كرد علي عنف السلطة المفرط واقترابها من دمشق، تم الاستعانة بالروس لمنع سقوط دمشق. بل اثبتت الاحداث وتمرحلات الثورة ان هذا النظام المهترئ المتعفن لم يبقَ طوال هذه الفترة إلا لتوازنات اقليمية ومصالح دولية. والدليل في اللحظة التي سُحبت من تحته الحماية، تهاوي صريعا في محاكاة لمنسأة سيدنا سليمان. ليستبين الثوريون والعالم اجمع عشية زواله، كم درجة خواء وتفاهة هكذا نظام فرض بقاءه بقوة الحديد والنار وعلاقات زبونية مع الخارج.
ونموذج بشار كغيره من الطغاة، الذين يضعون انفسهم فوق الدولة والشعب، بعد ان يدعوا انهم مجبرون علي حكمه كتنازل منهم وخدمة لهذا الشعب المحظوظ! ويساعدهم علي ذلك جوقة مناصرين منتفعين يسبحون بحمدهم ويطيعونهم ما امروهم، وبما في ذلك ما يتعارض مع اعراف الارض وقيم السماء. وعندما يهب ذات الشعب ضدهم بعد ان ضاق بهم ذرعا، يستنكرون ذلك ويشرعون في التخلص منه، بل هم علي استعداد لخسران الدولة وجوهر السلطة والاكتفاء بمظاهرها طالما بقوا في صدارة المشهد. وهذا التشبث المرضي بالسلطة، هو ما جعل خلاص الشعوب من طغاتها لا يحدث إلا بفعل الموت الطبيعي او الانقلابات العسكرية او القوي الخارجية. وغالبا هو من اسباب افشال الثورات علي ندرتها، اي بوصفها ثورة شعب محتقر علي سادته. وهذا ليس مصادفة ولكنه رد علي المرتبة (الخنوع والسمع والطاعة) التي وضع فيها الشعب مكرها.
وعموما الغرور والعنجهية والعناد واسترخاص دماء الشعب واستباحة موارد البلاد ليست حكرا علي بشار، ولكنها سمة كل الطغاة. والحال ان درجة الطغيان تتناسب مع درجة تشوه وانحراف الطاغية، التي تجمع ما بين جنون العظمة ومركبات النقص، اي استعدادات للفرعنة واحقاد مكبوتة تعمل السلطة كمتنفس لها ويدفع الثمن الشعب المنكوب.
لكل ذلك ذهاب بشار غير ماسوف عليه، بقدر ما فيه من شفاء لصدور قوم، لطالما اجرم في حقهم واهان كرامتهم وحطم دولتهم، بقدر ما يحمل من رسالة رعب لنادي الطغاة في المنطقة العربية. وهذا ما يجعل المرحلة القادمة لسوريا بقدر ما تحمل من الاحلام العراض والتطلعات الزاهية، بقدر ما تحمل من التحديات الجسام والمخاطر علي مستقبل الدولة. فمن جهة تركة الطغاة من الاستبداد والفساد وخدمة مؤسسات الدولة للنظام، وكذلك تصحيِّر الحياة السياسية ونهب وافقار الموارد الاقتصادية وهتك النسيج الاجتماعي. ومن جهة تآمر طغاة المنطقة تجاه اي محاولة لدمقرطة السلطة وتقدير الشعوب وتاسيس دولة حديثة تسبح عكس التيار او تمثل نموذج يحتذي. ومن جهة ازاحة بشار بواسطة قوي مسلحة وبعضها ذات تكوين مليشياوي ومنزع ديني يصعب ان يُوثق في تعهداته، ناهيك عن ارتباطاته الخارجية.
اما السرعة المحيرة التي سقط بها نظام الطاغية الابن بشار، فهي تشير الي ضآلة ثمنه وزهد رعاته فيه، بعد ان انتهي دوره واصبح لا يصلح لخدمة الاجندة الخارجية، اي ثمن رحيله اقل كلفة من بقاءه! والحال ان بشار شأنه شأن اي طاغية في العالم الثالث، مجرد بيدق في لعبة اكبر منه، وعندما ينتهي دوره يلفظ كاي نواة عند احترامه، اما عندما يعاند فيقذف به كمنديل متسخ في اقرب سلة، او تلتف حول عنقه المشنقة او تخترق نافوخه رصاصة سعرها اقل من دولار، تاركا كنوزا تنوء بحملها الجبال!
وهذه الرسالة من المفترض وصولها لطغاتنا المحليين (الاقل ثمن ومكانة من بشار)، لولا الغفلة والجهل واللامبالة، وحظنا العاثر الذي يضع في طريقنا علي الدوام اكثر الطغاة غباءً ووضاعة. والذين يكرسون جهدهم ويهدرون موارد البلاد وطاقات اهلها وفرص نهضتها، بل ويتلاعبون بامنها القومي ومصالحها العليا، في سبيل صراع سلطة مكلف وعبثي وغير شرعي اصلا! وهم سلفا غير مؤهلين ليس للاستيلاء علي السلطة بمهمامها الحساسة ومسؤولياتها الجسام، ولكن لاكثر المهام تواضعا واحتياجا للمواهب والكفاءة.
