مكافحة الفساد: مسؤولية مجتمعية تبدأ من الفرد وتنتهي بالدولة
تاريخ النشر: 10th, December 2024 GMT
خميس علي الزهراني*
الفساد الإداري والمالي يمثل أحد أبرز التحديات التي تواجه المجتمعات والدول في العصر الحديث، حيث يهدد التنمية المستدامة ويضعف ثقة المواطن بمؤسسات الدولة؛ وفي هذا السياق، تبرز الحاجة إلى مسؤولين حكوميين يتحلون بالشجاعة والمبادرة لتبني دور فعّال في مكافحة الفساد، لا سيما أولئك الذين يعتبرون أنفسهم جزءاً من الحل وليس المشكلة.
هناك نماذج حية تُجسد هذه المسؤولية المجتمعية، حيث يقوم بعض المسؤولين في الدوائر الحكومية بمراقبة العمليات اليومية والإبلاغ فور ملاحظتهم أي ممارسات مشبوهة أو مخالفة للقوانين.
أخبار قد تهمك أم يونس واليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني 1 ديسمبر 2024 - 10:51 صباحًا السعودية لم تقصر .. أنتم المقصرون .. وأنتم المسؤولون ! 19 يونيو 2024 - 1:03 مساءًإن إبلاغهم عن التجاوزات لا ينبع فقط من التزامهم الأخلاقي، بل هو واجب وطني يُسهم في بناء بيئة شفافة وخالية من الفساد؛ فالمسؤول الحكومي الذي يضع مصلحة الدولة والمجتمع فوق أي اعتبار يُعدّ حجر الزاوية في تعزيز النزاهة والشفافية؛ من خلال تبني قيم الإبلاغ عن الفساد والمساهمة في كشف المخالفات حتى يصبح هؤلاء المسؤولين قدوةً لغيرهم ويبعثون برسالة قوية بأن الصمت عن الفساد لا يمكن قبوله.
لكن مع الأسف أن قلة من المسؤولين الذين يتنصلون عن مسؤولياتهم، إما بالصمت عن الممارسات الخاطئة أو بالمشاركة فيها، ما يُضعف الجهود المبذولة لمكافحة الفساد؛ لذلك لا يمكن الاعتماد فقط على الأجهزة الرقابية الرسمية؛ بل يجب أن تكون هناك شراكة مجتمعية حقيقية.
إن مكافحة الفساد ليست مسؤولية فرد أو جهة معينة، بل هي مسؤولية جماعية تبدأ من الفرد العادي، مروراً بالمسؤولين في القطاع العام والخاص، وصولاً إلى الدولة بأجهزتها المختلفة؛ فالصمت عن الفساد يعزز ثقافة الإفلات من العقاب ويُشجّع على انتشار هذه الظاهرة الخطيرة، في حين أن التبليغ عن الفساد يُسهم في تعزيز سيادة القانون وحماية المال العام.
هناك حزمة من التعزيزات ينبغي أن يتخذها المسؤولين والمجتمع كدور هام على المحافظة على سرية الرصد؛ من ضمنها توفير حماية قانونية للمبلغين عن الفساد لضمان عدم تعرضهم للانتقام، وقد لاحظنا تحركًا جادًا من نزاهة في هذا الشأن؛ إضافة للمطالبة بتعزيز الوعي المجتمعي من خلال برامج تدريبية وتوعوية تُبرز أهمية مكافحة الفساد؛ وتفعيل قنوات الإبلاغ مثل الخطوط الساخنة والتطبيقات الإلكترونية لتسهيل عملية التبليغ بسرية وفعالية؛ وصولًا إلى منطقة التشجيع حول تكريم النماذج الإيجابية لتشجيع الآخرين على الاقتداء بها.
في النهاية يعد التصدي للفساد مسؤولية تتطلب تكاتف الجميع؛ فالعمل الجاد والإبلاغ عن الممارسات الخاطئة ليس فقط واجباً وطنياً، بل هو حجر الأساس لبناء مجتمع عادل ومتقدم يضمن حقوق الأجيال الحالية والقادمة.
*كاتب سعودي
المصدر: صحيفة المناطق السعودية
كلمات دلالية: مقال مقالات مكافحة الفساد مکافحة الفساد عن الفساد
إقرأ أيضاً:
مراقبون: ما كشفه الجهاز المركزي للرقابة يؤكد أن فساد الحكومة اليمنية أصبح عملا ممنهج وليس تصرفات وأخطاء فردية
أكد اقتصاديون ومراقبون أن ما تم الكشف عنه من قضايا فساد مجرد غيض من فيض، إذ يظهر أن هذه القضايا ليست سوى بعض الأمثلة الانتقائية لفساد ممنهج ومؤسسي، والذي تديره شبكة مصالح كبيرة تمتد على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية والقبلية، وأن هذه القضية تكشف عن منظومة فساد أوسع وأعمق تتلاعب بمقدرات الدولة وتستمر في تقويض جهود الاستقرار والتنمية.
وأشاروا إلى أن قضايا الفساد في الحكومة اليمنية ليست مجرد تصرفات فردية أو أخطاء محدودة في الأفراد، بل هي نتيجة لمنظومة معقدة تعمل بتنسيق تام بين مجموعة من مراكز القوى التي تتمتع بنفوذ قوي داخل الدولة.
ولفتوا إلى أن مراكز قوى الفساد تتمثل في شخصيات سياسية، الحكومة والسلطات المحلية تمثل جزءًا من الشبكة التي تدير هذه الممارسات الفاسدة، بحيث يستخدم هؤلاء الأفراد مناصبهم لتنفيذ مشروعات وصفقات مشبوهة تستنزف موارد الدولة لصالحهم أو لصالح حلفائهم، مؤكدين أن يتساءل عن من استأثر بالمناصب في مفاصل الدولة خلال العشر السنوات الماضية وكون شبكة الفساد العميقة.
إضافة إلى قيادات تسيطر على المؤسسة العسكرية والأمنية والذين باتوا يشكلون جزءًا من المنظومة الفاسدة، حيث يتم الاستفادة من المناصب لتوجيه الموارد الحكومية لصالحهم أو لصالح جماعاتهم، وإلى جانبهم تتداخل مجموعة من رجال الأعمال والمستثمرين المرتبطين بشبكات قبلية ونفوذ محلي، يعمدون إلى الحصول على امتيازات مالية أو مشروعات حكومية بالاستناد إلى علاقاتهم بالسلطة والنفوذ.
وأكد المراقبون أن ما كشفه الجهاز المركزي للرقابة من عشرين قضية فساد يعكس جزءًا فقط من حجم الفساد المستشري في الدولة، ومن خلال ما أُعلن، يمكن الاستنتاج أن هذه القضايا تم اختيارها بشكل انتقائي في إطار حملات إعلامية أو سياسية، في حين أن هناك العديد من القضايا الأخرى التي لم يتم الكشف عنها بعد، كما أكدوا أن هناك فسادًا أكبر من حيث المبالغ والأثر الكارثي على مستقبل الشرعية لم يتم تسليط الضوء عليه بعد.
وتوقعوا أن هناك ملفات ضخمة تحتوي على قضايا فساد تتعلق بعقود مشبوهة، ونهب أموال المساعدات الإنسانية، وتلاعب في إدارة الموارد النفطية والغازية، فضلاً عن استغلال الأزمة الحالية لتأمين مصالح شخصية على حساب الشعب اليمني، لافتين إلى أن كل هذه الملفات قد تظل طي الكتمان ما لم تتوافر الإرادة السياسية الكافية والمكافحة الجادة لهذه الظاهرة.
وأشاروا إلى أنه على الرغم من وجود أجهزة رقابية مثل الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، فإن الحقيقة هي أن أدوات الرقابة والمحاسبة والمساءلة قد تم تهميشها أو تغييبها بشكل كبير، في ظل هيمنة شبكة المصالح، يتم تقليص دور المؤسسات الرقابية إلى مجرد إحصائيات تُستخدم لأغراض إعلامية أو سياسية، دون وجود إرادة حقيقية للحد من الفساد.
وأكدوا أن غياب الشفافية، وتغييب مؤسسات الرقابة، ساهم في تكريس هذه الظاهرة، ومن جانب آخر، أسهمت آلة إعلامية تمتلكها شبكة الفساد في ترويج أخبار مغلوطة والتغطية على الفساد، مما جعل الرأي العام في حالة من اللامبالاة أو التصديق بأن الأمور تحت السيطرة. وبتواطؤ بين الأجهزة الإعلامية وقطاعات فاسدة داخل الحكومة، يتم تقويض أي محاولة حقيقية لإجراء إصلاحات جادة في القطاع العام.