فمن جهة الجيش ظل علي الدوام يفرض علينا جنرالاته الجهلاء منذ الاستقلال (الذي تولي عبئه اولا وفرط فيه ثانيا المدنيون)، ليتحكمون في البلاد واهلها ويديرون السلطة علي هواهم. اما المحصلة فهي التردي المطرد في كافة المجالات وبما فيها المجال العسكري، وصولا لخسران ثلث البلاد، وتهديد بضياع الثلثين المتبقيين بعد اندلاع هذه الحرب الفاجرة. بل من يصدق بعد طغيان جنرالات الجيش (الكفوات)، ياتي الدور علي طاغية خلا ليجرب دوره فينا، وهو لا يميز بين الديمقراطية وبول الناقة والادارة الاهلية والمدنية! ومؤكد هكذا طموح مهين للبلاد وشعبها، ما كان ليتصاعد ويكتسح الحياة السياسية برمتها، لولا الدور القذر (كواجهة/خيال مآتة/طرطور/مسهل) الذي لعبه البرهان وهو يسلم الجمل بما حمل لهذا الراعي الهلفوت، ليقيم دولته الهمجية داخل الدولة الرسمية! ومن بعد ذلك يطمع في ازاحة الدولة الرسمية لصالح سيادة دولته الهمجية عبر هذه الحرب الوحشية.
واخيرا
من بعد حالة الاحباط العامة التي خيمت علي المنطقة العربية عقب فشل والاصح افشال الربيع العربي، وحالة الياس الخاصة التي يعايشها السودانيون وهم لا يملكون امر ايقاف الحرب او حسمها، رغم انها تحوِّل حاضرهم الي جحيم ومستقبلهم الي عدم. إلا ان لحظة سقوط الطاغية بشار وهروبه شكلت لحظة مفصلية وهي تفتح باب الامل المغلق علي امكانية ليس سقوط الطغاة فحسب ولكن اذلالهم وانكشاف جبنهم وتفاهتهم، وانتظار ما تبقي من عمرهم في حالة رعب خوفا من مصيرهم المظلم.
اما علي المستوي الشخصي فقد حملتني الغبطة التي عجزت عن احتواءها او تقديرها او وصفها، اي شئ ينقلك لحالة نفسية او جنونية تفوق قدرتك علي ضبط انفعالاتك، لدرجة تشعرك بالخجل من نفسك بعد تمالكها، وتحمد ربك في سرك انك لوحدك، كما عبر صديق عزيز. علي الرجوع لمقطع اغنية لود اللمين وفضل محمد من زاد الشجون (ما افتكرت الحظ يساعد عمري ويورق من جديد، من بعد فرقتنا ديك مين كان بيفتكرك تعود، كنت بحتاج ليك بشدة وانت عني بعيد، مافي عيشة بلاك بتبقي ما في نشوة وما في ريد، والهوي الجنبك عرفتو عاطفة ملتهبة وجنون، وين حنهرب منو وين). ومع الحان واداء ود اللمين وحساسيته التطربية الفريدة، تشعر وكانك تحلق في فضاءات من الدهشة والمتعة، تنفلت بك من كل قيود الزمان والمكان، وتمس تلك المكانة العصية علي الوصول او السيطرة او اعمق اعماق الذات المقتسمة مع الحبيبة الحبيب الامنية او ليلي الكل.
ومع تذكر ود اللمين وفضل الله وود مدني، بل وتراثنا الابداعي والفني ومكتسباتنا المدنية والحضارية بكافة اشكالها، التي يكيل عليها اوباش الجنجويد التراب، وينزلون علي اهلها المذلة وعلي البلاد كل اشكال الخراب. تشعر بالمرارة والحسرة والالم وتعجز عن تصديق ما جري ويجري للبلاد واهلها علي يد هذه الحثالة من البشر التي تداعت من كافة اصقاع القارة وخارجها. لتقيم دولة الدوشكات والتاتشرات والنهب والسلب، ويتصدرها قجة وبجة وكجة، وخطاب تمطر حصو وفسوة مدنقر ونصارع الدولار ...الخ من علامات ودرجات الانحطاط والتفاهة والقذارة التي بلغناها ولم يكن ليتصورها اشد المتشائمين. وعلي طريقة الفاتح جبرا رحمه الله، ناولني الحبوب ياولد، او الليمون علي طريقة احد (المطمومين). ويبدو لتجاوز هذه الفاجعة التي تضغط علي اعصابنا وتكدر مزاجنا يوميا، نحن في حاجة لسقوط طاغية كل يوم. ولا حول ولا قوة الا بالله. ودمتم في رعايته.

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: بقدر ما بعد ان

إقرأ أيضاً:

الكرملين: قرار تنحي الأسد عن السلطة هو قرار شخصي

أعلن المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، اليوم الثلاثاء، أن قرار الرئيس السوري بشار الأسد بالتنحي، هو قرار شخصي.

وقال بيسكوف للصحفيين، ردا على سؤال حول الدور الذي لعبته روسيا في قضايا استقالة الأسد من منصب رئيس الدولة السورية ووصوله إلى موسكو: "إن تنحي الأسد عن عملية القيام بواجباته كرئيس للدولة هو قراره الشخصي، الباقي دون تعليق".

وفي وقت سابق، أفادت وزارة الخارجية الروسية أن الرئيس السوري بشار الأسد، بعد مفاوضات مع عدد من المشاركين في الصراع، قرر الاستقالة من منصبه وغادر البلاد، معطيا تعليماته بانتقال السلطة سلميا.

وبدوره قال رئيس الوزراء السوري محمد غازي الجلالي، إنه وعدد من الوزراء ما زالوا في البلاد وأجروا اتصالات مع قيادة المعارضة المسلحة.

اقرأ أيضاًالكرملين: بوتين هو من اتخذ قرار منح اللجوء للأسد وعائلته.. وما حدث في سوريا فاجأ العالم

عاجل.. الكرملين يعلن منح اللجوء لـ بشار الأسد وعائلته لدواع إنسانية

الكرملين: لا حديث عن التعبئة في روسيا

مقالات مشابهة

  • سقوط بشار.. ماذا تبقى بعد قتل الدولة؟!
  • سرّ شاهين.. المسيّرة التي حسمت معركة ثوار سوريا
  • رويترز: فصائل المعارضة أبلغت تركيا مسبقا بعمليتها التي أسقطت الأسد
  • الكرملين: قرار تنحي الأسد عن السلطة هو قرار شخصي
  • تايمز: ليس من قبيل الصدفة أن الطغاة كثيرا ما كانوا أطباء
  • بعد سقوط نظام بشار الأسد.. ما مصير الأسلحة الكيميائية التي كانت بحوزته؟
  • فأل حسن أن تصل قوي الحرية والتغيير السورية الي قصر الطاغية
  • لاكروا: 10 محطات بارزة في حكم الطاغية بشار الأسد
  • سيناريو سقوط الطغاة يتكرر في سوريا